الجمعة، 24 ربيع الأول 1446هـ| 2024/09/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
تأملات قرآنية (8) الثبات على الحق زمن الفتن

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

تأملات قرآنية (8)

الثبات على الحق زمن الفتن

 


إخواننا الكرام, أخواتنا الكريمات:


أيها المؤمنون والمؤمنات: الصائمون والصائمات:


مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير:


نحييكم بأطيب تحية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله القائل في محكم كتابه وهو أصدق القائلين: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) والصلاة والسلام على رسول الله القائل: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين". ثم أما بعد: فتعالوا معنا أحبتنا الكرام, وهلم بنا نحن وإياكم نتجه إلى مائدة القرآن الكريم نتأمل ونتدبر آياته جل وعلا عسى أن ينفعنا ويرفعنا بما فيه من الذكر الحكيم إلى أعلى الدرجات في جنات النعيم, إنه ولي ذلك والقادر عليه. ومع الآية الثامنة من سورة آل عمران. يقول الله تعالى: (رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ). آل عمران ٨ قال نخبة من المفسرين: هؤلاء الراسخون يقولون: ربنا لا تمل قلوبنا عن الحق بعد إذ هديتنا إليه, وسلمنا مما أصاب المنحرفين المائلين عن الحق, وهب لنا رحمة واسعة من عندك تهدي بها قلوبنا, وتعصمنا بها من الضلال, إنك يا ربنا الوهاب كثير العطاء. روى الدارمي في سننه: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الرِّفَاعِيُّ, حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ الْجُعْفِيُّ, عَنْ حَمْزَةَ الزَّيَّاتِ، عَنْ أَبِي الْمُخْتَارِ الطَّائِيِّ، عَنْ ابْنِ أَخِي الْحَارِثِ، عَنْ الْحَارِثِ، قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَإِذَا أُنَاسٌ يَخُوضُونَ فِي أَحَادِيثَ، فَدَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ كرم الله وجهه، فَقُلْتُ: أَلَا تَرَى أَنَّ أُنَاسًا يَخُوضُونَ فِي الْأَحَادِيثِ فِي الْمَسْجِدِ؟ فَقَالَ: قَدْ فَعَلُوهَا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: "سَتَكُونُ فِتَنٌ"، قُلْتُ: وَمَا الْمَخْرَجُ أو الْمُخْرِجُ مِنْهَا؟ قَالَ: كِتَابُ اللَّهِ، كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ، قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ، أَضَلَّهُ اللَّهُ، فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا: (إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًا عَجَبًا). (سورة الجن آية 1)، هُوَ الَّذِي مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ".


معاشر المؤمنين والمؤمنات: إن من زكاة النفس ومن صفاء القلب وانشراح الصدر الاستقامة والثبات في زمن الفتن والمتغيرات، فالمسلم الحق بحاجة إلى أن يستمسك بمبادئ الإسلام وثوابته ومنهجه، وبتعاليم الشريعة الإسلامية، فإن أهم ما يحتاجه المسلمون الاستقامة والثبات في زمن الفتن والمتغيرات، وفي عصر انتشار الشبهات التي شككت كثيرًا من الناس في منهجهم, وحالت دون استمساكهم بمبادئهم الإسلامية, فالاستقامة عباد الله أعظم ما ينشده المسلمون، وأعظم ما يعتز به المؤمنون، أن يكونوا مستقيمين ثابتين على ما جاءهم به الشرع المطهر من الأخلاق الكريمة, والسلوك القويم في العبادات والمعاملات، لأنهم استمسكوا بالمعتقد الصحيح السليم الذي عاشوا به سعداء، فالله جل وعلا يقول في كتابه الكريم: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ).


وروى مسلم في صحيحه من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا". وقد أثنى الله سبحانه على الثبات حتى في الجمادات فقال: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ).


معاشر المؤمنين والمؤمنات: إن الثبات مطلب شرعي يتحتم على المرء في كل حين خصوصًا مع تغير الزمن وقلة المعين على الطاعة، ولهذا يعظم أجر المسلم على ذلك، أخرج الترمذي من حديث عن أنس قال صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر". ونحن يا عباد الله في زمن الانفتاح والمتغيرات فلقد كثرت المعاصي, وقستِ القلوبُ, وأُضيعتِ الحقوقُ, وفشا العقوقُ, وظهرت الفتن وتعاظمتْ, وتنوعت, وتفاقمت. لقد تعددتِ المغْرياتُ, وعُرِضت الشُّبهاتُ، وتزايدتِ الشهواتُ, وأُضِيعتِ الصّلواتُ، وظهرتِ المعازفُ والمغنيِّاتُ، هوىً مُتبَّعٌ، وشُحٌ مُطَاعٌ حتى أصبح الكثير من المسلمين وخاصة الشباب من الجنسين يعيشون اليوم في مفترق طرق, وتحت تأثير صدمة حضارية عنيفة، لا شك أنها ستسبب لهم كثير من المشكلات النفسية والتربوية والصحية والأخلاقية. وقد بدأت آثارها على بعضهم الآن فماذا بعد أعوام والفتن تعصف بالقلوب عصفًا, والقلب متقلب كما اسمه, روى أبو موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّما سُمِّيَ القلبَ من تَقَلُّبِه، إِنَّما مَثلُ القلبِ مَثَلُ رِيشَةٍ بالفلاةِ، تَعَلَّقَتْ في أصْلِ شجرةٍ، يُقَلِّبُها الرّيحُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ".


معاشر المؤمنين والمؤمنات: إنه لا نجاة لهذا القلب في هذا الزمان الذي تطارده فيه فتن الشبهات والشهوات في كل مكان لا نجاة لهذا القلب إلا بالثبات على دين الله تعالى فالثبات مهما كانت المتغيرات هي طريقة النبي عليه الصلاة والسلام، ومنهج الأنبياء من قبله، عليهم الصلاة والسلام الاستمساك بالعقيدة الراسخة، فالمتأمل في دعوة النبي عليه الصلاة والسلام في شتى مناحي الحياة يجدها قائمة على هذا المنهج القويم، منهج الاستقامة والثبات. قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الحَيَاةِ وَضِعْفَ المَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا). فأقبلوا يا عباد الله إلى الثبات مهما كانت المتغيرات والتقلبات، ألا وإن الدعوة إلى الثبات هي منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد جاء سفيان بن عبد الله رضي الله عنه فقال يا رسول الله: "قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك؟ فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: قل آمنت بالله ثم استقم". واعلموا عباد الله أنَّ من أخطر أسبابِ زوالِ الدين التعرُّضُ للفتن، ومن استشرف الفتن زلَّت به القدم، والحي لا يؤمن عليه من الفتنة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم محذرا أمتهُ: "تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ ولا يُنجِي من ذلك إلا رحمةُ الله تعالى، ثم الأعمالُ الصالحة".


معاشر المؤمنين والمؤمنات: لقد استنبط أهل العلم من كتاب الله, ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ما يعين العبد على الثباتِ على دين الله عز وجل، من ذلك تلاوةُ كتابِ الله عز وجل، والإكثارُ من ذكره، قال تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ). وكثرةُ الدعاءِ، وصفاءُ العقيدةِ من أعظمِ أسبابِ الثبات على الدين، قال تعالى عن أصحاب الكهف: (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا). ومن أعظم أسباب الثبات على الدين الحق الإلحاح على الله تعالى بالدعاء مع الضراعة طلبًا للثبات عليه والعصمة من الزيغ عنه والبراءة من الحول والقوة إلا بالله تعالى كما قال تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ). وقد أخبر الله تعالى عن الراسخين في العلم أنهم: (يقولون رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ).


كان من دعائه صلى الله عليه وسلم أن يقول: "اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، اللهم مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك" وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته: "وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ". وعند مسلم: "إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ التَّشَهُّدِ الآخِرِ، فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ". بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم وثبتنا وإياكم على صراطه المستقيم ... آمين!

 

معاشر المؤمنين والمؤمنات: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة:


اللهم اجعل شهر القرآن الكريم هذا, شهر عز ونصر وتمكين للإسلام والمسلمين بقيام دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة, واجعلنا اللهمَّ ممَّن يتدبرون آياتك, فيأتمرون بأمرك, وينتهون عن نهيك: يستمعون القول فيتبعون أحسنه, ويقدرونك حق قدرك, ترضى عنهم, ويرضون عنك, واجعلنا اللهم ممن تقبلت منهم الصلاة والصيام, والدعاء والسجود والقيام, ومن عتقائك في هذا الشهر الكريم من النار, وأدخلنا الجنة مع الأبرار, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

آخر تعديل علىالجمعة, 01 أيار/مايو 2020

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع