- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الحكم في الإسلام ليس بوليسياً والتجسس على المسلمين حرام
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أحبتي الكرام، إنه بعد تراكم الأخطاء واساءات التطبيق عبر العصور، وبعد أن أقصي الإسلام عن سدة الحكم، وبعد أن تسلط الكافر المستعمر على الأمة بشكل مباشر وبشكل غير مباشر، فسدت الحياة في مجتمعات المسلمين، وفسدت الكثير من الأذواق، بل واستقرت بعض الأذواق الباطلة وصارت هي الأصل وسواها الاستثناء! وإنني في هذه العجالة أحببت أن أقف معكم مع لمحتين خاطفتين وجدت من الضروري التنبيه عليهما.
أولا: الإسـلام يحـرِّم أن يكـون الـحُـكْم بوليسياً
الحكم والسلطان في الإسلام هو رعاية شؤون الناس بأحكام الشرع، يقول عليه الصلاة والسلام «الإمام راع وهو مسؤول عن رعيته». والحكم غير القوة، فالقوة في الدولة ليست رعاية لشؤون الناس، ولا تصريفاً لأمورهم، أي هي ليست السلطان، وإن كان وجودها، وتكوينها، وتسييرها وإعدادها لا يتأتى بدون السلطان. والقوة عبارة عن كيان مادي، يتمثل في الجيش الشرطة، يُنفّذ به السلطان الأحكام، ويَقهَر به المجرمين والفسقة، ويصد به المعتدين. فالسلطان غير القوة، وإن كان لا يمكن أن يعيش إلا بها، والقوة غير السلطان، وإن كان وجودها لا يتأتّى بدونه. وكما جاء في الأثر "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن".
لذلك لا يجوز أن يصبح السلطان قوة، لأنه إن تحوَّل السلطان إلى قوة فسدت رعايته لشؤون الناس، لأن مفاهيمه ومقاييسه تصبح مفاهيم ومقاييس القهر والقمع والتسلط، وليست مفاهيم ومقاييس الرعاية لشؤون الناس، ويتحوّل إلى حكم بوليسي، ليس له إلا الإرهاب والتسلط، والكبت، والقهر، وسفك الدماء.
ثانياً: الإسـلام يحـرِّم إيـذاء المسـلمـين والتجسـس عليهم
أحبتي الكرام، لقد حرّم الإسلام على الحاكم تعذيب الناس وإيذاءهم. روى مسلم عن هشام بن حكيم قال: أشهد لسمعت رسول الله r يقول: «إن الله يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا». وقال رسول الله r: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ...»، الحديث رواه مسلم عن طريق أبي هريرة. كما أن الإسلام حرّم الاعتداء على حُرُمات المسلمين، وكراماتهم، وأموالهم، وأعراضهم، وهتك حُرمات بيوتهم. قال عليه الصلاة والسلام: «كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه»، طرف من حديث رواه مسلم من طريق أبي هريرة. وقال عليه السلام في حرمة البيوت: «مَن اطلع على قوم في بيتهم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقأوا عينه» رواه أحمد من طريق أبي هريرة.
وكذلك حرّم الإسلام التجسس على المسلمين، ومراقبتهم، وملاحقتهم، وتفحُّص أخبارهم السرية والخاصة. كما حرّم أن يكون المسلم جاسوساً على المسلمين، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا﴾، وقال r: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإِيمَانُ قَلْبَهُ لا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ يَتْبَعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتْبَعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ» رواه أحمد من طريق أبي برزة الأسلمي.
فالنصوص الشرعية تحرِّم على المسلمين أن يتجسسوا على المسلمين، كما تُحرِّم عليهم أن يتتبعوا عوراتهم. كما وردت أحاديث تُحرِّم على المسلمين العمل في أجهزة المخابرات للتجسس على المسلمين. فقد روى المِسْوَر عن النبي r أنه قال: «من أكل برجل مسلم أكلة، فإن الله يطعمه مثلها من جهنم، ومن كسا ثوباً برجل مسلم فإن الله يكسوه مثلَه في جهنم...» رواه أبو داود وأحمد. ومن نافلة القول أن حكم التجسس هذا يختلف عن حكمه في التجسس على الكفار الحربيين، الذي هو الوجوب.
ومن ذلك كله أحبتي في الله، يتبيَّـن أن الحكم في الإسلام ليس حكماً بوليسياً، ولا يجوز أن يكون كذلك، لأن الحكم البوليسي ضرر كبير بالمـسـلمين، ومناقض للأحكام الشرعية، ومخالف للقاعدة الشرعية: «لا ضرر ولا ضرار».
كما يتبيَّن حرمة إقامة جهازاً للتجسس على أفراد الرعية، مسلمين وذميين، وحرمة إيذائهم.
ونبشر أمتنا الكريمة، أن أجواء دولة الخلافة التي بشر بها النبي عليه السلام، والتي نعمل لها في حزب التحرير، ستكون مختلفة كلياً عما نراه في واقعنا النكد اليوم. ستكون الخلافة بكلمة واحدة: دولة رحمة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين