الإثنين، 23 محرّم 1446هـ| 2024/07/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
تأملات قرآنية (23) العلماء والحكام هم سبب ظهور الفساد

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

تأملات قرآنية (23)
العلماء والحكام هم سبب ظهور الفساد

 


إخواننا الكرام, أخواتنا الكريمات:


أيها المؤمنون والمؤمنات: الصائمون والصائمات:


مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير:


نحييكم بأطيب تحية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله القائل في محكم كتابه وهو أصدق القائلين: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) والصلاة والسلام على رسول الله القائل: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين". ثم أما بعد: فتعالوا معنا أحبتنا الكرام, وهلم بنا نحن وإياكم نتجه إلى مائدة القرآن الكريم نتأمل ونتدبر آياته جل وعلا عسى أن ينفعنا ويرفعنا بما فيه من الذكر الحكيم إلى أعلى الدرجات في جنات النعيم, إنه ولي ذلك والقادر عليه. ومع الآية الواحدة والأربعين من سورة الروم. يقول الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). (الروم ٤١)


قال نخبة من المفسرين في تفسيرهم الميسر: "ظهر الفساد في البر والبحر، كالجدب, وقلة الأمطار, وكثرة الأمراض والأوبئة؛ وذلك بسبب المعاصي التي يقترفها البشر؛ ليصيبهم بعقوبة بعض أعمالهم التي عملوها في الدنيا؛ كي يتوبوا إلى الله سبحانه ويرجعوا عن المعاصي، فتصلح أحوالهم، وتستقيم أمورهم".


معاشر المؤمنين والمؤمنات:


لقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن صلاح الأمة مرهون بصلاح العلماء والحكام، وأن فساد الأمة سببه ومرده إلى فساد العلماء وفساد الحكام, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس, وإذا فسدا فسد الناس: العلماء والأمراء». وقد أكد لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا في أحاديث كثيرة فقال عليه الصلاة والسلام: «العلماء ورثة الأنبياء». وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً, إنما ورثوا هذا الدين الذي أكرمنا الله به. وإن الله تبارك وتعالى كرَّم العلماء حين ضم شهادتهم إلى شهادته بالإضافة إلى شهادة الملائكة على قضية هي من أهم قضايا العقيدة, ألا وهي وحدانية الله سبحانه, فقال جل من قائل: (شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). (آل عمران ١٨) وقد بين الله سبحانه وتعالى دور العلماء في الأمة, وهو بيان وتوضيح أحكام الله, كما جاءت في كتاب الله, وكما أرادها الله رب العالمين, وحذَّرهم من كتمان هذه الأحكام، فإنهم إن فعلوا ذلك استحقوا لعنة الله, ولعنة اللاعنين من سائر مخلوقات الله. فقال جل من قائل: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّـهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ). ( البقرة ١٥٩).


إن دور العلماء يشبه دور السيف ذي الحدين, الذي يضرب به صاحبه ذات اليمين وذات الشمال. فالعلماء يبصِّرون الحكام والأمة بشرع الله, ويراقبون الحكام والأمة في آن واحد, وذلك في تطبيقهم لشرع الله, ويحاسبون الحكام, ويقودون الأمة لمحاسبتهم إن هم أساءوا, وقصروا في تطبيق أحكام شرع الله. وقد أكد لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دور الحكام في قيادة الأمة, ورعايتها والذود عنها, فقال عليه الصلاة والسلام: «إنما الإمام جنة, يتقى به, ويقاتل من ورائه». فالخليفة أو الإمام وقاية وحماية, يحمي الأمة, وهو قائد يقودها لما فيه خير البلاد والعباد. وقد ذكر الله تعالى على لسان ملكة سبأ أن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها, وجعلوا أعزة أهلها أذلة, فقال عز من قائل: (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ). ( النمل ٣٤). وقال الإمام محمد الغزالي- رحمه الله -: "إنما فسدت الرعية بفساد الملوك, وفساد الملوك بفساد العلماء, فلولا القضاة السوء, والعلماء السوء؛ لقل فساد الملوك خوفا من إنكارهم". وقال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله: "فقد قيدت الأطماع ألسن العلماء؛ فسكتوا, وإن تكلموا لم تساعد أقوالَـهُم أحوالُـهُم؛ فلم ينجحوا, ولو صدقوا وقصدوا حق العلم لأفلحوا, ففساد الرعية بفساد الملوك, وفساد الملوك بفساد العلماء, وفساد العلماء باستيلاء حب المال والجاه, ومن استولى عليه حب الدنيا لم يقدر على محاسبة الأراذل, فكيف بمواجهة الملوك والحكام". وقال محيي الدين بن عربي: "اعلم أيَّدنا, وإياك الله أنه لما غلبت الأهواء على النفوس, وطلبت العلماء المراتب عند الملوك, تركوا المحجة البيضاء, وجنحوا إلى التأويلات التي تتماشى مع أغراض الملوك فيما لهم فيه من هوى؛ ليستندوا إلى في ذلك إلى أمر شرعي مع كون الفقيه ربما لا يعتقد ذلك, وقد رأينا جماعة على هذا من قضاتهم وفقهائهم". وعن علي رضي الله عنه وكرم الله وجه قال: "إذا رأيت العلماء على أبواب الملوك, فقل: "بئس الملوك, وبئس العلماء", وإذا رأيت الملوك على أبواب العلماء فقل: "نعم الملوك, ونعم العلماء". وأنشد كرم الله وجهه يقول:


إنَّ الملــــــوكَ بـــــــلاءٌ حَيـــثُ حَلُّـــــــوا ... فَــــــــــلا يَكُــــــــــنْ في أبَوابهــــــــمْ ظِــــــــلُّ
مَاذَا تُؤَمِّــــلُ من قــــــومٍ إذا غَضِبُوا ... جَارُوا عَليكَ وَإنْ أرضيتَهُمْ مَلُّوا
فاستغن بالله عن أبوابهــــــــــم كرمًـا ... إِنَّ الوُقُــــــــــوفَ على أبوابهـــــم ذُلُّ


لقد فهم سلفنا الصالح دور كل من العلماء والحكام حتى قال قائلهم: «وأمرنا ألا ننازع الأمر أهله إلاَّ أن نرى كفرًا بواحًا». هذا بالنسبة للحكام. أما العلماء فهم بمثابة الملح اللازم والضروري للطعام الذي هو من مقومات الحياة, ورحم الله الشاعر الذي قال:


عُلمـــــــاءُ الدِّيــــــنِ يا مِلــــــــــحَ البلَــــــــــــدْ ... مَنْ يُصلِحِ المِلحَ إذا المِلحُ فَسَدْ ؟!


ومعلوم أنه إذا استقام ولاة الأمور الذين يحكمون في النفوس والأموال استقام عامة الناس، كما قال أبو بكر الصديق فيما رواه البخاري في صحيحه للمرأة الأحمسية لما سألته فقالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح؟ قال: "ما استقامت لكم أئمتكم". ورد في الأثر: «صنفان إذا صلحوا صلح الناس: العلماء والأمراء». الصنفان هما: أهل الكتاب, وأهل الحديد. أما الصنف الأول فهم أهل الكتاب أي القرآن وهم العلماء, وأما الصنف الثاني فهم أهل الحديد أي القوة وهم الحكام، كما دل عليه قوله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ). (الحديد ٢٥)


إن كلا الصنفين هم أولو الأمر المعنيون بقوله تعالى: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). (النساء: 59). وكذلك من جهتهم يقع الفساد، كما جاء في الحديث مرفوعًا، وعن جماعة من الصحابة «إن أخوف ما أخاف عليكم: زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون». فالأئمة المضلون هم الأمراء، والعالم والمجادل هم العلماء، لكن أحدهما صحيح الاعتقاد يزل، وهو العالم، كما يقع من أئمة الفقهاء أهل السنة والجماعة.


وقال صلى الله عليه وسلم: «أوحى الله عز وجل إلى إبراهيم عليه السلام يا إبراهيم إني عليم أحب كل عليم». وقال صلى الله عليه وسلم: «العالم أمين الله سبحانه في الأرض». وقال صلى الله عليه وسلم: «إذا أتى علي يوم لا أزداد فيه علما يقربني إلى الله عز وجل فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم».


وقال صلى الله عليه وسلم: في تفضيل العلم على العبادة والشهادة: «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب». وقال صلى الله عليه وسلم: «يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء, ثم العلماء, ثم الشهداء».


لقد أخذ الله على علماء بني إسرائيل ميثاقًا أن يبينوا للناس ما جاء في التوراة فقال: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ). ( آل عمران١٨٧), فصار علماء الإسلام في هذا الزمان - والعياذ بالله ممن فعل ذلك منهم - يحذون حذو علماء بني إسرائيل في نبذ القرآن وراء ظهورهم إرضاء للحكام, ولا يحتاج الأمر إلى شواهد إثبات, فكل المسلمين عاشوا مأساة إغلاق الحرم المكي, ومنع إقامة صلوات الجمع والجماعات في المساجد, والحكم بغير ما أنزل الله, وإظهار الفواحش, فلم نحس من هؤلاء العلماء من أحد أو نسمع لهم ركزا.


معاشر المؤمنين والمؤمنات: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة:


اللهم اجعل شهر القرآن الكريم هذا, شهر عز ونصر وتمكين للإسلام والمسلمين بقيام دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة, واجعلنا اللهمَّ ممَّن يتدبرون آياتك, فيأتمرون بأمرك, وينتهون عن نهيك: يستمعون القول فيتبعون أحسنه, ويقدرونك حق قدرك, ترضى عنهم, ويرضون عنك, واجعلنا اللهم ممن تقبلت منهم الصلاة والصيام, والدعاء والسجود والقيام, ومن عتقائك في هذا الشهر الكريم من النار, وأدخلنا الجنة مع الأبرار, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع