- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
مناقب ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(ح19) عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشتري ظلامة عجوز
الحَمْدُ للهِ مُنْزِلِ الكِتَابْ، وَمُجْرِي السَّحَابْ، وَهَازِمِ الأَحْزَابِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا محمد، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي الأَلْبَابْ، وَعَلَى وَزِيرَيهِ: أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقْ، مَنْ لِدَعْوَةِ الحَقِّ استَجَابْ، وَالفَارُوقِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابْ، الحَاكِمِ بِالعَدْلِ، وَالنَّاطِقِ بِالصَّوَابْ، ارزُقنَا الَّلهُمَّ خَلِيفَةً مِثْلَهُ، يَخَافُكَ وَيَتَّقِيكَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَتَرْضَى عَنْهُ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابْ، وَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمرَتِهِمْ، بِرَحْمَتِكَ يَا كَرِيمُ يَا وَهَابْ... آمِينَ.
أيها المؤمنون:
مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير:
السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"مَنَاقِبُ ثَانِي الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه". وَمَعَ الحَلْقَةِ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه يَشْتَرِي ظُلَامَةَ عُجُوزٍ". نَقُولُ وَبِاللهِ التَّوفِيقُ:
رَوَى مُسْلِمُ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ، وسُبْحانَ اللهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ -أَوْ تَمْلأُ- ما بيْنَ السَّمَواتِ والأرْضِ، والصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهانٌ، والصَّبْرُ ضِياءٌ، والْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ، أوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو: فَبايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُها، أوْ مُوبِقُها». وَمَعْنَى قَولِهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا». أَيْ: كُلُّ إِنسَانٍ يَسْعَى بِنَفْسِهِ إِلَى طَاعَةِ اللهِ؛ فَيَكُونُ مُنقِذًا لَهَا مِنَ النَّار، أَوْ يَسْعَى بِنَفْسِهِ إِلَى طَاعَةِ الشَّيطَانِ وَهَوَاهُ؛ فُيُوبِقُهَا، أَيْ: يُهْلِكُهَا بِدُخُولِهَا النَّارَ. وَفِي الحَدِيثِ: فَضْلُ الوُضُوءِ وَالطَّهَارَةِ، وَبَيَانُ مَا لَهُمَا مِنَ الأَجْرِ. وَفِيهِ: بَيَانُ بَعْضِ الأَقْوَالِ وَالأَعْمَالِ الإِيمَانيَّةِ الَّتِي تُعْتِقُ صَاحِبَهَا مِنَ النَّارِ. وَفِيهِ: تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الإِنسَانَ يُؤْخَذُ بِجَرِيرَةِ عَمَلِهِ؛ فَلْيَعْمَلْ لِنَفْسِهِ مَا أَرَادَ!!
إِنَّ أَخْشَى مَا كَانَ يَخْشَاهُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه أَنْ يُوبِقَ نَفْسَهُ؛ فَيُهْلِكَهَا بِدُخُولِهَا النَّارَ؛ لِذَلِكَ كَانَ حَرِيصًا أَشَدَّ الحِرْصَ عَلَى النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِهَا، فَعِنْدَمَا رَجَعَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ مِنَ الشَّامِ وَوَصَلَ إِلَى المدِينَةِ، انفَرَدَ عَنِ النَّاسِ؛ لِيَتَقَصَّى أَخَبَارَ أُنَاسٍ مِنْ رَعِيَّتِهِ، فَمَرَّ بِعَجُوزٍ فِي خِبَاءٍ لَهَا فَقَصَدَهَا، فَقَالَتْ لَهُ: "مَا فَعَلَ عُمَرُ رضي الله عنه؟ فَقَالَ لَهَا: قَدْ أَقْبَلَ مِنَ الشَّامِ سَالِمًا. فَقَالَتْ لَهُ: يَا هَذَا! لَا جَزَاهُ اللهُ خَيرًا عَنِّي! فَقَالَ: وَلِمَ؟ قَالَتْ: لِأَنَّهُ مَا أَنَالَنِي مِنْ عَطَائِهِ -أي لم يعطني- مُنذُ وَلِيَ أَمْرَ المسْلِمِينَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا". وَالمعْنَى أَنَّ الخَلِيفَةَ لَمْ يَنْظُرْ إِلَى حَالِهَا، وَلَمْ يَمْنَحْهَا أَيَّ شَيءٍ مِنْ مَكَاسِبِ الخِلَافَةِ مُنذُ أَنْ وَلِيَ أَمْرَ المسْلِمِينَ. فَقَالَ لَهَا: وَمَا يُدْرِي عُمَرَ بِحَالِكِ وَأَنْتِ فِي هَذَا الموْضِعِ؟ فَقَالَتْ: "سُبْحَانَ اللهِ! أَيَتَوَلَّى أَمْرَنَا، وَلَا يَعْلَمُ حَالَنَا؟ وَاللهِ مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يَلِي عَلَى النَّاسِ، وَلَا يَدْرِي مَا بَينَ مَشْرِقِهَا وَمَغْرِبِهَا". فَبَكَى عُمَرُ رضي الله عنه، وَقَالَ: وَاعُمَرَاهُ، كُلُّ أَحَدٍ أَفْقَهُ مِنْكَ حَتَّى العَجَائِزُ يَا عُمَرُ. ثُمَّ قَالَ لَهَا: يَا أَمَةَ اللهِ! بِكَمْ تَبِيعِينِي ظُلَامَتَكِ مِنْ عُمَرَ، فَإِنِّي أَرْحَمُهُ مِنَ النَّارِ؟ "وَالمعْنَى أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه يَوَدُّ أَنْ يَدْفَعَ لَهَا مَبْلَغًا تَعْوِيضًا لَهَا عَمَّا لَاقَتْهُ فِي الأَيَّامِ الخَالِيَةِ، كَيْ يُرِيحَ نَفْسَهُ مِنْ عَنَاءِ الذَّنْبِ الَّذِي يَسْتَشْعِرُهُ فِي دَاخِلِهِ، مِنْ جَرَّاءِ عَدَمِ سُؤَالِهِ عَنْهَا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ نَوْعًا مِنَ الزِّيَادَةِ فِي الحِرْصِ عَلَى الرَّعِيَّةِ، وَمُحَاوَلَةً منه رضي الله عنه لِنَزْعِ أَيِّ مَظْلَمَةٍ لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ حَتَّى العَجَائِزَ، فَيَفْتَدِي نَفْسَهُ مِنْ عَذَابِ يَومِ القِيَامَة". فَقَالَتِ العَجُوزُ لَهُ: لَا تَهْزَأْ بِنَا، يَرْحَمُكَ اللهُ. فَقَالَ لَهَا عُمَرُ رضي الله عنه: لَسْتُ أَهْزَأُ بِكِ. وَلَمْ يَزَلْ حَتَّى اشْتَرَى ظُلَامَتَهَا أي شَكْوَاهَا بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا. وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ الخَلِيفَةَ عُمَرَ رضي الله عنه لَمْ يَكُنْ يَدَّخِرْ جُهْدًا فِي النَّظَرِ فِي كُلِّ شَكْوَى مِنْ أَيِّ أَحَدٍ مِنْ رَعِيَّتِهِ، وَأَنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى الوُصُولِ إِلَى حَلٍّ عَادِلٍ لِكُلِّ مُشْكِلَةٍ تُوَاجِهُهُ. وَبَينَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَقْبَلَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، فَقَالَا: السَّلَامُ عَلَيكَ يَا أَمِيرَ المؤْمِنِينَ! فَوَضَعَتِ العَجُوزُ يَدَهَا عَلَى رَأْسِهَا، وَقَالَتْ: وَاسَوأَتَاهُ! شَتَمْتُ أَمِيرَ المؤْمِنِينَ فِي وَجْهِهِ؟ فَقَالَ لَهَا عُمَرُ رضي الله عنه: لَا بَأْسَ عَلَيكِ، يَرْحَمْكِ اللهُ، ثُمَّ طَلَبَ قِطْعَةَ جِلْدٍ يَكْتُبُ فِيهَا، فَلَمْ يَجِدْ، فَقَطَعَ قِطْعَةً مِنْ مُرَقَّعَتِهِ أيْ: - ثَوبِهِ الذي كان يلبسه- وَكَتَبَ فِيهَا:
"بسم الله الرحمن الرحيم، هَذَا مَا اشْتَرَى عُمَرُ مِنْ فُلَانَة ظُلَامَتَهَا مُنْذُ وَلِي الخِلَافَةَ إِلَى يَومِ كَذَا، بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ دِينَارًا. فَمَا تَدَّعِي عَلَيهِ عِندَ وُقُوفِهِ فِي المحْشَرِ بَينَ يَدِيِ اللهِ تَعَالَى فَعُمَرُ بَرِيءٌ مِنهُ، شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ عَلِيٌّ وَابنُ مَسْعُودٍ. ثُمَّ دَفَعَهَا إِلَى وَلَدِهِ، وَقَالَ لَهُ: إِذَا أَنَا مِتُّ فَاجْعَلْهَا فِي كَفَنِي أَلْقَى بِهَا رَبِّي".
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.
كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ: محمد أحمد النادي