- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الميزان
ميزان الفكر والنفس والسلوك
الحلقة الثامنة
بسم الله الرحمن الرحيم
1- يشترك الإنسان مع الحيوان في وجود الحاجات العضوية والغرائز لدى كل منهما، ويختلفان في كون الحيوان مفطوراً على السير بحسب دوافعه من حاجات عضوية وغرائز، وكون الإنسان يملك العقل ليميّز بين المشبِعات.
وسير الإنسان في حياته بدون ميزان لفكره ونفسيته وسلوكه لا ينحطّ به لمستوى الحيوان وحسب، بل إنه ينحط به لدَرَكٍ أدنى من مستوى الحيوان، لأن الحيوان مفروض عليه نظام سلوكي يسير بحسبه، لكن الإنسان لا يملك هذا النظام في فطرته وطبيعة خلقه، بل مفروض عليه أن يختار النظام الصحيح الذي يسعده ويرتقي به عن مستوى الحيوان إلى المستوى الإنساني. يقول الله سبحانه وتعالى: (سبح اسم ربك الأعلى، الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى) فربنا الأعلى سبحانه خلق من العدم، وسَوَّى المخلوقات؛ أي أعطاها الشكل الذي يناسب وظيفتها، وقدَّر فيها الخواص المناسبة لها ولغيرها، الخواص التي فيها الهداية لما خلقت له، فالحيوان كسائر المخلوقات – عدا الإنسان – مهدِيٌّ لما خُلِقَ له، وأما الإنسان ففيه قابلية الهداية والضلال، وفيه العقلُ المميز، وفيه النظرة التي تدفعه للبحث عن حقيقته وحقيقة وجوده ليتناسب كل ذلك مع الأمانة التي حملها الإنسان، والتكليف والمحاسبة على تصرفاته وأفعاله، ومع ذلك أرسلَ الله سبحانه إليه الرسل ليبلغوا نظام الله الصحيح ليسير عليه. ولذلك فإن من يسير من البشر بغير نظام، أو يسير بنظام غير نظام الله فإنه ينحطُّ لأدنى من مستوى الحيوان، يقول الله سبحانه وتعالى عن الكفار ( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل).
2- يقول الحق سبحانه وتعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)، فالحكمة الناتجة من خلق الجن والإنس هي عبادة الله سبحانه وتعالى، والعبادة تكون بحسب ما يريده المعبود، وليس كما يتهيأ للعابد، لجهل العابد بحقيقة المعبود، وجهله بالعبادة الصحيحة، فقد رأينا عبر تاريخ البشرية، كما حدثنا القرآن الكريم أيضاً كيف انحرف الناس في عبادتهم وضلوا، وعبدوا مخلوقات مثلهم، فعبدوا الشمس والقمر والنجوم وعبدوا النار والحيوانات، وعبد بعضهم بعضا. وكون الإنسان مفطوراً على التقديس، الذي هو مظهر من مظاهر غريزة التدين عند الإنسان فلا بد أن يُقدس، فكان لا بد للإنسان أن يتبع نظام الله سبحانه وتعالى في التقديس، وكان لا بد له أن يعبد الله كما يريد الله سبحانه وتعالى، فلا بد له من الميزان الصحيح والمقياس الحق في عبادة الله، وهذا لا يتأتى لعقل الإنسان المحدود أن يدركه دون إخبار الله تعالى عن طريق رسله عليهم الصلاة والسلام.
3- قلنا أن الإنسان لديه حاجات عضوية وغرائز تحتاج إلى إشباع، ولا بد لهذا الإشباع من نظام يسير الإنسان بحسبه، ولا يتأتى للإنسان أن يضع هذا النظام، فقد ذكرنا أن مصدر الإنسان في مقاييسه لا يعدو جهتين: عقله ودوافعه السلوكية، وبينّا عدم صلاحية الحاجات العضوية والغرائز لوضع مقاييس للإشباع لأنها تدفع للإشباع، فهي مجرد دوافع وليس فيها مقياس أو ميزان لتقديم مشبع على آخر، وبينّا عجز عقل الإنسان عن وضع مقاييس صحيحة للسلوك لجميع البشر نظراً لتقييده بآليات عمل محدودة، مما ينتج أحكاماً متصفة بالاختلاف والتفاوت والتناقض والتأثر بالبيئة، وليس لدى الإنسان مجرداً أي مصدر آخر يضع من خلاله الأحكام الصحيحة للسلوك لجميع البشر، ولا الأحكام التي تحقق له السعادة والهناءة في العيش، فكان لا بد لإشباع حاجاته العضوية وغرائزه أن يتبع نظام الله سبحانه، المحيطِ علمُه بكل شيء، والقادر على كل شيء، العالمِ بالإنسان وحقيقته، العالمِ بما يصلحه، فهو الأعلم به إذ أنشأه من الأرض، والأعلمُ به إذ هو جنين في بطن أمه، الأعلم بما يصلحُ شأنه ويسعده، وسنفصل في بيان ذلك لاحقاً بإذن الله.
كتبها للإذاعة وأعدها: خليفة محمد- الأردن