- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي"
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
الحلقة الثلاثون: كيف يعالج الإسلام مشاكل الإنسان علاجا لا يتغير عبر الزمان والمكان – ج1
للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنا
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على محمد النبي الهادي الأمين
سنؤصل هنا لطريقة الإسلام في معالجة المشاكل التي تعترض الإنسان في الحياة علاجا جذريا وواسعا لجميع مشاكله.
وضعت الشريعة الإسلامية الحلول لمشاكل الناس باعتبارهم أناسا تدفعهم الطاقة الحيوية، المتمثلة بالغرائز والحاجات العضوية، لإشباع هذه الحاجات والغرائز، على نحو يضمن حسن الإشباع، فالإنسان إما أن يشبع الغريزة أو الحاجة العضوية إشباعا صحيحا أو خاطئا أو شاذا، وكل فرد من أفراد هذه الحاجات العضوية أو مظاهر الغريزة يمكن أن يشبع بأحد هذه الطرائق الثلاث للإشباع، لا يتعداها لغيرها، فمثلا: من مظاهرِ غريزةِ النوعِ الجنسُ، يمكن إشباع هذا المظهر إما بالزواج، أو بالزنا أو بالشذوذ، أو أن لا يشبع إطلاقا بأن يعزف المرء عنه إلى مظهر آخر من مظاهر غريزة النوع، كالانصراف عن الزوجة إلى حنان الأم، هذه هي الإمكانيات التي يمكن أن يشبع هذا المظهر لغريزة النوع من خلالها، ولا يوجد أبدا غيرها، وهنا جاءت الشريعة وبينت أن الإشباع الصحيح لا يكون إلا من خلال الزواج، والزواج علاقة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه، فيمنع زواج المحارم، ويمنع إشباع الغريزة عن طريق الشذوذ مع ذات الجنس أو مع البهائم، ويمنع الإشباع من خلال الزنا، ويفصل الإسلام أحكام هذا كله، فيضع عقوبة للزنا أكان الزاني متزوجا أم غير متزوج، ويضع العقوبات على من يقوم بالشذوذ، وبذا يكون التشريع متناولا للمشكلة من جذورها بغض النظر أتعلقت بزيد أم بعبيد، وبالتالي فكل إنسان في الدنيا يواجه دوافع تدفعه لحل مشكلة الجنس فهذه المشكلة وهذا علاجها، ومثل هذا العلاج لا يتبدل بتبدل الزمان أو المكان وهو وحده الصحيح لأنه من لدن عليم خبير، قال تعالى ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾!!
وبالمثل، فالإنسان دائما بحاجة لإشباع جوعة البطن، فجاء الإسلام وأباح كل الأشياء التي في الكون، واستثنى من هذه الإباحة أصنافا معينة فصَّلها، منها الميتة والدم ولحم الخنزير، وما إلى ذلك، فصَّل ما حرم علينا تفصيلا شاملا، ﴿وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ﴾ [الأنعام: 119]، فحيثما حل الإنسان أو ارتحل يكون الخنزير حراما عليه ويكون الخمر حراما عليه، لا يتبدل ولا يتأثر بزمان أو مكان.
هذا وقد راعى الإسلام الأحوال غير الطبيعية التي يمر بها الناس، كالمجاعات والإشراف على الهلاك، فأباح ما حرم علينا في حالة الاضطرار إن ظن الإنسان الهلاك إن لم يأكل المحرم، أما إن غلب على ظنه الهلاك وأشرف عليه ففرض عليه أن يأكل من المحرم، عملا بالقاعدة الشرعية الوسيلة إلى الحرام محرمة، وهكذا فقد سد الإسلام كل ثغرة وعالج كل وضع مصاحب للإنسان في سيره في الحياة، سواء أشارف على الهلاك تيها في الصحراء أم شارف عليه وهو في بيته أو في عصر الصحابة أم في قابل الزمان فالحكم لا يتغير.
وعلى الصعيد الاقتصادي مثلا، بينما نرى المفكرين الرأسماليين لا يفرقون بين النظام الاقتصادي وبين علم الاقتصاد، فالاقتصاد عندهم هو الذي يبحث في حاجات الإنسان ووسائل إشباعها، فيجعلون إنتاج السلع والخدمات التي هي وسائل إشباع الحاجات مع توزيع هذه السلع والخدمات على الحاجات بحثاً واحداً؛ وبالتالي ينطوي لديهم توزيع السلع والخدمات في بحث إنتاج هذه السلع والخدمات.
وبناء على ذلك ينظرون إلى الاقتصاد نظرة واحدة تشمل المادة الاقتصادية وكيفية حيازتها، دون فصل بينهما ودون تمييز أحدهما عن الآخر؛ أي ينظرون إلى علم الاقتصاد والنظام الاقتصادي نظرة واحدة دون فرق بينهما، مع أن هنالك فرقاً بين النظام الاقتصادي وعلم الاقتصاد.
فالنظام الاقتصادي هو الذي يبين توزيع الثروة وتملّكها والتصرف بها وما شاكل ذلك، وهو في بيانه هذا يسير وفق وجهة نظر معينة في الحياة.
بخلاف علم الاقتصاد، فإنه يَبحث في الإنتاج وتحسينه وإيجاد وسائله وتحسينها، وهذا عالمي عند جميع الأمم لا يختص به مبدأ دون آخر، كسائر العلوم، فالإسلام عند معالجته للاقتصاد، فصل بين النظام الاقتصادي وبين علم الاقتصاد، وبالتالي فلم يحجر على تفكير البشر في إبداعاتهم في علم الاقتصاد وطريقة تحسين الإنتاج مثلا، فاختراع خط الإنتاج مثلا من قبيل الأمريكي فورد، سرع في عملية إنتاج السيارات وسهلها كثيرا، فهذا الأمر عالمي وليس نابعا من وجهة النظر في الحياة، وبالتالي فالإسلام يأخذه كما يأخذ نظرية فيثاغوروس في الرياضيات لأنها غير نابعة من وجهة النظر في الحياة فهي ليست خاصة باليونانيين.
بخلاف النظام الاقتصادي، فالملكيات العامة مثلا، والتعامل بالربا، أو المعاملات التي يترتب عليها حقوق مالية لا بد من ضبطها بناء على وجهة النظر في الحياة أي على العقيدة الإسلامية، من هنا فالنظام الاقتصادي الإسلامي قام بوضع قواعد تناول فيها توزيع الثروة وتملكها والتصرف بها وما شاكل بنظام ثابت لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه من لدن عليم خبير.
من هنا تزول الشبهة التي تدور في أذهان بعض المسلمين من موقف الإسلام إزاء تقدم البشرية في الأرض علميا وصناعيا، فالإسلام لا يحجر العقول ولا يمنع الإبداع في مجال الأشكال المادية والصناعية والعلمية.