- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح59) تطبيق الحاكم للإسلام: (التعليم, والسياسة الخارجية) (ج3)
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ التَّاسِعَةِ وَالخمسينَ, وَعُنوَانُهَا: "تَطبِيقُ الحَاكِمِ لِلإِسلامِ: التعليم, وَالسِّيَاسَةُ الخَارِجِيَّةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَتَينِ السَّادِسَةِ وَالأربَعِينَ, وَالسَّابِعَةِ وَالأربَعِينَ مِنْ كِتَابِ "نظَامِ الإِسلامِ" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "وأمَّا التَّعلِيمُ فَإِنَّ سِيَاسَتَهُ كَانَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى أسَاسِ الإِسلامِ، فَكَانَتِ الثَّقَافَةُ الإِسلامِيَّةُ هِيَ الأسَاسَ فِي مِنْهَاجِ التَّعلِيمِ، وَالثَّقَافَةُ الأجنَبِيَّةُ يُحْرَصُ عَلَى عَدَمِ أخْذِهَا إِذَا تَنَاقَضَتْ مَعَ الإسلامِ. وَأمَّا التَّقصِيرُ فِي فَتْحِ المَدَارِسِِ فَهُوَ إنَّمَا كَانَ فِي أوَاخِرِ الدَّولَةِ العُثمَانيَّةِ، عَلَى السَّوَاءِ فِي جَمِيعِ البِلادِ الإِسلامِيَّةِ، لِلانحِطَاطِ الفَكْرِيِّ الَّذِي بَلَغَ نِهَايَتَهُ حِينَئِذٍ. وَأمَّا فِي بَاقِي العُصُورِ فَإِنَّ مِنَ المَشهُورِ فِي العَالَمِ كُلِّهِ أنَّ البِلادَ الإِسلامِيَّةَ كَانَتْ وَحْدَهَا مَحَطَّ أنظَارِ العُلَمَاءِ والمُتَعَلِّمِينَ، وَلِجَامِعَاتِ قُرْطُبَةَ وَبَغدَادَ وَدِمَشقَ وَالإسكندَرِيَّةِ وَالقَاهِرَةِ أَثَرٌ كَبِيرٌ فِي تَوجِيهِ التَّعلِيمِ فِي العَالَمِ. وَأمَّا السِّيَاسَةُ الخَارِجيَّةُ فَإِنَّهَا كَانَتْ مَبنِيَّةً عَلَى أسَاسٍ إِسلامِيٍّ، فَالدَّولَةُ الإِسلامِيَّةُ كَانَتْ تَبْنِي عَلاقَاتِهَا مَعَ الدُّوَلِ الأُخْرَى عَلَى أسَاسِ الإِسلامِ، وَكَانَتْ جَمِيعُ الدُّوَلِ تَنظُرُ إِلَيهَا بِوَصفِهَا دَولةً إِسلامِيَّةً، وَكَانَتْ عَلاقَاتُهَا الخَارِجِيَّةُ كُلُّهَا مَبنيَّةً عَلَى أسَاسِ الإِسلامِ وَمَصلَحَةِ المُسلِمِينَ بِوَصْفِهِمْ مُسلِمِينَ، وَإِنَّ أمْرَ كَونِ سِيَاسَةِ الدَّولَةِ الإِسلامِيَّةِ الخَارِجِيَّةِ هِيَ السِّيَاسَةَ الإِسلامِيَّةَ مَشْهُورٌ شُهْرَةً عَالَمِيَّةً تُغْنِي عَنِ الدَّلِيلِ".
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يُوَاصِلُ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي مَعرِضِ بَحثِهِ لِلقِيَادَةِ الفِكرِيَّةِ الإِسلامِيَّةِ إِجَابَتَهُ عَنْ مَسألةٍ فِي غَايَةِ الأهَمِيَّةِ وَهِيَ: هَلْ طَبَّقَ المُسلِمُونَ الإِسلامَ, أمْ أنَّهُمْ كَانُوا يَعتَنِقُونَ عَقِيدَتَهُ وَيُطَبِّقُونَ غَيرَهُ مِنَ الأنظِمَةِ وَالأحكَامِ؟! وَيُمكِنُ إِجْمَالُ الإِجَابَةِ الوَارِدَةِ فِي هَذِهِ الفَقْرَةِ بِالنُّقَاطِ الآتِيَةِ:
- يَتَمَثَّلُ تَطبِِِِِيقُ الحَاكِمُِ لِلإِسلامِِ في الأحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ المُتَعَلِّقَةِ بِخَمْسَةِ أشيَاءَ هِيَ: الاجْتِمَاعِ، وَالاقتِصَادِ، وَالتَّعلِيمِ، وَالسِّيَاسَةِ الخَارِجِيَّةِ، وَالحُكْمِ.
- طُبِّقَتْ هَذِهِ الأشيَاءُ الخَمْسَةُ جَمِيعُهَا مِنْ قِبَلِ الدَّولَةِ الإِسلامِيَّةِ. وَقد بَيَّنَّا تطبِيقَ الدَّولَةِ لِلإسلامِ مِنْ نَاحِيَتَي الاجتِمَاعِ وَالاقتِصَادِ, وَسَنبَيِّنُهُ مِنْ نَاحِيَتَي التَّعلِيمِ وَالسِّيَاسَةِ الخَارِجِيَّةِ.
أولاً: التعليم:
- كَانَتْ سِيَاسَةُ التَّعلِيمُ مَبْنِيَّةً عَلَى أسَاسِ الإِسلامِ.
- كَانَتِ الثَّقَافَةُ الإِسلامِيَّةُ هِيَ الأسَاسَ فِي مِنْهَاجِ التَّعلِيمِ.
- كَانَتِ الثَّقَافَةُ الأجنَبِيَّةُ يُحْرَصُ عَلَى عَدَمِ أخْذِهَا إِذَا تَنَاقَضَتْ مَعَ الإسلامِ.
- كَانَ التَّقصِيرُ فِي فَتْحِ المَدَارِسِِ فِي أوَاخِرِ الدَّولَةِ العُثمَانيَّةِ، عَلَى السَّوَاءِ فِي جَمِيعِ البِلادِ الإِسلامِيَّةِ، لِلانحِطَاطِ الفَكْرِيِّ الَّذِي بَلَغَ نِهَايَتَهُ حِينَئِذٍ.
- مِنَ المَشهُورِ فِي العَالَمِ كُلِّهِ فِي بَاقِي العُصُورِ أنَّ البِلادَ الإِسلامِيَّةَ كَانَتْ وَحْدَهَا مَحَطَّ أنظَارِ العُلَمَاءِ والمُتَعَلِّمِينَ، وَلِجَامِعَاتِ قُرْطُبَةَ وَبَغدَادَ وَدِمَشقَ وَالإسكندَرِيَّةِ وَالقَاهِرَةِ أَثَرٌ كَبِيرٌ فِي تَوجِيهِ التَّعلِيمِ فِي العَالَمِ. حَتَّى إِنَّ حُكَّامَ الغَربِ كَانُوا يُرسِلُونَ أبنَاءَهُمْ؛ لِيَنهَلُوا مِنْ مَعَاهِدِ العِلْمِ عِندَ المُسلِمِينَ, وَذَلِكَ كَمَا جَاءَ فِي رِسَالَةِ جُورجِ الثَّانِي إِلَى خَلِيفَةِ المُسلِمِينَ هِشَامِ الثَّالِثِ فِي بِلادِ الأندَلُسِ.
بَقِيَ أنْ نَقُولَ: إِنَّ التَّعلِيمَ فِي دَولَةِ الخِلافَة مَبنِيٌّ عَلَى أسَاسِ العَقِيدَةِ الإِسلامِيَّةِ, وَالثَّقَافَةُ الإِسلامِيَّةُ هِيَ الأَسَاسُ فِي مِنهَاجِ التَّعلِيمِ, وَالثَّقَافَةُ الإِسلامِيَّةُ هِيَ المَعَارِفِ الَّتِي كَانَتِ العَقِيدَةُ الإِسلامِيَّةُ سَبَبًا فِي بَحثِهَا, وَهَذِهِ المَعَارِفُ أنوَاعٌ ثَلاثَةٌ:
- مَعَارِفُ تَتَضَمَّنُ العَقِيدَةَ الإِسلامِيَّةَ كَعِلْمِ التَّوحِيدِ.
- مَعَارِفُ مَبنِيَّةٌ عَلَى العَقِيدَةِ الإِسلامِيَّةِ مِثلُ: الفِقْهِ وَالتَّفسِيرِ وَالحَدِيثِ.
- مَعَارِفُ يَقتَضِيهَا فَهْمُ مَا يَنبَثِقُ عَنِ العَقِيدَةِ الإِسلامِيَّةِ مِنَ الأحْكَامِ كَالمَعَارِفِ الَّتِي يُوجِبُهَا الاجِتهَادُ فِي الإِسلامِ مِثلُ: عُلُومِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ, عِلْمُ مُصطَلَحِ الحَدِيثِ, عِلْمُ أُصُولِ الفِقْهِ.
وَتَارِيخُ الأُمَّةِ الإِسلامِيَّةِ جُزءٌ مِنْ ثَقَافَتِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إِخبَارٍ عَنْ حَضَارَتِهَا وَعَنْ رِجَالِهَا, وَقَادَتِهَا, وَعُلَمَائِهَا, وَتَارِيخُ العَرَبِ قَبلَ الإِسلامِ لَيسَ مِنَ الثَّقَافَةِ الإِسلامِيَّةِ, بَينَمَا يُمكِنُ اعتِبَارُ شِعْرِ العَرَبِ قَبلَ الإِسلامِ مِنْ هَذِهِ الثَّقَافَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ شَوَاهِدَ تُعِينُ عَلَى فَهْمِ ألفَاظِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ وَتَرَاكِيبِهَا, وَبِالتَّالِي عَلَى الاجتِهَادِ, وَعَلَى تَفسِيرِ القُرآنِ, وَفَهْمِ الحَدِيثِ. وَالتَّعلِيمُ هُوَ الطَّرِيقُ لِحِفْظِ ثَقَافَةِ الأُمَّةِ فِي صُدُورِ أبنَائِهَا, وَفِي سُطُورِ كُتُبِهَا. وَالغَايَةُ مِنَ التَّعلِيمِ هِيَ تَكوِينُ الَعقلِيَّةِ الإِسلامِيَّةِ وَالنَّفسِيَّةِ الإِسلامِيَّةِ لإِيجَادِ الشَّخصِيَّةِ الإِسلامِيَّةِ, وَتَزوِيدِ النَّاسِ بِالعُلُومِ وَالمَعَارِفِ المُتَعَلِّقَةِ بِشُؤُونِ الحَيَاةِ. وَهَذِهِ بُشرَى خَيرٍ نَزِفُّهَا لأُمَّةِ الإِسلامِ وَهِيَ تَتَلَمَّسُ طَرِيقَ نَهضَتِهَا عَلَى أسَاسِ الإِسلامِ نَحْوَ العِزَّةِ بِأنَّ حِزْبَ التَّحرِيرِ الرَّائِدَ الذِي لا يَكذِبُ أهْلَهُ, وَالَّذِي يَعمَلُ بِجِدٍّ لإقَامَةِ دَولَةِ الخِلافَةِ قَدْ أعَدَّ مَنَاهِجَ مَدرَسِيَّةً تُحَقِّقُ الهَدَفَ الَّذِي ذَكَرنَاهُ!!
ثانياً: السياسة الخارجية:
- كَانَتِ السِّيَاسَةُ الخَارِجيَّةُ مَبنِيَّةً عَلَى أسَاسٍ إِسلامِيٍّ.
- كَانَتِ الدَّولَةُ الإِسلامِيَّةُ تَبْنِي عَلاقَاتِهَا مَعَ الدُّوَلِ الأُخْرَى عَلَى أسَاسِ الإِسلامِ.
- كَانَتْ جَمِيعُ الدُّوَلِ تَنظُرُ إِلَيهَا بِوَصفِهَا دَولةً إِسلامِيَّةً.
- كَانَتْ عَلاقَاتُهَا الخَارِجِيَّةُ كُلُّهَا مَبنيَّةً عَلَى أسَاسِ الإِسلامِ وَمَصلَحَةِ المُسلِمِينَ بِوَصْفِهِمْ مُسلِمِينَ.
- كَونِ سِيَاسَةِ الدَّولَةِ الإِسلامِيَّةِ الخَارِجِيَّةِ هِيَ السِّيَاسَةَ الإِسلامِيَّةَ أمْرٌ مَشْهُورٌ شُهْرَةً عَالَمِيَّةً تُغْنِي عَنِ الدَّلِيلِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.