الإثنين، 27 رجب 1446هـ| 2025/01/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
الدولة الحقيقية هي الدولة المبدئية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الدولة الحقيقية هي الدولة المبدئية

 

 

 

الخبر:

 

قدّمت فرنسا الجمعة الماضية، عرضا للإدارة السورية الجديدة للمساعدة في عملية صياغة الدستور الجديد. فقال وزير خارجيتها جان نويل بارو، في حديثه لصحفيين في دمشق: "عرضنا على الإدارة السورية الجديدة مساعدة تقنية وقانونية في عملية صياغة الدستور الجديد"، وأضاف: "سنعمل مع السوريين وسنساعدهم في رسم مستقبلهم الجديد".

 

التعليق:

 

في عرضه على سوريا الجديدة المساعدة على وضع دستور جديد لها حرص وزير الخارجية الفرنسي على إيراد عبارة "التقنية"، لصرف الأذهان عن كون الدستور مُعَبِّرا بالدرجة الأولى عن هويّة الدولة، وبالتالي عن هويّة المجتمع الذي ترتكز إليه هذه الدولة، من حيث هي الكيان التنفيذي لثقافته ووجهة نظره في الحياة وطريقته في العيش. فهو يكرّر ضمنا الكذبة الوظيفية التي تروّجها الدوائر الغربية - ومعها فئام من المثقّفين المتغرّبين في بلادنا - والتي تزعم أنّ الدولة الناجحة هي الدولة غير العقدية. ويقصدون بذلك أنّ الدولة لا ينبغي أن تنتمي لمبدأ معيّن، أي أن لا تتبنّى وجهة نظر معيّنة في الحياة، وإنّما ينبغي أن تكون دولة مؤسّسات إدارية بحتة تقوم على الحوكمة وتطبيق القوانين ورعاية شؤون الناس، دون التفات إلى أيّ فكر من الأفكار. ويزعمون أنّ الدولة الحديثة التي نشأت في الغرب هي من هذا الصنف، فهي لا تنتمي إلى أيّ فكر من الأفكار.

 

إنّ أقلّ ما يقال في هذا الكلام أنّه محض كذب وتزوير، فما من دولة حقيقية إلّا ولها وجهة نظر في الحياة وثقافة تعبّر عنها. والمقصود بالدولة الحقيقية الدولة التي أنشأها مجتمع له طريقته في العيش، فهو مجتمع تَكَوّنَ بثقافة معيّنة، اجتمع عليها الناس وصاغوا بها حياتهم فكانوا مجتمعاً ذا هويّة خاصّة، ومن ثَمّ أنشأوا الدولة التي ترعى شؤونهم بالقوانين التي انبثقت من ثقافتهم هذه، فكانت الدولة هي الكيانَ التنفيذي لثقافة المجتمع وطريقة عيشه. والدول الغربية التي يسمّونها الدولة الحديثة لا تخرج عن هذه القاعدة مطلقا، بل هي تأكيد واضح لها. فهي كيان تنفيذي للثقافة التي تَكَوّنَ بها المجتمع الغربي منذ حوالي قرنين ونصف القرن، والتي عبّر عنها فلاسفة التنوير المنتفضون على حضارة القرون الوسطى. وهذه الثقافة تقوم على أساس عقيدة فصل الدين عن الحياة والمجتمع والدولة، أي عقيدة العلمانية، وتصوّر الحياة على أنّها المنفعة المادّية، وتصوّر السعادة على أنّها نيل أكبر قسط من المتع الجسدية. وبناء على تصوّرها هذا للحياة لخّصت وظيفة الدولة بأنّها حراسة الحرّيات العامّة. وقد اعتمدت فلسفة الديمقراطية نظاما للدولة، بناء على فصلها الدين والكنيسة عن المجتمع والدولة، فلم يبق أحد بعد ذلك صاحب حقّ في التشريع واختيار قوانين الدولة إلّا الشعب، فكان الشعب صاحب السيادة وفق هذه الفلسفة.

 

أمّا الدولة الإسلامية فأمرها مختلف كلّيا. فهي دولة الحياةِ الإسلامية، أي دولة المجتمع الإسلامي الذي ارتضى الإسلامَ وجهةَ نظر في الحياة وطريقةً للعيش، بناء على إيمانه بالله تعالى خالقا ومدبّرا، أي بناءً على شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله. فعقيدة المسلمين هذه حتّمت عليهم طريقةً في العيش رسمتها المفاهيم الإسلامية عن الحياة الدنيا وما قبلها وما بعدها، فكان لا بدّ لهذه الطريقة من العيش كي تكتمل من أن تقوم فيها دولةٌ ترعى شؤون الناس في هذا المجتمع بالقوانين المنبثقة من العقيدة نفسها التي تأسّس عليها المجتمع، فتكون هذه الدولة الكيان التنفيذي للإسلام من حيث هو مبدأ ونظام وحضارة وطريقة عيش، وهذا يعني أن تقوم الدولة على العقيدة الإسلامية، من حيث هي ركن من أركان المجتمع الذي قام هو نفسه على العقيدة الإسلامية.

 

هذا المعنى كلّه يلخّصه قوله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾.

 

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

أحمد القصص

عضو المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع