- الموافق
- 1 تعليق
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 98)
التصرف في الأرض, وطرق امتلاكها
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد, وحذرهم سبل الفساد, والصلاة والسلام على خير هاد, المبعوث رحمة للعباد, الذي جاهد في الله حق الجهاد, وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد, الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد, فاجعلنا اللهم معهم, واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد, يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي, ومع الحلقة الثامنة والتسعين, وعنوانها: "التصرف في الأرض وطرق امتلاكها". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة السادسة والثلاثين بعد المائة من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: "يجبر كل من ملك أرضا على استغلالها، ويعطى المحتاج من بيت المال ما يمكنه من هذا الاستغلال. ولكن إذا أهملها ثلاث سنين، تؤخذ منه، وتعطى لغيره. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين". وأخرج يحيى بن آدم من طريق عمرو بن شعيب قال: "أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أناسا من مزينة أو جهينة أرضا فعطلوها، فجاء قوم فأحيوها، فقال عمر: لو كانت قطيعة مني، أو من أبي بكر، لرددتها، ولكن من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: وقال عمر: "من عطل أرضا ثلاث سنين لم يعمرها، فجاء غيره فعمرها فهي له". والمراد أنه قد مضى عليها أكثر من ثلاث سنين، أي لو كانت من أبي بكر لما مضى عليها ثلاث سنين، أو مني لما مضى عليها ثلاث سنين كذلك، ولكن من رسول الله، فقد مضت مدة تزيد عن ثلاث سنين فلا يمكن إرجاعها. وأخرج أبو عبيد في الأموال عن بلال بن الحارث المزني: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعه العقيق أجمع، قال: فلما كان زمان عمر قال لبلال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطعك لتحجره على الناس، إنما أقطعك لتعمل، فخذ منها ما قدرت على عمارته، ورد الباقي" . وقد انعقد إجماع الصحابة على أن من عطل أرضه ثلاث سنين، تؤخذ منه، وتعطى لغيره.
والحاصل أن الأرض تملك بالتحجير، وتملك بإقطاع الخليفة، وتملك بالإحياء، وتملك بالميراث، وتملك بالشراء. والنصوص التي وردت في أخذ الأرض ممن عطلها ثلاث سنين ذكرت المحتجر، وذكرت من أقطعها له الخليفة، ولم تذكر غيرهما من مالكي الأرض، وهم الوارث والمحيي والمشتري، فهل تعطيل كل أرض يملكها مالك، مدة ثلاث سنين، يجعل الخليفة يأخذها منه، ويعطيها لغيره، أم أن ذلك خاص بالمحتجر، ومن أقطعها له الخليفة؟ والجواب على ذلك، أن الناظر في المحجر يجد أن التحجير للأرض مثل شرائها، أو إرثها، أو أي سبب من أسباب تملكها في التصرف بالأرض، ووضع اليد عليها. فإن باع المحجر الأرض التي حجرها ملك بيعها، لأنه حق مقابل بمال فتجوز المعاوضة عليه. ولو مات المحجر انتقل ملك الأرض إلى ورثته كسائر الأملاك يتصرفون بها، وتقسم عليهم حسب الفريضة الشرعية".
ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: روى الحاكم في المستدرك على الصحيحين عن الحارث بن بلال بن الحارث، عن أبيه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ في المعادن القبلية الصدقة، وأنه قطع لبلال بن الحارث العقيق أجمع, فلما كان عمر رضي الله عنه قال لبلال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقطعك لتحجره عن الناس، لم يقطعك إلا لتعمل. قال: فأقطع عمر بن الخطاب للناس العقيق". "وهذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم، ولم يخرجاه".
يفهم من هذا الحديث أن كل من ملك أرضا يجبر على استغلالها، ويعطى المحتاج من بيت المال ما يمكنه من هذا الاستغلال، ولكن إذا أهمل ذلك ثلاث سنين تؤخذ منه وتعطى لغيره، فقد انعقد إجماع الصحابة على أن من عطل أرضه ثلاث سنين تؤخذ منه وتعطى لغيره. فلمالك الأرض أن يزرع أرضه بآلته وبذره وحيوانه وعماله, وأن يستخدم لزراعتها عمالا يستأجرهم للعمل بها، وإذا لم يقدر على ذلك تعينه الدولة، وإن لم يزرعها المالك أعطاها لغيره ليزرعها منحة دون مقابل، فإن لم يفعل وأمسكها يمهل مدة ثلاث سنوات، فإن أهملها مدة ثلاث سنوات أخذتها الدولة منه وأقطعتها لغيره.
فقد حدث يونس عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر قال: "جاء بلال بن الحارث المزني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقطعه أرضا فأقطعها له طويلة عريضة، فلما ولي عمر قال له: يا بلال، إنك استقطعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضا طويلة عريضة فقطعها لك، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يمنع شيئا يسأله، وأنت لا تطيق ما في يديك، فقال: أجل، فقال: فانظر ما قويت عليها منه فأمسكه، وما لم تطق وما لم تقو عليه فادفعه إلينا نقسمه بين المسلمين، فقال: لا أفعل والله شيئا أقطعنيه رسول الله، فقال عمر: والله لتفعلن، فأخذ منه ما عجز عن عمارته فقسمه بين المسلمين". رواه يحيى بن آدم في كتاب الخراج.
فهذا صريح في أن الأرض إذا لم يطق صاحبها زرعها وأهملها ثلاث سنوات أخذتها الدولة منه وأعطتها لغيره كما فعل عمر بن الخطاب مع بلال المزني في المعادن القبلية.
وعليه فإن كل مالك للأرض إذا عطلها ثلاث سنين تؤخذ منه وتعطى لغيره مهما كان سبب ملكه للأرض، إذ العبرة بتعطيل الأرض لا بسبب ملكيتها، ولا يقال إن هذا أخذ لأموال الناس بغير حق، لأن الشرع جعل لملكية الأرض معنى غير معنى ملكية الأموال المنقولة، وغير معنى ملكية العقار، فجعل ملكيتها لزراعتها، فإذا عطلت المدة التي نص الشرع عليها ذهب معنى ملكيتها عن مالكها، وقد جعل الشرع تمليك الأرض للزراعة بالاعتمار وتمليكها بالإقطاع والميراث والشراء وغير ذلك، وجعل تجريدها من صاحبها بالإهمال، كل ذلك من أجل دوام زراعة الأرض واستغلالها.
وقبل أن نودعكم أحبتنا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
1. يجبر كل من ملك أرضا على استغلالها.
2. يعطى المحتاج من بيت المال ما يمكنه من استغلال الأرض التي يملكها.
3. إذا أهمل مالك الأرض أرضه ثلاث سنين، تؤخذ منه، وتعطى لغيره.
4. قال عمر بن الخطاب في هذا الشأن: "ليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين".
5. وقال في هذا الشأن أيضا: "من عطل أرضا ثلاث سنين لم يعمرها، فجاء غيره فعمرها فهي له".
6. انعقد إجماع الصحابة على أن من عطل أرضه ثلاث سنين، تؤخذ منه، وتعطى لغيره.
7. تملك الأرض بالتحجير، وتملك بإقطاع الخليفة، وتملك بالإحياء، وتملك بالميراث، وتملك بالشراء.
8. التحجير للأرض مثل شرائها، أو إرثها، أو أي سبب من أسباب تملكها في التصرف بالأرض، ووضع اليد عليها.
9. إن باع المحجر الأرض التي حجرها ملك بيعها، لأنه حق مقابل بمال فتجوز المعاوضة عليه.
10. لو مات المحجر انتقل ملك الأرض إلى ورثته كسائر الأملاك، وتقسم عليهم حسب الشرع.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة, وللحديث بقية, موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى, فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما, نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه, سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام, وأن يعز الإسلام بنا, وأن يكرمنا بنصره, وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة على منهاج النبوة في القريب العاجل, وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها, إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وسائط
1 تعليق
-
بارك الله جهودكم ونفع بكم أستاذنا الفاضل