- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح216) نقض قول القائلين بجواز تأجير الأرض للزراعة (1)
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ"وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا:"نَقْضُ قَولِ القَائِلِينَ بِجَوَازِ تَأجِيرِ الأَرْضِ لِلزِّرَاعَةِ (1)". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الرَّابِعَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 135: يُـمْنَعُ تَأْجيرُ الأَرضِ لِلزِّرَاعَةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَكَانَتْ خرَاجيَّةً أَمْ عُشرِيَّةً، كَمَا تُـمْنَعُ الـمُزَارَعَةُ. أَمَّا الـمُسَاقَاةُ فَجَائِزَةٌ مُطْلَقًا.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجًا وَدُستُورًا، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَامًا لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ التَّتِمَةُ الأُولَى لِلـْمَادَّةِ الخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
يَقُولُ مَنْ يُـجيزُ إِجَارَةَ الأَرْضِ إِنَّ الأَرْضَ عَينٌ يُـمْكِنُ استِيفَاءُ الـمَنْفَعَةِ الـمُبَاحَةِ مِنهَا مَعَ بَقَائِهَا، فَجَازَتْ إِجَارَتُهَا بِالأَثـمَانِ وَنَحْوِهَا، كَالدُّورِ. وَالـحُكْمُ فِي العُرُوضِ كَالحُكْمِ فِي الأَثـمَانِ. وَنَقْضُ هَذَا القَولِ فِي مُنْتَهَى الظُّهُورِ، فَإِنَّ الأَرْضَ وَإِنْ كَانَتْ عَيْنًا يُمكِنُ استِيفَاءُ الـمَنفَعَةِ مِنهَا كَالدُّورِ، وَلَكِنَّ النَّصَّ جَاءَ صَرِيحًا فِي تَـحرِيمِ إِجَارَةِ الأَرْضِ، فَهِيَ وَإِنِ انطَبَقَ عَلَيهَا تَعرِيفُ الإِجَارَةِ، وَلَكِنَّ النَّصَّ جَاءَ فَحَرَّمَهَا، وَلِذَلِكَ كَانَتْ حَرَامًا. فَدَلِيلُ الإِجَارَةِ جَاءَ عَامًّا يَشْمَلُ كُلَّ إِجَارَةٍ، وَلَكِنْ جَاءَ دَلِيلُ تَحرِيمِ إِجَارَةِ الأَرْضِ يُخَصِّصُهُ فِي غَيرِ إِجَارَةِ الأَرْضِ، فَاستَثْنَى مِنْ ذَلِكَ إِجَارَةَ الأَرْضِ فَحَرَّمَهَا. وَلِذَلِكَ كَانَتْ حَرَامًا. وَنَظِيرُهُ قَولُهُ تَعَالَى: (كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا). (البقرة 168) فَهُوَ عَامٌّ يَشْمَلُ كُلَّ شَيءٍ، فَجَاءَ قَولُهُ تَعَالَى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ). (المائدة 3) فَخَصَّصَهُ فِي غَيرِهَا، فَاستُثْنِيَتْ مِنَ العُمُومِ هَذِهِ الأَشْيَاءُ. وَبِهَذَا يُنقَضُ دَلِيلُهُمْ عَلَى جَوَازِ إِجَارَةِ الأَرْضِ.
وَيَقُولُ مَنْ يُجِيزُ إِجَارَةَ الأَرْضِ:"إِنَّ الدَّلِيلَ عَلَى ذَلِكَ هُوَ مَا رُوِيَ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيسٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: «حَدَّثَنِي عَمَّايَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُكْرُونَ الأَرْضَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَا يَنْبُتُ عَلَى الأَرْبِعَاءِ أَوْ شَيْءٍ يَسْتَثْنِيهِ صَاحِبُ الأَرْضِ، فَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ، فَقُلْتُ لِرَافِعٍ: فَكَيْفَ هِيَ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ؟ فَقَالَ رَافِعٌ: لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ».(أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ)".
وَوَاضِحٌ مِنْ حَدِيثِ البُخَارِيِّ أَنَّ جُمْلَةَ: «لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ» هِيَ مِنْ قَولِ رَافِعٍ، وَيُؤَكِّدُ هَذَا أَيضًا رِوَايَةُ مُسْلِمٍ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيسٍ الأَنصَارِيِّ نَفْسِهِ، قَالَ: «سَأَلْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، فَقَالَ: لا بَأْسَ بِهِ، إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُؤَاجِرُونَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ،وَأَقْبَالِ الْجَدَاوِلِ وَأَشْيَاءَ مِنْ الزَّرْعِ، فَيَهْلِكُ هَذَا وَيَسْلَمُ هَذَا، وَيَسْلَمُ هَذَا وَيَهْلِكُ هَذَا، فَلَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ كِرَاءٌ إِلا هَذَا، فَلِذَلِكَ زُجِرَ عَنْهُ، فَأَمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ فَلا بَأْسَ بِهِ».والْمَاذِيَانَاتُ: هِيَ جَمْعُ مَاذِيانٍ، وَهُوَ مَا يَنْبُتُ عَلَى حَافَّةِ النَّهْرِ وَمَسَايِلِ الـمَاءِ، وَأَقْبَالُ الْجَدَاوِلِ:أَيْ أَوَائِلُ الأَنْـهَارِ الصَّغِيرَةِ.
فَكُلُّهُ مِنْ قَولِ رَافِعٍ، وَلَيسَ مِنْ قَولِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، فَهُوَ رَأْيٌ لِرَافِعٍ رُوِيَ عَنهُ فِي الحَدِيثِ، وَقَولُ رَافِعٍ لَيسَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ، وَرَأْيُهُ لَيسَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ. لَاسِيَّمَا حِينَ يَأْتِي النَّصُّ صَرِيحًا بِـخِلَافِهِ. فَرَافِعُ فَهِمَ مِنْ نَهْيِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ، وَكَانَتْ تُكْرَى بِبَعْضِ مَا يـَخْرُجُ مِنْهَا، أَنَّ كِرَاءَهَا بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ فَلَا بَأْسَ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ، أَيْ كَونَ هَذَا فَهْمًا لِرَافِعٍ، مَا فِي رِوَايَةِ البُخَارِيِّ أَنَّ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ الأَنْصَارِيِّ سَمِعَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ قَالَ: «كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُزْدَرَعًا، كُنَّا نُكْرِي الأَرْضَ بِالنَّاحِيَةِ مِنْهَا مُسَمًّى لِسَيِّدِ الأَرْضِ، قَالَ: فَمِمَّا يُصَابُ ذَلِكَ وَتَسْلَمُ الأَرْضُ، وَمِمَّا يُصَابُ الأَرْضُ وَيَسْلَمُ ذَلِكَ، فَنُهِينَا، وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ فَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ». (أَخْرَجُهُ البُخَارِيُّ)، فَرَافِعُ يَقُولُ فِي الحَدِيثِ: «وَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْوَرِقُ فَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ». وَكَذَلِكَ مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ السَّابِقَةِ «فَأَمَّا شَيْءٌ مَعْلُومٌ مَضْمُونٌ فَلا بَأْسَ بِهِ» فَكُلُّهُ فَهْمٌ لِرَافِع، وَفَهْمُهُ لَا يُعْتَبَرُ دَلِيلًا شَرْعِيًا، وَحِينَ يَأْتِي الدَّلِيلُ بِـخِلَافِهِ يٌرَدُّ.
وَيَقُولُ مَنْ يُـجيزُ إِجَارَةَ الأَرْضِ:" إِنَّ الأَدِلَّةَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي النَّهْيِ عَنْ إِجَارَتِـهَا إِنَّـمَا هِيَ عَنْ الإِجَارَةِ الَّتِي كَانَتْ حِينَئِذٍ، وَهِيَ أَنْ يَسْتَأْجِرُ الرَّجُلُ الأَرضَ بِزِرَاعَتِهِ لِصَاحِبِهَا قِسْمًا مِنهَا، بِأَنْ يَزْرَعَ الـمُسْتَأْجرُ لِصَاحِبِ الأَرْضِ قِسْمًا مِنْهَا، وَهُوَ القِسْمُ الَّذِي عَلَى الوَادِي أُجْرَةً عَلَى زِرَاعَتِهِ هُوَ لِنَفْسِهِ القِسْمَ البَاقِي مِنَ الأَرْضِ، أَوْ بِأَنْ يَسْتَأْجرَ الأَرضَ بِطَعَامٍ مُسَمَّىً، أَوْ بِـجُزْءٍ مِنْ غَلَّتِهَا، هَذِهِ هِيَ الإِجَارَةُ الَّتِي وَرَدَتِ الأَحَادِيثُ فِي النَّهْيِ عَنْهَا فَتَكُونُ هَذِهِ هِيَ الإِجَارَةُ الـمُحَرَّمَةُ لِلأَرْضِ وَمَا عَدَاهَا فَيَجُوزُ؛ وَلِـهَذَا تـَجُوزُ إِجَارَتـُهَا بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ".
وَالجَوَابُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ أَنَّ أَحَادِيثَ النَّهْيِ لَـمْ تَقْتَصِرْ عَلَى مَا كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِهِ، بَلْ جَاءَتْ عَامَّةً: قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ فَلْيُزْرِعْهَا أَخَاهُ، وَلا يُكَارِيهَا بِثُلُثٍ وَلا بِرُبُعٍ وَلا بِطَعَامٍ مُسَمًّى».(أخرَجَهُ أَبُو دَاوُد)، وَفِي الحَدِيثِ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمُخَابَرَةِ». (رَوَاهُ مُسْلِمُ مِنْ طَرِيقِ جَابِر)، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ».(أخرَجَهُ البُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ جَابِر)، وَفِي الحَدِيثِ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُؤْخَذَ لِلأَرْضِ أَجْرٌ أَوْ حَظٌّ».(أَخرَجَهُ مُسْلِمُ مِنْ طَرِيقِ جَابِر).
فَهَذِهِ الأَحَادِيثُ عَامَّةٌ فِي النَّهْيِ، حَتَّى إِنَّـهُمْ لَـمَّا سَأَلُوا الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَنْوَاعٍ مِنَ الـمُزَارَعَةِ لَـمْ يَقْتَصِرْ جَوَابُ الرَّسُولِصلى الله عليه وسلم عَلَيهَا لِيَكُونَ خَاصًّا بِـهَا، بَلْ أَضَافَ فِي الجَوَابِ حُكْمًا عَامًّا، فَفِي سُنَنِ النَّسَائِيِّ عَنْ أُسَيدٍ بْنِ ظَهِيرٍ: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِذًا نُكْرِيهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْحَبِّ، قَالَ: لا، قَالَ: وَكُنَّا نُكْرِيهَا بِالتِّبْنِ، فَقَالَ: لا، وَكُنَّا نُكْرِيهَا عَلَى الرَّبِيعِ، قَالَ: لا، ازْرَعْهَا أَوْ امْنَحْهَا أَخَاكَ»، وَرَوَى ظَهِيرُ بْنُ رَافِعٍ قَالَ: «دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ؟ قُلْتُ: نُؤَاجِرُهَا عَلَى الرُّبُعِ، أو عَلَى الأَوْسُقِ مِنْ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ، قَالَ: لا تَفْعَلُوا، ازْرَعُوهَا أَوْ أَمْسِكُوهَا».(أخرَجَهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمُ).
وَمِنَ الحَدِيثَينِ السَّابِقَينِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الرَّسُولَصلى الله عليه وسلم بَعْدَ أَنْ نَهَاهُمْ عَمَّا كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِهِ خَتَمَصلى الله عليه وسلم حَدِيثَيهِ بِنَصٍّ عَامٍّ «ازْرَعْهَا أَوْ امْنَحْهَا أَخَاكَ»، «ازْرَعُوهَا أَوْ أَمْسِكُوهَا»، وَلِذَلِكَ تَبْقَى الأَحَادِيثُ عَامَّةً، وَلَيْسَتْ مَحْصُورَةً فِي مَا كَانُوا يَتَعَامَلُونِ بِهِ، فَلَا تُخَصَّصُ بِشَيءٍ مُطْلَقًا، أَيْ لَا يُخَصِّصُهَا مَا كَانَ عَلَيهِ التَّعَامُلُ فِي إِجَارَةِ الأَرْضِ عِندَمَا حَصَلَ النَّهْيُ، بَلْ يَبْقَى النَّهْيُ عَامًّا فِي كُلِّ إِجَارَةٍ لِلأَرْضِ، تَمَامًا مِثْلُ نُصُوصِ الرِّبَا العَامَّةِ الَّتِي نَزَلَتْ، وَكَانَ النَّاسُ يَتَعَامَلُونَ بِالرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً، فَإِنَّ هَذَا التَّعَامُلَ لَا يُخَصِّصُ نُصُوصَ الرِّبَا العَامَّةِ، بَلْ تَبْقَى عَلَى عُمُومِهَا، وَيَحْرُمُ الرِّبَا كُلُّهُ، وَلَيسَ فَقَطْ مَا كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِهِ. وَهَكَذَا فَإِنَّ إِجَارَةَ الأَرْضِ حَرَامٌ بِكُلِّ شَيءٍ، بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَبِغَيرِهِمَا. وَبِهَذَا يَنْقُضُ استِدْلَالُ مَنْ يَستَدِلُّ بِتَخْصِيصِ الأَحَادِيثِ بِأَنْوَاعِ الإِجَارَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيهَا تَعَامُلُ النَّاسِ حِينَ حَصَلَ النَّهْيُ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.