الجمعة، 24 ربيع الأول 1446هـ| 2024/09/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
مناقب ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه (ح21)عمر رضي الله عنه يصدر قانونا لرعاية العاجز عن الحركة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

مناقب ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه

 (ح21) عمر رضي الله عنه يصدر قانونا لرعاية العاجز عن الحركة

 

 

 

الحَمْدُ للهِ مُنْزِلِ الكِتَابْ، وَمُجْرِي السَّحَابْ، وَهَازِمِ الأَحْزَابِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا محمد، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي الأَلْبَابْ، وَعَلَى وَزِيرَيهِ: أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقْ، مَنْ لِدَعْوَةِ الحَقِّ استَجَابْ، وَالفَارُوقِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابْ، الحَاكِمِ بِالعَدْلِ، وَالنَّاطِقِ بِالصَّوَابْ، ارزُقنَا الَّلهُمَّ خَلِيفَةً مِثْلَهُ، يَخَافُكَ وَيَتَّقِيكَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَتَرْضَى عَنْهُ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابْ، وَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمرَتِهِمْ، بِرَحْمَتِكَ يَا كَرِيمُ يَا وَهَابْ... آمِينَ.

 

أيها المؤمنون:

 

 

أحبتنا الكرام :

 

السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"مَنَاقِبُ ثَانِي الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ t ". وَمَعَ الحَلْقَةِ الحَادِيَةِ والعِشْرِينَ، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "عُمَرَ t يُصْدِرُ قَانُونًا لِرِعَايَةِ العَاجِزِ عَنِ الحَركَةِ". نَقُولُ وَبِاللهِ التَّوفِيقُ:

 

كَانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ t المعْرُوفُ بِشِدَّتِهِ وَقُوَّةِ بَأْسِهِ يُعِدَّ مَوَائِدَ الطَّعَامِ لِلنَّاسِ فِي المدِينَةِ ذَاتَ يَومٍ، فَرَأَى رَجُلًا يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، فَجَاءَهُ مِنْ خَلْفِهِ، وَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ: كُلْ بِيَمِينِكَ. فَأَجَابَهُ الرَّجُلُ: يَا عَبدَ اللهِ إِنَّهَا مَشْغُولَةٌ. فَتَركَهُ وَذَهَبَ يَتَفَقَّدُ حَاجَاتِ المدْعُوّيينَ لِمَائِدَةِ الطَّعَامِ، ثُمَّ عَادَ إِلَيهِ مَرَّةً ثَانِيَةً، فَوَجَدَهُ لَا يَزَالُ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، فَكَرَّرَ عُمَرُ t القَولَ مَرَّتَينِ: ثَانِيَةً، وَثَالِثَةً فَأَجَابَهُ الرَّجُلُ الإِجَابَةَ نَفْسَهَا: إِنَّهَا مَشْغُولَةٌ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ t : وَمَا شُغْلُهَا؟ فَأَجَابَهُ الرَّجُلُ بِصَوتٍ خَافِتٍ ضَعِيفٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ التَّسْمِيعَ بِتَضْحِيَتِهِ فِي سَبِيلِ اللهِ حَتَّى لَا يَحْبَطَ عَمَلُهُ، بَلْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ تَبْقَى هَذِهِ التَّضْحية خَبِيئَةً لَهُ عِندَ اللهِ، فَقَدْ أُصِيبَتْ يَدُهُ اليُمْنَى يَومَ مُؤْتَةَ، فَعَجِزَتْ عَنِ الحَرَكَةِ.

 

فَلَمَّا عَلِمَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ t ذَلِكَ مِنهُ جَلَسَ إِلَيهِ، وَبَكَى وَهُوَ يَسأَلُهُ: مَنْ يُوَضِّئُكَ؟ وَمَنْ يَغْسِلُ لَكَ ثِيَابَكَ؟ وَمَنْ يَغْسِلُ لَكَ رَأْسَكَ؟ وَمَنْ يَصْنَعُ لَكَ طَعَامَكَ؟ وَمَنْ .. ؟، وَمَنْ ..؟ وَمَعَ كُلِّ سُؤَالٍ يَنْهَمِرُ دَمْعُهُ .. ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِخَادِمٍ، وَرَاحِلَةٍ، وَطَعَامٍ، وَهُوَ يَرجُوهُ العَفْوَ عَنهُ؛ لِأَنَّهُ آلَمَهُ بِمَلامَتِهِ عَلَى أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ أَنَّهُ لَا حِيلَةَ لَهُ فِيهَا.

 

كانَ الصَّحابةُ رِضْوانُ اللهِ عليهم يَحرِصونَ على إسْداءِ النَّصيحةِ للنَّاسِ وتَعْليمِهِم طُرُقَ النَّجاةِ عِندَ اللهِ، وإخْلاصَ الأعْمالِ له سُبْحانَهُ، كما في هذا الأثَرِ حيثُ يقولُ الزُّبَيرُ بنُ العوَّامِ رضِيَ اللهُ عنه: «مَنِ استَطاعَ مِنْكُمْ أنْ يكونَ له خَبيءٌ مِن عَمَلٍ صَالِحٍ فلْيَفعَلْ»، والخَبْءُ هُوَ العَمَلُ الـمُخبَّأُ الَّذِي لَا يَراهُ النَّاسُ، ولكِنَّه يَفعَلُهُ مُدخَّرًا إِيَّاهُ لَهُ عِندَ اللهِ، والـمَعْنَى أنَّ مَنِ استَطَاعَ مِنْكُمْ أنْ يُخفِيَ عَمَلًا صالِحًا يكونُ بَيْنَهُ وبيْنَ اللهِ، فيَمْحُو بِهِ ذنُوبَهُ فلْيَفعَلْ ذَلِك، حَتَّى يَكُونَ تَأْكيدًا لِـمَعْنَى الإخْلَاصِ وطَلَبِ الأجْرِ مِنَ اللهِ وَحدَهُ، ولا يَنبغي أنْ يكونَ همُّه أنْ يَطَّلِعَ عليه الناسُ أو حتى يُقابِلوهُ بالبَشاشةِ والتَّوقيرِ، وأنْ يُثْنوا عليه، وأنْ يَنشَطُوا في قَضَاءِ حَوائِجِهِ، وأنْ يُسَامِحوهُ في البَيعِ والشِّراءِ، وأنْ يُوسِّعوا له في المكانِ، فَإِنْ قَصَّرَ فِي ذَلِكَ مُقصِّرٌ ثَقُلَ ذلِكَ عَلَى قَلبِهِ، ووَجَدَ لِذَلِكَ استِبْعَادًا فِي نَفسِهِ، كأنَّه يُريدُ ثَمَنًا لِهَذَا السِّرِّ الَّذِي بيْنَه وبيْنَ اللهِ! 

 

خَرَجَ المسْلِمُونَ يَومًا لِقِتَالِ الرُّومِ، فَلَمَّا التَقَى الجَيشَانِ خَرَجَ فَارِسٌ مِنْ جَيشِ الرُّومِ يَطْلُبُ المبَارَزَةَ، فَخَرَجَ لَهُ رَجُلٌ مُلَثَّمٌ مِنْ جَيشِ المسْلِمِينَ؛ فَبَارَزَهُ حَتَّى قَتَلَهُ! ثُمَّ خَرَجَ فَارِسٌ آخَرُ مِنْ جَيشِ الرُّومِ يَطْلُبُ المبَارَزَةَ، فَخَرَجَ إِلَيهِ الرَّجُلُ الملَثَّمُ نَفْسُهُ مِنْ جَيشِ المسْلِمِينَ؛ فَبَارَزَهُ حَتَّى قَتَلَهُ! ثُمَّ خَرَجَ فَارِسٌ ثَالِثٌ مِنْ جَيشِ الرُّومِ يَطْلُبُ المبَارَزَةَ، فَخَرَجَ إِلَيهِ الرَّجُلُ الملَثَّمُ نَفْسُهُ مِنْ جَيشِ المسْلِمِينَ؛ فَبَارَزَهُ حَتَّى قَتَلَهُ! فَاجْتَمَعَ عَلَيهِ المسْلِمُونَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعْرِفُوا مَنْ هُوَ، وَهُوَ يُمْسِكُ بِلِثَامِهِ خَشْيَةَ أَنْ يَعْرِفَهُ أَحَدٌ، فَقَامَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَرَ، وَنَزَعَ اللِّثَامَ عَنْ وَجْهِهِ؛ فِإِذَا هُوَ عَبدُ اللهِ بنُ المبَارَكِ! فَقَالَ لِأَبِي عُمَرَ: مَا حَسِبْتُكَ مِمَّنْ يُشنِّعُ عَلَينَا يَا أَبَا عُمَرَ! أَرَادَ عَبدُ اللهِ بنُ المبَارَكِ أَنْ يَكُونَ جِهَادُهُ خَبِيئَةً بَينَهُ وَبَينَ اللهِ تَعَالَى، لَا يَدْرِي بِهَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَاعْتَبَرَ أَنَّ كَشْفَ وَجْهِهِ مِنْ قِبَلِ أَبِي عُمَرَ فَضَيحَةٌ لَهُ!

 

إِلَى هَذَا الحَدِّ بَلَغَ بِهِ الإِخْلَاصُ، أَنْ يُخْفِيَ وَجْهَهُ فِي مَوْضِعٍ لَا تُخْفَى فِيهِ الوُجُوهُ مَخَافَةَ أَنْ يَرَى النَّاسُ حُسْنَ صَنِيعِهِ، فِيُثْنُوا عَلَيهِ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْقَى جِهَادُهُ فِي سَبِيلِ اللهِ سِرًّا بَينَهُ وَبَينَ اللهِ تَعَالَى! أَجَلْ أَيُّهَا المؤْمِنُونَ وَالمؤْمِنَاتُ: «مَنِ استَطاعَ مِنْكُمْ أنْ يَكُونَ لَهُ خَبيءٌ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ فلْيَفعَلْ».

 

  • الخَبِيئَةُ الصَّالِحَةُ هِيَ عِبَادَةٌ يَفْعَلُهَا أَحَدُنَا، وَلَا يُطْلِعُ عَلَيهَا أَحَدًا مِنَ الخَلْقِ يُبْقِيهَا لَهُ ذُخْرًا إِلَى يَومٍ تُبْلَى فِيهِ السَّرَائِرُ!
  • الخَبِيئَةُ الصَّالِحَةُ هِيَ صَدَقَةٌ تَضَعُهَا فِي يَدِ فَقِيرٍ دُونَ تَصْوِيرٍ، أَوْ تَوثِيقٍ، تُخْفِيهَا حَتَّى عَنِ امرَأَتِكَ!
  • الخَبِيئَةُ الصَّالِحَةُ هِيَ رَكْعَاتٌ تُصَلِّيهَا فِي جَوفِ اللَّيلِ، وَأَهْلُ بَيتِكَ نِيَامٌ، تَتَسَحَّبُ مِنْ فِرَاشِكَ كَي لَا يَشْعُرَ بِكَ أَحَدٌ!
  • الخَبِيئَةُ الصَّالِحَةُ هِيَ وِرْدٌ مِنَ القُرآنِ تَلْزَمُهُ دَائِمًا، لَا تَتَبَاهَى بِهِ، وَلَا يَدْرِي عَنهُ أَحَدٌ!
  • الخَبِيئَةُ الصَّالِحَةُ هِيَ أَذْكَارٌ، وَتَسَابِيحُ، وَاستِغْفَارٌ بَينَكَ وَبَينَ اللهِ وَأَنْتَ تَقُودُ سَيَّارَتَكَ، أَوْ وَأَنْتَ تَتَسَوَّقُ، أَوْ وَأَنْتَ تُمَارِسُ رِيَاضَةَ المشْيِ اليَومِيِّ!
  • الخَبِيئَةُ الصَّالِحَةُ هِيَ دَمْعَةٌ تَنْزِلَ مِنْ عَينِكَ حِينَ تَقْرَأُ آيَةً عَنْ عَذَابِ النَّارِ، فَتَمْسَحَهَا بِيَدِكَ كَي لَا يَرَاهَا أَحَدٌ! أَكْثِرُوا مِنَ الخَبَايَا فَإِنَّ اللهَ يُحِبُّهَا!

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

 

 

كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الأستاذ: محمد أحمد النادي

آخر تعديل علىالإثنين, 03 أيار/مايو 2021

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع