الثلاثاء، 07 شوال 1445هـ| 2024/04/16م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح152) محكمة المظالم لها وحدها صلاحية عزل الخليفة, وللخليفة أن يعين معاونيه

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

 (ح152)  محكمة المظالم لها وحدها صلاحية عزل الخليفة, وللخليفة أن يعين معاونيه

 

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّانِيَةِ وَالخَمْسِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا:"مَحكَمَةُ الـمَظَالِـمِ لَهَا وَحْدَهَا صَلَاحِيَّةُ عَزْلِ الخَلِيفَةِ, وَلِلخَلِيفَةِ أَنْ يُعَيِّنَ مُعَاوِنِيهِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّانِيَةِ بَعدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

 

المادة 41-مَحكَمَةُ الـمَظَالِـمِ وَحْدَهَا هِيَ الَّتِي تُقَرِّرُ مَا إِذَا كَانَتْ قَدْ تَغَيَّرَتْ حَالُ الخَلِيفَةِ تَغَيُّرًا يُخرِجُهُ عَنِ الخِلَافَةِ أَمْ لَا، وَهِيَ وَحْدَهَا الَّتِي لَـهَا صَلَاحِيَّةُ عَزلِهِ أَو إِنذَارِهِ.

 

المادة 42:يُعَيِّنُ الخَلِيفَةُ مُعَاوِنَ تَفوِيضٍ أَو أَكْثَرَ لَهُ يَتَحَمَّلُ مَسؤُولِيَّةَ الحُكْمِ، فَـيُـفَـوِّضُ إِلَيهِ تَـدبِـيرَ الأُمُـورِ بِـرَأيِـهِ وَإِمـضَـاءَهَـا عَلَى اجتِهَادِهِ. وَعِندَ وَفَاةِ الخَلِيفَةِ فَإِنَّ مُعَاوِنِيهِ تَنتَهِي وِلَايَتُهُمْ, وَلَا يَستَمِرُّونَ فِي عَمَلِهِمْ إِلَّا فَتْرَةَ الأَمِيرِ الـمُؤَقَّتِ.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أَيُّهَا الصَّائِمُونْ, يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبًّا, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجًا وَدُستُورًا, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَامًا لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ.

 

أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا, وَهَاتَانِ هُمَا الـمَادَّتَانِ الوَاحِدَةُ وَالأَربَعُونَ, وَالثَّانِيَةُ وَالأَربَعُونَ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَاتَينِ الـمَادَّتينمِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ, وهِيَ عَلَى النَّحْوِ الآتِي:

 

أولا: المادة الواحدة والأربعون: الدَّلِيلُ عَلَيهَا أَنَّ حُدُوثَ أَيِّ أَمْرٍ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي يُعزَلُ فِيهَا الخَلِيفَةُ, وَالَّتِي يَستَحِقُّ فِيهَا العَزْلَ مَظلِمَةٌ مِنَ الـمَظَالِـمِ, فَلَا بُدَّ مِنْ إِزَالَتِهَا، وَهِيَ كَذَلِكَ أَمْرٌ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تَحتَاجُ إِلَى إِثبَاتٍ, فَلَا بُدَّ مِنْ إِثبَاتِهَا أَمَامَ قَاضٍ. وَبِمَا أَنَّ مَحكَمَةَ الـمَظَالِـمِ هِيَ الَّتِي تَحكُمُ بِإِزَالَةِ الـمَظَالِـمِ، وَقَاضِيهَا هُوَ صَاحِبُ الصَّلَاحِيَّةِ فِي إِثبَاتِ الـمَظلِمَةِ وَالحُكْمِ بِهَا، لِذَلِكَ كَانَتْ مَحكَمَةُ الـمَظَالِـمِ هِيَ الَّتِي تُقَرِّرُ مَا إِذَا كَانَتْ قَدْ حَصَلَتْ حَالَةٌ مِنَ الحَالَاتِ الـمَذكُورَةِ فِي الـمَادَّةِ السَّابِقَةِ أَمْ لَا, وَهِيَ الَّتِي تُـقَـرِّرُ عَزْلَ الخَلِيفَةِ. عَلَى أَنَّ الخَلِيفَةَ إِذَا حَصَلَتْ لَهُ حَالَةٌ مِنْ هَذِهِ الحَـالَاتِ, وَخَلَعَ نَـفْسَـُه فَقَدِ انتَهَى الأَمْرُ، وَإِذَا رَأَى الـمُسلِمُونَ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُخـلَعَ بِحُـصُـولِ هَذِهِ الحَـالَةِ وَنَازَعَـهُمْ فِي ذَلِكَ, فَإِنَّهُ يُرجَعُ لِلفَصْلِ فِي ذَلِكَ إِلَى القَضَاءِ لِقَولِهِ تَعَالَى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ). (النساء 59) أَي تَـنَـازَعـتُـمْ أَنـتُـمْ وَأُولُـو الأَمْـرِ، وَهَـذَا تَـنَـازُعٌ بَينَ وَلِيِّ الأَمْـرِ وَبَينَ الأُمَّـةِ، وَرَدُّهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُـولِ r هُوَ رَدُّهُ إِلَى الـقَـضَـاءِ أَي إِلَى مَحكَمَةِ الـمَظَالِـمِ.

 

كَمَا أَنَّ لِـمَحكَمَةِ الـمَظَالِـمِ صَلَاحِيَّةُ تَحدِيدِ مُدَّةِ الإِنذَارِ لِرَفْعِ التَّسَلُّطِ عَنهُ، أَوْ مُدَّةِ الإِمهَالِ لِلانفِكَاكِ مِنَ الأَسْرِ، حَيثُ يَستَمِرُّ خِلَالَهَا عَمَلُ الأَمِيرِ الـمُؤَقَّتِ، وَبَعدَهَا فَإِنْ تَـمَتَّعَ الخَلِيفَةُ بِصَلَاحِيَّاتِهِ دُونَ التَّسَلُّطِ وَالأَسْرِ فَإِنَّ عَمَلَ الأَمِيرِ الـمُؤَقَّتِ يَنتَهِي، وَإِنْ لَـمْ يَنتَهِ التَّسَلُّطُ وَالأَسْرُ يُحْكَمُ بِالعَزْلِ، وَيَبدَأُ الأَمِيرُ الـمُؤَقَّتُ إِجرَاءَاتِ تَنصِيبِ الخَلِيفَةِ الجَدِيدِ.

 

ثانيًا: المادة الثانية والأربعون: دَلِيلُهَا مَا أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ أَنَّ الرَّسُولَ r قَالَ: «وَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» أَخرَجَهُ الحَاكِمُ وَالتِّرمِذِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ, وَهَذَا الحَدِيثُ يَستَعمِلُهُ عَامَّةُ الفُقَهَاءِ, وَقَبِلَهُ أَكْثَرُ العُلَمَاءِ؛ فَهُوَ مِنَ الحَدِيثِ الحَسَنِ فَيَكُونُ دَلِيلًا شَرعِيًا عَلَى أَنَّ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يُعَيِّنَ مُعَاوِنِينَ. وَقَدْ أَطلَقُ عَلَيهِمُ الحَدِيثُ لَفْظَ (وَزِير) بِالـمَعنَى اللُّغَوِيِّ وَهُوَ (مُعِينٌ)، وَقَدْ استَعمَلَهُ القُرآنُ بِهَذَا الـمَعنَى قَالَ تَعَالَى: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي). (طه 29) أَيْ مُعِينًا.

 

وَالوَزَارَةُ وُجدَتْ مُنذُ عَهْدِ الرَّسُولِ r وَدَلِيلُ ذَلِكَ نَصُّ حَدِيثِ التِّرمِذِيُّ، إِلَّا أَنَّ الرَّسُولَ r كَانَ هُوَ الَّذِي يَقُومُ بِالحُكْمِ، وَلَـمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ أَنْ يَقُومَا بِمَا يَقُومُ بِهِ مِنَ الحُكْمِ، إِلَّا أَنْ جَعَلَهُمَا وَزِيرَينِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ لَـهُمَا صَلَاحِيَّةَ مُعَاوَنَتِهِ، أَيْ صَلَاحِيَّةَ أَنْ يَقُومَ كُلٌّ مِنهُمَا بِمَا يَقُومُ بِهِ هُوَ مِنَ الحُكْمِ، وَبَعْدَ وَفَاةِ الرَّسُولِ r كَانَ عُمَرُ وَزِيرَ أَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ يَقُومُ بِمَا يَقُومُ بِهِ الخَلِيفَةُ مِنَ الحُكْمِ، وَكَانَ ذَلِكَ ظَاهِرًا حَتَّى قَالَ بَعضُهُمْ لِأَبِي بَكْرٍ: "وَاللهِ مَا نَدْرِي أَنْتَ الخَلِيفَةُ أَمْ عُمَرُ". أَورَدَهُ ابنُ حَنبَلَ فِي فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ عَنْ نَافِعٍ. وَبَعدَ وَفَاةِ أَبِي بَكْرٍ كَانَ عُثمَانُ وَعَلِيٌّ وَزِيرَيْ عُمَرَ، وَكَانَ لَـهُمَا أَنْ يَقُومَا بِمَا يَقُومُ بِهِ مِنَ الحُكْمِ، إِلَّا أَنَّ قُوَّةَ شَخصِيَّةِ عُمَرَ لَـمْ يَظْهَرْ إِلَى جَانِبِهَا الوَزِيرَانِ بِأَعْمَالِ الـمُعَاوَنَةِ كَمَا كَانَ يَظهَرُ عُمَرُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، إِلَّا أَنَّ عَلِيًّا لِقُوَّةِ شَخصِيَّتِهِ كَانَ ظَاهِرًا قِيَامُهُ بِأَعْمَالٍ فِي عَهْدِ عُمَرَ.

 

وَبَعْدَ وَفَاةِ عُمَرَ كَانَ عَلِيٌّ وَمَروَانَ بْنَ الحَكَمِ وَزِيرَيْ عُثْمَانَ، إِلَّا أَنَّ عَلِيًّا كَانَ غَيرَ رَاضٍ عَنْ بَعضِ الأَعْمَالِ، فَلَمْ تَكُنْ تَظهَرُ لَهُ أَعمَالٌ مَعَ عُثمَانَ، إِذْ كَانَ كَالـمُبتَعِدِ. وَلَكِنَّ مَروَانَ كَانَ ظَاهِرًا قِيَامُهُ بِالوَزَارَةِ، أَيْ بِأَعْمَالِ الحُكْمِ، وَكَانَ الخَلِيفَةُ يُفَوِّضُ لِوَزِيرِهِ تَدبِيرَ الأُمُورِ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ مَعَ كُلِّ خَلِيفَةٍ مِنَ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ حَيثُ وُجُودِ الـمُعَاوِنِ (الوَزِيرِ) إِلَّا أَنَّ مُمَارَسَةَ الـمُعَاوِنِينَ لِتَدبِيرِ الأُمُورِ كَانَتْ تَختَلِفُ مِنْ وَاحِدٍ لِآخَرَ.

 

وَيُفهَمُ مِنَ الـمَعنَى اللُّغَوِيِّ مِنْ كَلِمَةِ (وَزِير)، أَيْ (مُعِينٌ) لِلخَلِيفَةِ، أَنَّهُ يَعنِي مُعِينًا بِأَعْمَالِ الخِلَافَةِ. وَبِمَا أَنَّهُ جَاءَ اللَّفْظُ مُطلَقًا غَيرَ مُقَيَّدٍ، فَيَكُونُ مُعِينًا لِلخَلِيفَةِ بِكُلِّ أَعْمَالِ الخِلَافَةِ. هَذَا مَا يُفهَمُ مِنَ الحَدِيثِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا كَانَ يَحصُلُ مِنْ عُمَرَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَيَكُونُ مَعنَى الوَزِيرِ شَرعًا هُوَ مَنْ يُعَاوِنُ الخَلِيفَةَ فِي جَمِيعِ أَعْمَالِ الخِلَافَةِ. لَكِنَّهُ لَا يَأخُذُ هَذِهِ الصَّلاحِيَّةَ ذَاتِيًا كَالخَلِيفَةِ، بَلْ يَأخُذُهَا بِمُجَرَّدِ إِسنَادِ الوَزَارَةِ إِلَيهِ مِنَ الخَلِيفَةِ، كَأَنْ يَقُولُ الخَلِيفَةُ عَيَّنتُ فُلَانًا وَزِيرًا لِي، أَوْ مُعَاوِنًا لِي، أَو نُبْ عَنِّي فِيمَا إِليَّ، أَوْ مَا شَاكَلَ ذَلِكَ. وَقَد سَمَّاهَا الـمَاوَردِيُّ فِي الأَحكَامِ السُّلطَانِيَّةِ وَزَارَةَ التَّفْوِيضِ، وَعَرَّفَهَا بِهَذَا الـمَعنَى فَقَالَ: "فَأَمَّا وَزَارَةُ التَّفوِيضِ, فَهُوَ أَنْ يَستَوزِرَ الإِمَامُ مَنْ يُفَوِّضُ إِلَيهِ تَدبِيرَ الأُمُورِ بِرَأيِهِ، وَإِمضَاءَهَا عَلَى اجتِهَادِهِ". إِلَّا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُطَالِعَ الخَلِيفَةَ بِكُلِّ عَمَلٍ يَقُومُ بِهِ، لِأَنَّهُ مُعَاوُنٌ, وَلَيسَ خَلِيفَةً، فَلَا يَستَقِلُّ وَحْدَهُ، بَلْ يُطَالِعُ الخَلِيفَةَ بِكُلِّ عَمَلٍ، صَغِيرًا كَانَ أَو كَبِيرًا.

 

وَهَذَا الوَاقِعُ لِلمُعَاوِنِ أَوِ الوَزِيرِ شَرعًا يَختَلِفُ اختِلَافًا تَامًّا عَنْ وَاقِعِ الوَزَارَةِ فِي النِّظَامِ الدِّيمُقرَاطِيِّ. إِذِ الوَزَارَةُ فِي النِّظَامِ الدِّيمُقرَاطِيِّ هِيَ الحُكُومَةُ (مَجلِسُ الوُزَرَاءِ)، وَهِيَ مَجمُوعَةُ أَفرَادٍ تَقُومُ بِوَصْفِهَا مَجمُوعَةً مُعَيَّنَةً بِالحُكْمِ، فَإِنَّ الحُكْمَ عِندَهُمْ لِلجَمَاعَةِ وَلَيسَ لِلوَاحِدِ، أَيْ أَنَّ الإِمَارَةَ جَمَاعِيَّةٌ, وَلَيسَتْ فَردِيَّةً، فَالحَاكِمُ الَّذِي يَملِكُ صَلَاحِيَّةَ الحُكْمِ كُلَّهَا هُوَ الوَزَارَةُ، أَيْ مَجمُوعَةَ الوُزَرَاءِ مُجتَمِعِينَ، وَلَا يَملِكُ أَيٌّ مِنهُمُ الحُكْمَ كُلَّهُ مُطلَقًا، وَإِنَّما تَنحَصِرُ صَلَاحِيَّةُ الحُكْمِ كُلِّهِ فِي الوَزَارَةِ كُلِّهَا مُجتَمِعَةً (مَجلِسِ الوُزَرَاءِ). وَأَمَّا الوَزِيرُ الوَاحِدُ, فَإِنَّهُ يُقلَّدُ تَقلِيدًا يُخَصَّصُّ بِنَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الحُكْمِ يَملِكُ فِيهَا الصَّلَاحِيَّاتِ الَّتِي تُقَرِّرُهَا لَهُ الوَزَارَةُ بِمَجمُوعِهَا، وَمَا لَـمْ تُقَرِّرُهُ لَهُ فِي هَذِهِ النَّاحِيَةِ تَبقَى صَلَاحِيَّاتُهُ لِلوَزَارَةِ وَلَيسَتْ لَهُ.

 

وَفِي الإِسلَامِ لَا يُوجَدُ مَجلِسُ وُزَرَاءَ بِيَدِهِ الحُكْمُ بِمَجمُوعِهِ (عَلَى الشَّكْلِ الدِّيمُقرَاطِيِّ)، بَلْ إِنَّ الإِمَارَةَ هِيَ لِلخَلِيفَةِ الَّذِي تُبَايِعُهُ الأُمَّةُ لِيَحْكُمَهَا بِكِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَالخَلِيفَةُ يُعَيِّنُ لَهُ مُعَاوِنِينَ (وُزَرَاءَ تَفوِيضٍ) يُقَلَّدُونَ تَقلِيدًا عَامًّا بِالنِّيَابَةِ وَعُمُومِ النَّظَرِ لِمُعَاوَنَةِ الخَلِيفَةِ فِي تَحَمُّلِ أَعبَاءِ الخِـلَافَةِ، فَهُمْ وُزَرَاءُ بِالـمَعنَى اللُّغَوِيِّ، أَيْ مُعَاوِنُونَ لِلخَلِيفَةِ فِيمَا يُكَلِّفُهُمْ بِهِ. وَلِذَلِكَ كَانَ التَّبَايُنُ بَينَ مَفهُومِ الوَزِيرِ وَالوَزَارَةِ فِي الإِسلَامِ، وَبَينَ مَفهُومِهَا فِي النِّظَامِ الدِّيمُقرَاطِيِّ، وَاضِحًا كُلَّ الوُضُوحِ.

 

وَلَمَّا كَانَ الـمَعنَى الَّذِي تَعنِيهِ الدِّيمُقرَاطِيَّةُ لِلوَزِيرِ وَالوَزَارَةِ هُوَ الـمَعنَى الطَّاغِي عَلَى النَّاسِ، وَإِذَا أُطلِقَ لَا يَنصَرِفُ إِلَّا إِلَى الـمَعنَى الدِّيمُقرَاطِيِّ، لِذَلِكَ، وَدَفْعًا لِلالتِبَاسِ، وَلِتَعْيِينِ الـمَعْنَى الشَّرعِيِّ بِالذَّاتِ دُونَ غَيرِهِ، لَا يَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى الـمُعَاوِنِ لِلخَلِيفَةِ لَفْظُ: (وَزِير) و(وَزَارَة) مُطلَقًا مِنْ غَيرِ تَقيِيدٍ، بَلْ يُطْلَقُ عَلَيهِ لَفْظُ (مُعَاوِن) وَهُوَ مَعنَاهُ الحَقِيقِيُّ، أَوْ يُوضَعُ قَيدٌ فِي لَفْظِ (وَزِير) أو (وَزَارَة) يَصْرِفُ الـمَعنَى الدِّيمُقرَاطِيَّ، وَيُعَيِّنُ الـمَعنَى الإِسلَامِيَّ وَحْدَهُ، كَأَنْ يُقَالَ: (وَزِيرُ تَفوِيضٍ).

 

يُعَيَّنُ الـمُعَاوِنُ وَيُعزَلُ بِأَمْرٍ مِنَ الخَلِيفَةِ. وَعِندَ وَفَاةِ الخَلِيفَةِ فَإِنَّ الـمُعَاوِنِينَ تَنتَهِي وِلَايَتُهُمْ، وَلَا يَسـتَـمِـرُّونَ فِي عَمَلِهِمْ إِلَّا فَترَةَ الأَمِيرِ الـمُؤَقَّتِ. ثُمَّ يَحتَاجُونَ إِلَى تَقلِيدٍ جَدِيدٍ مِنَ الخَلِيفَةِ الجَدِيدِ كَي يَستَمِرُّوا فِي عَمَلِهِمْ. وَلَا يَحتَاجُونَ إِلَى قَرَارٍ بِالعَزْلِ؛ لِأَنَّ وِلَايَتَهُمْ فِي حُكْمِ الـمُنتَهِيَةِ بِوَفَاةِ الخَلِيفَةِ الَّذِي اتَّخَذَهُمْ مُعَاوِنِينَ لَهُ.

 

maram152

 

أيها المؤمنون:

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

آخر تعديل علىالسبت, 29 تشرين الأول/أكتوبر 2022

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع