- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح154) وجوب اطلاع الخليفة على أعمال معاون التفويض
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةِ وَالخَمْسِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا:"وُجُوبُ اطِّلَاعِالخَلِيفَةِ عَلَى أَعمَالِ مُعَاوِنِ التَّفْوِيضِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّالِثَةِ بَعدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 45-عَلَى مُعَاوِنِ التَّفوِيضِ أَنْ يُطَالِعَ الخَلِيفَةَ بِمَا أَمضَاهُ مِنْ تَدْبِيرٍ، وَأَنفَذَهُ مِنْ وِلَايَةٍ وَتَقلِيدٍ، حَتَّى لَا يَصِيرَ فِي صَلَاحِيَّاتِهِ كَالخَلِيفَةِ, وَعَلَيهِ أَنْ يَرفَعَ مُطَالَعَتَهُ، وَأَنْ يُنَفِّذَ مَا يُؤْمَرُ بِتَنفِيذِهِ.
المادة 46-يَجِبُ عَلَى الخَلِيفَةِ أَنْ يَتَصَفَّحَ أَعْمَالَ مُعَاوِنِ التَّفوِيضِ وَتَدبِيرَهُ لِلأُمُورِ، لِيُقِرَّ مِنهَا الـمُوَافِقَ لِلصَّوَابِ، وَيَستَدْرِكَ الخَطَأَ. لِأَنَّ تَدبِيرَ شُؤُونِ الأُمَّةِ مَوكُولٌ لِلخَلِيفَةِ وَمَحمُولٌ عَلَى اجتِهَادِهِ هُوَ.
المادة 47-إِذَا دَبَّرَ مُعَاوِنُ التَّفوِيضِ أَمرًا وَأَقَرَّهُ الخَلِيفَةُ فَإِنَّ عَلَيهِ أَنْ يُنَفِّذَهُ كَمَا أَقَرَّهُ الخَلِيفَةُ لَيسَ بِزِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانَ. فَإِنْ عَادَ الخَلِيفَةُ وَعَارَضَ الـمُعَاوِنَ فِي رَدِّ مَا أَمضَاهُ يُنظَرْ، فَإِنْ كَانَ فِي حُكْمٍ نَفَّذَهُ عَلَى وَجْهِهِ، أَوْ مَالٍ وَضَعَهُ فِي حَقِّهِ، فَرَأْيُ الـمُعَاوِنِ هُوَ النَّافِذُ، لِأَنَّهُ بِالأَصْلِ رَأيُ الخَلِيفَةِ, وَلَيسَ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يَستَدْرِكَ مَا نُفِّذَ مِنْ أَحْكَامٍ، وَأُنفِقَ مِنْ أَموَالٍ. وَإِنْ كَانَ مَا أَمضَاهُ الـمُعَاوِنُ فِي غَيرِ ذَلِكَ مِثْلَ تَقلِيدِ والٍ, أَو تَجهِيزِ جَيشٍ جَازَ لِلخَلِيفَةِ مُعَارَضَةَ الـمُعَاوِنِ وَيُنَفَّذُ رَأْيُ الخَلِيفَةِ، وَيُلغَى عَمَلُ الـمُعَاوِنِ، لِأَنَّ لِلخَلِيفَةِ الحَقُّ فِي أَنْ يَستدَرِكَ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ نَفسِهِ فَلَهُ أَنْ يَستَدرِكَهُ مِنْ فِعْلِ مُعَاوِنِهِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أَيُّهَا الصَّائِمُونْ, يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبًّا, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجًا وَدُستُورًا, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَامًا لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ.
أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا,وَهَذه هي الـمَوَادُّ الخَامِسَةُ وَالأَربَعُونَ, وَالسَّادِسَةُ وَالأَربَعُونَ والسَّابِعَةُ وَالأَربَعُونَ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذه الـمَوادِّمِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ, وهِيَ عَلَى النَّحْوِ الآتِي:
أولًا: المادة الخامسة والأربعون: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ وَاقِعُ الـمُعَاوِنِ أَيضًا مِنْ أَنَّهُ نَائِبٌ عَنِ الخَلِيفَةِ فِيمَا كُلِّفَ بِهِ. وَالنَّائِبُ إِنَّمَا يَقُومُ بِالعَمَلِ نِيَابَةً عَمَّنْ أَنَابَهُ، فَلَا يَستَقِلُّ عَنِ الخَلِيفَةِ، بَلْ يُطَالِعُهُ فِي كُلِّ عَمَلٍ، تَمامًا كَمَا كَانَ يَفعَلُ عُمَرُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ حِينَ كَانَ وَزِيرًا لَهُ، فَقَد كَانَ يُطَالِعُ أَبَا بَكْرٍ فِيمَا يَرَاهُ. وَلَيسَ مَعنَى مُطَالَعَتِهِ استِئذَانُهُ فِي كُلِّ جُزئِيَّةٍ مِنَ الجُزئِيَّاتِ، فَإِنَّ هَذَا يُخَالِفُ وَاقِعَ الـمُعَاوِنِ، بَلْ مَعنَى مُطَالَعَتِهِ هُوَ أَنْ يُذَاكِرَهُ فِي الأَمْرِ، كَحَاجَةِ وِلَايَةٍ مِنَ الوِلَايَاتِ إِلَى تَعيِينِ وَالٍ قَدِيرٍ، أَوْ إِزَالَةِ مَا يَشكُو مِنهُ النَّاسُ مِنْ قِلَّةِ الطَّعَامِ فِي الأَسوَاقِ، أَو غَيرِ ذَلِكَ مِنْ جَميعِ شُؤُونِ الدَّولَةِ. أَوْ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيهِ هَذِهِ الأُمُورَ مُجَرَّدَ عَرضٍ، بِحَيثُ يَطَّلِعَ عَلَيهَا وَيَقِفُ عَلَى مَا تَعنِيهِ، فَتَكُونَ هَذِهِ الـمُطَالَعَةُ كَافِيَةً لِأَنْ يَقُومَ بِكُلِّ مَا وَرَدَ فِيهَا بِكُلِّ تَفصِيلَاتِهِ، مِنْ غَيرِ حَاجَةٍ إِلَى صُدُورِ الإِذْنِ بِالعَمَلِ. وَلَكِنَّهُ إِذَا صَدَرَ الأَمْرُ بِعَدَمِ تَنفِيذِ هَذِهِ الـمُطَالَعَةَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُنَفِّذَهَا.
فَالـمُطَالَعَةُ هِيَ مُجَرَّدُ عَرْضِ الأَمْرِ، أَوِ الـمُذَاكَرَةِ بِهِ، وَلَيسَ أَخْذَ الإِذْنِ بِالقِيَامِ بِهِ. وَلَهُ أَنْ يُنَفِّذَ الـمُطَالَعَةَ مَا لَـمْ يُوقِفْهُ الخَلِيفَةُ عَنْ تَنفِيذِهَا.أَمَّا مَا جَاءَ فِي آخِرِ الـمَادَّةِ (وَأَنْ يُنَفِّذَ مَا يُؤْمَرُ بِتَنفِيذِهِ) فَلِأَنَّ الـمُعَاوِنَ لَا يَأخُذُ صَلَاحِيَّةَ الحُكْمِ ذَاتِيًا كَالخَلِيفَةِ بَلْ يَأخُذُهَا بِإِسنَادِ الوَزَارَةِ إِلَيهِ مِنَ الخَلِيفَةِ، وَعَلَيهِ فَإِذَا أَمَرَهُ الخَلِيفَةُ بِأَمْرٍ فَعَلَيهِ أَنْ يُنَفِّذَهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ لَا يُنَفِّذَهُ، فَإِنَّ جَعْلَ تَدْبِيرِ الأُمُورِ لِلمُعَاوِنِ بِرَأيِهِ وَاجتِهَادِهِ هُوَ فِيمَا لَـمْ يَأمُرْهُ الخَلِيفَةُ بِهِ، أَمَّا لَو أَمَرَهُ بِتَنفِيذِ أَمْرٍ، فَيَجُبُ عَلَى الـمُعَاوِنِ أَنْ يُنَفِّذَهُ كَمَا أَمَرَهُ الخَلِيفَةُ، لَا أَنْ يُنَفِّذَهُ بِغَيرِ مَا أَمَرَ.
ثانيًا: المادة السادسة والأربعون: يَجِبُ عَلَى الخَلِيفَةِ أَنْ يَتَصَفَّحَ أَعْمَالَ مُعَاوِنِ التَّفوِيضِ وَتَدْبِيرَهُ لِلأُمُورِ، لِيُقِرَّ مِنهَا الـمُوَافِقَ لِلصَّوَابِ، وَيَستَدرِكَ الخَطَأَ؛ لِأَنَّ تَدبِيرَ شُؤُونِ الأُمَّةِ مَوكُولٌ لِلخَلِيفَةِ، وَمَحمُولٌ عَلَى اجتِهَادِهِ هُوَ؛ وَذَلِكَ لِحَدِيثِ الـمَسؤُولِيَّةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ، وَهُوَ قَولُهُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْـئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». فَالخَلِيفَةُ مَوكُولٌ إِلَيهِ تَدبِيرُ الأُمُورِ، وَهُوَ مَسئُولٌ عَنِ الرَّعِيَّةِ، وَمُعَاوِنُ التَّفوِيضِ لَيسَ مَسئُولًا عَنِ الرَّعِيَّةِ، بَلْ مَسئُولٌ فَقَطْ عَمَّا يَقُومُ بِهِ مِنْ أَعْمَالٍ، وَالـمَسؤُولِيَّةُ عَنِ الرَّعِيَّةِ إِنَّمَا هِيَ لِلخَلِيفَةِ وَحْدَهُ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ وَاجِبًا عَلَيهِ أَنْ يَتَصَفَّحَ أَعْمَالَ الـمُعَاوِنِ وَتَدبِيرَهُ، حَتَّى يَقُومَ بِمسؤُولِيَّتِهِ عَنِ الرَّعِيَّةِ. وَأَيضًا فَإِنَّ مُعَاوِنَ التَّفوِيضِ قَدْ يُخطِئُ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُستَدْرَكَ الخَطَأُ الَّذِي يَقَعُ مِنهُ، فَكَانَ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَتَصَفَّحَ جَمِيعَ أَعمَالِهِ؛ فَمِنْ أَجْلِ هَذَينِ الأَمرَينِ: القِيَامِ بِالـمَسؤُولِيَّةِ عَنِ الرَّعِيَّةِ، وَاستِدْرَاكِ الخَطَأِ مِنْ مُعَاوِنِ التَّفوِيضِ، وَجَبَ عَلَى الخَلِيفَةِ أَنْ يَتَصَفَّحَ جَمِيعَ أَعْمَالِ الـمُعَاوِنِ.
ثالثا: المادة السابعة والأربعون: هَذِهِ الـمَادَّةُ وَصْفٌ لِكَيفِيَّةِ قِيَامِ مُعَاوِنِ التَّفوِيضِ بِأَعمَالِهِ، وَكَيفِيَّةِ تَصـفُّحِ الخَلِيفَةِ لِأَعمَالِ الـمُعَاوِنِ، وَهَذَا مَأخُوذٌ مِمَّا يَجُوزُ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يَرجِعَ عَنهُ، وَمَا لَا يَجُـوزُ لَهُ أَنْ يَرجعَ عَنهُ مِنَ الأَعـمَـالِ؛ لِأَنَّ عَمَلَ مُعَاوِنِ التَّـفـوِيضِ يُعـتَـبَرُ عَمَلًا لِلخَـلِيفَةِ. وَبَيَـانُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجُـوزُ لِـمُعَاوِنِ التَّفوِيضِ فِيمَـا أُنِيـبَ فِيـهِ وَأَقَرَّهُ الخَلِيفَةُ: أَنْ يَحكُمَ بِنَفْسِهِ، وَأَنْ يُقَلِّدَ الحُكَّامَ، كَمَا يَجُـوزُ ذَلِكَ لِلخَـلِيفَةِ؛ لِأَنَّ شـُروطَ الحُكْمِ فِيهِ مُعتَبرَةٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَنظُرَ فِي الـمَظَالِـمِ وَيَسـتَـنِيبَ فِيهَا؛ لِأَنَّ شُروطَ الـمَظَالِـمِ فِيهِ مُعتَبرَةٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى الجِهَادَ بِنَفْسِهِ، وَأَنْ يُقـلِّـدَ مَـنْ يَتَوَلَّاهُ؛ لِأَنَّ شُرُوطَ الحَرْبِ فِيهِ مُعتَبَرَةٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يُبَاشِرَ تَنفِيذَ الأُمُورِ الَّتِي دَبَّرَهَا، وَأَنْ يَستَنِيبَ فِي تَنفِيذِهَا؛ لِأَنَّ شُروطَ الرَّأْيِ وَالتَّدبِيرِ فِيهِ مُعتبَرةٌ. إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ لَا يَعنِي أَنَّ مَا قَامِ بِهِ الـمُعَاوِنُ لَا يَصِحُّ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يُلغِيَهُ مَا دَامَتْ قَدْ رُفِعَتْ مُطَالَعَتُهُ إِلَيهِ وَأَقَرَّهَا، بَلْ مَعنَاهُ أَنَّهُ يَملِكُ مَا لِلخَلِيفَةِ مِنْ صَلَاحِيَّاتٍ فِيمَا كُلِّفَ مِنْ أَعْمَالٍ، وَلَكِنْ بِالنِّيَابَةِ عَنِ الخَلِيفَةِ، وَلَيسَ بِالاستِقلَالِ عَنهُ؛ فَيَجُوزُ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يُعَارِضَ الـمُعَاوِنَ فِي رَدِّ مَا أَمضَـاهُ، وَإِلغَاءِ مَا قَـامَ بِهِ مِنْ أَعْمَالٍ. وَلَكِنْ فِي حُـدُودِ مَـا يَجُـوزُ لِلخَـلِيفَةِ أَنْ يَرجعَ عَمَّا يَقُومُ بِهِ هُوَ نَفسُهُ مِنْ أَعْمَالٍ. فَإِنْ كَانَ الـمُعَاوِنُ بِإِقرَارِ الخَلِيفَةِ قَدْ نَفَّذَ حُكْمًا عَلَى وَجْهِهِ، أَوْ وَضَعَ مَالًا فِي حَقِّهِ، وَجَاءَ الخَلِيفَةُ وَعَارَضَ الـمُعَـاوِنَ فِي ذَلِكَ بَعـْدَ التَّنفِيذِ، فَلَا قِيمَةَ لِمُعَارَضَتِهِ، بَلْ يُنفَّذُ عَمَلُ الـمُعَاوِنِ، وَيُرَدُّ رَأيُ الخَلِيفَةِ وَاعـتِـَراضُـهُ؛ لِأَنَّهُ بِالأَصْـلِ رَأْيُهُ، وَهُوَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الأَحْوَالِ لَا يَصِحُّ لَهُ أَنْ يَرجعَ عَنْ رَأيِهِ فِي ذَلِكَ، أَوْ يُلغِي مَا تَمَّ تَنفِيذُهُ؛ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُلْغِيَ عَمَلَ مُعَاوِنِهِ فِيهَا. أَمَا إِنْ كَانَ الـمُعَاوِنُ قَدْ قَـلَّدَ وَالِيًا، أَو مُوَظَّفًا، أَو قَائِدَ جَيشٍ، أَو غَيرَ ذَلِكَ مِنَالتَّقلِيدِ، أَو كَانَ قَدْ وَضَعَ سِيَاسَةً اقتِصَادِيَّةً، أَو خُطَّةً عَسكَرِيَّةً، أَو مُخَطَّطًا لِلصِّنَاعَةِ، أَو مَا شَاكَلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يُلْغِيَهُ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ يُعتَبَرُ رَأْيُ الخَلِيفَةِ وَإِقرَارُهُ، وَلَكِنَّهُ مِمَّا يَجُوزُ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يَرجعَ عَنهُ لَوْ قَامَ بِهِ هُوَ نَفسُهُ؛ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُلْغِيَ عَمَلَ نَائِبهِ فِيهِ، فَفِي هَذِهِ الحَالِ يَجُوزُ أَنْ يُلْغِيَ أَعْمَالَ الـمُعَاوِنِ. وَالقَاعِدَةُ فِي ذَلِكَ هِيَ: "كُلُّ مَا جَازَ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يَستَدْرِكَهُ مِنْ فِعْلِ نَفسِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَستَدرِكَهُ مِنْ فِعْلِ مُعَاوِنِهِ، وَكُلُّ مَا لَـمْ يَجُزْ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يَستَدرِكَهُ مِنْ فِعْلِ نَفسِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَستَدرِكَهُ مِنْ فِعْلِ مُعَاوِنِهِ".
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.