- الموافق
- 3 تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟
للكاتب والمفكر ثائر سلامة - أبو مالك
(الحلقة الرابعة – الفكرة والطريقة من منظور الشرع)
للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنـا
فلسفة: الفكرة والطريقة من منظور الشرع
عَرَفت المعارفُ الإسلامية تقسيماتٍ وتفريعاتٍ كثيرةٍ لبعضِ العلومِ، وذلك لتسهيل الدراسة والفهم، نحو تقسيم الإسلام إلى عقيدةٍ وشريعةٍ، أو تقسيم زمن نزول القرآن الكريم إلى مكيٍّ ومدنيٍّ، أو تبويب أبواب الفقه لعبادات ومعاملات اجتماعية واقتصادية وأحكام سلطانية ونظام عقوبات، وكذلك تقسيم التوحيد إلى توحيد ألوهية، وتوحيد ربوبية؛ وهكذا، "فكلها كانت أحكاماً منثورة زمن الرسول ﷺ فجمعها الفقهاء ورتَّبوها وجعلوها على شكل أبواب وفصول ليسهل على المسلم فهمها ودراستها وتطبيقها".[1] وبطبيعة الحال لا تحتاج هذه التقسيمات إلى دليلٍ شرعي، فهي استنباطاتٌ وتقعيدٌ لقواعد، بقصد العلم والتعلم، كنحو ما فعل الدؤلي من تقعيد قواعد اللغة التي كانت محكية غير مدونة في كتاب جامع، ومع ذلك فهي ليست من باب الترف الفكري، بل هي ضرورة ملحةٌ لتقعيد القواعد وبحث المسائل بحثاً سليماً، وذلك لحاجة الأمة لمثل هذه التقسيمات والأبحاث، فكيف كان بالإمكان دراسة الإجتهاد لولا أبحاث ومصطلحات أصول الفقه؟ وكيف كان بالإمكان تمييز صحيح الحديث من ضعيفه لولا علم الرجال وعلم الجرح والتعديل ومصطلحات علوم الحديث؟
ومن المفاهيم الفكرية الجديدة التي قال بها حزب التحرير القول بأن الإسلام مبدأ، وأن المبدأ هو فكرةٌ وطريقةٌ، وذلك من منطلق أن البحث في تغيير واقع المسلمين، بُغية إنهاضهم[2]، وإقامة الدولة،
والبحث في أسباب انحطاط[3] الأمة وهبوطها عن المكانة اللائقة بها[4]، يتطلب التفريق بين الفكرة، والطريقة، والأسلوب، والوسيلة، حتى يفهم العاملُ على التغيير: الأسبابَ التي أوصلت للانحطاط فيما يتعلق بفهم الفكرة وتطبيق الفكرة وحمل الفكرة للعالم رسالةً، والأسبابَ التي ينبغي القيام بها لتنقية الفكرة وبلورتها وتصفيتها كي يصلح الإنهاض بها، خصوصا بعد أن اعترتها عوامل التغشية والتحريف والتشويه، ولبحث الأحكام اللازمة الملزمة له في العمل، وتلك التي يسعه أن يأخذ بها من الأساليب التي قد يتطلبها الفعل بغية تحقيق القصد من الفعل وهي في أصلها مباحة، وكي يقوم بالعمل على الوجه الذي طلب منه الشرع القيام به، فلا يحدث في الدين ما ليس منه، ولا يجعل عمل النهضة حقل تجارب، خصوصا في ظل الهجمة الشرسة على الإسلام فكرةً، ومفاهيمَ، ومعالجاتٍ، وهكذا.
وهذا المبدأ من طبيعته أنه وجد للبشرية جمعاء، فلا بد من أحكام تتعلق بنشر المبدأ، وأحكام لحماية المبدأ، وأحكام تبين طريقة تنفيذ المعالجات التي جاء بها المبدأ.
ولا بد من ملاحظة أن تقسيمات الحزب هذه جرت على ما جرت عليه تقسيمات الأصوليين لأصول الفقه ومصطلحاته، وعلماء الحديث ومصطلحاته، أي أنها درست وبحثت في الأحكام الشرعية والأفكار الإسلامية، وقسمتها هي هي إلى تلك التقسيمات، فمثلا: الصلاة فرض، فهذه أطلق عليها اسم فكرة، وهي كما ترى: إطلاق اسم فكرة على واقع شرعي منصوص عليه، وأطلق على كيفية إقامتها: أي الصلاة اسم: طريقة، وكما ترى: فإن كيفية أداء الصلاة منصوص عليه شرعا، ولا يجوز أن يدخل فيه ما لم ينص عليه الشارع من كيفيات وردت في الأدلة والأمارات، إلا أن يكون الشارع خير في مجموعة كيفيات، فيجتهد في تلك الكيفيات بحسب أصول الإجتهاد الشرعي: ﴿لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ 89 المائدة، فمتى ما تعددت الطريقة بأدلة شرعية جاز تعددها، ومتى لم يشرع الشارع طرقا متعددة لما فرضت لأجله، فلا يرد القول بتعدد الطرق، من هنا فغني عن القول أن الذي فرض الأولى فرض الثانية، والذي لم يخير في الأولى لم يخير في الثانية، فكانت الطريقة واجبة الاتباع شأنها شأن الفكرة،
فالطريقة إذن: أحكام شرعية ولذلك لا يقال ما هو الدليل على الطلب الجازم من الشارع على وجوب التقيد بالطريقة؟، فإن الدليل عليها هو الدليل الذي يدل على وجوب التقيد بالأحكام الشرعية لأن الطريقة أحكام شرعية تبين كيفية تنفيذ أوامر الله ونواهيه! ولم يُتْرَك للناس إلا تخير الأساليب التي تدور في فلك الطريقة فلا تخرج عنها.
من هنا، وبفهم هذا التأصيل، نجد من السهل الجواب على النقطة الخامسة التي طرحها الدكتور المطيري إذ قال:
" 5- ثم إن الادعاء بأن فعل النبي ﷺ - في دعوته من أجل إقامة دولته - يقتضي الوجوب، يحتاج إلى دليل ناهض[5]، إذ غايته أن يدل على الاستحباب في الاقتداء بطريقته في إقامة الدولة، ولا دليل على تحريم الطرق الأخرى." انتهى. وسنستفيض في الجواب عليها في فصل: فهل هناك طرق أخرى لقيام الدولة غير هذه الطريقة فراجعه هناك.
[1] انظر: أحمد المحمود: الدعوة إلى الإسلام، ط1، 1415هـ - 1995م، ج1، ص75، والباحث عن الخلافة سيرة الشيخ تقي الدين النبهاني للأستاذ زياد سلامة
[2] ينهَضُ الإنسانُ، أي يرتقي بما عندَهُ مِن عقيدة، أي بما عنده من فكرٍ عَنِ الحياةِ والكونِ والإنسانِ، وَعَن عَلاقَتِهَا جميعِها بما قبلَ الحياةِ الدُنيا وما بعدَها. فكانَ لا بُدَّ مِن تغييرِ فكرِ الإنسانِ الحاضرِ تغييراً أساسياً شاملاً، وإيجادِ فكرٍ آخرَ لَهُ حتّى ينهَضَ، وذلك بانبثاق المفاهيم التي تسيِّر سلوك الإنسان في الحياة عن عقيدته، فلا بد إذن من عقيدة متميزة (لا يخلط فيها المسلم بين أفكار الإسلام وأفكار الرأسمالية أو العلمانية مثلا) تشكل قاعدة فكرية لديه، وهذه القاعدة الفكرية تنشأ عن فكرة كلية عن الكون والإنسان والحياة، تشكل حلاً للعقدة الكبرى لدى الإنسان، تجيب عن تساؤلاته المصيرية، من أنا؟، من أين ولماذا جئت؟، ما علاقتي بالخالق؟ وما هو المصير؟، فيحل العقدة الكبرى بالإجابة على هذه التساؤلات، فتتشكل لديه العقيدة، وتنبثق عنها مفاهيم تضبط سلوك الإنسان في الحياة، وتنعكس هذه المفاهيم سلوكاً راقياً ينهض به، يرتفع بأن يجعل سلوكه في الحياة مازجاً ما بين حاجته إشباع غرائزه وحاجاته العضوية على أساس مفاهيمه عن الأشياء وحدها، (فلا يكتفي بسؤال نفسه: هل لحم الخنزير يشبع الجوعة فأتناوله) إلى إخضاع هذه المفاهيم عن الأشياء للمفاهيم المنبثقة عن عقيدته والتي تشكل مقياساً لهذه الأفعال، فيحرِّم حرامها ويحلُّ حلالها، (فيقول: مع أن لحم الخنزير يشبع الجوعة إلا أنه حرام فلا يأكله) فينسجم في سلوكه مع عقيدته والأحكام المنبثقة عنها، والتي لا تشكل لديه مجرد أفكار بل تنتقل لتصبح مفاهيم تضبط إيقاع سلوكه في أمره كله، فإذا غير الإنسان ما بنفسه، فبنى أساسها على اتباع منهج منبثق من العقيدة الإسلامية، وغيَّر القوم ما بأنفسهم، باتخاذهم النظام المنبثق عن العقيدة الإسلامية أساساً للأفكار التي تصوغ مجتمعهم، وتضبط علاقاته، وتشكل الأساس الذي يحتكمون إليه، غيَّر الله تعالى ما بهم، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ *الرعد11، نهضوا أي ارتقوا عن أن يكون همهم في الحياة مجرد إشباع الجوعات، إلى السير وفق قواعد منضبطة في الحياة يرتقي بها سلوكهم.
[3] والانحطاط عكس النهوض، فالإنسان إذا لم يرتق انحط، فإذا لم يسير سلوكه وفق مفاهيمه عن الحياة انحط، وأصبح المسير لسلوكه هو إشباع جوعاته من غير ضوابط، أو أضحى المسير لسلوكه مجموعة أفكار متداخلة غير منضبطة، يأخذها من خليط من العقائد والأفكار، فيرى يوما أن الخمر حرام لأنه مسلم، وفي اليوم التالي يبيعها لأنه يرى الانتفاع بثمنها ومصلحته في التجارة يأخذها من الفكر العلماني، وهكذا ينحط، ويهبط.
[4] أما الأمة الإسلامية، فالمكانة الراقية التي ينبغي لها أن تقتعدها هي مكانة خير أمة أخرجت للناس، بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر وقوامتها على الأمم بالدعوة، أي شهادتها على الناس، فإذا لم تقتعد تلك المكانة انحطت من هذه الزاوية، وأما الإنسان، فالمكانة الراقية التي عليه أن يقتعدها هي مكانة التكريم بين المخلوقات، فإن استعمل عقله وأدرك سر وجوده وخضع واستسلم لخالقه نهض وتبوأ المكانة اللائقة به، وإلا هبط وسفل وانحط حتى إنه قد يبلغ مبلغا أسفل من البهائم لعدم استعمال عقله للوصول للحق واتباعه.
[5] ثمة أربع أدلة سنناقشها في الكتاب ان شاء الله: أولها: التأسي بأفعال الرسول ﷺ واجب شرعا، لا خلاف فيه، وثانيها: مسألة المجمل والبيان والمبين من أصول الفقه، وثالثها: أن أحكام الطريقة في حد ذاتها أحكام شرعية، ثابتة بالقرآن والسنة، مثل ثبوت أنه ﷺ طلب النصرة، فهذا الفعل منه ﷺ حكم شرعي، ورابعها: مسألة البدعة التي تدل على تحريم الطرق الأخرى في حال ثبوت أن الشريعة حددت طريقة معينة للقيام بالفعل، فهذه أدلة أربعة ناهضة!
وسائط
3 تعليقات
-
بارك الله جهودكم الطيبة وجعلها في ميزان حسناتكم
-
بارك الله بكم . ونسأله تعالى أن يَمُنَّ علينا بقيام دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة .
-
بارك الله فيكم