- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
مناقب ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(ح20) أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يشتري ظلامة امرأة
الحَمْدُ للهِ مُنْزِلِ الكِتَابْ، وَمُجْرِي السَّحَابْ، وَهَازِمِ الأَحْزَابِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا محمد، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي الأَلْبَابْ، وَعَلَى وَزِيرَيهِ: أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقْ، مَنْ لِدَعْوَةِ الحَقِّ استَجَابْ، وَالفَارُوقِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابْ، الحَاكِمِ بِالعَدْلِ، وَالنَّاطِقِ بِالصَّوَابْ، ارزُقنَا الَّلهُمَّ خَلِيفَةً مِثْلَهُ، يَخَافُكَ وَيَتَّقِيكَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَتَرْضَى عَنْهُ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابْ، وَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمرَتِهِمْ، بِرَحْمَتِكَ يَا كَرِيمُ يَا وَهَابْ... آمِينَ.
أيها المؤمنون:
أحبتنا الكرام :
السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"مَنَاقِبُ ثَانِي الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ t ". وَمَعَ الحَلْقَةِ العِشْرِينَ، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "أمير المؤمنين عُمَرُ t يشتري ظلامة امرأة". نَقُولُ وَبِاللهِ التَّوفِيقُ:
ذَكَرَ عَبدُ الرَّحْمَنَ بنُ عَوفٍ t فَقَالَ: خَرَجْتُ ذَاتَ لَيلَةٍ مَعَ أَمِيرِ المؤْمِنِينَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ t نَتَفَقَّدُ أَحْوَالَ الرَّعِيَّةِ فِي لَيلَةٍ شَدِيدَةِ البَرْدِ. فَتَرَاءَتْ لَنَا مِنْ بَعِيدٍ نَارٌ قَدْ بَدَا نُورُهَا، فَسِرْنَا؛ لِنَسْتَطْلِعَ الأَمْرَ، فَرَأَيْنَا امْرَأَةً تَضَعُ عَلَى النَّارِ قِدْرًا، وَحَولَهَا صِبْيَةٌ يَبْكُونَ مِنْ شِدَّةِ الجُوعِ!
يَقُولُ أَحَدُهُمْ: "أُمِّي أَكَادُ أَمُوتُ جُوعَا!".
وَيَقُولُ الثَّانِي: "أُمِّي ارْحَمِي مِنِّي الضُّلُوعَا!".
وَيَقُولُ الثَّالِثُ: "أُمِّي أَلَا أَحْظَى بِأَكْلَةٍ قَبْلَ أَنْ أَمْضِيَ صَرِيعَا".
فَقَالَ لَهَا عُمَرُ مَا شَأْنُكِ يَا أَمَةَ اللهِ؟ وَهِيَ لَا تَدْرِي أَنَّهُ عُمَرُ t ! فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللهِ: إِنَّ الأَطْفَالَ جِيَاعٌ، وَلَسْتُ أَمْلِكُ مَا أُطْعِمُهُمْ، فَوَضَعْتُ فِي القِدْرِ مَاءً، وَفِي الـمَاءِ حَصىً! وَأَوْقَدْتُ عَلَيهِ أُلْهِي بِهِ الصِّبْيَةَ حَتَّى يَنَامُوا. فَقَالَ لَهَا عُمَرُ: وَمِمَّ تَشْكِينَ يَا أَمَةَ اللهِ؟ قَالَتْ: اللهَ اللهَ فِي عُمَرَ! "أيْ أَشْكُو عُمَرَ إِلَى اللهِ تَعَالَى". فَقَالَ لَهَا أَمِيرُالمؤْمِنِينَ t : وَمَا ذَنْبُ عُمَرَ يَا أَمَةَ اللهِ؟ فَقَالَتْ لَهُ: أَيَلِي أَمْرَنَا، وَيَغْفَلَ عَنَّا؟!
ثُمَّ قَالَ عَبدُ الرَّحْمَنِ t : فَخَرَجَ عُمَرُ t مِنْ عِندِهَا، وَجَاءَ إِلَى خَازِنِ بَيْتِ مَالِ المسْلِمِينَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُحْضِرَ لَهُ دَقِيقًا، وَسَمْنًا، وَعَسَلًا، ثُمَّ قَالَ لَهُ: احْمِلْ عَلَيَّ، فَقَالَ: عَنْكَ أَمْ عَلَيكَ يَا أَمِيرَ المؤْمِنِينَ؟! قَالَ: بَلِ احْمِلْ عَلَيَّ، قَالَ: عَنْكَ أَمْ عَلَيكَ يَا أَمِيرَ المؤْمِنِينَ؟! قَالَ: بَلِ احْمِلْ عَلَيَّ، ثَكَلَتْكَ أُمُّكَ، أَأَنْتَ تَحْمِلُ عَنِّي ذُنُوبِي يَومَ القِيَامَةِ؟
ثُمَّ أَتَى المرْأَةَ، وَقَدْ حَمَل مَؤُونَتَهَا عَلَى ظَهْرِهِ، ثُمَّ طَبَخَ لَهَا بِيَدَيهِ الكَرِيمَتَينِ. فَأَقْسَمَتْ لَهُ قَائِلَةً: وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالحَقِّ إِنَّكَ لَأَحَقُّ بِالخِلَافَةِ مِنْ عُمَرَ!! فَقَالَ لَهَا: يَا أَمَةَ اللهِ، إِذَا كَانَ الغَدُ، فَتَعَالَيْ إِلَى المسْجِدِ أُكَلِّمُ عُمَرَ فِي شَأْنِكِ، ثُمَّ خَرَجَ t مِنْ عِندِهَا وَمَعَهُ بنُ عَوفٍ t ، وَجَلَسَا خَلْفَ صَخْرَةٍ يَرْقُبَانِ المرْأَةَ، وَهِيَ تُطْعِمُ صِغَارَهَا، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يَقُولُ لِعُمَرَ: هَيَّا بِنَا يَا أَمِيرَ المؤْمِنِينَ، فَالبَردُ قَدْ قَطَّعَ أَوْصَالَنَا، فَقَالَ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيهِ: لَا، وَاللهِ لَنْ أَبْرَحَ مَكَانِي هَذَا، حَتَّى أَرَى الصِّبْيَةَـ، وَهُمْ يَضْحَكُونَ كَمَا رَأيتُهُمْ يَبكُونَ!!
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ t : ثُمَّ ذَهَبْنَا إِلَى المسْجِدِ؛ لِنُصَلِّيَ الفَجْرَ جَمَاعَةً، فَصَلَّى بِنَا عُمَرُ، وَوَاللهِ مَا استَطَعْنَا أَنْ نَتَبَيَّنَ مِنهُ شَيئًا مِنَ القُرآنِ؛ لِشِدَّةِ بُكَائِهِ، وَفِي الصَّبَاحِ قَدِمَتِ المرأَةُ المسْجِدَ، وَعُمَرُ جَالِسٌ بَينَ أَصْحَابِهِ، فَلَمَّا رَأَتْهُ مِنْ بَعِيدٍ طَابَ خَاطِرُهَا، حَتَّى إِذَا اقْتَرَبَتْ، وَسَمِعَتْ مَنْ حَولَهُ يُنَادُونَهُ بِأَمِيرِ المؤْمِنِينَ أُسْقِطَ فِي يَدِهَا، وَارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهَا، كَيفَ لَا، وَقَدْ قَالَتْ لَهُ: إِنَّكَ أَحَقُّ بِالخِلَافَةِ مِنْ عُمَرَ؟ فَعَلِمَ عُمَرُ t مِنْ وَجْهِهَا، وَقَامَ إِلَيهَا مُسْرِعًا، وَقَالَ لَهَا: يَا أَمَةَ اللهِ، بِكَمْ تَبِيعِينِي مَظْلَمَتَكِ الَّتِي ظَلَمْتُكِ إِيَّاهَا؟ فَقَالَتْ: عَفْوًا يَا أَمِيرَ المؤْمِنِينَ، قَالَ: أتَبِيعِينَهَا بِكَذَا، وَكَذَا! فَقَالَتْ: قَبِلْتُ يَا أَمِيرَ المؤْمِنِينَ. ثُم أَمَّرَ بِدَوَاةٍ وَقَلَمٍ، وَكَتَبَ: "بسم الله الرحمن الرحيم لَقَدِ اشْتَرَى عُمَرُ مِنَ المرأَةِ مَظْلَمَتَهَا بِكَذَا، وَكَذَا، شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ عِبدُ الرَّحْمَنَ بنُ عَوفٍ، وَعَبدُ اللهِ بنُ مَسْعُودِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، ثُمَّ قَالَ لِمَنْ حَولَهُ: "إِذَا مِتُّ فَضَعُوهَا مَعِي بَينَ جَسَدِي وَكَفَنِي حَتَّى أَلْقَى اللهَ بِهَا".
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا،نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم ، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.
كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ: محمد أحمد النادي