- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 101)
البيـع
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد، وحذرهم سبل الفساد، والصلاة والسلام على خير هاد، المبعوث رحمة للعباد، الذي جاهد في الله حق الجهاد، وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد، الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد، فاجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد، يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي، ومع الحلقة الواحدة بعد المائة، وعنوانها: "البيع". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الرابعة والأربعين بعد المائة من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: "إن الله سبحانه وتعالى جعل المال سببا لإقامة مصالح العباد في الدنيا، وشرع طريق التجارة لاكتساب تلك المصالح. لأن ما يحتاج إليه كل أحد لا يوجد ميسورا في كل موضع، ولأن أخذه عن طريق القوة والتغالب فساد، فلا بد من أن يكون هنالك نظام يمكن كل واحد من أخذ ما يحتاج إليه عن غير طريق القوة والتغالب، فكانت التجارة، وكانت أحكام البيع. قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم).
والتجارة نوعان: حلال يسمى في الشرع بيعا، وحرام يسمى ربا، كل واحد منهما تجارة. فإن الله أخبر عن الكفرة إنكارهم الفرق بين البيع والربا عقلا، فقال عز وجل: (ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا) ثم فرق بينهما في الحل والحرمة بقوله تعالى: (وأحل الله البيع وحرم الربا). فعرفنا أن كل واحد منهما تجارة، وأن الحلال الجائز منهما شرعا هو البيع. وانعقاد هذا البيع يكون بلفظين، أحدهما يدل على الإيجاب، والآخر يدل على القبول، وهما بعت واشتريت، وما في معناهما قولا وعملا.
ويجوز أن يتولى صاحب السلعة البيع، وأن ينيب عنه وكيلا، أو رسولا ليقوم بالبيع عنه، ويجوز أن يستأجر أجيرا ليقوم بالبيع عنه، على أن يكون أجره معلوما، فإن استأجره على جزء من الربح كان شريكا مضاربا، وانطبق عليه حكم المضارب، لا حكم الأجير. وكذلك يجوز أن يشتري المال بنفسه، أو بواسطة وكيله، أو رسوله، أو أن يستأجر من يشتري له بنفسه.
والحاصل أن التجارة جائزة. وهي نوع من أنواع تنمية الملك، وواضحة في أحكام البيع والشركة. وقد وردت التجارة في القرآن والحديث، قال تعالى: (إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها). وروى رفاعة: «أنه خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المصلى، فرأى الناس يتبايعون فقال: يا معشر التجار، فرفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه إجابة له فقال: إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبر وصدق». وروى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء» أخرجهما الترمذي.
والتجارة نوعان التجارة الداخلية، والتجارة الخارجية. أما التجارة الداخلية فهي البيع والشراء الجاري بين الناس في السلع الموجودة لديهم، سواء أكانت من منتوجاتهم، زراعية كانت أم صناعية، أم من منتوجات غيرهم، ولكنها أصبحت في بلادهم يتبادلونها. والتجارة الداخلية لا شيء فيها، ولا قيود عليها، إلا ما ورد من الأحكام المتعلقة بالبيع. أما السلع، ونوع السلع، ونقلها داخل البلاد من بلد إلى بلد، فهو متروك لكل إنسان أن يتاجر ضمن أحكام الشرع وليس للدولة على التجارة الداخلية إلا حق الإشراف فقط.
أما التجارة الخارجية فهي شراء السلع من خارج البلاد وبيع سلع البلاد إلى خارجها، سواء أكانت هذه السلع زراعية أم صناعية. وهذه التجارة تخضع لإشراف الدولة المباشر، فهي التي تتولى الإشراف المباشر على إدخال السلع وإخراجها، وعلى التجار الحربيين والمعاهدين".
وقبل أن نودعكم أحبتنا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
1. حكمة مشروعية التجارة:
1) جعل الله تعالى المال سببا لإقامة مصالح العباد في الدنيا.
2) شرع الله تعالى طريق التجارة لاكتساب المصالح.
3) حاجة الناس إلى نظام يمكن كل أحد من أخذ ما يحتاج إليه تبرز من خلال ناحيتين:
الأولى: أن ما يحتاج إليه كل أحد لا يوجد ميسورا في كل موضع.
الثانية: أن أخذ ما يحتاج إليه كل أحد عن طريق القوة والتغالب فساد.
2. حكم مشروعية التجارة: التجارة نوعان اثنان:
1) حلال جائز: يسمى في الشرع بيعا. دليله قوله تعالى: (وأحل الله البيع).
2) حرام محظور: يسمى في الشرع ربا. دليله قوله تعالى: (وحرم الربا).
3. انعقاد البيع:
يكون انعقاد البيع بلفظين اثنين:
1) أحدهما يدل على الإيجاب، يقول البائع: بعت، وما في معناها قولا وعملا.
2) والآخر يدل على القبول، يقول المشتري: اشتريت، وما في معناها قولا وعملا.
4. ما يجوز لصاحب السلعة:
1) أن يتولى البيع بنفسه.
2) أن ينيب عنه وكيلا، أو رسولا ليقوم بالبيع عنه.
3) أن يستأجر أجيرا ليقوم بالبيع عنه، على أن يكون أجره معلوما.
4) أن يشتري المال بنفسه، أو بواسطة وكيله، أو رسوله، أو أن يستأجر من يشتري له بنفسه.
5. التجارة نوعان:
1) التجارة الداخلية: هي البيع والشراء الجاري بين الناس في السلع الموجودة لديهم، سواء أكانت من منتوجاتهم، زراعية كانت أم صناعية، أم من منتوجات غيرهم، ولكنها أصبحت في بلادهم يتبادلونها.
2) التجارة الخارجية: هي شراء السلع من خارج البلاد وبيع سلع البلاد إلى خارجها، سواء أكانت هذه السلع زراعية أم صناعية.
6. من الأحكام الشرعية المتعلقة بالتجارة الداخلية:
1) التجارة الداخلية لا شيء فيها، ولا قيود عليها، إلا ما ورد من الأحكام المتعلقة بالبيع.
2) نوع السلع ونقلها داخل البلاد متروك لكل إنسان أن يتاجر ضمن أحكام الشرع.
3) ليس للدولة على التجارة الداخلية إلا حق الإشراف فقط.
7. من الأحكام الشرعية المتعلقة بالتجارة الخارجية:
1) تخضع التجارة الخارجية لإشراف الدولة المباشر.
2) تتولى الدولة الإشراف المباشر على إدخال السلع وإخراجها.
3) تتولى الدولة الإشراف على التجار الحربيين والمعاهدين.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام، وأن يعز الإسلام بنا، وأن يكرمنا بنصره، وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل، وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها، إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.