- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 106)
شركة المضاربة
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد، وحذرهم سبل الفساد، والصلاة والسلام على خير هاد، المبعوث رحمة للعباد، الذي جاهد في الله حق الجهاد، وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد، الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد، فاجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد، يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي، ومع الحلقة السادسة بعد المائة، وعنوانها: "شركة المضاربة". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الرابعة والخمسين بعد المائة من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: "شركة المضاربة، وتسمى قراضا، وهي أن يشترك بدن ومال. ومعناها أن يدفع رجل ماله إلى آخر يتجر له فيه، على أن ما يحصل من الربح يوزع بينهما حسب ما يشترطانه. إلا أن الخسارة في المضاربة لا تخضع لاتفاق الشريكين، بل لما ورد في الشرع. والخسارة في المضاربة تكون شرعا على المال خاصة، ليس على المضارب منها شيء، حتى لو اتفق رب المال والمضارب على أن الربح بينهما، والخسارة عليهما، كان الربح بينهما، والخسارة على المال، وذلك لأن الشركة وكالة، وحكم الوكيل أنه لا يضمن، وأن الخسارة تقع على الموكل فقط، وروى عبد الرزاق في الجامع عن علي رضي الله عنه قال: «الوضيعة على المال، والربح على ما اصطلحوا عليه». فالبدن لا يخسر مالا، وإنما يخسر ما بذله من جهد فقط، فتبقى الخسارة على المال.
ولا تصح المضاربة حتى يسلم المال إلى العامل، ويخلى بينه وبينه؛ لأن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى المضارب. ويجب في المضاربة تقدير نصيب العامل، وأن يكون المال الذي تجري المضاربة عليه قدرا معلوما.
ولا يصح أن يعمل رب المال مع المضارب، ولو شرط عليه لم يصح، لأنه لا يملك التصرف بالمال الذي صار للشركة، ولا يملك رب المال التصرف بالشركة مطلقا، بل المضارب هو الذي يتصرف، وهو الذي يعمل، وهو صاحب اليد على المال. وذلك لأن عقد الشركة حصل على بدن المضارب، ومال رب المال، ولم يقع العقد على بدن رب المال، فصار كالأجنبي عن الشركة، لا يملك أن يتصرف فيها بشيء. إلا أن المضارب مقيد بما أذن له رب المال من تصرف، ولا يجوز له أن يخالفه، لأنه متصرف بالإذن، فإذا أذن له أن يتاجر بالصوف فقط، أو منعه من أن يشحن البضاعة في البحر فإن له ذلك، لكن ليس معنى هذا أن يتصرف رب المال بالشركة، بل معناه أن المضارب مقيد في حدود ما أذن له رب المال، ولكن مع ذلك، فالتصرف في الشركة محصور بالعامل فقط، وليس لرب المال أية صلاحية في التصرف.
ومن المضاربة أن يشترك مالان وبدن أحدهما. فلو كان بين رجلين ثلاثة آلاف، لأحدهما ألف، وللآخر ألفان. فأذن صاحب الألفين لصاحب الألف أن يتصرف فيهما على أن يكون الربح بينهما نصفين، صحت الشركة، ويكون العامل هو صاحب الألف مضاربا عند صاحب الألفين وشريكا له. وكذلك من المضاربة أن يشترك مالان وبدن غيرهما، فإنها كلها تدخل في باب المضاربة. والمضاربة جائزة شرعا لما روي: «أن العباس بن عبد المطلب كان يدفع مال المضاربة، ويشترط على المضارب شروطا معينة، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فاستحسنه».
وانعقد إجماع الصحابة على جواز المضاربة. فقد روى ابن أبي شيبة عن عبد الله بن حميد عن أبيه عن جده: «أن عمر بن الخطاب دفع إليه مال يتيم مضاربة، فطلب فيه فأصاب، فقاسمه الفضل». وذكر ابن قدامة في المغني عن مالك بن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده: «أن عثمان قارضه». وذكر أيضا عن ابن مسعود وحكيم بن حزام: «أنهما قارضا». وقد كان ذلك على مرأى من الصحابة، ولم يرو مخالف له، ولم ينكر أحد ذلك فكان ذلك إجماعا منهم على المضاربة".
وقبل أن نودعكم أحبتنا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
1. تعريف شركة المضاربة: شركة المضاربة، وتسمى قراضا، وهي أن يشترك بدن ومال.
2. معنى شركة المضاربة: أن يدفع رجل ماله إلى آخر يتجر له فيه، على أن ما يحصل من الربح يوزع بينهما حسب ما يشترطانه.
3. الشركة وكالة، وحكم الوكيل أنه لا يضمن، وأن الخسارة تقع على الموكل فقط.
2) الخسارة في المضاربة لا تخضع لاتفاق الشريكين، بل لما ورد في الشرع.
3) الخسارة في المضاربة تكون شرعا على المال خاصة، ليس على المضارب منها شيء.
4) البدن لا يخسر مالا، وإنما يخسر ما بذله من جهد فقط، فتبقى الخسارة على المال.
5) لو اتفق رب المال والمضارب على أن الربح بينهما والخسارة عليهما كان الربح بينهما والخسارة على المال.
4. بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالمضاربة:
1) لا تصح المضاربة حتى يسلم المال إلى العامل؛ لأن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى المضارب.
2) يجب في المضاربة تقدير نصيب العامل، وأن يكون مال المضاربة قدرا معلوما.
3) لا يصح أن يعمل رب المال مع المضارب، ولو شرط عليه لم يصح.
4) لا يملك رب المال التصرف بالمال الذي صار للشركة، ولا يملك التصرف بالشركة مطلقا.
5) المضارب هو الذي يتصرف بالشركة، وهو الذي يعمل فيها، وهو صاحب اليد على المال.
6) عقد الشركة حصل على بدن المضارب، ومال رب المال، ولم يقع العقد على بدن رب المال، فصار كالأجنبي عن الشركة، لا يملك أن يتصرف فيها بشيء.
7) المضارب مقيد بما أذن له رب المال من تصرف، ولا يجوز له أن يخالفه، لأنه متصرف بالإذن.
8) التصرف في الشركة محصور بالمضارب فقط، وليس لرب المال أية صلاحية في التصرف.
5. نوعا شركة المضاربة:
1) من المضاربة أن يشترك مالان وبدن أحدهما. فلو كان بين رجلين ثلاثة آلاف، لأحدهما ألف، وللآخر ألفان. فأذن صاحب الألفين لصاحب الألف أن يتصرف فيهما على أن يكون الربح بينهما نصفين، صحت الشركة، ويكون العامل هو صاحب الألف مضاربا عند صاحب الألفين وشريكا له.
2) من المضاربة أن يشترك مالان وبدن غيرهما، فإنها كلها تدخل في باب المضاربة.
6. حكم مشروعية شركة المضاربة:
1) المضاربة جائزة شرعا لما روي أن العباس بن عبد المطلب كان يدفع مال المضاربة، ويشترط على المضارب شروطا معينة فاستحسنه النبي صلى الله عليه وسلم.
2) انعقد إجماع الصحابة على جواز المضاربة لما روي أن عمر بن الخطاب دفع مال يتيم مضاربة، وذكر ابن قدامة في المغني عن مالك بن العلاء أن عثمان قارضه، وذكر أيضا عن ابن مسعود وحكيم بن حزام أنهما قارضا، وقد كان ذلك على مرأى من الصحابة، ولم يرو مخالف له، ولم ينكر أحد ذلك فكان ذلك إجماعا منهم على المضاربة.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام، وأن يعز الإسلام بنا، وأن يكرمنا بنصره، وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل، وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها، إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.