الأحد، 22 محرّم 1446هـ| 2024/07/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح193) صلاحيات مجلس الأمة

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

(ح193) صلاحيات مجلس الأمة

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ"وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّالِثَةِ وَالتِّسْعِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا:"صَلَاحِيَّاتُ مَجلِسِ الأُمَّةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

 

المادة 111:لِـمَجْلِسِ الأُمَّةِ صَلَاحِيًّاتٌ خَمْسٌ هِيَ:

 

1-(أ): استِشَارَةُ الخَلِيفَةِ لَهُ, وَإِشَارَتُهُ عَلَى الخَلِيفَةِ فِي الأَعْمَالِ وَالأُمُورِ العَمَلِيَّةِ الـمُتَعَلِّقَةِ بِرِعَايَةِ الشُّؤُونِ فِي السِّيَاسَةِ الدَّاخِلِيَّةِ مِمَّا لَا تَحْتَاجُ إِلَى بَحْثٍ فِكْرِيٍّ عَمِيقٍ, وَإِنْعَامِ نَظَرٍ مِثْلُ شُؤُونِ الحُكْمِ، وَالتَّعلِيمِ، وَالصِّحَّةِ، وَالاقتِصَادِ، وَالتِّجَارَةِ، وَالصِّنَاعَةِ، وَالزِّرَاعَةِ، وَأَمْثَالِهَا، وَيَكُونُ رَأْيُهُ فِيهَا مُلْزِمًا.

 

(ب): أَمَّا الأُمُورُ الفِكْرِيَّةُ الَّتِي تَحْتَاجُ إِلَى بَحْثٍ عَمِيقٍ وَإِنْعَامِ نَظَرٍ، وَالأُمُورُ الَّتِي تَحْتَاجُ خِبْرَةً وَدِرَايَةٍ، وَالأُمُورُ الفَنِّيَّةُ وَالعِلْمِيَّةُ، وَكَذَلِكَ الـمَالِيَّةُ وَالجَيشُ وَالسِيَاسَةُ الخَارِجِيَّةُ، فَإِنَّ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يَرْجِعَ لِلْمَجْلِسِ لِاستِشَارَتِهِ فِيهَا, وَالوُقُوفِ عَلَى رَأْيِهِ، وَرَأْيُ الـمَجْلِسِ فِيهَا غَيرُ مُلْزِمٍ.

 

2-لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يُحِيلَ لِلْمَجْلِسِ الأَحْكَامَ وَالقَوَانِينَ الَّتِي يُرِيدُ أَنْ يَتَبَنَّاهَا، وَلِلْمُسلِمِينَ مِنْ أَعْضَائِهِ حَقُّ مُنَاقَشَتِهَا, وَبَيَانِ وَجْهِ الصَّوَابِ وَالخَطَأِ فِيهَا, فَإِنِ اخْتَلَفُوا مَعَ الخَلِيفَةِ فِي طَرِيقِةِ التَّبَنِّي مِنَ الأُصُولِ الشَّرعِيَّةِ الـمُتَبَنَّاةِ فِي الدَّولَةِ، فَإِنَّ الفَصْلَ يَرجِعُ إِلَى مَحْكَمَةِ الـمَظَالِـمِ، وَرَأْيُ الـمَحْكَمَةِ فِي ذَلِكَ مُلْزِمٌ.

 

3-لِلْمَجْلِسِ الحَقُّ فِي مُحَاسَبَةِ الخَلِيفَةِ عَلَى جَمِيعِ الأَعْمَالِ الَّتِي تَحْصُلُ بِالفِعْلِ فِي الدَّولَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنَ الأُمُورِ الدَّاخِلِيَّةِ أَمِ الخَارِجِيَّةِ أَمِ الـمَالِيَّةِ أَمِ الجَيشِ أَمْ غَيرِهَا، وَرَأْيُ الـمَجْلِسِ مُلْزِمٌ فِيمَا كَانَرَأْيُ الأَكْثَرِيَّةِ فِيهِ مُلْزِمًا، وَغَيرُ مُلْزِمٍ فِيمَا كَانَ رَأْيُ الأَكْثَرِيَّةِ فِيهِ غَيرَ مُلْزِمٍ.وَإِنِ اخْتَلَفَ الـمَجْلِسُ مَعَ الخَلِيفَةِ عَلَى عَمَلٍ قَدْ تَمَّ بِالفِعْلِ مِنَ النَّاحِيَةِ الشَّرعِيَّةِ, فَـيُـرْجَعُ فِيهِ إِلَى مَحْكَمَةِ الـمَظَالِـمِ لِلبَتِّ فِيهِ مِنْ حَيثُ الشَّرْعِيَّةُ وَعَدَمُهَا، وَرَأْيُ الـمَحْكَمَةِ فِيهِ مُلْزِمٌ.

 

4-لَلْمَجْلِسِ الحَقُّ فِي إِظْهَارِ عَدَمِ الرِّضَا مِنَ الـمُعَاوِنِينَ وَالوُلَاةِ وَالعُمَّالِ, وَيَكُونُ رَأْيُهُ فِي ذَلِكَ مُلْزِمًا، وَعَلَى الخَلِيفَةِ عَزْلُـهُمْ فِي الحَالِ. وَإِذَا تَعَارضَ رَأْيُ مَجْلِسِ الأُمَّةِ مَعَ رَأْيِ مَجْلِسِ الوِلَايَةِ الـمَعْنِيَّةِ فِي الرِّضَا أَوِ الشَّكْوَى مِنَ الوُلَاةِ وَالعُمَّالِ فَإِنَّ لِرَأْيِ مَجْلِسِ الوِلَايَةِ الأَوْلَوِيَّةَ فِي ذَلِكَ.

 

5-لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَعْضَائِهِ حَقُّ حَصْرِ الـمُرَشَّحِينَ لِلخِلَافَةِ مِنَ الَّذِينَ قَرَّرَتْ مَحْكَمَةُ الـمَظَالِـمِ تَوَفُّرَ شُرُوطِ الانعِقَادِ فِيهِمْ, وَرَأْيُ أَكْثَرِيَّتِهِمْ فِي ذَلِكَ مُلْزِمٌ، فَلَا يَصِحُّ الانتِخَابُ إِلَّا مِنَ الَّذِينَ حَصَرَهُمُ الـمَجْلِسُ.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبًّا, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجًا وَدُستُورًا, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَامًا لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا,وَهَذِهِ هِيَ التَّتِمَّةُ الأُولَى لِلـمَادَّةِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الـمِائَةِ.وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:

 

البَنْدُ الأَوَّلُ: وَيَتَّضِحُ الفَرْقُ بَينَ (أ) و(ب) فِي البَنْدِ الأَوَّلِ مِنْ خِلَالِ الأَمْثِلَةِ الآتِيَةِ: عِندَ إِنْشَاءِ جِسْرٍ عَلَى نَهْرٍ لِخِدْمَةِ مَصَالِـحِ النَّاسِ فِي قَرْيَةٍ مَا شِبْهَ مَعْزُولَةٍ مِنْ حَيثُ الـمُوَاصَلَاتُ وَنَحْوُهَا, فَإِنَّ رَأْيَ أَكْثَرِيَّةِ الـمَجْلِسِ فِي ذَلِكَ مُلْزِمٌ لِلخَلِيفَةِ بِإِنْشَاءِ الجِسْرِ لِـحَلِّ مُشْكَلَةِ الـمُوَاصَلَاتِ لِلقَرْيَةِ. وَلَكِنَّ تَقْرِيرَ الـمَكَانِ الـمُنَاسِبِ فَنِّيًّا لِإِنْشَاءِ الجِسْرِ، وَأَنْجَحِ التَّصَامِيمِ الهَنْدَسِيَّةِ لِلْجِسْرِ: أَهُوَ مُعَلَّقٌ أَمْ عَلَى رَكَائِزَ فِي دَاخِلِ النَّهْرِ ... إلخ, فَهَذَا يُسْتَشَارُ فِيهِ أَصْحَابُ الخِبْرَةِ وَالاخْتِصَاصِ، وَلَيسَ أَكْثَرِيَّةُ الـمَجْلِسِ.وَكَذَلِكَ فَإِنَّ تَوفِيرَ مَدْرَسَةٍ لِأَبْنَاءِ قَرْيَةٍ يَجِدُ أبْنَاؤُهَا صُعُوبَةً بَالِغَةً فِي الوُصُولِ إِلَى الـمَدَارِسِ فِي الـمُدُنِ، يَكُونَ فِيهِ رَأْيُ أَكْثَرِيَّةِ مَجْلِسِ الأُمَّةِ مُلْزِمًا لِلْخَلِيفَةِ. أَمَّا اخْتِيَارُ مَوقِعِ الـمَدْرَسَةِ فِي القَريَةِ مِنْ حَيثُ قُوَّةُ التُّربَةِ فِي هَذَا الـمَوقِعِ الـمُنَاسِبِ لِلتَّصْمِيمِ، وَكَذَلِكَ كَيفِيَّةُ بِنَائِهَا، وَأَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً لِلدَّولَةِ أَيْ تُبنَى أَوْ تُشْتَرَى، أَو لَا تَكُونُ، بَلْ تُسْتَأْجَرُ سَنَةً أَو سَنَتَينِ وَنَحوُ ذَلِكَ، يُسْتَشَارُ فِيهِ أَصْحَابُ الخِبْرَةِوَالاختِصَاصِ, وَلَيسَ أَكْثَرِيَّةُ الـمَجْلِسِ, مَعَ أَنَّ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يَستَشِيرَهُمْ فِي ذَلِكَ, وَلَكِنَّ رَأْيَهُمْ غَيرُ مُلْزِمٍ.وَأَيْضًا فَإِنَّ بَلَدًا عَلَى الثُّغُورِ (خَطِّ مُوَاجَهَةٍ مَعَ العَدُوِّ) فَإِنَّ رَأْيَ أَكْثَرِيَّةِ مَجْلِسِ الأُمَّةِ مُلْزِمٌ مِنْ حَيثُ تَحْصِينُ القَرْيَةِ, وَإِبْعَادُ خَطَرِ العَدُوِّ عَنْهَا, وَعَدَمُ تَعْرِيضِهَا لِلْقَتْلِ وَالتَّشَرُّدِ عِندَ أَيِّ اعْتِدَاءٍ مِنَ العَدُوِّ، وَلَكِنَّ كَيفِيَّةَ إِنْشَاءِ هَذِهِ التَّحْصِينَاتِ, وَأَيَّةَ وَسَائِلَ قِتَالِيَّةٍ تُسْتَعْمَلُ لِرَدِّ الخَطَرِ عَنْهَا, فَهَذَا كُلُّهُ يُسْتَشَارُ فِيهِ أَهْلُ الخِبْرَةِ وَالاختِصَاصِ, وَلَيسَ أَكْثَرِيَّةُ الـمَجْلِسِ.وَهَكَذَا.

 

902

 

البَنْدُ الثَّانِي: أَمَّا البَنْدُ الثَّانِي فَإِنَّ التَّـشْـرِيعَ هُـو للهِ وَحْـدَهُ قَالَ تَعَالَى: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّـهِ)(الأنعام 57) وَقَالَ: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء 65) وَكَذَلِكَ فِي تَفْسِيرِهِ صلى الله عليه وسلم لِلآيَةِ: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّـهِ). (التوبة 31) أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: يَا عَدِيُّ، اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ. وَسَمِعْـتُهُ يَقْـرَأُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّـهِ). قَالَ: أَمَا إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَعْبُدُونَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَحَلُّوا لَهُمْ شَـيْئًا اسْـتَحَلُّوهُ وَإِذَا حَرَّمُوا عَلَيْهِمْ شَـيْئًا حَرَّمُوهُ»؛ وَلِذَلِكَ فَالتَّشْرِيعُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ رَأْيِ الـمَجْلِسِ، لَا بِإِجْمَاعٍ وَلَا بِأَكْثَرِيَّةٍ، بَلْ يُؤْخَذُ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَمَا أَرْشَدَا إِلَيهِ بِاجتِهَادٍ صَحِيحٍ؛ وَلِذَلِكَ فَإِنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم قَدْ رَفَضَ رَأْيَ كَثِيرٍ مِنَ الـمُسلِمِينَ فِي صُلْحِ الحُدَيبِيَةِ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي عَـبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَلَنْ أُخَالِفَ أَمْرَهُ». لِأَنَّ الصُّلْحَ كَانَ وَحْيًا مِنَ اللهِ سُبْحَانَهُ؛ وَلِذَلِكَ لَا يُرْجَعُ إِلَى رَأْيِ النَّاسِ فِي التَّشْرِيعِ. وَعَلَى هَذَا الأَسَاسِ يَكُونُ تَبَنِّي الأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ، وَسَنُّ القَوَانِينِ، وَتَبَنِّي الأَحْكَامَ وَالقَوَانِينَ، هُوَ مِنْ صَلَاحِيَّاتِ الخَلِيفَةِ وَحْدَهُ كَمَا سَبَقَ البَيَانُ، يَأْخُذُ كُلَّ ذَلِكَ مِنَ النُّصُوصِ الشَّرعِيَّةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ مِنَ اجتِهَادِهِ أَمْ مِنْ غَيرِهِ مِنَ الـمُجْتَهِدِينَ الـمُعْتَبَرِينَ. إِلَّا أَنَّ لِلْخَلِيفَةِ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَعْرِضَ مَا يُرِيدُ أَنْ يَتَبَنَّاهُ مِنْ أَحْكَامٍ شَرعِيَّةٍ وَقَوَانِينَ عَلَى مَجْلِسِ الأُمَّةِ لِـمَعْرِفَةِ رَأْيِهِ فِيهِ، كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الـمُسلِمِينَ فِي الأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ، وَعَدَمِ إِنْكَارِ الصَّحَابَةِ عَلَيهِ، وَذَلِكَ فِي حَادِثَةِ الأَرَاضِي الـمَفْتُوحَةِ فِي العِرَاقِ، وَكَانَ الـمُسْلِمُونَ قَدْ طَلَبُوا مِنهُ أَنْ يُقَسِّمَهَا عَلَى الـمُحَارِبِينَ الَّذِينَ فَتَحُوهَا، فَسَأَلَ النَّاسَ، ثُمَّ استَقَرَّ رَأْيُهُ عَلَى إِبْقَائِهَا بِأَيْدِي أَصْحَابِهَا، عَلَى أَنْ يَدْفَعُوا عَنهَا خَرَاجًا مَعْلُومًا، إِضَافَةً إِلَى دَفْعِ الجِزْيَةِ عَنْ رُؤُوسِهِمْ. وَإِنَّ رُجُوعَ عُمَرَ، وَمِنْ قَبْلِهِ أَبُو بَكْرٍ، لِلصَّحَابَةِ لِسُؤَالِهِمْ وَأَخْذِ رَأْيِهِمْ فِي الأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ، وَعَدَمِ إِنْكَارِ الصَّحَابَةِ ذَلِكَ عَلَيهِمَا، هُوَ دَلِيلُ إِجْمَاعٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ.

 

وَأَمَّا الرُّجُوعُ إِلَى مَحْكَمَةِ الـمَظَالِـمِ إِذَا اخْتَلَفَ الخَلِيفَةُ مَعَ مَجْلِسِ الشُّورَى فِي صِحَّةِ استِنبَاطِ هَذِهِ القَوَانِينِ، أَوْ دَلِيلِهَا مِنْ حَيثُ طَرِيقَةُ التَّبَنِّي مِنَ الأُصُولِ الـمُتَبَنَّاةِ فِي الدَّولَةِ، فَإِنَّ مِنْ صَلَاحِيَّةِ قَاضِي الـمَظَالِـمِ النَّظَرَ فِي الحُكْمِ الَّذِي يَتَبَنَّاهُ الخَلِيفَةُ، هَلْ لَهُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، وَهَلْ يَنطَبِقُ الدَّلِيلُ عَلَى الحَادِثَةِ؛ وَلِذَلِكَ فَإِذَا اخْتَلَفَ الخَلِيفَةُ مَعَ الـمَجْلِسِ، فِي الحُكْمِ الَّذِي تَبَنَّاهُ الخَلِيفَةُ مِنْ كَونِهِ حُكْمًا شَرْعِيًّا صَحِيحًا أَوْ لَا، فَإِنَّ هَذَا النِّزَاعَ يَفْصِلُ فِيهِ قَاضِي الـمَظَالِـمِ؛ لِأَنَّهُ مِنَ اختِصَاصِهِ, وَرَأْيُ مَحْكَمَةِ الـمَظَالِـمِ مُلْزِمٌ.وَلَا حَقَّ لِغَيرِ الـمُسْلِمِينَ مِنْ أَعْضَاءِ الـمَجْلِسِ فِي النَّظَرِ فِيمَا يُرِيدُ الخَلِيفَةُ أَنْ يَتَبَنَّاهُ مِنْ أَحْكَامٍ وَقَوَانِينَ، وَذَلِكَ لِعَدَمِ إِيمَانِهِمْ بِالإِسلَامِ، وَلِأَنَّ حَقَّهُمْ فِي إِبدَاءِ الرَّأْيِ هُوَ فِيمَا يَقَعُ عَلَيهِمْ مِنْ ظُلْمِ الحُكَّامِ، وَلَيسَ فِي إِعْطَاءِ الرَّأْيِ فِي الأَحْكَامِ وَالقَوَانِينِ الشَّرعِيَّةِ.

 

البَنْدُ الثَّالِثُ: وَأَمَّا البَنْدُ الثَّالِثُ فَإِنَّ دَلِيلُهُ عُمُومَ النُّصُوصِ الَّتِي جَاءَتْ فِي مُحَاسَبَةِ الحُكَّامِ، رَوَى أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَأْمُرُونَكُمْ بِمَا لاَ يَفْعَلُونَ، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكِذْبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنِّي وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَنْ يَرِدَ عَلَيَّ الْحَوْضَ»، وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «... أَلاَ إِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ»، وَرَوَى الحَاكِمُ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَـيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَرَجُـلٌ قَـامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ»، وَرَوَىَ مُسْلِمُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَرضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ ...».

 

فَهَذِهِ النُّصُوصُ عَامَّةٌ تَدُلُّ عَلَى مُحَاسَبَةِ الحَاكِمِ وَفْقَ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، وَأَنَّ الـمُحَاسَبَةَ تَكُونُ عَلَى جَمِيعِ الأَعْمَالِ؛ وَعَلَى هَذَا فَالـمُحَاسَبَةُ مِنَ الـمَجْلِسِ لِلخَلِيفَةِ وَلِغَيرِهِ مِنَ الـمُعَاوِنِينَ وَالوُلَاةِ وَالعُمَّالِ تَكُونُ عَلَى كُلِّ عَمَلٍ حَصَلَ بِالفِعْلِ، سَوَاءُ أَكَانَ مُخَالِفًا لِلْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، أَمْ كَانَ خَطَأً، أَمْ كَانَ ضَارًّا بِالـمُسْلِمِينَ، أَمْ كَانَ فِيهِ ظُلْمٌ لِلرَّعِيَّةِ، أَوْ تَقْصِيرٌ فِي القِيَامِ بِرِعَايَةِ شُؤُونِهَا، وَيَجِبُ عَلَى الخَلِيفَةِ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الـمُحَاسَبَةِ, وَالاعْتِرَاضَاتِ بِبَيَانِ وُجْهَةِ نَظَرِهِ وَحُجَّتِهِ فِيمَا قَامَ بِهِ مِنْ أَعْمَالٍ وَأَقْوَالٍ وَتَصَرُّفَاتٍ، حَتَّى يَطْمَئِنَّ الـمَجْلِسُ إِلَى حُسْنِ سَيرِ الأُمُورِ وَالأَعْمَالِ، وَاستِقَامَةِ الخَلِيفَةِ. أَمَّا إِنْ لَـمْ يَقْبَلِ الـمَجْلِسُ وُجْهَةَ نَظَرِ الخَلِيفَةِ، وَرَفَضَ حُجَّتَهُ، فُيُنظَر: فَإِنْ كَانَ حَصَلَ ذَلِكَ فِيمَا فِيهِ رَأْيُ الأَكْثَرِيَّةِ مُلْزِمٌ فَرَأْيُ الـمَجْلِسِ فِيهِ مُلْزِمٌ، مِثْلُ الأُمُورِ فِي (أ) وَإِلَّا فَرَأْيُهُ غَيرُ مُلْزِم, مِثْلُ الأُمُورِ فِي (ب)، فَمَثَلًا إِذَا كَانَتِ الـمُحَاسَبَةُ لِمَاذَا لَـمْ يُوَفِّرِ الـمَدْرَسَةَ فِي الـمِثَالِ السَّابِقِ, فَالـمُحَاسَبَةُ مُلْزِمَةٌ، وَإِذَا كَانَتِ الـمُحَاسَبَةُ لِـمَاذَا تُبنَى الـمَدْرَسَةُ بِالتَّصْمِيمِ الفُلَانِيِّ, وَلَيْسَ الفُلَانِيَّ فَالـمُحَاسَبَةُ غَيرُ مُلْزِمَةٍ.

 

هَذَا، وَإِنِ اخْتَلَفَ الـمُحَاسِبُونَ مَعَ الحُكَّامِ فِي أَمْرٍ مِنَ الأُمُورِ مِنَ النَّاحِيَّةِ الشَّرعِيَّةِ، فَيُرجَعُ إِلَى قَضَاءِ الـمَظَالِـمِ بِطَلَبٍ مِنَ الـمَجْلِسِ؛ لِقَولِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّـهِ وَالرَّسُولِ). (النساء 59) وَمَعْنَاهُ إِنْ تَنَازَعْتُمْ أَيُّهَا الـمُسلِمُونَ مَعَ أُولِي الأَمْرِ فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، أَيِ احتَكِمُوا إِلَى الشَّرعِ، وَالاحْتِكُامُ إِلَى الشَّرْعِ هُوَ الرُّجُوعُ إِلَى القَضَاءِ، وَلِهَذَا يُرْجَعُ إِلَى مَحْكَمَةِ الـمَظَالِـمِ، وَرَأْيُهَا فِيهِ مُلْزِمٌ، لِأَنَّها هِيَ صَاحِبَةُ الاختِصَاصِ فِي هَذِهِ الحَالَةِ.

 

أيها المؤمنون:

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع