- الموافق
- 2 تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟
للكاتب والمفكر ثائر سلامة - أبو مالك
(الحلقة العشرون - أخذ قيادة الأمة)
للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنـا
أخذ قيادة الأمة:
الفكر السياسي لا بد له من قيادة سياسية حتى يوجد، إذ وجوده في الكتب وأدمغة العلماء لا قيمة له ولا يعتبر وجوداً حقيقياً، والقيادة السياسية أو رجل الدولة: لا يتجاهل الواقع ولكنه لا يخضع له، بل يحاول استخدامه للسير بالمجتمع والدولة نحو الوضع الذي ترتسم في مخيلته تصاميمه عن إدراك وتدبر، وإن أهم ما يجب أن يتميز به القائد هو: قدرته على أن يشيع في الناس، لا سيما جماعته التي يقودها، قيماً رفيعة تستأهل التفاني والتضحية ممن يعتنقها، وإذا كانت هذه القيم حقائق خالدة كانت قيادة الجماعة التي تعتنقها طويلة النفس، بعيدة المدى، مديدة العمر على مر الزمان ما دامت تعتقد هذه القيم،
والقيادة المبدعة: هي التي يلتقي ما عندها من قدرة على الإدراك، وعلى الإبداع، بما يكمن في نفوس الناس، أي هي التي تلتقي قدرتها على إدراك الواقع بالواقع كما هو، وبالحقائق المنطبقة على هذا الواقع، والقيادة المبدعة لا تكون إلا قيادة فكرة ليعتنقها شعب أو شعوب، لأن واقع القيادة المبدعة أنها تقود الفكرة فينقاد الناس لها ثم ينقادون بها ويقودونها فتكون قيادتها في حقيقتها قيادة للفكرة، وإن كان يظهر في أعمالها وتصرفاتها أنها قيادة للأمة.
القيادة المبدعة: يجب أن تكون ملتزمة بالواقع مقيدة به تماماً، كالقيادة الإصلاحية أو الشخصية العادية.. إلا أن الفرق بينهما هو: أن القيادة المبدعة تتقيد بالواقع لتتحكم به فتغيره.. بخلاف الأخرى فإن الواقع يتحكم بها وتتغير بحسبه، فالأفكار الإسلامية إنما جاءت لتغيير الواقع والسمو به، لا التغير بحسبه والتجانس معه، ولا الغرق في مستنقعه! فهو محل التفكير لإحداث التغيير لا مصدر التفكير!.
يتحتم على القيادة المبدعة أن تكون قيادة سياسية، وأن تشتغل فعلاً بالسياسة، أي برعاية الشئون وفقا للمبدأ، ولذلك لا بد أن يدرك ما هو فن السياسة بمعناها اللغوي والشرعي وهو: رعاية شؤون الأمة،
السياسي: هو الذي يقود الدولة أو المجتمع فعلاً، أو يقوم بأعمال محسوسة من شأنها أن تؤثر في العلاقات للوصول إلى قيادة الدولة أو المجتمع، فيضرب العلاقات التي لا تقوم على أساس الإسلام الصحيح، ويبني الرأي العام على أساس الإسلام.
إن فن قيادة الشعوب فن يتصل بالحياة الصحيحة للمجتمع فيتميز بالحيوية. بمعنى أن الأفكار التي يقوم بالعمل لها أو العمل بها لا بد أن تُنَـزَّل على واقع موجود حتى يحسه الناس وهو يجري بينهم فعلاً وحينئذ يقع بصرهم عليه ويلمسونه بأصابعهم فينقادون نحوه وبذلك تكون القيادة حية.
إن قيادة الشعوب هي ذروة الأعمال السياسية ولا يصل إليها أحد إلا بقيامه بالأعمال السياسية ولا يتأتى القيام بها إلا بالأعمال السياسية، فالعمل السياسي هو الطريقة لقيادة الشعوب وهو عينه المادة التي يتكون منها قيادة الشعوب والروح التي تبعث الحياة والنشاط والسير في قيادة الشعوب[2].
إن النجاح في الاتصال الحي بإيجاد محاولة أخذ قيادة الأمة والنجاح في محاولة أخذ قيادة الأمة بأخذ قيادتها يقتضي خمسة أمور هي:
أولاً: التركيز على بعض الأفكار لإبرازها وإعطاؤها للناس محددة مبلورة، فمثلاً تبنى الحزب أفكاراً أساسية عن الحياة، وهو يعمل لتركيزها وهدم ما يناقضها على وجه يزيل الأفكار العرضية الطارئة حين يجري تركيز هذه الأفكار الأساسية. فهذه الأفكار التي تبناها مع استمراره ببثها بالدعوة لها، يتخير أهمها وأكثرها تنـزيلاً على الوقائع الجارية، ويشدد على تركيزها أكثر من غيرها. مثل فصل الدين عن الحياة بأنها عقيدة كفر، ومثل السعادة بأنها الطمأنينة الدائمة في جميع الظروف ومختلف الأوضاع، ومثل إدراك الصلة بالله بأن المسلم عبد لرب. فيجب أن يظل في جميع أحواله مدركاً هذه الصلة بوصفه العبد للرب. ومثل الحسن والقبح وما شابه ذلك، بانياً كل هذا على العقيدة الإسلامية، رابطاً إياه بإيجاد الخلافة وحمل الدعوة إلى العالم بالجهاد. ومثلاً تبنى الحزب أحكاماً في الحكم والاقتصاد والاجتماع والتعليم. فهذه الأحكام مع استمراره ببثها والدعوة لها، يتخير أهمها وأكثرها تنـزيلاً على الوقائع الجارية، ويشدد على تركيزها أكثر من غيرها مثل بيعة الخليفة، التجارة الخارجية، كون المرأة تنتخب وتنتخب، وما شابه ذلك، بانياً كل هذا على العقيدة الإسلامية، رابطاً إياه بإيجاد الخلافة وحمل الدعوة إلى العالم بالجهاد.
ثانياً: حث الناس على العمل بهذه الأفكار. وذلك أن نشر الأفكار وحده علاوة على كونه لا يؤثر في الناس، ولا يوجد نهضة، ولا حركة فكرية، فإنه لا يجعل الأمة تنقاد لمن ينشرها، فحتى ينقاد الناس للحزب لا بد أن تصدر هذه الأفكار عن قصد التأثير، فيحتم هذا القصد على حامل الدعوة تمكين من يناقشهم من لمس واقعها، ووضع الإصبع على هذا الواقع، ويتحتم عليه إلى جانب ذلك حثهم على العمل لإيجادها رأياً عاماً بين الناس، ولإيجادها فعلاً في العلاقات وفي الدولة.
ثالثاً: تحديد ما تريد قيادة الناس له. وذلك أن قيادة أي شخص وأي حزب للناس تكون إما في الجزئيات، وإما في الغاية العامة، أي تكون لتحقيق مطلب من المطالب الجزئية للأمة كفتح طريق مثلاً، أو لتحقيق المطلب الأصلي وهو تسلم الحكم. أما حزب التحرير فإنه لا يقود الأمة لتحقيق المطالب الجزئية، بل يتخذ تبني المطالب الجزئية طريقة للوصول إلى قيادة الأمة بإثارة التذمر فيها، ودفعها لطلب ما يطلبه الإسلام، ولكنه لا يقودها لتحقيق جزئيات، حتى ولا يظهر رضاه عن تحقيق الجزئيات وترك التطبيق الكامل الشامل للإسلام. وقيادته للأمة إنما تكون لطلب تطبيق الإسلام ولإقامة الخلافة الإسلامية. فلا بد من تحديد ما نريد قيادة الأمة له وهو إقامة الخلافة، وأن يكون التحديد بارزاً ولافتاً للأنظار. فصار لا بد أن تكون المحاولة لأخذ قيادة الأمة محصورة بإقامة الخلافة مع استمرار التبني للمصالح الجزئية، وملاحظة الفرق بين التبني وقيادة الأمة، وإبقاء الإدراك منصباً على دوام التحديد لما نريد قيادة الناس له بأنه إقامة الخلافة.
رابعاً: أن يهتم اهتماماً فعالاً بجعل شباب الحزب أشخاصاً أقوياء، لأن الحزب إنما يأخذ الحكم بقوته هو، وقوته نابعة من قوة شخصيته، وقوة أعضائه، ومن الرأي العام المنبثق عن الوعي العام الذي له في المجتمع ولدى الجماهير.
خامساً: أن يكون القصد من جميع عمليات الاتصال الحي إيجاد قاعدة كبرى من جمهرة الأمة وسواد الناس للحزب في المجتمع، وهو ما يسمى عند بعض الناس بالقاعدة الشعبية. وذلك أن الأمة هي السند الطبيعي للسلطة، وهي الوسيلة الفعالة لإزالة السند غير الطبيعي الذي يسند السلطة، وهي الأداة المؤثرة التي تضعف الوسائل التي تساعد على سند السلطة.[4]
إذا لم يكن أعضاء الحزب مميزين بأفكارهم وسلوكهم وتمسكهم بما قام عليه الحزب فلا يمكن للأمة أن تنقاد للحزب.
يجب أن يكون هناك تواصل مستمر بين الأمة وبين الحزب وأعضائه في قضايا تهم الأمة حتى تحس الأمة أن الحزب لا ينام ولا يكل ولا يمل، قوام على فكرها وعلى مصالحها، عامل من أجل أن يخلص الأمة مما هي فيه من ويلات ومصائب مع بيان طريقته في خلاصها. وعلى الحزب وأعضائه العمل الجاد وبكل إخلاص لله ولرسوله من بناء قاعدة شعبية للحزب من أجل تبني أفكاره ومفاهيمه والعمل بها، وعلى الحزب أن يتبنى مصالح وشؤون الأمة ومشاركتها أفراحها وأحزانها حتى يستطيع قيادتها حين يكون الحزب بحاجة للأمة في مناصرته.
[1] مقتطفات سياسية من مجموعة النشرات التكتلية. 4 شعبان 1380 هـ ــ 1961/1/21م، وكذلك: 1979/1
[2] التحريك السياسي، من مجموعة النشرات التكتلية
[3] مختصرا عن: نشرة الخطاب، كيف يسير الحزب في مرحلة التفاعل سيراً طبيعياً حتى ينتقل إلى مرحلة الحكم انتقالاً طبيعياً وحتمياً 7/شهر رجب/1381هـ ـــ 1961/12/29م
[4] من مقالة للأستاذ أسامة الثويني دردشة حول أخذ قيادة الأمة،
"ولله درّ سيدنا عمر الفاروق رضي الله عنه وأرضاه، فيما يرويه محمد بن عمر المخزومي عن أبيه: نادى عمر بن الخطاب بالصلاة جامعة، فلما اجتمع الناس، وكبروا، صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، وصلى على نبيه عليه الصلاة والسلام ثم قال: أيها الناس.. لقد رأيتني أرعى على خالات لي من بني مخزوم، فيقبضن لي قبضة من التمر أو الزبيب، فأظل يومي وأي يوم!!ثم نزل، فقال له عبد الرحمن بن عوف: يا أمير المؤمنين، ما زدت على أن قمّأت نفسك – يعني عبْتَها - فقال: ويحك يا ابن عوف!! إني خلوت فحدثتني نفسي، قال: أنت أمير المؤمنين، فمن ذا أفضل منك؟!فأردت أن أعرفها نفسها وفي رواية: إني وجدت في نفسي شيئاً، فأردت أن أطأطئ منها".
وسائط
2 تعليقات
-
بارك الله فيكم
-
بارك الله فيكم وجزاكم خيرا