الأحد، 15 جمادى الأولى 1446هـ| 2024/11/17م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
الميزان - ميزان الفكر والنفس والسلوك الحلقة الثانية والعشرون

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الميزان

 

ميزان الفكر والنفس والسلوك

الحلقة الثانية والعشرون

 

 

 

مفاهيم العقيدة الفرعية

 

وهي جملة مفاهيم تحدد موقف الإنسان من مجموعة من القضايا الكبيرة في حياة الإنسان، وتصوغ عدداً من الدوافع عند الإنسان، فتحدث له الطمأنينة والسكينة في أمور تؤرقه وتقلقه، في حاضره ومستقبله.

 

1- الموت والأجل: يندفع الإنسان بدافع غريزة البقاء للمحافظة على حياته واستمرارها، ويخاف عليها، ويخشى أن يهددها أي شيء، وبما إن الموت حتمي على كل إنسان فهو مصدر قلق،  وعقدة من العقد الصغرى عند الإنسان، فكان الحل من العقيدة أن الموت لا يقع إلا بانتهاء أجل الإنسان، وأن الله تعالى قد كتب هذا الأجل، وأن الموت سيقع حتماً إذا انتهى الأجل، لا يؤخره خوف أو أي شيء، ولا يقدمه إقدامٌ أو شجاعة أو قتال أو قولة حق، وبما أن المؤمن يعمل للفوز في الآخرة بالجنة والنعيم المقيم فإن الموت بالنسبة له ليس نهاية حياة، بل هو بداية الحياة الحقيقية، حياة الجزاء على عمله الصالح في الدنيا، وتلك الحياة هي حياة الخلود في النعيم الدائم الذي لا ينقطع، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

 

يقول الله سبحانه وتعالى: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون)، ويقول سبحانه: (ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها)، ويقول عز وجل: ( إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر)، وغير ذلك من عشرات الآيات التي تدل دلالة قطعية على أن الموت متعلق بالأجل، وأن الأجل بيد الله وحده، لا سلطان لأحد غير الله تعالى أن يحيي أحداً جاء أجله، أو يميت أحداً لم يحن أجله، فيسير الإنسان في هذه الحياة الدنيا آمناً مطمئناً لا يخاف دون الله أحداً على حياته واستمرارها، ويقول دائما: (إنا لله وإنا إليه راجعون).....

 

2- القضاء والقدر:  يختلف الإيمان بالقضاء والقدر عن الإيمان بالقدر الوارد في أركان الإيمان، فالإيمان بالقدر متعلق بخواص الأشياء وخواص الإنسان وما ينتج عنها من خير أو شر، أما الإيمان بالقضاء والقدر فمتعلق بالأفعال التي تقع من الإنسان أو عليه رغماً عنه، مع أن هذه الأفعال تكون باستخدام خواص الإنسان وخواص الأشياء، فيؤمن العبد أن الأفعال التي تقع منه أو عليه جبراً عنه ولا يملك دفعها ولا منع وقوعها إنما هي قضاء وقدر من الله تعالى، ويتحدد موقفه منها بالرضا والتسليم، والصبر والاحتساب، فينال أجر الصابرين.

 

وهذه الدائرة تشمل نوعين:

 

أولهما: ما يقتضيه نظام الوجود كما قدره الله تعالى، فالإنسان ولد رغماً عنه، ولم يختر أبويه أو أحدهما، ولم يختر المكان ولا الزمان اللذين ولد فيهما، ولم يختر شيئاً من خواصه الشكلية أو البيولوجية أو النفسية أو العقلية، وفرض عليه أن يعيش على الأرض بجاذبيتها وحراراتها والضغط الجوي فيها، يتنفس من هوائها، ويشرب من مائها ويأكل من طعامها، ولديه الخصائص التي تمكنه من التأقلم مع بيئته، واستثمار كل هذه الخواص، فلا يحاسب الإنسان على وجود تلك الخصائص فيه وفيما حوله على تلك الهيئة، وهي ضمن القضاء والقدر، ولكنه يحاسب على استخدام تلك الخواص.

 

ثانيهما: الأفعال التي تقع من الإنسان أو عليه رغماً عنه ولا يستطيع دفعها ولا ردها ولا السيطرة عليها، كسقوطه بالخطأ من مكان مرتفع وتأذيه أو تأذي غيره من سقوطه، أو وقع حادث بمركبة لم يعلم عنه ولم يتوقعه ولا يملك له دفعاً، أو تعرضه للأذى من غيره دون استطاعته منع وقوع ذلك الأذى، وغير ذلك من الأمثلة الكثيرة المشاهد والمحسوس وقوعها من البشر باستمرار، فهذه كلها لا تدخل ضمن الثواب والعقاب، ولا يحاسب الإنسان على وقوعها.

 

ويترتب على الإيمان بالقضاء والقدر صياغة شعور الخوف مما يمكن أن يقع من الإنسان أو جبراً عنه في الحاضر والمستقبل، فلا يخاف من شيء دون الله تعالى، فلا يخاف من حوادث مفاجئة، ولا من سجن أو تعذيب، ولا يخاف على نفسه ولا على أهله وأولاده، لأنه يؤمن أنه (لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا)، فلا يمنعه خوف، ويوقن أن ما سيقع لا بد أن يقع فيشحذ العبد إيمانه مستقبلا كل ما يمكن أن يصيبه قضاءً وقدراً بالرضا والصبر، فينال الخير، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجباً لأمر المؤمن، كل أمره خير له، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، ولا يكون هذا إلا للمؤمن). وبهذا الإيمان مع الإيمان بالأجل يعيش الإنسان في حياته مقبلاً غير مدبراً، مطمئناً لا يخشى شيئاً، فيعمل الصالحات، ويجتنب المنهيات، ويقول الحق أينما كان، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر،  ويعمل في الدعوة إلى الله،  ويجاهد في سبيله، لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يخشى خطراً أو سوءاً، فكل ما يصيبه إنما هو خير له.

 

ولنقف قليلاً مع واقع البلاء للمؤمن:

 

واقع ما يقع من البلاء مما هو ضمن القضاء والقدر كما دلت النصوص الشرعية أنه قد يكون عقوبة من الله تعالى على معصية من العبد، فيعجل له العقوبة في الدنيا بدل الآخرة. وقد يكون اختباراً وتمحيصاً لإيمان العبد، وقد يكون تكفيراً لسيئات العبد، ورفعاً لدرجته عند الله تعالى، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل )، ويقول أيضاً صلى الله عليه وسلم: (يبتلى العبد على قدر دينه) فإن كان فيه صلابة زيد في البلاء،  وإن كان فيه رقة خفف عنه، وفي رواية الترمذي: (فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة).

 

ويقول الله سبحانه وتعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير).

 

وأخبر سبحانه عن عقوبات الأقوام السابقين من مثل قوله سبحانه: (فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل). وقوله سبحانه: (ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون).

 

ويقول سبحانه وتعالى في البلاء التمحيصي: (ونبلوكم بالشر والخير فتنة)، ويقول سبحانه: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاُ).

 

وبمعرفة هذا الميزان، يلتزم العبد الطاعات، ويجتنب المعاصي، حتى لا يقع عليه القضاء والقدر عقوبةً، وحين يقع عليه القضاء والقدر يستقبله بالرضا التام مع رجاء الرحمة من الله تعالى، وأن يجعله له كفارة ورفعاً لدرجته.

 

 

 

كتبها للإذاعة وأعدها: خليفة محمد- الأردن

آخر تعديل علىالأحد, 17 تشرين الأول/أكتوبر 2021

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع