- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
الميزان
ميزان الفكر والنفس والسلوك
الحلقة الثانية والثلاثون
وثاني ذينِكَ الأمرين المرتبطين بالدوافع الغريزية عند الإنسان هو الغرائز والحاجات العضوية، ذلك أنها حين إثارتها تتطلب مجرد الإشباع، وبالإشباع تهدأ وتتوقف الإثارة، ولكن مجرد الإشباع أيّ إشباع يحقق قدراً من الرضا المؤقت، يزول بزوال أثر الإشباع، وبانتقال الإنسان إلى التفكير بأمر آخر غير الإشباع يزول أثر الإشباع، والرضا الذي يحقق بالإشباع ينتهي بانتهاء التفكير فيه والانتقال إلى غيره، وعليه فإنه لا يمكن تحقيق الرضا الدائمي لمجرد الإشباع، بل إن الرضا المتحقق بالإشباع إنما هو رضا مؤقت سرعان ما يزول بزوال الإشباع وهدوء الدافع، فكيف للإنسان أن يحقق الرضا الدائمي؟؟
إن تحقيق الرضا الدائمي لا يكون إلا بالقناعة، والقناعة عقلية، أي لا يكون الرضا الدائمي إلا بفكرةٍ صحيحة يحملها الإنسان ويسير بحسبها، ولكن ما هي هذه الفكرة؟ وما الدليل على صحة ذلك؟؟
إن الفكرة التي تحقق الرضا الدائمي عند الإنسان ما هي إلا الإجابة الصحيحة عن أسئلة العقدة الكبرى، تلك الإجابة التي تحدد للإنسان غايته في هذه الحياة الدنيا، تحدد له الغاية من وجوده، فيسير في حياته بحسب هذه الغاية.
والإجابة الصحيحة عن أسئلة العقدة الكبرى كما ذكرنا سابقاً في هذا الكتاب أن الإنسان مع ما حوله من كون وحياة مخلوقون لخالق خلقهم من العدم، وكلفهم بتكاليف في هذه الحياة الدنيا سيحاسبهم عنها يوم القيامة، ولا إجابة صحيحة ً غير هذه الإجابة.
هذه الإجابة هي الفكرة الكلية عن الكون والإنسان والحياة وعن علاقتها جميعها بما قبلها وعن علاقتها حميعها بما بعدها، وهذه الإجابة تشكل الأساس الفكري والنفسي والسلوكي للإنسان، تصبح قاعدة فكرية يقيس عليها أفكاره ومفاهيمه، وقيادة فكرية تبني نفسيته بناءً خاصاً وتحدد سلوكه في هذه الحياة، فيتحقق الرضا الدائمي عند الإنسان حتى بغير إشباع، يسير مطمئناً متصلاً بخالقه سبحانه وتعالى، ويسير إشباعاتها كلها بالأحكام الشرعية فيحقق الرضا الدائمي، ولا يزول هذا الرضا بزوال الإشباع ولا بهدوء الدافع، سواءً أشبعه أم لم يشبعه، انظر إلى الصائم مثلاً كيف يستمتع بامتناعه عن الطعام والشراب والشهوة، وهو يرى أصناف الطعام وأنواع المثيرات، ذلك أن الدوافع لديه ارتبطت بالمفاهيم الصحيحة المبنية على الفكرة الكلية أو المنبثقة عنها، فيجوع ويعطش راضياً مرضياً، لأنه بجوعه هذا يحقق رضوان الله تعالى، فتطمئن نفسه وتهدأ الشواغل لديه فلا تثور، فهو يسير بحسب الفكرة الكلية التي سكَّنت عنده أسئلة من أين ولماذا وإلى أين؟ فلا يثور لديه سؤال (وماذا بعد؟)، ولكنه إن خالف في أمرها، وعصى ربه سبحانه، تجده لا يهدأ له بال ولا تستقر نفسه ولا تهدأ، حتى يتوب ويستغفر لأن سؤال البعدية عنده يقض مضجعه، فيحاول إزالة هذا التأثير بالندم والتوبة والاستغفار.
فهذه هي السعادة تحقيق الرضا الدائمي، وهذا هو طريقها تحقيق رضوان الله، وتلك هي نتيجتها في الدنيا، وكذلك الفوز في الآخرة بجنات الخلد ذات النعيم المقيم. نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون وإياكم مستمعينا الكرام من أهلها.
كتبها للإذاعة وأعدها: خليفة محمد- الأردن