الأحد، 22 محرّم 1446هـ| 2024/07/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح37) خوض الصراع الفكري مع القوميين والوطنيين (ج6)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

(ح37)

خوض الصراع الفكري مع القوميين والوطنيين (ج6)

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّابِعَةِ وَالثَّلاثِينَ, وَعُنوَانُهَا: "خَوضُ الصِّرَاعِ الفِكْرِيِّ مَعَ القَومِيِّينَ وَالوَطَنِيِّينَ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّانِيَةِ وَالعِشرِينَ مِنْ كِتَابِ "نظَامِ الإِسلامِ" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.

 

يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "تَنْشَأُ بَينَ النَّاسِ كُلَّمَا انْحَطَّ الفِكرُ رابِطَةُ الوَطَنِ، وَذَلِكَ بِحُكْمِ عَيشِهِمْ فِي أرْضٍ وَاحِدَةٍ وَالتِصَاقِهِمْ بِهَا". وَيَقُولُ أيضًا: "وَحِينَ يَكُونُ الفِكْرُ ضَيِّقًا تَنْشَأُ بَينَ النَّاسِ رَابِطةٌ قَومِيَّةٌ، وَهِيَ الرَّابِطَةُ العَائليَّةُ وَلَكنْ بِشَكْلٍ أَوْسَعَ".

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: لَمْ يَقتَنِعِ الطُّلابُ بِفِكْرَةِ القَومِيَّةِ العَرَبِيَّةَ وَرَفَضُوهَا رَفْضًا قَاطِعًا, وخَرَجَ أُستَاذُ مَادَّةِ العُلُومِ مِنْ غُرفَةِ الصَّفِّ مَذمُومًا مَدْحُورًا, وَشَرَرُ الغَضَبِ يَتَطَايَرُ مِنْ عَينَيهِ, وَقَدْ وَطَّدَ العَزْمَ عَلَى مُقَابَلَتِي وَمُوَاجَهَتِي عَلَى الفَورِ أثنَاءَ فَترَةِ الاستِرَاحَةِ بَينَ الدُّرُوسِ, فَنَزَلَ مِنَ الطَّابِقِ الثَّالِثِ إِلَى الطَّابِقِ الثَّانِي حَيثُ يُوجَدُ الجَنَاحُ الإِدَارِيُّ لِلمَدرَسَةِ, وَغُرفَةُ المُعَلِّمِينَ, وَغُرفَةُ المَكتَبَةِ, وهي غرفة صغيرة. فَلَقِيَنِي عِندَ أسْفَلِ الدَّرَجِ, وَمُبَاشَرَةً دُونَ سَلامٍ وَلا كَلامٍ, وَدُونَ مُقَدِّمَاتٍ بَادَرَنِي بِالسُّؤَالِ قائلاً: أنتَ يَا أُستَاذُ, بِأيِّ حَقٍّ تُحَدِّثُ الطُّلابَ عَنِ القَومِيَّةِ؟ وَسِرْنَا نَحنُ الاثنَينِ نَحْوَ المَكتَبَةِ؛ لِنَخلُوَ بِهَا وَحْدَنَا, فَكَّرتُ بِسُرعَةٍ, وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: "إِنَّ خَيرَ وَسَائِلِ الدِّفَاعِ هُوَ الهُجُومُ" فَأجَبْتُهُ عَلَى الفَورِ: وَأنتَ يَا أُستَاذُ بِأيِّ حَقٍّ تَسألُنِي وَتُحَاسِبُنِي؟ هَلْ أنْتَ وَزِيرُ تَربِيَةٍ أمْ مُوَجِّهٌ أم مُشرِفٌ أمْ مُدِيرٌ؟ أجَابَنِي: أنا أسألُكَ مِنْ بَابِ الزَّمَالَةِ فِي العَمَلِ, وَصَلْنَا بَابَ المَكتَبَةِ, دَخَلْنَا نَحنُ الاثنَانِ, وَأغلَقَ هَوَ البَابَ. فَأجَبتُهُ: إِنَّ بَابَ الزَّمَالَةِ هَذَا مَرفُوضٌ يَا أستَاذُ بِمِثْلِ طَرِيقَتِكَ وَأُسلُوبِكَ فِي الحِوَارِ!! ثُمَّ دَعْنِي أُحْسِنُ الظَّنَّ بِكَ, وَأُجِيبُكَ عَنْ سُؤَالِكَ مِنْ بَابِ الزَّمَالَةِ كَمَا تَقُولُ, فَأقُولُ لَكَ: إِنَّنِي أُحَدِّثُ الطُّلابَ عَنِ القَومِيَّةِ لأنَّ هُنَاكَ قَصِيدَةٌ لِلشَّاعِرِ هَارُون هَاشِم رَشِيدٍ عنُوَانُهَا: "قَومِيَّتِي العَرَبِيَّةُ" فِي مَادَّةِ وَمِنهَاجِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ مَطلُوبٌ دِرَاسَتُهَا وَشَرْحُهَا وَحِفُظُ أبيَاتٍ مِنهَا. وَالآنَ دَعنِي أسألُكَ وَأُحَاسِبُكَ مِنْ بَابِ الزَّمَالَةِ أيضًا كَمَا سَألتَنِي وَحَاسَبتَنِي فَأقُولُ لَكَ: وَأنْتَ بِأيِّ حَقٍّ تُحَدِّثُ الطُّلابَ عَنِ القَومِيَّة يَا أُستَاذُ؟ هَلْ يُوجَدُ فِي مَادَّةِ العُلُومِ مَوضُوعٌ عَنِ القَومِيَّةِ يَا أُستَاذُ؟ ثُمَّ مَا شَأنُكَ أنْتَ بِمَا أُحَدِّثُ بِهِ طُلابِي؟ حَدِّثْ أنْتَ طُلابَكَ بِمَا شِئْتَ وَأنَا أُحَدِّثُهُم بِمَا أشَاءُ, وَالطُّلابُ هُمُ الحَكَمُ بَينِي وَبَينَكَ, يَقتَنِعُونَ إِمَّا بِحَدِيثِي أو بِحَدِيثِكَ, فَهَذَا هُوَ شَأنُهُمْ. قَالَ الأُستَاذُ: لَكِنَّكَ بِحَدِيثِكَ وَشَرحِكَ عَنِ القَومِيَّةِ تُفَرِّقُ بَينَ المُسلِمِ وَالمَسِيحِي, قُلُت لَه: وَمَا فِي ذَلِكَ؟ قَالَ الأُستَاذُ: أنَتَ فِي ذَلِكَ الحَدِيثِ الَّذِي تَتَحَدَّثُ بِهِ تَصْنعُ فِتنَةً في البَلَدِ. قُلْتُ لَهُ عَلَى الفَورِ: إِنَّ هَذَا  لَيسَ مِمَّا يَعِنيكَ وَلَيسَ مِنْ شَأنِكَ أنتَ, فَلا تَتَدَخَّلْ فِي عَمَلِي مَرَّةً أُخرَى!! لَقَد نَجَحْتُ بِفَضْلِ اللهِ وَمَنِّهِ وَكَرَمِهِ نَجَاحًا بَاهرًا مُنقَطِعَ النَّظِيرِ فِي صُنْعِ رَأيٍ عَامٍّ فِي المَدرَسَةِ مُؤَيِّدٍ لِلإِسلامِ وَلأفْكَارِ الإِسلامِ, وَمعَارِضٍ فِي الوَقْتِ ذَاتِهِ لأفكَارِ الكُفرِ كَالاشتِرَاكِيَّةِ وَالشُّيُوعِيَّةِ وَالقَومِيَّةِ وَالدِّيمُقرَاطِيَّةِ. فَفِي الحِصَّةِ الرَّابِعَةِ بَعدَ فَترَةِ الاستِرَاحَةِ, وَمَا هِيَ فِي الحَقِيقَةِ إلاَّ فَتَرةُ صِرَاعٍ مَعَ خَصْمٍ مِنَ الخُصُومِ المُنَاوِئَةِ لِي فِي تَوجُّهِي الفِكْرِيِّ وَالعَقَائِدِيِّ, عُدْتُ إِلَى غُرفَةِ الصَّفِّ وَالتَقَيتُ طُلابِي الَّذِينَ كُنتُ أُحِبُّهُم كثيرًا, وَيُحِبُّونَنِي هُمْ أكثَرَ مِنْ حُبِّي إِيَّاهُم. وَقَصُّوا عَلَيَّ مَا حَدَثَ مَعَ أُستَاذِ مَادَّةِ العُلُومِ, الَّذِي كَظَمَ غَيظَهُ, وَكَتَمَ غَضَبَهُ, وَرَاحَ يُفَكِّرُ هُوَ وَقَرِينُهُ أُستَاذُ مَادَّةِ الاجتِمَاعِيَّاتِ الَّذِي كَانَ أُستَاذِي, وَكُنتُ أحَدَ طُلابِهِ فِي المَرحَلَةِ الثَّانَوِيَّةِ, رَاحَا يُفَكِّرَانِ فِي مَكِيدَةٍ لِضَرْبِ الرَّأيِ العَامِّ الَّذِي صَنَعتُهُ فِي المَدرَسَةِ بتَوفِيقِ اللهِ وَعَونِهِ, وَلَكِنْ كَمَا قَالَ اللهُ جَلَّ فِي عُلاهُ: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ). (الأنفال 30) وَقَالَ جَلَّ شَأنُهُ وَتَبَارَكَتْ أسْمَاؤُهُ: (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (٤٦) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ) (إبراهيم 46, 47) قُلتُ لِطُلابِي لَقَدَ تَبَيَّنَ لَكُمْ فَسَادُ القَومِيَّةِ وَبُطلانُهَا, فَمَا رَأيُكُمْ أنْ نُسقِطَ قَصِيدَةَ الشَّاعِرِ هَارُون هَاشِم رَشِيد, وَنَحذِفَهَا مِنَ المِنهَاجِ, وَلَكُمْ عِندِي بَدلاً مِنهَا قَصِيدَةٌ مِنْ أرقَى وَأروَعِ القَصَائِدِ التَّي قَرأتُهَا فِي حَيَاتِي كُلِّهَا, وَأنَا مُتَأكِّدٌ أنَّهَا سَتَنَالُ إِعجَابَكُمْ؟ فَقَالُوا: مَا يُعجِبُكَ يُعجِبُنَا يَا أُستَاذُ, وَلَكِنْ مَا عُنوَانُ هَذِه القَصِيدَةِ؟ وَمَنْ هُوَ قَائِلُهَا؟ قُلْتُ لَهُم: سَأُخبِرُكُمْ بِذَلِكَ بَعدَ قَلِيلٍ, تَعَالَوا بِنَا أوَّلاً نَحذِفُ هَذِهِ القَصِيدَةَ مِنَ المِنهَاجِ!! لِيُمسِكْ كُلٌّ مِنكُم قَلَمَهُ وَمِسطَرَتَهُ وَلْيَرسُمْ خَطًا قُطرِيًا مِنْ أعْلَى يَمِينِ صَفْحَةِ الكِتَابِ الَّتِي كُتِبَتِ القَصِيدَةُ عَلَيهَا إِلَى أسْفَلِ يَسَارِهَا, ثُمَّ ارسُمُوا خَطاً قُطرِيًا آخَرَ يُقَاطِعُ الخَطَّ الأوَّلَ مِنْ أعْلَى يَسَارِ الصَّفْحَةِ إِلَى أسْفَلِ يَمِينَهَا. وَالآنَ يَا أبنَائِي سَأُوَزِّعُ عَلَيكُمْ أورَاقًا كَتَبتُ لَكُم عَلَيهَا قَصِيدَةَ أمِيرِ الشُّعَرَاءِ أحْمَدْ شَوقِي, وَهِيَ بِعُنوَانِ: "خِلافَةُ الإِسلام" هَذِهِ القَصِيدَةُ الرَّائِعَةُ لا تَقبَلُ وَزَارَةُ التَّربِيَةِ وَالتَّعلِيمِ أنْ تُقَرِّرَ تَدرِيسَهَا فِي مَدَارِسِهَا لأنَّهَا عَلَى العَكْسِ تَمَامًا, وَعَلَى النَّقِيضِ مِنْ قَصِيدَةِ "قَومِيَّتي العَرَبِيَّة" سَنقرَأُ قَصِيدَةَ "خِلافَةُ الإِسلام" وَنَشرَحُهَا, وَنَفهَمُهَا, وَنَحفَظُ أبيَاتًا مِنهَا, فَمَا رَأيُكُمْ يَا أحِبَّائِي بِذَلِكَ؟ قَالُوا: الرَّأيُ مَا تَرَاهُ يَا أُستَاذَنَا, أنتَ تَختَارُ لَنَا مَا يَنفَعُنَا فِي دُنيَانَا وَأُخرَانَا, فَجَزَاكَ اللهُ عَنَّا خَيرَ الجَزَاءِ!! وَعَادَ الطُّلابُ إِلَى بُيُوتِهِمْ فَرِحِينَ بِهَذِهِ القَصِيدَةِ, وَأخبَرُوا أهْلَهُمْ بِمَا جَرَى فِي المَدرَسَة, وَجَاءَتنِي رَسَائِلُ شُكْرٍ مِنْ بَعضِ أولِيَاءِ الأُمُور عَلَى الجُهُودِ الَّتِي أبذُلُهَا فِي تَوعِيَةِ أبنَائِهِمْ, وَالحَمْدُ للهِ عَلَى ذَلِكَ حَمْدًا كَثِيرًا. فَكَيفَ كَانَ مَكْرُ هَذَينِ الأُستَاذَينِ؟ لَقَد كَانَ مَكرُهُمْ عَلَى نَوعَينِ: المَكْرُ الأوَّلُ مَكْرٌ شِبهُ مُعلَنٍ وَشِبهُ مَكْشُوفٍ, وَالمكْرُ الثَّانِي مَكْرٌ بِالخَفَاءِ, حَيثُ كَانَ أحدهما يَكتُبُ التَّقَارِيرَ السِّريَّةَ يُزَوِّدُ بِهَا دَائِرَةَ المُخَابَرَاتِ العَامَّةِ, يُخبِرُهُمْ فِيهَا بِكُلَ مَا كَانَ يَجرِي فِي المَدرَسَةِ, وَعَلَى إِثرِ ذَلِكَ تَمَّ اعتِقَالِي وَسَجْنِي فِيمَا بَعدُ, وَقَد أُخبِرتُ أنَّ مَجمُوعَةً مِنَ الطُّلابِ مُنِعُوا مِنْ زِيَارَتِي أثنَاءَ فَترَةِ اعتِقَالِي. أمَّا المَكْرُ شِبهُ المُعلَنِ, فَقَدْ عَرَفَ هَذَانِ الأُستَاذَانِ أنَّنِي أتَّبِعُ أُسلُوبًا فَرِيدًا مِنْ نَوعِهِ لِتَثبِيتِ الأفكَارِ الَّتِي أُرِيدُ تَثبِيتَهَا فِي عُقُولِ الطُّلابِ, وَهُوَ الإِتيَانُ بِسُؤَالٍ سَهْلٍ غَايَةَ السُّهُولَةِ, مَكتُوبًا فِي وَرَقَةِ امتِحَانِ نِهَايَةِ العَامِ الدِّرَاسِيِّ, فَفَكَّرُوا بِاتِّبَاعِ الأُسلُوبِ نَفسِهِ وَذَلِكَ بِكِتَابَةِ سُؤَالٍ مُنَاقِضٍ لِسُؤَالِي يَضْرِبُ فِكْرَةَ الإِسلامِ, وَيُرَسِّخُ فِكْرَةَ القَومِيَّةِ, وَكَانَ ذَلِكَ بِالتَّعَاوُنِ وَالتَّنسِيقِ مَعَ دَائِرَةِ المُخَابَرَاتِ العَامَّةِ, وَمَنْ يَقرَأ السُّؤَالَ يَكْتَشِفْ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقَةِ صِيَاغَتِهِ, وَلَكِنْ كَيفَ يُنَفِّذَانِ هَذِهِ الفِكْرَةَ, وَأحَدُهُمَا يُدَرِّسُ مَادَّةَ العُلُومِ, وَالآخَرُ يُدَرِّسُ مَادَّة الاجتِمَاعِيَّاتِ؟ لَقَد كَانَتْ شُعَبُ الصَّفِّ الثَّانِي الإِعدَادِي كَثِيرَةٌ وَمُتَعَدِّدَةٌ لا يَكْفِي أستَاذٌ وَاحِدٌ لِتَدرِيسِ مَادَّةِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ لِجَمِيعِ الطُّلابِ, فَلا بُدَّ مِنْ وُجُودِ مُدَرِّسٍ آخَرَ لِيَقُومَ بِتَدرِيسِ بَقِيَّةِ الطُّلابِ, وَهُنَا وَجَدَ هَذَانِ الأستَاذَانِ ضَالَّتَهُمَا لِتَنفِيذِ كَيدِهِمَا, فَذَهَبَ إِلَيهِ أُستَاذُ مَادَّةِ الاجتِمَاعِيَّاتِ, وَهُوَ قَومِيٌّ حَتَّى النُّخَاعِ لِدَرَجَةِ أنَّهُ ذَهَبَ هُوَ وَأُستَاذُ مَادَّةِ العُلُومِ فِي رِحْلَةٍ تَجَسُّسِيَّةٍ مَعَ المُتَطَوِّعِينَ الَّذِينَ استَجَابُوا لِنِدَاءِ المَلِكِ حُسَينٍ بْنِ طَلالَ, وَبَعَثَتْ بِهِمُ الحُكُومَةُ الأُردُنِيَّةُ إِلَى العِرَاقِ لِمُسَانَدَةِ صَدَّامَ حُسينٍ فِي مُحَارَبَةِ الفُرسِ أثنَاءَ الحَربِ العِرَاقِيَّةِ الإِيرَانِيَّةِ, أمْضَيَا فَترَةً قَصِيرَةً هُنَاكَ ثُمَّ عَادَا إِلَى عَمَلِهِمَا, عَرَضَ هَذَا الأُستَاذُ عَلَى أُستَاذِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ أنْ يُسَاعِدَهُ فِي كِتَابَةِ أسئِلَةِ نِهَايَةِ العَامِ, فَوَافَقَ عَلَى ذَلِكَ دُونَ أدْنَى تَرَدُّدٍ, فَدَسَّ أُستَاذُ الاجتِمَاعِيَّاتِ سُؤَالَهُ, وَقَبلَ مَوعِدِ الامتِحَانِ بِشَهْرٍ كَامِلٍ عَمِلَ الأسَاتِذَةُ الثَّلاثَةُ عَلَى تَسرِيبِ هَذَا السُّؤَالِ لِلطُّلابِ الَّذِينَ يُدَرِّسُهُمْ ذَلِكَ الأُستَاذُ, وَنَظَرًا لِلسُّمعَةِ الطَّيبَةِ الَّتِي كُنتُ أتَمَتَّعُ بِهَا, وَبِنَاءً عَلَى انتِشَارِ فِكْرَةٍ بَينَ الطُّلابِ عَنِّي مَفَادُهَا أنَّنِي لا أتَوَانَى عَنْ تَقدِيمِ العَونِ وَالمُسَاعَدَةِ لأيٍّ مِنهُم فَقَد جَاؤُوني زُرَافَاتٍ وَوِحْدَانًا يَطلُبُونَ مِنِّي أنْ أُجِيبَهُمْ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ, لَقَدْ كَشَفُوا لِيَ المَكِيدَةَ الَّتِي كَادَهَا هَؤُلاءِ الأسَاتِذَةُ الثَّلاثَةُ.

    

5051

 

قَالَ لِي أحَدُ الطُّلابِ: يَا أُستَاُذ إِنَّنا نَرجُوكَ غَايَةَ الرَّجَاءِ أنْ تُعِينَنَا عَلَى الإِجَابَةِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ الَّذِي أخبَرَنَا أُستَاذُنا أنَّ مَنْ يُجِيبُ عَنهُ يَحْصُلُ عَلَى سِتِّينَ دَرَجَةً مِنْ مِائَةٍ فِي مَادَّةِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ, وَأنَّ مَنْ يَمتَنِعُ عَنِ الإِجَابَةِ سَيَكُونُ مَصِيرُهُ الرُّسُوبُ فِي الامتِحَانِ وَالفَشَلُ فِي الدِّرَاسَةِ, قُلْتُ لَهُ: مَا مَوضُوعُ السُّؤَالِ؟ قَالَ: إِنَّهُ عَنِ القَومِيَّةِ يَا أُستَاذُ. قُلْتُ: ألَمْ يَشْرَحْ لَكُمْ أُستَاذُكُمْ مَعنَى القَومِيَّةِ؟ قَالَ: لَقَدْ قَرَأ لَنَا قَصِيدَةَ قَومِيَّتِي العَرَبِيَّةَ وَقَالَ لَنَا: احفَظُوا أبيَاتًا مِنهَا. قُلتُ لَهُ: إِنَّ طُلابِي كَتَبُوا عَنِ القَومِيَّةِ طَبقًا كَامِلاً عَلَى الوَجهَينِ, وَهُوَ مُكَوَّنٌ مِنْ أرْبَعِ صَفحَاتٍ, فَمَنْ أرَادَ مِنكُمْ أنْ يَفهَمَ القَومِيَّةَ فَليَرجِعْ إِلَى أيِّ وَاحِدٍ مِنْ طُلابِي الَّذِينَ أُدَرِّسُهُمْ فَسَيَجِدُ عِندَهُ الجَوَابَ الكَامِلَ وَالوَاضِحَ وَالمَفهُومَ. وَبِسُرعَةٍ فَائِقَةٍ انتَقَلَتِ الفِكْرَةُ وَانتَشَرَتْ بَينَ طُلابِ المَدرَسَةِ جَمِيعِهِمُ انتِشَارَ النَّارِ فِي الهَشِيمِ, وَتَحَوَّلَ طُلابِي إِلَى أسَاتِذَةٍ مُفَكِّرِينَ يُوَضِّحُونَ لِلطُّلابِ الآخَرِينَ فَسَادَ الرَّابِطَةِ القَومِيَّةِ؟ وَمَا إِنْ جَاءَ مَوعِدُ الامتِحَانِ حَتَّى كَانَتْ وَالحَمْدُ للهِ أفكَارُ الإِسلامِ هِيَ السَّائِدَةُ وَالمُسَيطِرَةُ, وَبَقِيَتْ قِلَّةٌ قَلِيلَةٌ مِنَ الطُّلابِ غَيرِ المُهتَمِّينَ لَمْ يَفْهَمُوا المَوضُوعَ. وَفِي يَومِ الامتِحَانِ تَمَّ تَرتِيبُ جُلُوسِ الطُّلابِ عَلَى المَقَاعِدِ فِي قَاعَاتِ الامتِحَانِ, بِحَيثُ اختَلَطَ طُلابِي مَعَ الطُّلابِ الآخَرِينَ, وَتَمَّ تَوزِيعُ أوْرَاقِ الامتِحَانَاتِ عَلَى الطُّلابِ, فَاجتَمَعَ فِي القَاعَةِ الوَاحِدَةِ السُّؤَالُ وَنَقِيضُهُ, وَقُرِئَتْ عَلَى مَسَامِعِ الطُّلابِ وَرَقَتَانِ مِنَ الأسئِلَةِ, إِحدَاهُمَا تَقُولُ عَنِ القَومِيَّةِ: إنَّهَا وَاجِبٌ مُقَدَّسٌ, وَالأُخرَى يُتَوَقَّعُ مِنَ الطَّالِبِ أنْ يَقُولَ مُجِيبًا عَنهَا: إِنَّ الرَّابِطَةَ القَومِيَّةَ فَاسِدَةٌ, وَقَدْ سَمِعْتُ بِأُذُنِي الطُّلابَ فِي إِحدَى القَاعَاتِ, وَقد تَرَكُوا الامتِحَانَ جَانِبًا, وَأخَذُوا يَتَنَاقَشُونَ فِيمَا بَينَهُم: يَقُولُ أحَدُهُمْ لِلآخَرِ صَارِخًا بِأعلَى صَوتِهِ: "القَومِيَّةُ فَاسِدَةٌ, فَمِنْ أينَ جَاءَهَا التَّقدِيسُ؟؟". وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ.   

                          

أيها المؤمنون:

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَبِهَذَا نَكُونُ قَدْ أنهَينَا الحَدِيثَ عَنِ الصِّرَاعِ مَعَ القَومِيِّينَ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع