مناقب ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه (ح26) عمر رضي الله عنه يواجه مشكلة في أراضي الفيء
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
مناقب ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(ح26) عمر رضي الله عنه يواجه مشكلة في أراضي الفيء
الحَمْدُ للهِ مُنْزِلِ الكِتَابْ، وَمُجْرِي السَّحَابْ، وَهَازِمِ الأَحْزَابِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا محمد، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي الأَلْبَابْ، وَعَلَى وَزِيرَيهِ: أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقْ، مَنْ لِدَعْوَةِ الحَقِّ استَجَابْ، وَالفَارُوقِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابْ، الحَاكِمِ بِالعَدْلِ، وَالنَّاطِقِ بِالصَّوَابْ، ارزُقنَا الَّلهُمَّ خَلِيفَةً مِثْلَهُ، يَخَافُكَ وَيَتَّقِيكَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَتَرْضَى عَنْهُ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابْ، وَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمرَتِهِمْ، بِرَحْمَتِكَ يَا كَرِيمُ يَا وَهَابْ... آمِينَ يَا رَبَّ العَالَـمِينَ.
أيها المؤمنون:
مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير:
السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"مَنَاقِبُ ثَانِي الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه". وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّادِسَةِ والعِشْرِينَ، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "عُمَرُ رضي الله عنه يُوَاجِهُ مُشْكِلَةً فِي أَرَاضِي الفَيءِ". نَقُولُ وَبِاللهِ التَّوفِيقُ:
وَرَدَتِ الأَنبَاءُ إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه مُبَشِّرَةً بِفَتْحِ الشَّامِ، وَفَتْحِ العِرَاقِ، وَبِلَادِ كِسْرَى، وَرَأَى عُمَرُ رضي الله عنه نَفْسَهُ أَمَامَ مُشْكِلَةٍ مَالِيَّةٍ خَطِيرَةٍ، فَأَمْوَالُ الأَعْدَاءِ: ذَهَبُهُمْ، وَفِضَّتُهُمْ، وَخُيُولُهُمْ، وَأَنْعَامُهُمْ، وَقَعَتْ غَنِيمَةً فِي أَيدِي الغُزَاةِ الـمُظَفَّرِينَ بِتَأْيِيدِ اللهِ تَعَالَى، وَأَرْضُهُمْ كَذَلِكَ دَخَلَتْ فِي حَوْزَتِهِمْ.
أَمَّا المالُ فَقَدْ أَمْضَى عُمَرُ رضي الله عنه فِيهِ حُكْمَ اللهِ تَعَالَى، إِذْ أَخَذَ خُمْسَهُ، وَوُزِّعَتِ الأَخْمَاسُ الأَرْبَعَةُ عَلَى أَفْرَادِ الجَيشِ تَنْفِيذًا لِقَولِهِ تَعَالَى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الفُرْقَانِ يَوْمَ التَقَى الجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ). (الأنفال41)
أَمَّا الأَرضُ فَكَانَ لَهُ فِيهَا رَأْيٌ آخَرُ، كَانَ رَأْيُهُ أَنْ تُحْبَسَ، وَلَا تُوَزَّعَ، وَتَبْقَى كَأَنَّهَا مِلْكٌ لِلدَّولَةِ فِي يَدِ أَصْحَابِهَا القُدَمَاءَ، يُؤَدُّونَ عَنْهَا الخَرَاجَ، وَمَا يُحَصَّلُ مِنْ هَذَا الخَرَاجِ يُقَسَّمُ فِي عَامَّةِ المسْلِمِينَ، بَعْدَ أَنْ يُحْجَزَ مِنهُ أُجُورُ الجُنْدِ المرَابِطِينَ فِي الثُّغُورِ، وَالبِلَادِ الَّتِي فُتِحَتْ.
أَمَّا الكَثِيرُ مِنَ الصَّحَابَةِ فَأَبَى إِلَّا أَنْ تُوَزَّعَ عَلَيهِمُ الأَرْضُ؛ لِأَنَّهَا فَيءٌ أَفَاءَهُ اللهُ، وَكَانَتْ وُجْهَةُ نَظَرِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ البِلَادَ المفْتُوحَةَ تَحْتَاجُ إِلَى حَامِيَاتٍ مِنَ الجُنْدِ يُقِيمُونَ فِيهَا، وَلَا بُدَّ لِهَؤُلَاءِ الجُنْدِ مِنْ رَوَاتِبَ، فَإِذَا قُسِّمَتِ الأَرْضُ فَكَيفَ يُدَبِّرُ لِهَذِهِ الحَامِيَاتِ أَرْزَاقَهَا؟ ذَلِكَ إِلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ المالُ دُولَةً أَوْ مَأْكَلَةً بَينَ الأَغْنِيَاءِ وَحْدَهُمْ، فَإِذَا قُسِّمَتْ هَذِهِ الأَرَاضِي الشَّاسِعَةَ الوَاسِعَةَ فِي الشَّامِ، وِمِصْرَ، وَالعِرَاقِ، وَفَارِسٍ، عَلَى أُلُوفٍ مَعْدُودَةٍ مِنَ الصَّحَابِةِ رضي الله عنهم تَضَخَّمَتِ الثَّرْوَاتُ فِي أَيدِيهِمْ، وَلَم يَبْقَ شَيءٌ لِلَّذِينَ يَدْخُلُونَ فِي الإِسْلَامِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ الثَّرَاءُ الهَائِلُ فِي نَاحِيَةٍ، وَالفَقْرُ وَالحَاجَةُ الـمُدْقِعَةُ فِي نَاحِيَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ مَا كَانَ إِيمَانُ عُمَرَ يَأْبَاهُ.
وَلَكِنَّ دَلِيلُ الكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ فِي جَانِبِ المعَارِضِينَ لِرَأْيِ عُمَرَ رضي الله عنه، الرَّاغِبِينَ فِي الثَّرَاءِ الحَلَالِ الَّذِي سَاقَهُ اللهُ إِلَيهِمْ، فَهُمْ يَحْتَجُّونَ عَلَيهِ بِأَنَّهُ فَيءٌ، وَأَرضُ الفَيءِ قَسَّمَهَا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَبْلُ، وَلَمْ يَفْعَلْ بِهَا مَا يُرِيدُ عُمَرُ أَنْ يَفْعَلْ، وَاشْتَدَّ بِلَالٌ رضي الله عنه عَلَى عُمَرَ، وَتَزَعَّمَ حَرَكَةَ المعَارَضَةِ حَتَّى أَحْرَجَهُ، وَضَايَقَهُ، وَحَتَّى بَلَغَ مِنْ ضِيقِهِ وَحَرَجِهِ أَنْ رَفَعَ يَدَيهِ للهِ تَعَالَى، وَدَعَا عَلَيهِ وَعَلَى مَنْ مَعَهُ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِلَالًا وَأَصْحَابَهُ". وَلَقَدْ كَفَاهُ اللهُ بِلَالاً رضي الله عنه، وَأَصْحَابَهُ بِالفِقْهِ الدَّقِيقِ، والاجْتِهَادِ الصَّحِيحِ يَرْفَعُهُ لَهُ نُورًا مِنْ بَينِ سُطُورِ الكِتَابِ العَزِيزِ، بِالبُرْهَانِ السَّاطِعِ وَالحُجَّةِ البَالِغَةِ يَنْحَازُ لِسُلْطَانِهَا القَومُ.
هَذَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه يَقُولُ لِمَنْ حَضَرَ مِنْ أَصْحَابِهِ: "إِنَّ سَعْدَ بنَ أَبِي وَقَّاصٍ كَتَبَ إِلَيهِ مِنَ العِرَاقِ بِأَنَّ القَومَ مَعَهُ سَأَلُوهُ أَنْ يُقَسِّمَ بَينَهُمْ مَغَانِمَهُمْ، وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَيهِمْ مِنَ الأرْضِ". قَالَ لَهُ بَعْضُ الحَاضِرِينَ: "اكْتُبْ إِلَيهِ فَلْيُقَسِّمْهُ بَينَهُمْ".
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.
كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ: محمد أحمد النادي