- الموافق
- 2 تعليقات
بسم الله الرحمن الرحيم
هل حدد الرسول ﷺ طريقةً لإقامة الدولة الإسلامية؟
للكاتب والمفكر ثائر سلامة - أبو مالك
(الحلقة الثامنة والأربعون – هل أخفقت الحركات الإسلامية في بلوغ الغاية بين الواقع والسببية)
للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنـا
يقول الدكتور المطيري:
وقد قدم الجميع تضحيات كبرى من أجل إقامة الدولة الإسلامية، وعودة الخلافة التي يطمح إليها الجميع، إلا أن كل هذه الجماعات ومنذ أكثر من ثمانين سنة، لم تستطع أن تحقق الهدف النهائي، ولا المرحلي، في الوقت الذي استطاعت الحركة الشيوعية التي قامت في الفترة ذاتها تقريبا، أن تكتسح العالم من أقصاه إلى أقصاه، لتقيم دولا، وتسقط دولا، حتى سيطرت على نصف العالم تقريبا، في مدة خمسين سنة أو أقل!
إن عجز الحركة الإسلامية على اختلاف ألوان طيفها من تحقيق أهدافها بإقامة دولة الإسلام والخلافة، مع أن تضحياتها أضعاف أضعاف تضحيات الحركات الأخرى، حتى أنها لم تستطع أن تحقق ما حققته الثورة الإيرانية، التي أقامت دولة دينية تقوم على نظرية ولاية الفقيه التي لم يعرفها التاريخ الإسلامي، كل ذلك يؤكد بأن هناك خللا في الأداء، أو خللا في التصورات، وهو ما يوجب علينا جميعا أن نراجع أنفسنا، إذ للتغيير سنن اجتماعية وسياسية لا تحابي أحدا، ولا تتخلف أبدا ﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾.
لقد أصبح المسلمون والمصلحون وحركاتهم أسرى أوهام فكرية وثقافية حالت بينهم وبين التغيير، بينما شعوب العالم كله تتغير من حولنا، وثبت أننا وإن لم ينقصنا الإخلاص والصدق والبذل والتضحية، فقد فاتنا الأخذ بالأسباب التي هي مناط التغيير، ومن ذلك القوة بكل أشكالها مادية وسياسية واجتماعية، والقدرة على توظيفها مكانا وزمانا لتحقيق التغيير المنشود!" انتهى
التعليق: إن سنن الله تعالى لا تحابي من يعمل على غير بينة، ولا يدرك واقع الدولة ما هو، ولا واقع الحكومة ولا السلطان ما هو، ولا كيفية أخذ هذا كله من حكومات لا تحكم بالإسلام، ويتصور الأمر ولاية للأمة على نفسها وكل ما عليك فعله هو أن تقول للناس اختاروا خليفة، فإذا دولة الخلافة قد قامت! علاوة على مخالفته لطريقة الرسول ﷺ في التغيير، ورده على الرسول ﷺ أعماله على أنها غير ملزمة، نقول لهم: إن سنن الله لا تحابيهم، بل سنن الله أن يتنزل النصر على من يلتزم الغرز، ويعمل متبعا لا مبتدعا، ملتزماً، ومن بديهيات الإسلام أنه "حتى يكون العمل حسنا لا بد فيه من إخلاص القصد لله، وأن يكون موافقا للشرع، ولهذا كان أئمة السلف رحمهم الله يجمعون هذين الأصلين كقول الفضيل بن عياض في قوله تعالى ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ الملك (2) قال: أخلصه وأصوبه، فقيل: يا أبا علي: ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، وإذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة. وعن سعيد بن جبير قال: " لا يقبل قول إلا بعمل، ولا يقبل قول وعمل إلا بنية، ولا يقبل قول وعمل ونية إلا بموافقة السنة ""[1].
لا أدري هل قام د. حاكم بعملية بحث واستقراء لدراسة الحركات وأفكارها وأعمالها كما قام الشيخ تقي الدين رحمه الله في كتابي "مفاهيم حزب التحرير" و"التكتل الحزبي" أم لم يفعل؟ فالمطيري ذكر كلاما عاما ولم يتعرض لفكرة المعيقات والموانع أمام العمل! ثم قفز إلى نتائج خطيرة حول أسباب العجز لدى الحركات ومنها حزب التحرير، وحدد بأنها خلل في الأداء أو خلل في التصورات أو أوهام فكرية وثقافية مانعة للتغيير
ولكني سأحكم على ما كتبه بيديه من زاوية العلاقة السببية[2]
العجز عن الوصول إلى الاهداف -من زاوية الأداء- له عدة أسباب كما يلي:
- عدم العمل للتغيير بالأخذ بالأسباب
- عدم الجدية في العمل أو ضعف الأعمال السببية مما يؤخر النتائج
- الضعف الإداري في إنجاز الأعمال
- عدم الربط الصحيح بين الأسباب والنتائج
- عدم توافق النتائج الفعلية مع الأهداف المتوقعة
- مخالفة السنن الربانية والاجتماعية
- عدم القدرة على إزالة العقبات والمعيقات أمام العمل
- الانضباط بشروط شرعية وسياسية لا تعين على سرعة الوصول للأهداف
فهل رأى د. حاكم أيا من هذه الأسباب ينطبق على حزب التحرير؟ ربما يشير إلى السبب رقم 6 و 8 منها، ولكنها وإن أخرت الوصول لا تعتبر فشلا أو إخفاقا حتى يصح الحكم بالعجز!
أما حول وجود خلل في التصورات أو أوهام فكرية وثقافية مانعة للتغيير لدى الحركات، فهذا سببه ما يلي:
- الإقرار بأن الواقع شرعي وصحي ولا حاجة لتغييره
- ضعف الفهم الصحيح للفكرة الإسلامية
- الإيمان بأن التغيير غير ممكن ولن يأتي الا بطريق المهدي
- عدم وجود طريقة منتجة في التفكير والتخطيط لدى القيادة
- ضعف القدرة على فهم الواقع أو تشخيصه أو تحقيق مناط الأحكام
- ضعف القدرة على فهم الأدلة الشرعية والاجتهاد الشرعي اللازم للعمل
- عدم وضوح الأهداف لدى الساعي للتغيير
- طريقة العمل المرسومة غير صحيحة أو غير موصلة للهدف
- عدم الإنتباه أو عدم القدرة على استنباط سنن الله ونواميسه في التغيير والتي تلزم العمل!
فهل رأى د. حاكم أيا من هذه الأسباب ينطبق على حزب التحرير؟! ربما يشير إلى السبب رقم 5 و 8 منها، حيث أنه لا يرى أن طريقة الرسول تنطبق على الواقع ولكنه لا يتهم من يعمل عليها بأنه سيفشل بل يعتبرها اجتهادا مقبولا كغيره من الاجتهادات.
وبذلك يتضح بأن رد د. حاكم المطيري المذكور على موقعه في شبكة الإنترنت على طريقة حزب التحرير في إقامة الخلافة تأسيا بسبيل الرسول ﷺ في الدعوة إلى الله في مكة، واتهامه الحركات الإسلامية -ومنها الحزب- بالعجز عن تحقيق الأهداف بسبب وجود خلل في التصورات أو خلل في الأداء، وأنهم أسرى أوهام فكرية وثقافية حالت بينهم وبين التغيير، وأن الحل -لديه- يكمن في الأخذ بأسباب القوة بكل أشكالها المادية والسياسية والاجتماعية لتحقيق التغيير المنشود. هذه هي الخلاصة التي توصل إليها د. حاكم في رده.
وإذا أردنا أن نحاكم د. حاكم بناء على كلامه نجد أن اتهاماته قد وردت دون دليل واضح أو فهم عميق للواقع أو للشرع، وإنما أطلقت بهذا الشكل لأنها خالفت بعض المسلمات الفكرية والفقهية والواقعية لديه، وقد اتضح لنا من اعتراضاته على طريقة الحزب وأفكاره بأنه قد وقع في إشكالات فكرية وفقهية وواقعية متعددة، قد سطرناها وبيناها في هذا الكتاب ونوجز بعضا منها هنا للتذكير:
من الإشكالات الفقهية والشرعية لدى د. حاكم أنه يعتبر بلاد المسلمين اليوم بأنها دار إسلام، ثم عدم تفريقه بين إقامة الدولة وبين انتقال الحكم من خليفة لآخر، وحصره أحكام الكيفيات أو الطريقة في العبادات وغيرها من الأمور الفقهية، وكذلك وقع في إشكال في فهم طريقة الحزب حيث اعتبر بأن الحزب لا يجيز الاختلاف في طريقة إقامة الدولة، مع أن الحزب يؤكد بأن انطباق طريقة الرسول على الواقع هي مسألة اجتهادية وأنه يسوغ الاختلاف فيها ولكن بالدليل الشرعي.
أما بعض الإشكاليات الفكرية والواقعية فهي مثل أنه يتناول قضايا كبرى مثل تحرير البلاد من الاحتلال الخارجي، والوحدة بين الحكومات، وإقامة الخلافة وكأنها قضية واحدة، مع أنها قضايا منفصلة شرعا وواقعا وكل قضية لها حكم شرعي يختلف عن الأخرى وهذا خلط شديد فكراً وشرعاً، وكذلك يعتبر أن ولاية الأمة على نفسها قائمة في كل حال، وهذا غير صحيح واقعيا وفكريا إلا في حالة كان لها السلطان الذاتي واختارت هي من يحكمها بالرضى والاختيار. وهذا فيه سوء الفهم لمعنى السلطان وواقعه. وكذلك عدم التفريق بين الطريقة والأساليب والوسائل! وكذلك عدم تفريق د. حاكم بين واقع الحكومة وواقع الدولة، وعدم مراعاة سنن ونواميس التغيير فهو يتصور أنه يمكن أن يحقق التغيير في كل الدول القائمة في العالم الإسلامي دفعة واحدة، ثم سيعمل على توحيدها ثم سيعمل لإقامة الخلافة، وهذه كلها تمنيات لا علاقة لها بالواقع. ويعتبر بأن عمل الإصلاح والتغيير يخضع لسنن المغالبة والمنازعة، وهو الطريقة لتحويل الفكرة إلى مشروع سياسي، فكيف تتحول الفكرة إلى عمل بالخضوع لسنن المغالبة والمنازعة؟! فهذا كلام غير مترابط فكريا ولا ينسجم مع السببية والأخذ بالأسباب!
ومن كانت لديه بعض من هذه الإشكاليات الشرعية والفكرية والواقعية كان عليه أن يعيد النظر مليا في أفكاره ومنهجه، فلربما كان الإشكال لديه هو، وليس في جميع الآخرين، ربما بسبب سوء الفهم لما يقولوه الآخرون. قال المتنبي:
وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم
ولكن تأخذ الأفهام منه على قدر القرائح والعلوم
ولا نريد في هذا المقام أن نقسو على أخينا المحترم د. حاكم فأسلوبه الطيب والجميل في الكلام لا يدفعنا لأن نثقل عليه، ولكن رميه لنا وللآخرين بتهم معينة اضطرتنا إلى كتابة هذا الكلام، وهو يقع منا على سبيل النصح لكل مسلم، عملا بحديث رسول الله ﷺ: «الدين النصيحة»، فهي نصيحة مخلصة من القلب إلى القلب، نسأل الله أن تقع بردا وسلاما على قلبه، فتدفعه لإصلاح العمل وإعادة النظر، فلو تفكر د. حاكم عميقا فيما يقول لعاد على كل كلامه المتعلق بالأخذ بالأسباب لتحقيق التغيير المنشود لعاد عليه وعلى منهجه، لأن منهجية العمل لديه غامضة مرتجلة لا يسندها شرع ولا واقع ولا تاريخ ولا تأخذ بمقتضيات السببية ولا تراعي النواميس والسنن التي وضعها الله ﷻ في الكون والمجتمعات.
دراسة طريقة الرسولﷺ في إطار: دراسة تاريخ المجتمعات والدول لاكتشاف سننها ونواميسها
إذا اعتبر د. حاكم بأن طريقة الرسول ﷺ ليست ملزمة وليس فيها ناحية تعبدية، وليست محل اقتداء باعتبارها سبيلا للرسول ﷺ ولصحابته في حمل الدعوة في مكة لقيام الدولة الإسلامية في المدينة، فعلى من يعمل للتغيير دراسة تاريخ المجتمعات والدول لاكتشاف سننها ونواميسها فيأخذ العبرة منها ويطبقها، من باب الأخذ بالأسباب ومراعاة السنن الربانية في تغيير المجتمعات!.
إن معظم حركات التغيير في العادة تدرس تجارب الآخرين الماضية، وخصوصا تلك التي قامت للتغيير والنهضة ونجحت في ذلك، مثل التجربة الإنجليزية الحديثة في صنع المبدأ الرأسمالي، والثورة الفرنسية والأمريكية، وكذلك الثورة البلشفية في صنع المبدأ الاشتراكي، فتدرسها كنماذج للانتفاع بها من خلال استخلاص بعض العبر والسنن في التغيير! هذا إن لم يكن لديها أحكام شرعية واجبة الاتباع -كما هو الحال عند المسلمين- فإذا ما وجدت الطريقة واجبة الاتباع فلا تدرس التجارب الأخرى إلا في إطار البحث التأريخي والاستفادة من الأساليب وأخذ العبر في سنن التعامل مع الدول والمجتمعات.
وإذا طبقنا هذا الكلام على طريقة الرسول محمد ﷺ باعتبارها تجربة تاريخية ناجحة، وليس باعتبارها تعبدا وسنة وقدوة شرعية، بل لأنها تجربة تاريخية نجحت في الوصول إلى التغيير واستلام الحكم وإنهاض العرب والانتصار على الفرس والروم، باعتبارهما أعظم الدول في حينه، ثم فتح العالم في فترة قياسية. ألا يستدعي ذلك على الأقل من د. حاكم وغيره من منظري الحركات الإسلامية ومفكري الأمة، دراسة هذه التجربة وطريقة التغيير التي سار عليها ومعرفة كيفيتها، بهدف استنباط العبر والدروس منها وكذلك اكتشاف السنن والنواميس في التغيير؟ هذا مع افتراض أنها في نظرهم طريقة تغيير شبه ارتجالية أملتها الظروف والأحوال في عصره! ولكنها تبقى نموذجا ومثالا يحتذى باعتبارها تجربة ناجحة بالمقاييس التاريخية ومن زاوية السببية، فلماذا تهمل بهذا الشكل ويغض الطرف عنها؟!
ولذلك فإن تعجب فعجب عزوف أحد المسلمين المخلصين عن دراسة أعظم حركة للتغيير على مر العصور، وهي حركة رسوله ونبي الاسلام محمد ﷺ، ويغض الطرف عنها كأنها لم تكن، أو أنها تجربة ليس فيها أية عبرة تعتبر وأنها لا يمكن استنباط سنن ونواميس معينة للتغيير منها!
وعليه فلو تم النظر للأمر من هذه الزاوية فقط، كان واجبا على مسلم حركي يعمل لتغيير بعض المجتمعات الإسلامية بهدف إنهاضها، أن يأخذ بأفضل تجربة تغيير إسلامية، بل وعلى صعيد البشرية حيث أفضت إلى تغيير جذري لم تصاحبه إراقة قطرة دم، وغيَّر مفاهيم وقناعات وطريقة تفكير وطريقة عيش، وأنتج حضارة أبهرت الأمم، باعتبارها أقرب التجارب مناسبة لمجتمعاتنا! فاعتبروا يا أولي الأبصار![3].
وختاما ندعو د. حاكم المطيري في نهاية هذا الكتاب وبعد قراءة ما ورد فيه، لأن يعيد التفكير مرة أخرى فيما قال، فيصحح ما وقع فيه من سوء فهم لكلام حزب التحرير، وليدرك مكمن الخلل في ردوده، فيراجع نفسه ويعيد النظر في منهجه ليكون على بصيرة من أمره، ويلتزم الحق لأن الحق قديم ولأن الحق أحق أن يتبع، والله هو الهادي إلى سواء السبيل.
قال الله تعالى: ﴿قُلْ هَـٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّـهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّـهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.
خاتمة:
بعد هذا التطواف، أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يكون أجرى الحق على ألسنتنا، وأن يكون هدانا لما فيه الحق والرشاد، فقد بينا طريقة إقامة الدولة ودللنا على ذلك بالكتاب والسنة، وأجبنا على كل الأقوال التي قالها الدكتور المطيري في مقالته تلك مما له علاقة بالطريقة.
هذا ونؤكد في هذه الخاتمة احترامنا وتقديرنا للدكتور حاكم المطيري، وإن اختلفنا في الرأي فإن خلافنا لا يفسد للود قضية.
والحمد لله رب العالمين.
كتبه: الفقير إلى رحمة ربه سبحانه وتعالى أبو مالك ثائر أحمد سلامة
كندا في 04/ شعبان/ 1438هـ الموافق 1 أيار 2017
[1] التقرب إلى الله طريق التوفيق، فوزي سنقرط
[2] الأستاذ المفكر: يوسف الساريسي.
[3] المفكر الأستاذ: يوسف الساريسي.
وسائط
2 تعليقات
-
بارك الله فيكم
-
بارك الله فيكم و ثبت أجركم ووفقكم لما يحب ويرضى