- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 52)
نوع العمل
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّانِيَةِ وَالخَمسِينَ, وَعُنوَانُهَا: "نوع العمل". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي فِي الإِسلامِ (صَفحَة 87) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
"كُلُّ عَمَلٍ حَلالٍ تَجُوزُ الإِجَارَةُ عَلَيهِ. فَتَجُوزُ الإِجَارَةُ عَلَى التِّجَارَةِ وَالزِّرَاعَةِ وَالصِّنَاعَةِ، وَعَلَى الخِدْمَةِ، وَعَلَى الوِكَالَةِ، وَعَلَى نَقْلِ جَوَابِ الخَصْمِ، طَالِبًا كَانَ أو مَطلُوبًا، وَعَلَى جَلْبِ البَيِّنَةِ، وَحَمْلِهَا إِلَى الحَاكِمِ، وَعَلَى طَلَبِ الحُقُوقِ، وَعَلَى القَضَاءِ بَينَ النَّاسِ. وَعَلَى حَفْرِ الآبَارِ وَالبِنَاءِ، وَسَوقِ السِّيَارَاتِ وَالطَّائِرَاتِ، وَعَلَى طَبْعِ الكُتُبِ وَنَسْخِ المَصَاحِفِ، وَنَقْلِ الرُّكَّابِ وَغَيرِ ذَلِكَ. وَالإِجَارَةُ عَلَى العَمَلِ إمَّا أنْ تَقَعَ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ، أو عَلَى عَمَلٍ مَوصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ.
فَإِنْ وَقَعَتِ الإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ، أو أجِيرٍ مُعَيَّنٍ، كَأنْ يَستَأجِرَ خَالِدٌ مُحَمَّدًا لِلقِيَامِ بِخِيَاطَةِ هَذَا الثَّوبِ، أو لِيَسُوقَ هَذِهِ السَّيارَةِ، وَجَبَ عَلَى نَفْسِ الأجِيرِ أنْ يَقُومَ بِالعَمَلِ، وَلا يَجُوزُ لَهُ أنْ يُقِيمَ غَيرَهُ مَقَامَهُ مُطْلَقًا، فَإِذَا مَرِضَ أو عَجِزَ عَنِ القِيَامِ بِالعَمَلِ لَمْ يَقُمْ غَيرُهُ مَقَامَهُ، لأنَّ الأجِيرَ قَدْ عُيِّنَ، وَإِذَا تَلِفَ الثَّوبُ المُعَيَّنُ، أو هَلَكَتِ السيَّارَةُ المُعَيَّنَةُ لا يَجِبُ عَلَيهِ أنْ يَقُومَ بِالعَمَلِ فِي غَيرِهِمَا، لأنَّ نَوعَ العَمَلِ قَدْ عُيِّنَ.
أمَّا إِذَا وَقَعَتِ الإِجَارَةُ عَلَى عَينٍ مَوصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ، أو أجِيرٍ مَوصُوفٍ لِعَمَلٍ مُعَيَّنٍ، أو لِعَمَلٍ مَوصُوفٍ، فَإِنَّ الحُكْمَ يَختَلِفُ حِينَئِذٍ، فَفِي هَذِهِ الحَالِ يَجُوزُ أنْ يَقُومَ الأجِيرُ بِالعَمَلِ، وَيَجُوزُ أنْ يُقِيمَ غَيرَهُ مَقَامَهُ، وِإِذَا مَرِضَ أو عَجِزَ وَجَبَ عَلَيهِ أنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُهُ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ عَلَيهِ أنْ يَسُوقَ السيَّارَةَ، أو يُخِيطُ الثَّوبَ، أيَّ سيَّارَةٍ أو أيَّ ثَوبٍ يُحْضِرُهُ لَهُ المُؤَجِّرُ، مَا دَامَ يَنطَبِقُ عَلَيهِ وَصْفُ العَمَلِ الَّذِي جَرَى عَقْدُ الإِجَارَةِ عَلَيهِ، لأنَّ التَّحْدِيدَ لَمْ يَكُنْ لِلذَّاتِ، فَلا يَكُونُ تَحدِيدًا لَهَا، بَلْ هُوَ تَحدِيدٌ لِلنَّوعِ فَيَكفِي فِيهِ أيَّةُ عَينٍ مَا دَامَتْ مِنْ جِنْسِ النَّوعِ، وَفِي هَذِهِ الحَالِ يَكُونُ تَعيِينُهُ بِالوَصْفِ لا بِالذَّاتِ جَاعِلاً الخِيَارُ لَهُ لأنْ يَأتِيَ بِأيَّةِ ذَاتٍ مِنْ نَفسِ النَّوعِ الَّذِي جَرَى عَلَيهِ العَقْدُ.
وَتَحدِيدُ نَوعِ العَمَلِ يَشمَلُ العَامِلَ الَّذِي سَيَعْمَلُ لِبَيَانِ جُهْدِهِ كَمُهَندِسٍ مَثَلاً، وَيَشمَلُ العَمَلَ الَّذِي سَيُعْمَلُ لِبَيَانِ الجُهْدِ الَّذِي يُبذَلُ فِيهِ كَحَفْرِ بِئْرٍ مَثَلاً. وَعَلَى ذَلِكَ يَكُونُ تَحدِيدُ العَمَلِ بِالوَصْفِ كَتَحدِيدِهِ بِالذَّاتِ، فَيَكفِي تَعيِينُهُ بِالوَصْفِ كَتَعيِينِهِ الذَّاتِ، وَيَكفِي أنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ غَائِبًا كَمَا لَو كَانَ حَاضِرًا مُشَاهِدًا. فَكَمَا يَجُوزُ أنْ نَستَأجِرَ فُلانًا المُهَندِسَ فَيَتَعَيَّنُ هُوَ، كَذَلِكَ يَجُوزُ أنْ نَستَأجِرَ مُهَندِسًا وَصْفُهُ كَذَا، وَكَمَا يَجُوزُ أنْ نَستَأجِرَ شَخْصًا لِخِيَاطَةِ القَمِيصِ الفُلانِيِّ، كَذَلِكَ يَجُوزُ أنْ نَستَأجِرَ شَخْصًا لِخِيَاطَةِ قَمِيصٍ وَصْفُهُ كَذَا. وَإِذا تَقَبَّلَ الرَّجُلُ لِعَمَلٍ مِنَ الأعمَالِ فَأعطَاهُ لِغَيرِهِ بِأقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَرَبِحَ البَاقِي جَازَ، سَوَاءٌ أعَانَ الثَّانِيَ بِشَيءٍ، أمْ لَمْ يُعِنْهُ؛ لأنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أنْ يُؤَجِّرَ غَيرَهُ عَلَيهِ بِمِثْلِ الأجْرِ الأوَّلِ، أو دُونَهُ أو زِيَادَةً عَلَيهِ. وَعَلَى ذَلِكَ فَمَا يَفْعَلُهُ أصْحَابُ الصِّنَاعَاتِ، كَالخَيَّاطِينَ وَالنَّجَّارِينَ وَأمثَالِهِمْ مِنَ استِئجَارِ عُمَّالٍ لِلعَمَلِ مَعَهُمْ، وَكَذَلِكَ مَا يَفعَلُهُ المُتَعَهِّدُونَ مِنَ استِئجَارِ عُمَّالٍ لِلقِيَامِ بِأعْمَالٍ تَعَهَّدُوا بِهَا جَازَ، سَوَاءٌ أعْطَوهُمُ المِقدَارَ الَّذِي أخَذُوُهُ، أو أكَثَرَ أو أقَلَّ، لأنَّ هَذَا استِئجَارٌ سَوَاءٌ أكَانَ عَلَى أعمَالٍ مُعَيَّنَةٍ، أمْ كَانَ لِمُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَهُوَ مِنْ نَوعِ الأجِيرِ الخَاصِّ الجَائِزِ شَرْعًا.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ أحبتنا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
- كُلُّ عَمَلٍ حَلالٍ تَجُوزُ الإِجَارَةُ عَلَيهِ, فَتَجُوزُ عَلَى التِّجَارَةِ وَالصِّنَاعَةِ وَالقَضَاءِ وَغَيرِ ذَلِكَ.
- الإِجَارَةُ عَلَى العَمَلِ يُمكِنُ أنْ تَقَعَ عَلَى أحَدِ أربَعَةِ أُمُورٍ:
أ- إمَّا أنْ تَقَعَ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ. كَأنْ يَستَأجِرَ أجِيرًا يُتقِنُ أعْمَالَ صِبَاغَةِ وَدِهَانِ الجُدْرَانِ.
ب- وَإمَّا أنْ تَقَعَ عَلَى أجِيرٍ مُعَيَّنٍ. كَأنْ يَستَأجِرَ أجِيرًا بِعَينِهِ, لأنَّهُ يُتقِنُ خِيَاطَةَ الثَّوبِ الرِّجَّالِي.
ت- وَإمَّا أنْ تَقَعَ عَلَى عَينٍ مَوصُوفةٍ فِي الذِّمَّةِ. كَأنْ يَستَأجِرَ سَيَّارَةَ تَاكْسِي نَوعْ مَرسِيدِسْ.
ث- وَإمَّا أنْ تَقَعَ عَلَى أجِيرٍ مَوصُوفٍ لِعَمَلٍ مُعَيَّنٍ. كَأنْ يَستَأجِرَ خَيَّاطًا يُخِيطُ القُمصَانَ.
3- إِنْ وَقَعَتِ الإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ مُعَيَّنٍ، أو أجِيرٍ مَوصُوفٍ لِعَمَلٍ مُعَيَّنٍ فَأحكَامُ الإِجَارَةِ كَالآتِي:
أ- وَجَبَ عَلَى الأجِيرِ نَفْسِهِ أنْ يَقُومَ بِالعَمَلِ.
ب- لا يَجُوزُ لِلأجِيرِ أنْ يُقِيمَ غَيرَهُ مَقَامَهُ مُطْلَقًا.
ت- إِذَا مَرِضَ أو عَجِزَ عَنِ القِيَامِ بِالعَمَلِ لَمْ يَقُمْ غَيرُهُ مَقَامَهُ، لأنَّ الأجِيرَ قَدْ عُيِّنَ.
ث- إِذَا تَلِفَ الشَّيءُ المُعَيَّنُ لِلعَمَلِ لا يَجِبُ عَلَيهِ أنْ يَقُومَ بِالعَمَلِ فِي غَيرِهِ لأنَّ نَوعَ العَمَلِ قَدْ عُيِّنَ.
4- إِذَا وَقَعَتِ الإِجَارَةُ عَلَى عَينٍ مَوصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ أو أجِيرٍ مَوصُوفٍ لِعَمَلٍ مُعَيَّنٍ فَأحكَامُها كَالآتِي:
أ- يَجُوزُ أنْ يَقُومَ الأجِيرُ بِالعَمَلِ، وَيَجُوزُ أنْ يُقِيمَ غَيرَهُ مَقَامَهُ.
ب- إِذَا مَرِضَ أو عَجِزَ وَجَبَ عَلَيهِ أنْ يُقِيمَ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُهُ.
ت- يَقُومَ الأجِيرُ بِالعَمَلِ عَلَى العَينِ الَّتِي يُحْضِرُهُا لَهُ المُؤَجِّرُ مَا دَامَ يَنطَبِقُ عَلَيهَا عَقْدُ الإِجَارَةِ.
ث- لِلمُستَأجِرِ الخِيَارُ أنْ يَأتِيَ بِأيِّ ذَاتٍ مِنْ نوعِ العَينِ المَوصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ الَّتِي جَرَى عَلَيهَا العَقْدُ.
ج- تَحدِيدُ نَوعِ العَمَلِ يَشمَلُ أمرَينِ:
5- العَامِلَ الَّذِي سَيَعْمَلُ لِبَيَانِ جُهْدِهِ كَمُهَندِسٍ مَثَلاً.
6- العَمَلَ الَّذِي سَيُعْمَلُ لِبَيَانِ الجُهْدِ الَّذِي يُبذَلُ فِيهِ كَحَفْرِ بِئْرٍ مَثَلاً.
ح- تَحدِيدُ العَمَلِ بِالوَصْفِ كَتَحدِيدِهِ بِالذَّاتِ، فَيَكفِي تَعيِينُهُ بِالوَصْفِ، وَيَكفِي أنْ يَكُونَ فِي الذِّمَّةِ غَائِبًا كَمَا لَو كَانَ حَاضِرًا مُشَاهِدًا.
خ- إِذا تَقَبَّلَ الرَّجُلُ عَمَلاً مِنَ الأعمَالِ فَأعطَاهُ لِغَيرِهِ بِأقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَرَبِحَ البَاقِي جَازَ؛ لأنَّ هَذَا استِئجَارٌ، وَهُوَ مِنٍ نَوعِ الأجِيرِ الخَاصِّ الجَائِزِ شَرْعًا.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الراشدة الثانية على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.