- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الميزان
ميزان الفكر والنفس والسلوك
الحلقة التاسعة عشرة
ميزان العقلية والنفسية
نتناول في هذا الباب المفاهيم الأساسية المشتركة في بناء كل من العقلية والنفسية، ودور كل مفهوم في كل منهما.
المفهوم الأول: حل العقدة الكبرى، مفهوم حل العقدة الكبرى مفهوم عام واسع يشمل مجموعة من المفاهيم، تسهم في تشكيل العقلية وبناء النفسية، وذلك أن دافعها نفسي ينطلق من غريزة التدين عند الإنسان، لكن حله لا بد أن يكون عقلياً، حلاً يقنع العقل ويطمئن النفس، فيصبح الحل هو الأساس الفكري للإنسان يبني عليه أفكاره ومفاهيمه، وتحدث الطمأنينة والسكينة للنفس، ويصبح الأساس للمفاهيم المتعلقة بصياغة النفسية.
وأسئلة العقدة الكبرى ثلاثة، تشكل صلة الإنسان بما قبل الحياة الدنيا، وصلته بما بعد الحياة الدنيا، وتصوغ نظرته للحياة الدنيا وتحدد سلوكه فيها، فالسؤال المتعلق بما قبل الحياة الدنيا هو: (من أين جئت؟)، والسؤال المتعلق بالموقف من الحياة الدنيا والنظرة إليها هو: (لماذا ؟)، والسؤال المتعلق بما بعد الحياة الدنيا هو: (إلى أين؟) .
قلنا إن الدافع لهذه الأسئلة عند الإنسان هو غريزة التدين، وهي تبدأ مع كل إنسان في طفولته مع بداية إدراكه وتفكيره، توقع الإنسان في الحيرة تجاه نفسه وتجاه كل ما حوله، حتى يجد لها الحل الصحيح فتنقطع حيرته وتزول، لكن إن لم يجد لها الحل الصحيح فسيبقى في حيرته، وستبقى الأسئلة معه تثور عليه كل حين وتقلقه مهما بلغ من العمر، وهذا مشاهد محسوس في من لم يحلوا العقدة الكبرى لديهم، ولعلنا نعرض شواهد على ذلك في موضعها بعون الله تعالى.
يقول الشيخ تقي الدين النبهاني –رحمه الله- في كتاب نظام الإسلام: (وإذا حلت هذه العقدة حلت باقي العقد)، وقد كتبتُ في شرح هذه العبارة كتابا بعنوان (العقدة الكبرى والعقد الصغرى)، خصصت به إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير، بث فيها على حلقات زادت عن الأربعين. بَيَّنتُ فيه واقع العقدة الكبرى عند الإنسان وعلاقتها بباقي العقد، وكيف أنه بحلها تحل باقي العقد الصغرى، وكيف أن الإنسان يقع في الشقاء والقلق المستمر إن لم يحلها مهما ملك من الدنيا، ومهما بلغ فيها من مكانة. مصداقاً لقوله تعالى: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ).
ويشترط في الحل الصحيح للعقدة الكبرى شرطان مرتبطان بمصدر هذه العقدة، وبأداة حلها، وهما قناعة العقل وموافقة الفطرة، ذلك أن الحل لا يكون صحيحاً إن لم تنته وتتوقف تساؤلات العقدة الكبرى الثلاث، وكذلك لا يكون صحيحا إن لم يقتنع العقل بهذا الحل، وإن لم يوافق هذا الحل قوانين العقل وقوانين الكون التي يدركها العقل.
وهذان الشرطان لا يتوافران إلا في العقيدة الإسلامية، فقد أجابت عن هذه الأسئلة إجابات تقنع العقل وتوافق الفطرة. وهذه الإجابات ترافق الإنسان حياته كلها مهما طالت، لا يتطرق إليها شك، بل يزداد ثقة وطمأنينة بهذا الحل كلما ازدادت علومه ومعارفه واطلاعه في هذا الكون. وهذا الحل للعقدة الكبرى يحل كل العقد الصغرى عند الإنسان.
كتبها للإذاعة وأعدها: خليفة محمد- الأردن