الإثنين، 28 صَفر 1446هـ| 2024/09/02م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
تأملات قرآنية (26) لا يأس ولا قنوط من رحمة الله

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

تأملات قرآنية (26)

لا يأس ولا قنوط من رحمة الله

 

 

 

إخواننا الكرام, أخواتنا الكريمات:

أيها المؤمنون والمؤمنات: الصائمون والصائمات:

 

أحبتنا الكرام:

 

 

نحييكم بأطيب تحية: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله القائل في محكم كتابه وهو أصدق القائلين: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) والصلاة والسلام على رسول الله القائل: «إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين». ثم أما بعد: فَتَعَالَوا معنا أحبتنا الكرام, وهلم بنا نحن وإياكم نتجه إلى مائدة القرآن الكريم نتأمل ونتدبر آياته جل وعلا عسى أن ينفعنا ويرفعنا بما فيه من الذكر الحكيم إلى أعلى الدرجات في جنات النعيم, إنه ولي ذلك والقادر عليه. ومع الآية 53 من سورة. يقول الله تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾. ﴿الزمر ٥٣

 

قال نخبة من المفسرين في تفسيرهم الميسر: "قل -أيها الرسول- لعبادي الذين تمادَوا في المعاصي، وأسرفوا على أنفسهم بإتيان ما تدعوهم إليه نفوسهم من الذنوب: لا تَيْأسوا من رحمة الله؛ لكثرة ذنوبكم، إن الله يغفر الذنوب جميعًا لمن تاب منها ورجع عنها مهما كانت، إنه هو الغفور لذنوب التائبين من عباده، الرحيم بهم".

 

معاشر المؤمنين والمؤمنات:

 

هذا نداء كريم, من الرب العظيم, الرءوف الرحيم, إلى عباده المؤمنين, الذين فرطوا في جنب الله، وأسرفوا على أنفسهم, أن ينيبوا إليه، وأن يبادروا بالتوبة بين يديه، وأن لا يقنطوا من رحمته، ولا ييأسوا من عفوه ومنّته، فهو يغفر الذنوب جميعاً، ويتجاوز عن السيئات، ويقبل التوبة، ويعفو عن عباده, وهو الغفور الرحيم... فما أحرى العباد أن يعودوا إلى حظيرته القدسية، فيغسلوا بدموع الندم دنس الذنوب والخطايا والآثام... وما أحرى العبد المسلم بالمبادرة إلى التوبة، والإسراع بالفرار إلى الله عز وجل، والبعد عن المعاصي التي هي شؤم على الإنسان في الحياة الدنيا، وهلاك وخسران له في الحياة الآخرة. وقد قال الله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّـهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. ﴿النور ٣١﴾, وقال تعالى: ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللَّـهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾. ﴿الذاريات٥٠

 

وما أجدر العصاة والمسرفين بالرجوع إلى الله الغفور الرحيم، والإقبال عليه والوقوف بذلّ وانكسار بين يديه بعد تلك الغيبة الطويلة التي قضوها في مجاهل الإثم والفسوق والانحراف. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون». وليعلم الذين أسرفوا على أنفسهم بالمعاصي والذنوب، أن يأسهم من رحمة الله وعفوه طعن منهم في كرم الله العزيز الوهاب، لذا فهو ينهاهم عن اليأس والقنوط ويشجعهم على التوبة والإنابة، ويعدهم بحسن القبول وكمال العفو والمغفرة، «إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون». ولله درّ الإمام البوصيري رحمه الله حيث يقول:

 

يا نفس لا تقنطي من زلة عظمت ... إن الكبائــــــــــــر في الغفــــــــران كاللمــــم

 

معاشر المؤمنين والمؤمنات:

 

إن التوبة كرم الهي, ومنحة من الله لعباده, عرّفهم فيها كيفية الرجوع إليه إن بعدوا عنه، وكيفية التخلص من تبعات الذنوب إذا هم عصوه؛ كي يفروا إليه تائبين منيبين متطهرين. فما أكرمه من إله! وما أرحمه بخلقه وعباده! يجابه الناس ربهم بالفسوق والعصيان، ويخالفون دينه، ويأتون ما نهى عنه, حتى إذا تابوا وأنابوا، قَبِلَ الله توبتَهُم ومحا سيئاتهم وأحبهم ورفع درجاتهم: ﴿إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾. ﴿البقرة ٢٢٢﴾  إِنَّ المعنى الحقيقي للتوبة أن ينتقل المرء المسرف على نفسه من ظلمات الباطل والمعصية والهوى, إلى نور الإيمان، وكمال الطاعة وعز التقوى، وقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّـهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّـهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. ﴿التحريم ٨﴾ ومن مقتضيات التوبة النصوح هجر الذنوب أصلاً، وتوطين النفس على عدم العودة إلى المعاصي، والشعور بالخوف من الله عز وجل, والندم على ما جنته الأيدي, فليست التوبة قولاً باللسان، ولا إدعاء لا دليل عليه، ولكنها هجر الآثام, وتطهير النفس من الأدران، واستشعار الألم, والندم على ما كان, فإنَّ من يُحِسُّ ألم الذنوب, ووخز المعاصي لا يقدم عليها.

 

إن يد الله عز وجل مبسوطة بالعفو والمغفرة لا تنقبض في ليل ولا نهار تنشد مذنباً أثقلته المعاصي يرجو الأوبة بعد طول الغيبة، ومسيئاً أسرف على نفسه يرجو رحمة ربه, وفاراً إلى مولاه يطلب حسن القبول. قال صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل يبسط يده في الليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده في النهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها». وإن من شروط صحة التوبة أن تكون والإنسان في صحة وعافية له أمل في الحياة ورغبة في البقاء، أما التوبة حين معاينة الموت واليأس من الحياة فمردودة على صاحبها غير مقبولة. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر». أي ما لم تبلغ الروح الحلقوم. قال الله تعالى: ﴿وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾. ﴿النساء ١٨﴾. إن الكثيرين اليوم يقطعون حياتهم خائضين في اللهو واللعب, يرتكبون من الذنوب ما تمليه عليهم أهواؤهم, ويأتون من الخطايا ما يروق لنفوسهم, ثم يسوفون ويقولون: سوف نتوب، وغداً نعمل الصالحات. اسمعوا قول الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم: «إن أكثر صياح أهل النار من التسويف، يقولون: يَا أُفٍّ لِمُسَوِّفٍ». فما هلك من هلك إلا بالتسويف فبادروا بالتوبة قبل أن تنقلبوا إلى دار الهوان والخيبة، وحاسبوا أنفسكم في الدنيا قبل أن تناقشوا الحساب في الآخرة، فمن نُوقِشَ الِحسَابَ عُذِّبَ.

 

إن قلب المؤمن نقي كالمرآة، فإذا أذنب ذنباً ألقيت فيه نكتة سوداء، وإن تاب مُحيت، وإن عاد إلى المعصية ولم يتب، تتابعت النكت حتى يَسْوَدَّ القلبُ، فقلما تنفع فيه المواعظ والزواجر. فرحم الله عبدًا علم أن الموت يأتيه بغتة؛ فاستعد له بصالح العمل والتوبة، وإذا أغواه الشيطان يوماً فارتكب خطيئة وإثماً سارع إلى الندم, وأقلع عنه وتاب إلى ربه, وكان ممن استثناهم الله عز وجل بقوله: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَـٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّـهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا﴾. ﴿الفرقان ٧٠

 

اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم

وتب علينا إنك أنت التواب الكريم

واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم

 

معاشر المؤمنين والمؤمنات: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة:

اللهم اجعل شهر القرآن الكريم هذا, شهر عز ونصر وتمكين للإسلام والمسلمين بقيام دولة الخلافة الثانية على منهاج النبوة, واجعلنا اللهمَّ ممَّن يتدبرون آياتك, فيأتمرون بأمرك, وينتهون عن نهيك: يستمعون القول فيتبعون أحسنه, وَيَقدُرُونَكَ حَقَّ قَدْرك, ترضى عنهم, ويرضون عنك, واجعلنا اللهم ممن تقبلت منهم الصلاة والصيام, والدعاء والسجود والقيام, ومن عتقائك في هذا الشهر الكريم من النار, وأدخلنا الجنة مع الأبرار, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

آخر تعديل علىالثلاثاء, 19 أيار/مايو 2020

وسائط

المزيد في هذه الفئة : « برقية - 25 رسائل رمضانية - 25 »

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع