الإثنين، 21 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من نظام الإسلام (ح24)  القدر

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بلوغ المرام من نظام الإسلام

(ح24)

 القدر

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بُلُوغُ المَرَامْ مِنْ نِظَامِ الإِسلامْ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةِ وَالعِشْرِينَ, وَعُنوَانُهَا: "القَدَرُ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ وَالثَّامِنَةَ عَشْرَةَ مِنْ كِتَابِ "نظَامِ الإِسلامِ" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.

 

يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "أمَّا القَدَرُ فَهُوَ أَنَّ الأفْعَالَ الَّتِي تَحصُلُ سَوَاءٌ أكَانَتْ فِي الدَّائِرةِ الَّتِي تُسَيطِرُ عَلَى الإِنسَانِ، أمْ فِي الدَّائِرَةِ الَّتِي يُسَيطِرُ عَلَيْهَا تَقَعُ مِنْ أشيَاءَ, وَعَلَى أشيَاءَ مِنْ مَادَّةِ الكَونِ وَالإِنسَانِ وَالحَيَاةِ، وَقَدْ خَلَقَ اللهُ لِهَذِهِ الأشيَاءِ خَوَاصَّ مُعَيَّنَةً، فَخَلَقَ فِي النَّارِ خَاصيَّةَ الإِحرَاقِ، وَفِي الخَشَبِ خَاصِيَّةَ الاحتِرَاقِ، وَفِي السِّكِّينِ خَاصيَّةَ القَطْعِ، وَجَعَلَهَا لازِمَةً حَسَبَ نِظَامِ الوُجُودِ لا تَتَخَلَّفُ. وَحِينَ يَظهَرُ أنَّهَا تخلَّفَتْ يَكُونُ اللهُ قَدْ سَلَبَهَا تِلْكَ الخَاصِيَّةَ، وَكَانَ ذَلِكَ أمْرًا خَارِقًا لِلْعَادَةِ. وَهُوَ يَحْصُلُ لِلأنبِيَاءِ, وَيَكُونُ مُعْجِزَةً لَهُمْ. وَكَمَا خَلَقَ فِي الأشيَاءِ خَاصِيَّاتٍ كَذَلِكَ خَلَقَ فِي الإِنسَانِ الغَرَائِزَ وَالحَاجَاتِ العُضْوِيَّةَ، وَجَعَلَ فِيهَا خَاصِيَّاتٍ مُعيَّنةً كَخَوَاصِّ الأشيَاءِ، فَخَلَقَ فِي غَرِيزَةِ النَّوْعِ خَاصِيَّةَ المَيلِ الجِنْسِيِّ، وَفِي الحَاجَاتِ العُضْوِيَّةِ خَاصِيَّاتٍ كَالجُوعِ وَالعَطَشِ وَنَحْوِهِمَا، وَجَعَلَهَا لازِمةً لَهَا حَسَبَ سُنَّةِ الوُجُودِ. فَهَذِهِ الخَاصِيَّاتُ الْمُعَيَّنةُ الَّتِي أوجَدَهَا اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الأشيَاءِ وَفِي الغَرَائِزِ وَالحَاجَاتِ العُضْوِيَّةِ الَّتِي فِي الإِنسَانِ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى القَدَرَ، لأنَّ اللهَ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَ الأشيَاءَ وَالغَرَائِزَ وَالحَاجَاتِ العُضْوِيَّةَ، وَقَدَّرَ فِيهَا خَوَاصَّهَا، وَهِيَ لَيسَتْ مِنْهَا, وَلا شَأنَ لِلعَبدِ فِيهَا وَلا أثَرَ لَهُ مُطْلَقًا. وَعَلَى الإِنسَانِ أنْ يُؤمِنَ بِأنَّ الَّذِي قَدَّرَ فِي هَذِهِ الأشيَاءِ الخَاصِيَّاتِ هُوَ اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وَهَذِهِ الخَاصِيَّاتُ فِيهَا قَابِلِيَّةٌ لأنْ يَعْمَلَ الإِنسَانُ بِوَسَاطَتِهَا عَمَلاً وَفْقَ أوَامِرِ اللهِ فَيَكُونَ خَيرًا، أو يُخَالِفَ أوَامِرَ اللهِ فَيَكُونَ شرًّا، سَوَاءٌ فِي استِعمَالِ الأشيَاءِ بِخَوَاصِّهَا، أم بِاستِجَابَتِهِ لِلغَرَائِزِ وَالحَاجَاتِ العُضْوِيَّةِ، خَيرًا إنْ كانتْ حَسَبَ أوَامِرِ اللهِ وَنَوَاهِيهِ، وَشَرًّا إنْ كَانَتْ مُخَالِفَةً لأوَامِرِ اللهِ وَنَوَاهِيهِ".

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: بَعْدَ أنْ بَيَّنَ الشَّيخُ - رَحِمَهُ اللهُ - المَقصُودَ الشَّرعِيَّ بِلَفْظِ "القَضَاءِ" بِأنَّهُ الأفعَالُ الَّتِي حَصَلَتْ فِي الدَّائِرَةِ الَّتِي تُسَيطِرُ عَلَى الإِنسَانِ, وَتُسَمَّى قَضَاءً؛ لأنَّ اللهَ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي قَضَاهُ. ثُمَّ ذَكَرَ أنَّ عَلَى الإِنسَانِ أنْ يُؤْمِنَ بِهَذَا القَضَاءِ, وَأنَّهُ مِنَ اللهِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, انتَقَلَ إِلَى بَيَانِ المَقصُودِ الشَّرعِيِّ بِلَفْظِ "القَدَرِ". فَذَكَرَ أنَّ الأفْعَالُ الَّتِي تَحصُلُ سَوَاءٌ أكَانَتْ فِي الدَّائِرةِ الَّتِي تُسَيطِرُ عَلَى الإِنسَانِ، أمْ فِي الدَّائِرَةِ الَّتِي يُسَيطِرُ عَلَيْهَا تَقَعُ مِنْ أشيَاءَ, وَعَلَى أشيَاءَ مِنْ مَادَّةِ الكَونِ وَالإِنسَانِ وَالحَيَاةِ". ثُمَّ ذَكَرَ أنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ لِهَذِهِ الأشيَاءِ خَوَاصَّ مُعَيَّنَةً، وَأعطَى عَلَى ذَلِكَ أمثِلَةً, وَهِيَ أنَّ اللهَ خَلَقَ فِي النَّارِ خَاصيَّةَ الإِحرَاقِ، وَفِي الخَشَبِ خَاصِيَّةَ الاحتِرَاقِ، وَفِي السِّكِّينِ خَاصيَّةَ القَطْعِ. ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللهَ تَعَالَى جَعَلَ هَذِهِ الخَوَاصَّ لازِمَةً حَسَبَ نِظَامِ الوُجُودِ لا تَتَخَلَّفُ. وَذَكَرَ أنَّهَا حِينَ يَظهَرُ أنَّهَا تخلَّفَتْ يَكُونُ اللهُ قَدْ سَلَبَهَا تِلْكَ الخَاصِيَّةَ، وَكَانَ ذَلِكَ أمْرًا خَارِقًا لِلْعَادَةِ. وَهُوَ يَحْصُلُ لِلأنبِيَاءِ, وَيَكُونُ مُعْجِزَةً لَهُمْ, وَذَلِكَ كَمَا حَصَلَ مَعَ نَبِي اللهِ إِبرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلامُ حِينَ حَطَّمَ أصنَامَ قَومِهِ فقَذَفُوهُ فِي النَّارِ, فَلَمْ تَحْرِقهُ, بَلْ كَانَتْ بَردًا وَسَلامًا عَلَيهِ, وَكَمَا حَصَلَ مَعَ نَبِيِّ اللهِ إِسمَاعِيلَ عَلَيهِ السَّلامُ حِينَ رَأى وَالِدُهُ إِبرَاهِيمَ عَلَيهِ السَّلامُ فِي المَنَامِ أنَّهُ يَذبَحُهُ تَنفِيذًا لأمرِ اللهِ, وَحِينَ أجْرَى السِّكِّينَ عَلَى رَقَبَتِهِ لَمْ تَقطَعْ, لأنَّ اللهُ تَعَالَى الَّذِي جَعَلَ فِي الأشيَاءِ خَوَاصَّهَا, قَادِرٌ عَلَى أنْ يَسلُبَ مِنهَا تِلْكَ الخَوَاصَّ فِي أيَّ وَقْتٍ شَاءَ. بَعدَ ذَلِكَ ذَكَرَ الشَّيخُ أنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ فِي الإِنسَانِ الغَرَائِزَ وَالحَاجَاتِ العُضْوِيَّةَ، وَجَعَلَ فِيهَا خَاصِيَّاتٍ مُعيَّنةً كَخَوَاصِّ الأشيَاءِ، وَأعْطَى عَلَى ذَلِكَ أمثِلَةً, وَهِيَ أنَّ اللهَ خَلَقَ فِي غَرِيزَةِ النَّوْعِ خَاصِيَّةَ المَيلِ الجِنْسِيِّ، وَخَلَقَ فِي الحَاجَاتِ العُضْوِيَّةِ خَاصِيَّاتٍ كَالجُوعِ وَالعَطَشِ وَنَحْوِهِمَا. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللهَ جَعَلَ هَذِهِ الخَاصِيَّاتِ لازِمةً لَهَا حَسَبَ سُنَّةِ الوُجُودِ. ثُمَّ انتَهَى الشَّيخُ - رَحِمَهُ اللهُ -  إِلَى أنَّ هَذِهِ الخَاصِيَّاتُ الْمُعَيَّنةُ الَّتِي أوجَدَهَا اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الأشيَاءِ وَفِي الغَرَائِزِ وَالحَاجَاتِ العُضْوِيَّةِ الَّتِي فِي الإِنسَانِ هِيَ الَّتِي تُسَمَّى القَدَرَ، لأنَّ اللهَ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَ الأشيَاءَ وَالغَرَائِزَ وَالحَاجَاتِ العُضْوِيَّةَ، وَقَدَّرَ فِيهَا خَوَاصَّهَا، وَهِيَ لَيسَتْ مِنْهَا, وَلا شَأنَ لِلعَبدِ فِيهَا وَلا أثَرَ لَهُ مُطْلَقًا. وَفَي خِتَامِ المَوضُوعِ قَالَ الشَّيخُ: إِنَّ عَلَى الإِنسَانِ أنْ يُؤمِنَ بِأنَّ الَّذِي قَدَّرَ فِي هَذِهِ الأشيَاء الخَاصِيَّاتِ هُوَ اللهُ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى. وَهَذِهِ الخَاصِيَّاتُ فِيهَا قَابِلِيَّةٌ لأنْ يَعْمَلَ الإِنسَانُ بِوَسَاطَتِهَا عَمَلاً وَفْقَ أوَامِرِ اللهِ فَيَكُونَ خَيرًا، أو يُخَالِفَ أوَامِرَ اللهِ فَيَكُونَ شرًّا، سَوَاءٌ أكَانَ ذَلِكَ فِي استِعمَالِ الأشيَاءِ بِخَوَاصِّهَا، أم بِاستِجَابَتِهِ لِلغَرَائِزِ وَالحَاجَاتِ العُضْوِيَّةِ، فَإنْ كَانَتْ استِجَابَتُهُ حَسَبَ أوَامِرِ اللهِ وَنَوَاهِيهِ كَانَتِ النَّتِيجَةُ خَيرًا، وَإنْ كَانَتْ مُخَالِفَةً لأوَامِرِ اللهِ وَنَوَاهِيهِ كَانَتِ النَّتِيجَةُ شَرًّا وَالعِيَاذُ بِالله".

 

32

 

33

 

أيها المؤمنون:

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع