الأحد، 22 محرّم 1446هـ| 2024/07/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح208) المال لله وحده وهو الذي استخلف بني الإنسان فيه، الملكية ثلاثة أنواع

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

 (ح208) 

المال لله وحده وهو الذي استخلف بني الإنسان فيه، الملكية ثلاثة أنواع

 

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ"وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّامِنَةِ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا:"المال لله وحده وهو الذي استخلف بني الإنسان فيه، الملكية ثلاثة أنواع". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَتَينِ: الثَّانِيَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ، وَالثَّالِثَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

 

المادة 126: الـمَالُ للهِ وَحْدَهُ وَهُوَ الَّذِي استَخْلَفَ بَنِي الإِنْسَانَ فِيهِ فَصَارَ لَـهُمْ بِـهَذَا الاستِخْلَافِ العَامِّ حَقُّ مِلْكِـيَّـــــتِهِ، وَهُوَ الَّذِي أَذِنَ لِلفَرْدِ بِحِيَازَتِهِ فَصَارَ لَهُ بِـهَذَا الإِذْنِ الخَاصِّ مِلْكِيـَّــتُهُ بِالفِعْلِ.

 

المادة 127: الـمِلكِيَّةُ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: مِلكِيَّةٌ فَردِيَّةٌ، وَمِلكِيَّةٌ عَامَّةٌ، وَمِلكِيَّةُ الدَّولَةِ.

 

المادة 128: الـمِلكِيَّةُ الفَردِيَّةُ هِيَ حُكْمٌ شَرعِيٌّ مُقَدَّرٌ بِالعَينِ أَوِ الـمَنفَعَةِ يَقْتَضِي تَـمْكِينُ مَنْ يُضَافُ إِلَيهِ مِنَ انتِفَاعِهِ بِالشَّيءِ وَأَخذِ العِوَضِ عَنهُ.

 

المادة 129: الـمِلكِيَّةُ العَامَّةُ هِيَ إِذْنُ الشَّارِعِ لِلجَمَاعَةِ بِالاشتِرَاكِ فِي الانتِفَاعِ بِالعَينِ.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجًا وَدُستُورًا، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَامًا لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ الـمَوَادُّ السَّادِسَةُ وَالعِشْرونَ بَعْدَ الـمِائَةِ، وَالسَّابِعَةُ وَالعِشْرُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ، وَالثَّامِنَةُ وَالعِشرُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ، وَالتَّاسِعَةُ وَالعِشْرُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَوَادِّ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:

 

أولا: المادة 126: دَلِيلُ هَذِهِ الـمَادَّةِ قَولُهُ تَعَالَى: (وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّـهِ الَّذِي آتَاكُمْ). (النور 33) فَنَسَبَ الـمَالَ لَهُ تَعَالَى، وَقَولُهُ عَزَّ وَجَـلَّ: (وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ). (نوح 12) فَنَسَــبَ إِمْدَادَ الـمَـالِ لِلنَّـاسِ إِلَى اللهِ تَعَـالَى، وَقَـولُه جَلَّ شَـأْنُهُ: (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ). (الحديد 7) فَجَعَلَهُمْ خُلَفَاءَ فِي الـمَالِ عَنِ اللهِ تَعَالَى، فَاللهُ هُوَ الَّذِي استَخْلَفَهُمْ، فَالـمَالُ أَصْلُهُ إِذَنْ للهِ تَعَالَى.

 

فَمِلْكِيَّةُ الـمَالِ مِنْ حَيثُ هِيَ مِلْكِيَّةٌ للهِ لَا لِلنَّاسِ، وَلَكِنَّهُ تَعَالَى بِجَعْلِهِ النَّاسَ مُستَخْلَفِينَ فِيهِ جَعَلَ لَـهُمْ حَقَّ مِلْكِيَّةِ الـمَالِ؛ وَلِـهَذَا فَإِنَّ آيَةَ الاستِخْلَافِ لَيْسَتْ دَلِيلًا عَلَى مِلْكِيَّةِ الفَرْدِ، بَلْ هِيَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لِلإِنسَانِ مِنْ حَيثُ هُوَ إِنْسَانٌ حَقُّ الـمِلْكِيَّةِ لِلْمَالِ.

 

وَأَمَّا مِلْكِيَّةُ الفَرْدِ الفِعْلِيَّةِ، أَيْ كَونُهُ يَحُوزُ الـمَالَ فِعْلًا مِلْكِيَّةً لَهُ، فَإِنَّـهَا آتِيَةٌ مِنْ دَلِيلٍ آخَرَ، هُوَ السَّبَبُ الَّذِي أَبَاحَ لِلفَردِ التَّمَلُّكَ بِالفِعْلِ، مِنْ مِثْلِ قَولِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ أَحَاطَ حَائِطًا عَلَى أَرْضٍ فَهِيَ لَهُ». (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحَّحَهُ ابنُ الجَارُودِ وَالزَّينُ)، وَمِنْ مِثْلِ قَولِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ».  (أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ عَنْ عُمَرَ تَعْلِيقًا، وَأَخرَجَهُ أَحْمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ مِنْ طَرِيقِ جَابِر). وَمِنْ مِثْلِ قَولِهِ تَعالَى: (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ). (النِّسَاء 7) وَمِنْ مِثْلِ قَولِهِ تَعَالَى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ). (المائدة 96)، وَغَيرِ ذَلِكَ مِنَ النُّصُوصِ.

 

فَحَقُّ الـمِلْكِيَّةِ ثَابِتٌ لِكُلِّ إِنْسَانٍ فِيمَا خَلَقَهُ اللهُ مِنَ الأَشْيَاءِ، وَالـمِلْكِيَّةُ بِالفِعْلِ تَحْتَاجُ إِلَى إِذْنٍ مِنَ الشَّارِعِ فِي كَيفِيَّةِ الـمِلْكِ، وَفِي الـمَالِ الَّذِي يُرَادُ مِلْكُهُ، أَيْ تَـحتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ مِنَ الشَّرعِ يُبِيحُ هَذِهِ الـمِلْكِيَّةَ بِالفِعْلِ. فَتَكُونُ الـمَادَّةُ حَوَتْ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ:

 

الأول: أَنَّ الـمِلْكِيَّةَ للهِ، وَدَلِيلُهُ آيَةُ: (وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّـهِ الَّذِي آتَاكُمْ). (النور 33)

 

والثاني: أَنَّ لِلإِنسَـانِ حَقَّ الـمِلْكِـيَّةِ فِي الـمَـالِ، وَدَلِيلُهُ آيَةُ الاستِخْلَافِ: (وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ). (الحديد 7)

 

والثالث: أَنَّ الـمِلْكِيَّةَ بِالفِعْلِ لِلفَردِ تَحتَاجُ إِلَى إِذْنٍ مِنَ الشَّارِعِ، أَيْ إِلَى دَلِيلٍ يـُجيزُ الـمِلْكِيَّةَ فِعْلًا، وَأَدِلَّتُهُ النُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى إِبَاحَةِ التَّمَلُّكِ بِالفِعْلِ، وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ دَلِيلُ هَذِهِ الـمَادَّةِ.

 

ثانيًا: المادة 127: دَلِيلُ تَعْرِيفِ كُلِّ مِلْكِيَّةٍ مُستَنْبَطٌ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَاستِقْرَاءِ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الـمِلْكِيَّةِ الـمُستَنبَطَةِ مِنَ الأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ. فَإِنَّ تَتَبُّعَ الأَدِلَّةِ الشَّرعِيَّةِ عَلَى الـمِلْكِيَّةِ مَعَ تَعرِيفِ كُلِّ مِلْكِيَّةٍ الـمُستَنبَطِ مِنَ الدَّلِيلِ الشَّرعِيِّ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ أَنْوَاعَ الـمِلْكِيَّةِ مَـحْصُورَةٌ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي ذَكَرَتْـهَا هَذِهِ الـمَادَّةُ.

 

maram208

 

ثالثا: المادة 128:دَلِيلُ هَذِهِ الـمَادَّةِ هُوَ أَنَّ الأَدِلَّةَ الشَّرعِيَّةَ دَلَّتْ عَلَى تَعْرِيفِ الـمِلْكِيَّةِ الفَردِيَّةِ بِأَنَّـهَا إِذْنُ الشَّارِعِ بِالانتِفَاعِ بِالعَينِ، وَهُوَ يَشْمَلُ إِذْنَهُ بِالنِّسْبَةِ لِلانتِفَاعِ، وَهُوَ يَـحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ عَلَى كُلِّ انتِفَاعٍ، لِأَنَّهُ فِعْلٌ لِلْعَبدِ، فَلَا بُدَّ مِنْ خِطَابٍ مِنَ الشَّارِعِ يَتَعَلَّقُ بِهِ. وَيَشْمَلُ كَذَلِكَ إِذْنَهُ أَيْ إِذْنَ الشَّارِعِ بِالنِّسْبَةِ لِلعَينِ نَفْسِهَا، هَلْ يُنْتَفَعُ بِـهَا أَمْ لَا، وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ لِكُلِّ عَينٍ، بَلِ الأَصْلُ فِي كُلِّ عَيٍنٍ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ بِتَمَلُّكِهَا بِالدَّلِيلِ العَامِّ فِي قَولِـهِ تَعَالَى: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ). (الجاثية 13) فَإِذَا مُنِعَتْ مِلْكِيَّةُ عَينٍ فلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ نَصٍّ، أَيْ أَنَّهُ حَتَّى يَجُوزَ الانتِفَاعُ بِشَيءٍ مُعَيَّنٍ فَلَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ عَلَى الانتِفَاعِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ، وَأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ دَلِيلٌ عَنْ مَنْعِ مِلْكِيَّةِ ذَلِكَ الشَّيءَ، لِأَنَّ أَدِلَّةَ إِبَاحَةِ جَمِيعِ الأَشْيَاءِ لِلإِنسَانِ أَطْلَقَتْ لَهُ حِيَازَةَ كُلِّ شَيءٍ، فَيُستَنْبَطُ مِنْهُمَا تَعرِيفُ الـمِلْكِيَّةِ بِأَنَّهَا إِذْنُ الشَّارِعِ بِالانتِفَاعِ بِالعَينِ. أَمَّا التَّعرِيفُ الـمَذكُورُ فِي هَذِهِ الـمَادَّةِ فَإِنَّهُ مَعْنَى إِذْنِ الشَّارِعِ بِالانتِفَاعِ بِالعَينِ. فَمِلْكِيَّةُ الرَّغِيفِ مَثَلًا يُقَالُ فِيهَا إِنَّ الرَّغِيفَ هُوَ العَينُ، وَالـحُكْمُ الشَّرعِيُّ الـمُقَدَّرُ فِيهَا هُوَ إِذْنُ الشَّارِعِ لِلإِنسَانِ بِالانتِفَاعِ بِهَا، استِهْلَاكًا، وَمَنْفَعَةً، وَمُبَادَلَةً. وَهَذَا الإِذْنُ بِالانتِفَاعِ يَستَوجبُ أَنْ يَتَمَكَّنَ الـمَالِكُ، وَهُوَ مَنْ أُضِيفَ إِلَيهِ الإِذْنُ، مِنْ أَكْلِ الرَّغِيفِ، كَمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ بَيعِهِ. فَالحـُكْمُ الشَّرعِيُّ الـمُقَدَّرُ بِالعَينِ أَيْ بِالرَّغِيفِ، هُوَ الإِذْنُ بِاستِهْلَاكِهِ، وَمُبَادَلَتِهِ. وَمِنْ هُنَا جَاءَ التَّعرِيفُ الـمَذكُورُ فِي الـمَادَّةِ، وَهُوَ يَعنِي إِذْنَ الشَّارِعِ بِالانتِفَاعِ بِالعَينِ. وَعَلَى هَذَا الأَسَاسِ وُضِعَتْ هَذِهِ الـمَادَّةُ.

 

رابعًا: المادة 129: دَلِيلُ هَذِهِ الـمَادَّةِ هُوَ أَنَّ الأَدِلَّةَ الشَّرعِيَّةَ دَلَّتْ عَلَى تَعرِيفِ الـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ بِأَنَّـهَا إِذْنُ الشَّارِعِ بِالاشْتِرَاكِ فِي الانتِفَاعِ بِالعَينِ، وَأَدِلَّةُ هَذَا التَّعرِيفِ هِيَ النُّصُوصُ الوَارِدَةُ فِيمَا هُوَ مِلْكِيَّةٌ عَامَّةٌ. فَقَولُهُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ: الْمَاءِ والكلأ وَالنَّارِ». (أَخرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ). وَقَدْ أَخرَجَ التِّرمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبْيَضَ ابْنِ حَمَّالٍ «أَنَّهُ وَفَدَ إِلَى رَسُولِ اللهِ r فَاسْتَقْطَعَهُ الـمِلْحَ، فَقَطَعَ لَهُ. فَلَمَّا أَنْ وَلَّى قَالَ رَجُلٌ مِنَ الـمَجْلِسِ: أَتَدْرِي مَا قَطَعْتَ لَهُ؟ إِنَّـمَا قَطَعْتَ لَهُ الـمَاءَ العِدَّ. قَالَ فَانتَزَعَهُ مِنهُ». وَالـمَالُ العِدُّ هُوَ الَّذِي لَا يَنقَطِعُ، أَيْ أَقْطَعْتَ لَهُ مَعْدِنًا لَا يَنْقَطِعُ. وَقَالَ r : «مِنى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ». (أَخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ)، وَمِنَى الـمَكَانُ الـمَعْرُوفُ بِالحِجَازِ الَّذِي يَنْـِزلُ إِلَيهِ الحُجَّاجُ بَعْدَ وَقُوفِهِمْ بِعَرَفَاتٍ، فَهُوَ لِـجَمِيعِ النَّاسِ يُنِيخُ نَاقَتَهُ فِيهِ كُلُّ مَنْ سَبَقَ إِلَيهِ. وَقَدْ أَقَرَّ النَّبِيُّ r اشْتِرَاكَ النَّاسِ فِي الطَّرِيقِ العَامِّ.

 

إِنَّ هَذِهِ النُّصُوصَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّارِعَ قَدْ أَذِنَ لِلنَّاسِ بِالاشْتِرَاكِ فِي هَذِهِ الأَعْيَانِ، فَاستُنْبِطَ مِنْهَا تَعرِيفُ الـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ. وَعَلَى هَذَا الأَسَاسِ وُضِعَتْ هَذِهِ الـمَادَّةُ.

 

أيها المؤمنون:

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

آخر تعديل علىالسبت, 24 كانون الأول/ديسمبر 2022

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع