السبت، 21 محرّم 1446هـ| 2024/07/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح211) أدلة الإرث، الحاجة إلى المال لأجل الحياة، إعطاء الدولة، أخذ المال دون جهد

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

 (ح211) 

أدلة الإرث، الحاجة إلى المال لأجل الحياة، إعطاء الدولة، أخذ المال دون جهد

 

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "أَدِلَّةُ الإِرْثِ، الحَاجَةِ إِلَى الـمَالِ لِأَجْلِ الحَيَاةِ، إِعْطَاءِ الدَّولَةِ، أَخذِ الـمَالِ دُونَ جُهْدٍ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّالِثَةِ والعِشْرين بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

 

المادة 131: الـمِلْكِيَّةُ الفَردِيَّةُ فِي الأَموَالِ الـمَنقُولَةِ وَغَيرِ الـمَنقُولَةِ مُقَيَّدَةٌ بِالأَسْبَابِ الشَّرعِيَّةِ الخَمْسَةِ وَهِيَ:

 

أ  - العَمَلُ.

ب- الإِرْثُ.

جـ- الحَاجَةُ إِلَى الـمَالِ لِأَجْلِ الحَيَاةِ.

د - إِعْطَاءُ الدَّولَةِ مِنْ أَمْوَالِـهَا لِلرَّعِيَّةِ.

هـ- الأَمْوَالُ الَّتِي يَأْخُذُهَا الأَفْرَادُ دُونَ مُقَابِلِ مَالٍ أَوْ جُهْدٍ.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجًا وَدُستُورًا، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَامًا لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ التَّتِمَّةُ الثَّانِيَةُ للـمَادَّةِ الوَاحِدَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:

 

أما السبب الثاني فهو الإرث: وَدَلِيلُهُ قَولُهُ تَعَالَى: (يُوصِيكُمُ اللَّـهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ). (النِّسَاء 11) وَسَائِرُ نُصُوصِ الإِرْثِ مِنْ آيَاتٍ وَأَحَادِيثَ.

 

maram211

 

والسبب الثالث: هو الحاجة للمال لأجل الحياة: وَدَلِيلُهُ دَلِيلُ النَّفَقَةِ مِنْ كَونِـهَا وَاجبَةً لَهُ إِذَا كَانَ عَاجِزًا عَنِ الكَسْبِ (فِعْلًا)، كَمَنْ كَانَ صَغِيرًا، أَوْ لَا يَستَطِيعُ العَمَلَ، أَوْ (حُكْمًا) كَمَنْ لَا يَجِدُ عَمَلًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى العَمَلِ. وَالشَّرعُ فَرَضَ النَّفَقَةَ لِلأَقَارِبِ الوَرَثَةِ قَالَ تَعَالَى: (وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ). (البقرة 233) بَعْدَ قَولِهِ: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، (البقرة 233) وَكُلُّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَملِكُ هَذَا الـمَالَ الَّذِي يَأخذُهُ نَفَقَةً أَي يَأخذُهُ لِأَجْلِ الحَيَاةِ.

 

والسبب الرابع: إعطاء الدولة من أموالها للرعية: كَإِقْطَاعِ الأَرَاضِي، وَكَإِعطَائِهَا مَالًا لِسَدَادِ الدُّيُونِ، أَو لإِعَانَةِ الزُّرَّاعِ. وَدَلِيلُ الإِقْطَاعِ مَا رُوِيَ عَنْ بِلَالٍ الـمُزْنِيِّ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ r أَقْطَعَهُ العَقِيقَ أَجْمَعَ». أَخرَجَهُ أَبُو عُبَيدٍ فِي الأَمْوَالِ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَمْرٍو بْنِ شُعَيبٍ قَالَ: «أَقْطَعَ رَسُولُ اللهِ r نَاسًا مِنْ مُزْيَنَةِ أَوْ جُهَيْنَةِ أَرْضًا». (أخرَجَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي كِتَابِ الخَرَاجِ) . وَأَمَّا إِعْطَاؤُهُمْ مَالًا لِسَدَادِ الدُّيُونِ، فَاللهُ جَعَلَ مِنْ أَسْهُمِ الزَّكَاةِ الـمَدِينِينَ قَالَ: (وَالْغَارِمِينَ). (التوبة 60)، وَالرَّسُولُ r قَالَ: «فَمَنْ تَرَكَ دَيْناً فَعَلَيَّ، وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ) ، وَمَعْنَى قَولِ الرَّسُولِ: «فَعَلَيَّ» أَيْ عَلَى الدَّولَةِ، أَيْ عَلَى بَيتِ الـمَالِ. وَأَمَّا إِعْطَاءُ الفَلَّاحِينَ مَالًا لِلزِّرَاعَةِ فَقَدْ أَعْطَى عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ مِنْ بَيتِ الـمَالِ لِلفَلَّاحِينَ فِي العِرَاقِ أَمْوَالًا أَعَانَـهُمْ بِـهَا عَلَى زِرَاعَةِ أَرْضِهِمْ وَسَدَّ بِـهَا حَاجَتَهُمْ دُونَ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْهُمْ، وَلَـمْ يُنْكِرْ عَلَيهِ مُنكِرٌ مَعَ أَنَّهُ مِـمَّا يُنْكَرُ فَكَانَ إِجْمَاعًا.

 

فَهَذِهِ الأَحْوَالُ الثَّلَاثَةُ: الإِقْطَاعُ، وَأَخذُ الـمَالِ لِسَدَادِ الدَّينِ، وَأَخذُ الـمَالِ إِعَانَةً لِلزِّرَاعَةِ، مِنْ أَسْبَابِ الـمِلْكِ. وَكُلُّ مَا كَانَ مِنَ الـمُبَاحَاتِ، وَلِلإِمَامِ أَنْ يَصْرِفَ الـمَالَ لَهُ بِرأْيِهِ وَاجتِهَادِهِ، فَإِنَّ مَنْ يُصْرَفْ لَهُ الـمَالُ يَـمْلِكُهُ بِـهَذَا الإِعْطَاءِ.

 

أما السبب الخامس: هو الأموال التي يأخذها الأفراد دون مقابل مال أو جهد: فَيَشْمَلُ خَمْسَةَ أَحْوَالٍ:

 

أحدها: صِلَةُ الأَفرَادِ بَعْضَهُمْ بَعْضًا، كَالهَدِيَّةِ، وَالهِبَةِ، وَالوَصِيَّةِ. فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَمِيدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ: «غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ r غَزْوَةَ تَبُوكَ... وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ r بَغْلَةً بَيْضَاءَ وَكَسَاهُ بُرْدًا». (أخرَجَهُ البُخَارِيُّ)، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الهَدِيَّةِ. وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «تَهَادَوْا تَحَابُّوا». (أخرَجَهُ البُخَارِيُّ فِي الأَدَبِ الـمُفْرَدِ مِنْ طَريِقِ أَبِي هُرَيرَةَ، وَكَذَلِكَ أَخرَجَهُ البَيهَقِيُّ مِنْ طَرِيقِهِ)، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ الهَدِيَّةِ، وَقَالَ r : «لاَ يَرْجِعْ أَحَدُكُمْ فِي هِبَتِهِ إِلاَّ الْوَالِدَ مِنْ وَلَدِهِ». (أخرَجَهُ ابنُ مَاجَه مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ). وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاس) مِمَّا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ الهِبَةِ. وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِسَعْدِ بْنِ مَالِك: «أَوْصِ بِالثُّلُثِ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ سَعْدٍ). فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى إِبَاحَةِ الوَصِيَّةِ.

 

وثاني الأحوال: اسْتِحُقَاقُ الـمَالِ عِوَضًا عَنْ ضَرَرٍ، كَدِيَةِ القَتِيلِ، وَدِيَاتِ الجِرَاحِ، قَالَ تَعَالَى: (وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ). (النِّسَاء 92) وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «فِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ». (أخرَجَهُ البَيهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ ابنُ حِبَّانَ وَالحَاكِمُ).

 

وَقَالَ رَسُولُ اللهِ r : «فِي دِيَةِ الأَصَابِعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ سَوَاءٌ عَشْرٌ مِنْ الإِبِلِ لِكُلِّ أُصْبُعٍ». (أخرَجَهُ التِّرمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَأَخرَجَ نَحْوَهُ البَيهَقِيُّ فِي كِتَابِ أَبِي بَكْرِ بْنِ محمد). فَهَذِهِ الدِّيَةُ لِلقَتِيلِ يـَملِكُهَا أَهْلُهُ، وَدِيَةُ العُضْوِ يَـمْلِكَهَا صَاحِبُهُ.

 

وثالث الأحوال: استِحْقَاقُ الـمَهْرِ وَتَوَابِعِهِ قَالَ تَعَالَى: (وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً). (النِّسَاءُ 4) فَتَمْلِكُ الزَّوجَةُ صَدَاقَهَا بِـمُجَرَّدِ العَقْدِ.

 

ورابع الأحوال: اللُّقَطَةُ: وَهِيَ مَا يُوجَدُ مُلْقىً عَلَى الأَرْضِ فَيُلْقَطُ، أَوِ الشَّيْءُ الْمَتْرُوكُ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مَالِكٌ. فَقَدْ سُئِلَ r عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: «مَا كَانَ مِنْهَا فِي طَرِيقِ الْمِيتَاءِ أَوْ الْقَرْيَةِ الْجَامِعَةِ فَعَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فَهِيَ لَكَ». (أخرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبدِ اللهِ بْنِ عَمرِو بْنِ العَاصِ)، وَالـمَيتَاءُ: الطَّرِيقُ الـمَسْلُوكَةُ. وَعَنْ عِيَاض بْنِ حِمَار قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r : «مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ وَلْيَحْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَلاَ يَكْتُمْ وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَجِئْ صَاحِبُهَا فَإِنَّهُ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ». (أخرَجَهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، فَاللُّقَطَةُ يَـمْلِكُهَا مَنِ التَقَطَهَا بِشُرُوطِهَا).

 

وخامسها: تَعْوِيضُ الخَلِيفَةِ، وَالـمُعَاوِنِينَ، وَالوُلَاةِ، وَسَائِرِ الحُكَّامِ. فَقَدْ أَخْرَجَ ابنُ هِشَامٍ فِي السِّيرَةِ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَمَّا اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ r عِتَابَ بْنَ أُسَيْدٍ عَلَى مَكَّةَ رَزَقَهُ كُلَّ يَوْمٍ دِرْهَماً، فَقَامَ عِتَابٌ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَجَاعَ اللهُ كَبِدَ مَنْ جَاعَ عَلَى دِرْهَمٍ، فَقَدْ رَزَقَنِي اللهُ دِرْهَماً كُلَّ يَوْمٍ، فَلَيْسَتْ بِيَ حَاجَةٌ إِلَى أَحَدٍ». وَرَوَى ابنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ بِإِسْنَادٍ مُرْسَلٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، قَالَ: «لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ أَصْبَحَ غَادِيًا إِلَى السُّوقِ، عَلَى رَأْسِهِ أَثْوابٌ يَتَّجِرُ بِهَا، فَلَقِيَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الجَرَّاحِ فَقَالَ: كَيْفَ تَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ وُلِّيتَ أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: فَمِنْ أَيْنَ أُطْعِمُ عِيَالِي؟ قَالُوا: نَفْرِضُ لَكَ، فَفَرَضُوا لَهُ كُلَّ يَوْمٍ شَطْرَ شَاةٍ». (أخرَجَهُ ابنُ حَجَر فِي فَتْحِ البَارِي، وَأَخرَجَ نَحْوَهُ الزَّيلَعِي فِي نَصْبِ الرَّايَةِ). فَكَانَ ذَلِكَ إِجْمَاعًا مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى تَعْوِيضِ الخَلِيفَةِ. فَهَذَا التَّعْوِيضُ لِلخَلِيفَةِ، وَالوُلَاةِ، وَالعُمَّالِ، يَـمْلِكُونَهُ. فَهُوَ مِنْ أَسْبَابِ الـمُلْكِ، وَلَيسَ هُوَ أُجْرَةً، فَلَا يَدْخُلُ فِي بَابِ إِجَارَةِ الأَجِيرِ.

 

فَهَذِهِ الأَحْوَالُ الخَمْسَةُ هِيَ الَّتِي يَشْمَلُهَا السَّبَبُ الخَامِسُ مِنْ أَسْبَابِ الـمِلْكِ. وَهَذِهِ الأَدِلَّةُ عَلَى أَسْبَابِ الـمِلْكِ الخَمْسَةِ هِيَ أَدِلَّةٌ قَدْ ثَبَتَ بِالاستِقْرَاءِ أَنَّهُ لَا تُوجَدُ أَسْبَابٌ لِلْمِلْكِ غَيرُهَا، وَهِيَ الإِذْنُ الشَّرعِيُّ بِالتَّمَلُّكِ. وَمَا عَدَا هَذِهِ الأَسْبَابِ الخَمْسَةِ فَهِيَ أَسْبَابٌ لِتَنْمِيَةِ الـمِلْكِ، كَالتِّجَارَةِ، وَالصِّنَاعَةِ، وَالزِّرَاعَةِ، وَلَيسَتْ أَسْبَابًا لِلتَّمَلُّكِ. وَبِهَذَا تَظْهَرُ أَدِلَّةُ هَذِهِ الـمَادَّةِ.

 

أيها المؤمنون:

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

آخر تعديل علىالأربعاء, 28 كانون الأول/ديسمبر 2022

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع