الأحد، 22 محرّم 1446هـ| 2024/07/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح205) المشكلة الاقتصادية هي توزيع الأموال والمنافع على جميع أفراد الرعية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

 (ح205) المشكلة الاقتصادية هي توزيع الأموال والمنافع على جميع أفراد الرعية

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ"وَمَعَ الحَلْقَةِ الخَامِسَةِ بَعْدَ المِائَتَينِ, وَعُنوَانُهَا:"الـمُشْكِلَةُ الاقتِصَادِيَّةُ هِيَ تَوزِيعُ الأَمْوَالِ وَالـمَنَافِعِ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِيالصَّفحَةِ الثَّانِيَةِ وَالعِشْرِينَبَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

 

المادة 124: الـمُشْكِلَةُ الاقتِصَادِيَّةُ هِيَ تَوزِيعُ الأَمْوَالِ وَالـمَنَافِعِ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ، وَتَـمكِينِهِمْ مِنَ الانتِفَاعِ بِهَا بِتَمْكِينِهِمْ مِنْ حِيَازَتـِهَا, وَمِنَ السَّعْيِ لَـهَا.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبًّا, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجًا وَدُستُورًا, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَامًا لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا,وَهَذِهِ هِيَ تَتِمَّةُ الـمَادَّةِ الرَّابِعَةِ وَالعِشْرينَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ الشِّقِّ الثَّانِي مِنْ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:

 

أَمَّا الشِّقُّ الثَّانِي مِنَ الـمَادَّةِ فَإِنَّ الدَّلِيلَ عَلَيهِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَبَاحَ الـمِلْكِيَّةَ إِبَاحَةً عَامَّةً فِي كُلِّ سَبَبٍ أَبَاحَ التَّمَلُّكَ بِهِ، فَقَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ فَهِيَ لَهُ». (أَخرَجَهُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِإِسنَادٍ صَحَّحَهُ ابنُ الجَارُودِ وَالزَّينِ)، وَقَالَ تَعَـالَى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيدُ البَحْرِ). (المائدة 96) وَهَكَذَا فَإِبَاحَةُ الـمِلْكِيَّةِ وَعُمُومِ هَذِهِ الإِبَاحَةِ، لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ الـمُسْـلِمِ وَالذِّمِّيِّ سَوَاءٌ، يَدُلُّ عَلَى تَـمْكِينِهِ مِنْ حِيَازَةِ الـمِلْكِيَّةِ وَمِنَ السَّعْيِ لَـهَا، وَكَذَلِكَ جَاءَتْ أَدِلَّةُ الانتِفَاعِ بِالأَكْـلِ وَاللِّبْسِ وَالسُّـكْنَى وَالتَّمَتُّعِ عَامَّةً، قَـالَ تَعَالَى: (فَكُلُوا مِنهَا). وَقـَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّـلَامُ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ». (أَخـرَجَهُ البُخَـارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الـمِقْدَامِ). وَقَالَ تَعَالَى: (كُلُوا مِـمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ). (الأنعَامُ 142). وَقَالَ تَعَالَى: (وَكُلُوا مِـمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلَالًا طَيِّبًا). (المائِدَة 88). وَقَالَ تَعَالَى: (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ). (البَقَرة 172). وَقَالَ تَعَالَى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ). (الأعراف 32)، وَغَيرُ ذَلِكَ مِنَ الأَدِلَّةِ. وَكُلُّهَا جَاءَتْ عَامَّةً، وَعُمُومُ هَذِهِ الإِبَاحَةِ تَشْمَلُ بِالانتِفَاعِ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفرَادِ الرَّعِيَّةِ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًا، وَهَذَا كُلُّهُ يَعنِي أَنَّ الشَّرِيعَةَ قَدْ مَكَّنَتْ كُلَّ فَرْدٍ مِنَ الرَّعِيَّةِ مِنْ حِيَازَةِ الـمَالِ، وَمِنَ الانتِفَاعِ بِهِ.وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الأَدِلَّةُ الشَّرعِيَّةُ قَدْ جَاءَتْ وَبَيَّنَتِ الـمُشكِلَةَ الأَسَاسِيَّةَ مَا هِيَ بِبَيَانِ عِلَاجِهَا, فَبَيَّنَتْهَا أَنَّهَا فَقْرُ الأَفْرَادِ، وَعَدَمُ تَـمْكِينِ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ مِنْ حِيَازَةِ الـمَالِ وَالانتِفَاعِ بِهِ، حِينَ جَاءَتْ فَصَبَّتْ عِلَاجَهَا عَلَى فَقْرِ الأَفْرَادِ، وَأَبَاحَتْ حِيَازَةَ الـمَالِ وَالانتِفَاعِ بِهِ إِبَاحَة عَامَّةً، وَجَعَلَتْ هَذِهِ الإِبَاحَةَ الأَسَاسَ فِي شُؤُونِ الاقتِصَادِ. هَذِهِ هِيَ الـمُشْكِلَةُ الأَسَاسِيَّةُ، أَوْ بِتَعْبِيرٍ آخَرَ الـمُشْكِلَةُ الأَسَاسِيَّةُ هِيَ تَوزِيعُ الثَّرْوَةِ، وَلَيسَ إِنْتَاجَ الثَّروَةِ، إِذْ هِيَ فَقْرُ الأَفْرَادِ، وَعَدَمُ تَـمْكِينِهِمْ مِنْ حِيَازَةِ الثَّروَةِ, وَمِنَ الانتِفَاعِ بِـهَا، وَلَيسَ فَقْرُ البِلَادِ وَحَاجَتُهَا لِلثَّروَةِ، فَتَكُونُ الـمُشكِلَةُ هِيَ التَّوزِيعُ وَلَيسَ الإِنتَاجَ.وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الـمُشْكِلَةَ الأَسَاسِيَّةَ هِيَ التَّوزِيعُ وَلَيسَ الإِنتَاجَ، هُوَ الأَدِلَّةُ الشَّرعِيَّةُ الَّتِي جَاءَتْ لِمُعَالَـجَةِ الفَقْرِ، وَإِبَاحَةِ الـمِلْكِيَّةِ، وَإِبَاحَةِ الانتِفَاعِ بِـهَا، وَكَذَلِكَ وَاقِعُ الحَيَاةِ الاقتِصَادِيَّةِ.

 

maram205

 

أَمَّا بِالنِّسبَةِ لِلأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ فَإِنَّ هُنَاكَ أَدِلَّةٌ جَاءَتْ لِـمُعَالَـجَةِ فَقْرِ الأَفْرَادِ، وَإِبَاحَةِ الـمِلْكِيَّةِ، وَإِبَاحَةِ الانتِفَاعِ، أَيْ أَدِلَّةٌ جَاءَتْ مُنْصَبَّةٌ عَلَى التَّوزِيعِ، وَهُنَاكَ أَدِلَّةٌ جَاءَتْ لِـمُعَالَـجَةِ فَقْرِ البِلَادِ، أَيْ جَاءَتْ لِلإِنتَاجِ. وَبِالتَّدْقِيقِ فِي أَدِلَّةِ كُلٍّ مِنَ الأَمْرَينِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ أَدِلَّةَ فَقْرِ الأَفْرَادِ، وَإِبَاحَةِ الـمِلْكِيَّةِ، وَالانتِفَاعِ، جَاءَتْ مِنَ الكَثْرَةِ وَالتَّنوِيعِ إِلَى حَدٍّ يَلْفِتُ النَّظَرَ، مِـمَّا يَدُلُّ عَلَى بَالِغِ الاهتِمَامِ، وَجَاءَتْ تُعَالِـجُ أَصْلًا وَلَيسَ أَمْرًا فَرعِيًا. فَالآيَاتُ وَالأَحَادِيثُ الـمُتَعَلِّقَةُ بِالفَقْرِ، أَيْ بِسُوءِ التَّوزِيعِ وَمُعَالَـجَتِهِ، بَلَغَتْ حَدَّ الاستِفَاضَةِ، وَالأَدِلَّةُ الَّتِي جَاءَتْ لِإِبَاحَةِ الـمِلْكِيَّةِ بَلَغَتْ كَذَلِكَ حَدَّ الاستِفَاضَةِ بِإِبَاحَةِ الـمِلْكِيَّةِ وَإِبَاحَةِ الانتِفَاعِ. هَذَا مِنْ جهَةِ، وَمِنْ جهَةٍ أُخرَى فَإِنَّ الَّذِي عَالَـجَتْهُ وَهُوَ الحِيَازَةُ لِلثَّروَةِ أَصْلٌ فِي الاقتِصَادِ لَيسَ وَرَاءَهُ أَصْلٌ، وَعَنهُ تَتَفَرَّعُ جَمِيعُ مَشَاكِلِ الاقتِصَادِ، فَهُوَ إِذَنْ الـمُشكِلَةُ الأَسَاسِيَّةُ. وَمِنْ هُنَا جَاءَ أَنَّ الـمُشْكِلَةَ الأَسَاسِيَّةَ هِيَ التَّوزِيعُ، أَيْ أَنَّ كَونَ أَدِلَّةِ الفَقْرِ وَأَدِلَّةِ إِبَاحَةِ الـمِلْكِيَّةِ وَالانتِفَاعِ مُسْتَفِيضَةً، وَكَونُـهَا تُعَالِـجُ أَصْلًا مَا بَعْدَهُ أَصْلٌ، وَعَنهُ تَتَفَرَّعُ جَمِيعُ مَشَاكِلِ الاقتِصَادِ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الـمُشْكِلَةَ الأَسَاسِيَّةَ فِي الاقتِصَادِ هِيَ التَّوزِيعُ. وَهَذَا بِخِلَافِ أَدِلَّةِ فَقْرِ البِلَادِ، أَوْ بِعِبَارَةٍ أُخرَى أَدِلَّةِ الإِنتَاجِ، فَإِنَّـهَا جَاءَتْ مَحْدُودَةً مَعْدُودَةً، وَجَاءَتْ تُعَالِـجُ مَا يَقْتَضِي الإِنتَاجَ، لَا الإِنتَاجَ مُبَاشَرَةً. وَمَا جَاءَ مِنهَا دَلِيلًا عَلَى الإِنتَاجِ مُبَاشَرَةً لَا يَكَادُ يُذْكَرُ. فَقَدْ جَاءَتْ أَحْكَامٌ شَرعِيَّةٌ تَقْتَضِي إِيجَادَ الثَّروَةِ فِي البِلَادِ، أَيْ تَقْتَضِي عِلَاجَ الإِنتَاجِ. فَقَولُهُ تَعَالَى: (وَأَعِدُّوا لَـهُمْ مَا استَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) (الأنفال60)، يَقْتَضِي وُجُودَ الثَّروَةِ فِي البِلَادِ وَيُوجِبُ العَمَلَ لِإِيجَادِهَا. وَتَوفِيرِ الأَمْنِ لِلرَّعِيَّةِ وَالقِيَامِ بِمَصَالِـحِهَا وَمَا يَلْزَمُ لَـهَا مِنْ شَقِّ طُرُقَاتٍ, وَإِيجَادِ الـمِيَاهِ, وَبِنَاءِ الـمَدَارِسِ وَالـمَسَاجِدِ, وَتَوفِيرِ التَّطِبِيبِوَالتَّعلِيمِ وَمُعَالَـجَةِ الحَوَادِثِ الطَّارِئَةِ كَالزَّلَازِلِ وَالطُّوفَانِ وَالنُّهُوضِ بِأَعْبَاءِ الرَّعِيَّةِ مِنْ كُلِّ مَا يَلْزَمُ كُلَّ هَذَا, وَمَا شَابَـهَهُ يَقْتَضِي وُجُودَ الثَّروَةِ, وَيُوجِبُ العَمَلَ لِإِيجَادِهَا. وَكَذَلِكَ مُعَالَـجَةُ فَقْرِ الأَفْرَادِ الَّذِي هُوَ الـمُشْكِلَةُ الأَسَاسِيَّةُ لَا يَتَأَتَّى إِلَّا بِوُجُودِ الثَّروَةِ, فَهُوَ يُـحَتِّمُ العَمَلَ لِإِيجَـادِهَا. فَهَذِهِ الأَحْكَـامُ تُعَالِـجُ مَا يَقْتَضِي الإِنتَاجَ، وَلَيسَ الإِنتَاجَ نَفْسَهُ. وَلَكِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الإِنتَاجِ مِنْ بَابِ مَا لَا يَتِمُّ الوَاجبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. وَأَمَّا الأَحْكَامُ الصَّرِيحَةُ الَّتِي جَاءَتْ فِي الحَثِّ عَلَى إِيجَادِ الثَّروَةِ فَإِنَّـهَا وَإِنْ كَانَتْ مَوجُودَةً وَلَكِنَّهَا مَحْدُودَةٌ مَعْدُودَةٌ، فَقَدْ قَالَ اللهُ تَعاَلَى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) (الجمعة10)، وَقَالَ تَعَالَى: (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) (الملك 15)، وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ». (أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ الـمِقْدَامِ). وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ طَلَبَ الدُّنْيَا حَلاَلًا، اسْتِعْفَافًا عَنِ الـمَسْأَلَةِ، وَسَعْيًا عَلَى أَهْلِهِ، وَتَعَطُّفًا عَلَى جَارِهِ، جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَجْهُهُ كَالقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ».(أخرَجَهُ البَيهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ مَكْحُولْ مُرْسَلًا). وَقَالَ r : «طَلَبُ الحَلالِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ». (أخرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الأَوْسَطِ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ بِإِسْنَادٍ حَسَّنَهُ الهَيثَمِيُّ وَالـمُنذِرِيُّ). فَهَذِهِ أَدِلَّةٌ مُبَاشِرَةٌ فِي الحَثِّ عَلَى طَلَبِ الرِّزْقِ، أَيْ فِي الحَثِّ عَلَى الإِنتَاجِ، أَوْ بِتَعبِيرٍ آخَرَ بِـمُعَالَـجَةِ فَقْرِ البِلَادِ، وَلَكِنْ يَبدُو مِنهَا أَيْضًا أَنَّ الـمُخَاطَبَ بـِهَا الأَفْرَادُ، وَأَنَّ الحَثَّ عَلَى الإِنتَاجِ إِنـَّمَا هُوَ لِـمُعَالَـجَةِ حَاجَتِهِمُ الفَردِيَّةِ، إِمَّا بِسَدِّ العَوَزِ، أَو بِزِيَادَةِ مِلْكِيَّتِهِمْ، أَيْ إِبَاحَةِ الانتِفَاعِ، هَذَا مِنْ جِهَةٍ. وَمِنْ جِهَةٍ أُخرَى فَإِنَّ الَّذِي عَالَـجَتْهُ هَذِهِ الأَدِلَّةُ مُبَاشَرَةً أَوْ مِـمَّا يَقْتَضِيهِ إِنَّـمَا هُوَ العَمَلُ لِلْمِلْكِيَّةِ، وَلَيسَ العَمَلَ فَقَطْ. أَيْ هُوَ الإِنتَاجُ لِلحِيَازَةِ، وَلَيسَ الإِنتَاجَ فَقَطْ. مِـمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ العَمَلَ نَاتِجٌ عَنِ الحِيَازَةِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فَرْعِيٌّ وَلَيسَ أَصْلِيًّا. فَهُوَ فَرعٌ عَنِ الحِيَازَةِ, وَلَيسَ أَصْلًا لَـهَا. وَلِذَلِكَ جَاءَتِ الأَحْكَامُ الَّتِي تَقْتَضِي الإِنْتَاجَ بِالحِيَازَةِ وَكَانَ الإِنتَاجُ مِمَّا تَقْتَضِيهِ، وَجَاءَتِ الأَحْكَامُ الـمُبَاشِرَةُ فِي أَدِلَّتِهَا تُبَيِّنُ الإِنتَاجَ لِلانتِفَاعِ، فَجَعَلَتِ السَّعْيَ مِنْ أَجْلِ الأَكْلِ فِي الآيَةِ، وَجَعَلَتِ الأَكْلَ مِنَ السَّعْيِ فِي الحَدِيثِ الأَوَّلِ، وَعَبَّرَتْ عَنِ السَّعْيِ بِطَلَبِ الدُّنيَا, وَطَلَبِ الحَلَالِ فِي الحَدِيثَينِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ، وَكُلُّ هَذِهِ الأَحْكَامِ بِأَدِلَّتِهَا تَعنِي حِيَازَةَ الـمَالِ. وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الإِنتَاجَ لَيسَ الـمُشْكِلَةَ الأَسَاسِيَّةَ، بَلْ هُوَ مُشْكِلَةٌ مِنْ مَشَاكِلِ الاقتِصَادِ، وَيَدُلُّ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّ الـمُشْكِلَةَ الأَسَاسِيَّةَ هِيَ الـمِلْكِيَّةُ، أَوْ بِعِبَارَةٍ أُخرَى هِيَ الحِيَازَةُ، وَهَذَا يَعنِي أَنَّـهَا التَّوزِيعُ. 

 

هَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِوَاقِعِ الحَيَاةِ الاقتِصَادِيَّةِ فَإِنَّ الَّذِي لَا يُنكِرُهُ أَحَدٌ أَنَّ كُلَّ بَلَدٍ يُعَانِي اضْطِّرابًا اقتِصَادِيًا إِنَّـمَا يُعَانِيهِ مِنْ جَرَّاءِ سُوءِ التَّوزِيعِ، وَلَيسَ مِنْ جَرَّاءِ قِلَّةِ الإِنتَاجِ. فَالنِّظَامُ الاشتِرَاكِيُّ وَمِنهُ الشُّيُوعِيُّ مَا ظَهَرَ إِلَّا نَتِيجَةً لِلظُّلْمِ الَّذِي عَانَاهُ الـمُجْتَمَعُ مِنَ النِّظَامِ الرَّأسمَالِيِّ، أَي نَتِيجَةً لِسُوءِ التَّوزِيعِ. وَالتَّرقِيعَاتُ الَّتِي يُحَاوِلُ الرَّأسمَالِيُّونَ إِدْخَالَـهَا عَلَى نِظَامِهِمْ كُلُّهَا تَتَعَلَّقُ بِالتَّوزِيعِ. وَالاجْتِهَادَاتُ الاشتِرَاكِيَّةُ إِنَّـمَا تَتَنَاوَلُ مَسْأَلَةَ التَّوزِيعِ، وَالأَقْطَارُ الَّتِي يُسَمُّونَـهَا أَقْطَارًا مُتَخَلِّفَةً إِنَّـمَا تَـخَلُّفُهَا كَانَ مِنْ جَرَّاءِ سُوءِ التَّوزِيعِ، وَلَيسَ مِنْ فَقْرِ البِلَادِ. وَلِذَلِكَ فَإِنَّ وَاقِعَ الـمُشْكِلَةِ الأَسَاسِيَّةِ فِي الاقتِصَادِ إِنَّـمَا هِيَ سُوءُ التَّوزِيعِ، وَلَيسَ قِلَّةَ الإِنتَاجِ. وَهَذَا شَيءٌ مَلْمُوسٌ يَلْمَسُهُ كُلُّ إِنسَانٌ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُسْلِمًا أَمْ رَأْسَمالِيًا أَمِ اشتِرَاكِيًّا. فَإِنَّ العَالَـمَ كُلَّهُ فِيهِ مِنَ الإِنتَاجِ مَا يَزِيدُ عَلَى حَاجَاتِ النَّاسِ، وَلَكِنَّ سُوءَ تَوزِيعِهِ جَعَلَ بَعْضَ النَّاسِ أَغْنِيَاءَ غِنىً فَاحِشًا، وَبَعْضَ النَّاسِ فُقَرَاءَ فَقْرًا مُدْقِعًا. حَتَّى البُلْدَانِ الَّتِي تَشْكُو قِلَّةَ الإِنتَاجِ فَإِنَّ الـمُشْكِلَةَ الأَسَاسِيَّةَ الَّتِي تُعَانِيهَا هِيَ سُوءُ التَّوزِيعِ فِي الدَّرَجَةِ الأُولَى، ثُمَّ تَأْتِي قِلَّةُ الإِنتَاجِ. وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ وَاقِعَ الحَيَاةِ الاقتِصَادِيَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الـمُشْكِلَةَ الأَسَاسِيَّةَ فِي الاقتِصَادِ هِيَ التَّوزِيعُ، وَلَيسَ الإِنتَاجَ.

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

آخر تعديل علىالأربعاء, 21 كانون الأول/ديسمبر 2022

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع