- الموافق
- كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم
مناقب ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه
(ح28) عمر رضي الله عنه يجتهد في مسألة أراضي الفيء
الحَمْدُ للهِ مُنْزِلِ الكِتَابْ، وَمُجْرِي السَّحَابْ، وَهَازِمِ الأَحْزَابِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا محمد، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أُولِي الأَلْبَابْ، وَعَلَى وَزِيرَيهِ: أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقْ، مَنْ لِدَعْوَةِ الحَقِّ استَجَابْ، وَالفَارُوقِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابْ، الحَاكِمِ بِالعَدْلِ، وَالنَّاطِقِ بِالصَّوَابْ، ارزُقنَا الَّلهُمَّ خَلِيفَةً مِثْلَهُ، يَخَافُكَ وَيَتَّقِيكَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَتَرْضَى عَنْهُ يَوْمَ يَقُومُ الحِسَابْ، وَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمرَتِهِمْ، بِرَحْمَتِكَ يَا كَرِيمُ يَا وَهَابْ... آمِينَ يَا رَبَّ العَالَـمِينَ.
أيها المؤمنون:
أحبتنا الكرام:
السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"مَنَاقِبُ ثَانِي الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ t ". وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّامِنَةِ وَالعِشْرِينَ، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "عُمَرُ t يَجْتَهِدُ فِي مَسْأَلَةِ أَرَاضِي الفَيءِ"، نَقُولُ وَبِاللهِ التَّوفِيقُ:
وَاحْتَدَمَ الجِدَالُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَكَثُرَ لَغَطُ النَّاسِ حَولَ هَذِهِ المشْكِلَةِ، وَأُلْهِمَ عُمَرُ t أَنْ يَتَّسِعَ بِالشُّورَى مِنْ دَائِرَةِ المهَاجِرِينَ حَتَّى تَشْمَلَ أُفُقَ الأَنصَارِ، فَاسْتَدْعَى عَشَرَةً مِنْهُمْ: خَمْسَةً مِنَ الأَوْسِ وَخَمْسَةً مِنَ الخَزْرَجِ، وَخَطَبَ فِيهِمْ بِهَذَا القَولِ الجَمِيلِ الحَكِيمِ: حَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: "إِنِّي لَمْ أُزْعِجْكُمْ إِلَّا لِأَنْ تَشْتَرِكُوا فِي أَمَانَتِي فِيمَا حُمِّلْتُ مِنْ أُمُورِكُمْ، فَإِنِّي وَاحِدٌ كَأَحَدِكُمْ، وَأَنْتُمُ اليَومَ تُقِرُّونَ بِالحَقِّ خَالَفَنِي مَنْ خَالَفَنِي، وَوَافَقَنِي مَنْ وَافَقَنِي، وَلَسْتُ أُرِيدُ أَنْ تَتَّبِعُوا هَذَا الَّذِي هُوَ هَوَايَ، مَعَكُمْ مِنَ اللهِ كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالحَقِّ، فَوَاللهِ لَئِنْ كُنْتُ نَطَقْتُ بِأَمْرٍ أُرِيدُهُ مَا أُرِيدُ بِهِ إِلَّا باِلحَقِّ.
قَالَ الأَنْصَارُ رضي الله عنهم: قُلْ نَسْمَعْ، يَا أَمِيرَ المؤْمِنِينَ. قَالَ عُمَرُ t : "سَمِعْتُمْ كَلَامَ هَؤُلَاءِ القَومِ الَّذِينَ زَعَمُوا أَنِّي أَظْلِمُهُمْ حُقُوقَهُمْ، وَإِنِّي أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَركَبَ ظُلْمًا، لَئِنْ كُنْتُ ظَلَمْتُهُمْ شَيئًا هُوَ لَهُمْ وَأَعْطَيتُهُ غَيرَهُمْ لَقَدْ شَقِيتُ، وَلَكِنْ رَأَيْتُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ شَيءٌ يُفْتَحُ بَعْدَ أَرْضِ كِسْرَى، وَقَدْ غَنَّمَنَا اللهُ أَمْوَالَهُمْ وَأَرْضَهُمْ، فَقَسَمْتُ مَا غَنِمُوا مِنْ أَمْوَالٍ بَينَ أَهْلِهِ، وَأَخْرَجْتُ الخُمْسَ؛ فَوَجَّهْتُهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَأَنَا فِي تَوجِيِهِهِ. أَمَّا الأَرْضُ فَرَأَيْتُ أَنْ أَحْبِسَهَا وَأَضَعَ عَلَى أَهْلِهَا فِيهَا الخَرَاجَ، وَفِي رِقَابِـهِمُ الجِزْيَةَ يُؤَدُّونَهَا؛ فَتَكُونَ فَيئًا لِلمُسلِمِينَ وَالـمُقَاتِلَةِ وَالذُّرِّيَّةِ، وَلِمَنْ يَأْتِي مِنْ بَعْدِهِمْ، أَرَأَيْتُمْ هَذِهِ الثُّغُورَ؟ لَابُدَّ لَهَا مِنْ رِجَالٍ يَلْزَمُونَهَا، أَرَأَيْتُمْ هَذِهِ الـمُدُنَ العِظَامَ كَالشَّامِ، وَالجَزِيرَةِ، وَالكُوفَةِ، وَالبَصْرَةِ، وَمِصْرَ، لَابُدَّ لَهَا مِنْ أَنْ تُشْحَنَ بِالجُيُوشِ، وَإِدْرَارِ العَطَاءِ عَلَيهِمْ؟فَمِنْ أَينَ يُعْطَى هَؤُلَاءِ إِذَا قُسِّمَتِ الأَرْضُ؟".
قَالوا جَمِيعًا: "الرَّأْيُ رَأْيُكَ فَنِعْمَ مَا قُلْتَ: إِنْ لَمْ تُشْحَنْ هَذِهِ الثُّغُورُ، وَالـمُدُنُ بِالرِّجَالِ، وَيَجْرِ عَلَيهِمْ مَا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ رَجَعَ أَهْلُ الكُفْرِ إِلَى مُدُنِهِمْ".
وَالتَمَعَ فِي ذِهْنِ عُمَرَ t نُورٌ مِمَّا ألقَاهُ الحَقُّجَلَّ وَعَلَا عَلَى لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ، فَقَالَ:"وَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ حُجَّةً فِي كِتَابِ اللهِ:
قَالَ اللهُ تَعَالَى: (مَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى فَللهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ). (الحشر7)
ثُمَّ قَالَ عَقِبَ ذَلِكَ: (لِلْفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ). (الحشر8)
ثُمَّ لَمْ يَرْضَ حَتَّى خَلَطَ بِهِمْ غَيرَهُمْ فَقَالَ: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ). (الحشر9) فهذا للأنصار خاصة.
ثُمَّ لَمْ يَرْضَ حَتَّى خَلَطَ بِهِمْ غَيرَهُمْ فَقَالَ: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ). (الحشر10) فَكَانَتْ هَذِهِ الآيَةُ عَامَّةً لـِمَنْ جَاءَ مِنْ بَعْدِهِمْ، فَقَدْ صَارَ هَذَا الفَيءُ بَينَ هَؤُلَاء جَمِيعًا، فَكَيفَ نُقَسِّمُهُ لِهَؤُلَاءِ، وَنَدَعُ مَنْ تَخَلَّفَ بَعْدَهُمْ بِغَيرِ قَسْمٍ؟! الآنَ قَدْ بَانَ لِي الأَمْرُ...رَضِيَ اللهُ عَنْ عُمَرَ، وِأَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.
كتبها لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
الأستاذ: محمد أحمد النادي