- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
السيادة للشرع والسلطان للأمة
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..
أما بعد أحبتي الكرام فأحييكم بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وتقبل الله منكم الصيام والقيام وسائر الطاعات.
حديثي معكم الليلة حول ملامح من نظام الحكم في الإسلام. فأقول بادئ ذي بدء، إن جوهر كل نظام سياسي هي فكرة السيادة، وبدون الغوص في التفاصيل، فإن المعنى القانوني المعاصر للسيادة هو "السلطة العليا المطلقة التي تفردت وحدها بالحق في الحكم على الأشياء والأفعال". فهي سلطة لا يعلوها ولا يشاركها أحد في حقها بتحديد المحظور والمسموح، ولا تكون مرجعية، سواها، يُرجع لها لاستنباط الأحكام.
وإذا تأملنا في هذا المعنى للسيادة، من وجهة نظر الإسلام، نجد أنها قطعاً للشرع. فليس للمسلم، حاكماً كان أو محكوماً، أن يسير وفق هواه أو أن يخضع لمخلوق، بل هو ملزم بتسيير إرادته حسب مقتضيات الشرع، قال عز وجل: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65]. فالمشرّع هو الله حصراً وقصراً ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ﴾، وليس للأمة ولا للخليفة في دولة الإسلام حق التشريع. ويظهر أن قاعدة "السيادة للشرع" جعلت نظام الحكم في الإسلام يتفرّد بتحقيق المعنى الجميل لسيادة القانون. هذا المعنى الذي أوهم أو توهّم الديمقراطيون أنهم حققوه، بينما هم في الواقع جعلوا السيادة نظرياً للأغلبية على الأقلية، وعملياً جعلوا السيادة لقلة قليلة من المتنفذين الرأسماليين. فالأغلبية هي من تضع القانون وهي من تغيره، أما الإسلام فضمن بإبعاد التشريع عن هوى الإنسان- ضمن ألا يستعبد القوي الضعيف، ولا الغني الضعيف، بل الجميع يخضع لشرع الله.
أما تنفيذ الشرع فقد خاطب الله تعالى المسلمين جميعاً بالتنفيذ، فجعل بذلك للأمّة سلطان التنفيذ لا التشريع، وبيّن الإسلام كيفيّة التنفيذ؛ ففرض أن يختار المسلمون من يرتضونه من بينهم ليحكمهم بشرع الله. فكانت قاعدة "السلطان للأمة" من قواعد نظام الحكم في الإسلام. وهي قاعدة استمدت من نصوص شرعية قاطعة حقّة تزهق باطل أنظمة حكم الفرد وحكم الفئة وحكم الحق الإلهي المزعوم. هذه القاعدة للحكم أُخذت من نصوص متضافرة دلت على أن المسلمين هم الذين يقيمون الخليفة، ويبايعونه على كتاب الله وسنة رسوله عليه السلام، ونصوص أخرى دلت على أن الخليفة إنما يأخذ السلطان بهذه البيعة. هذه القاعدة من الخطورة والأهمية بمكان؛ بحيث يصل حكم التعدي عليها إلى درجة القتل! وها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يؤكد على ذلك بقوله «إني إن شاء الله لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم» وقوله «من بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فلا يتابع هو ولا الذي بايعه تغرةً أن يقتلا» وقوله للستة «من تأمر منكم على غير مشورة من المسلمين فاضربوا عنقه».
هذا التحديد، أحبتي في الله، لمفاهيم السيادة والسلطان يشكل جداراً عازلاً يحول دون نفاذ مفاهيم الديمقراطية والملكية الوراثية؛ فالسيادة للشرع لا للأمة، والسلطان للأمة لا للفرد. ولعل في قوله تعالى ﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا﴾ زيادة بيان، حيث أن لولي الدم الحق وسلطان التنفيذ، إما قصاصاً أو ديةً أو عفواً، ولكن من أعطاه هذا الحق إبتداءً؟ هل كان ذلك من خلال أغلبية الأمة؟ أم كان ذلك آلياً من عند نفسه؟ كلا! إنشاء الحق وتحديده كان لله عز وجل، وهو قوله ﴿جَعَلْنَا﴾. وكذلك في منظومة الحكم، أنشأ الشارع أوامر ونواهي في شتى مجالات الحياة و"جعل" سبحانه وتعالى سلطان التنفيذ للأمة، تختار من بينها، بعقد البيعة عن رضا واختيار، من ينفذ عليها الأحكام الشرعية.
أحبتي في الله، إن سلطان الأمة لا يتوقف عند اختيار الحاكم فقط، بل إنه يبرز كذلك في محاسبة الحكام، التي أولاها الإسلام عناية فائقة، يقوم بها الأفراد والأحزاب ومجلس الأمة والقضاء، ليس فقط ممارسةً لحق من الحقوق إنما كذلك أداءً لواجب شرعي (فرض كفاية) يترتب عليه الثواب والعقاب.
هذه ملامح أحبتي في الله من نظام الحكم في الدولة التي نعمل على إقامتها، والتي نرجو الله أن يقر أعيننا بإقامتها هنا؛ في سوريا الشام. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين