السبت، 21 محرّم 1446هـ| 2024/07/27م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح212) التصرف بالملكية بالإنفاق، أم بتنمية الملك مقيد بإذن الشارع

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

(ح212)

التصرف بالملكية بالإنفاق، أم بتنمية الملك مقيد بإذن الشارع

 

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ"وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "التَّصَرُّفُ بِالـمِلْكِيَّةِ بِالإِنفَاقِ أَمْ بِتَنْمِيَةِ الـمِلْكِ مُقَيَّدٌ بِإِذْنِ الشَّارِعِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّالِثَةِ والعِشْرين بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

 

المادة 132: التَّصَرُّفُ بِالـمِلْكِيَّةِ مُقَيَّدٌ بِإِذْنِ الشَّارِعِ، سَوَاءٌ أَكَانَ تَصَرُّفًا بِالإِنْفَاقِ أَمْ تَصَرُّفًا بِتَنْمِيَةِ الـمِلْكِ. فَيُمْنَعُ السَّرَفُ، وَالتَّرَفُ، وَالتَّقْتِيرُ، وَتـُمْنَعُ الشَّرِكَاتُ الرَّأْسْمَالِيَّةُ، وَالجَمْعِيَّاتُ التَّعَاوُنِيَّةُ، وَسَائِرُ الـمُعَامَلَاتِ الـمُخَالِفَةُ لِلشَّرْعِ، وَيُـمنَعُ الرِّبَا، وَالغُبْنُ الفَاحِشُ، وَالاحتِكَارُ، وَالقِمَارُ، وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجًا وَدُستُورًا، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَامًا لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ الـمَادَّةُ الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:

 

دَلِيلُهَا هُوَ دَلِيلُ إِنْفَاقِ الـمَالِ، وَدَلِيلُ التَّصَرُّفَاتِ القَولِيَّةِ بِهِ مِثْلُ البَيعِ، وَالإِجَارَةِ، وَغَيرِهَا، وَهِيَ أَدِلَّةُ تَنْمِيَتِهِ. أَمَّا دَلِيلُ الإِنْفَاقِ فَقَالَ تَعَالَى: (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ). (الطَّلَاق 7)، وَقَالَ تَعَالَى فِي النَّهْيِ عَنِ الإِسْرَافِ: (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ). (الأَنعَام 141)، وَقَالَ: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (٢٦) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ).(الإسراء 27)، وَقَالَ فِي النَّهْيِ عَنِ التَّقْتِيرِ: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا).(الفُرقَانُ 67).

 

وَأَمَّا التَّصَرُّفَاتُ القَولِيَّةُ فَإِنَّ الشَّارِعَ قَدْ حَدَّدَهَا بِمُعَامَلَاتٍ مُعَيَّنَةٍ، مِنْ بَيعٍ، وَإِجَارَةٍ، وَشَرِكَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَحَدَّدَ كَيفِيَّتَهَا. وَحَرَّمَ مَا سِوَاهَا. قَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ».(أخرَجَهُ مُسْلِمُ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ رضي الله عنها)، فَهَذَا التَّحْدِيدُ لِلمُعَامَلَاتِ بِكَيفِيَّةٍ مَـخْصُوصَةٍ، وَالنَّهْيُ عَنْ مُعُامَلَاتٍ مُعَيَّنَةٍ نَـهْيًا صَرِيحًا، هُوَ تَقْيِيدٌ لِلتَّصَرُّفِ بِتَنْمِيَةِ الـمِلْكِ بِإِذْنِ الشَّارِعِ.

 

maram212

 

فَهُنَاكَ تَصَرُّفَاتٍ وَرَدَ الأَمْرُ بِـهَا عَلَى وَجْهٍ مَـخْصُوصٍ مُـحَدَّدٍ، وَوَرَدَتِ النُّصُوصُ الشَّرعِيَّةُ عَلَى شُرُوطِ انعِقَادِ الـمُعَامَلَةِ وَعَلَى شُرُوطِ صِحَّتِهَا بِشَكْلٍ جَازِمٍ، فَالوَاجبُ أَنْ يَكُونَ القِيَامُ بِـهَا عَلَى الوَجْهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ النَّصُّ الشَّرعِيُّ، وَأَنْ يَكُونُ مُستَوفِيًا جَمِيعَ شُرُوطِ الانعِقَادِ، وَجَمِيعَ شُرُوطِ الصِّحَّةِ الَّتِي جَاءَ بِـهَا النَّصُّ الشَّرْعِيُّ. فَإِذَا جَاءَتْ مُـخَالِفَةً لِـمَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ أَو غَيرَ مُسْتَوفِيَةٍ شُرُوطَ الانعِقَادِ وَشُرُوطَ الصِّحَّةِ فَقَدْ خَالَفَتِ الشَّرْعَ، فَكَانَتْ إِمَّا (بَاطِلَةً) إِذَا كَانَتِ الشُّرُوطُ الَّتِي لَـمْ تَستَوفِهَا هِيَ شُرُوطَ انعِقَادٍ، وَإِمَّا (فَاسِدَةً) إِذَا كَانَتِ الشُّرُوطُ الَّتِي لَـمْ تَستَوفِهَا لَيْسَتْ شُرُوطَ انعِقَادٍ، وَإِنَّمَا هِيَ مُـخَالِفَةٌ لِـمَا جَاءَ الشَّرعُ بِالأَمْرِ بِهِ أَوِ بِالنَّهْيِ عَنهُ.

 

وَهَذَا البُطْلَانُ وَالفَسَادُ هُوَ مُـخَالَفَةٌ لِلشَّرْعِ، أَيْ مُـخَالِفَةٌ لِأَوَامِرِ اللهِ وَنَوَاهِيهِ، وَهُوَ ارتِكَابٌ لِإِثْمٍ. مِثَالُ ذَلِكَ العَقْدُ الشَّرعِيُّ، فَقَدْ أَمَرَ الشَّارِعُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بَينَ عَاقِدَينِ اثْنَينِ، قَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ».(مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ ابنِ عُمَرَ وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ). وَقَالَ تَعَالَى فِي الحَدِيثِ القُدْسِيِّ: «أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ».(أَخرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيرَةَ وَصَحَّحَهُ وَوَافَقَهُ الذَّهَبِيُّ). وَأَمَرَ أَنْ يَكُونَ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ. فَإِذَا لَـمْ يَسْتَوفِ العِقْدُ هَذِهِ الشُّرُوطَ: عَاقِدَينِ، وَإِيجَابٍ وَقَبُولٍ، فِي مُعَامَلَةٍ مِنَ الـمُعَامَلَاتِ بَطَلَ العَقْدُ، وُلَـمْ يَنْعَقِدْ، وَكَانَ التَّصَرُّفُ الحَاصِلُ فِي هَذِهِ الـمُعَامَلَةِ ارتِكَابًا لِإِثْـمٍ، وَفِعْلًا لِـحَرَامٍ، إِذْ تُعتَبَرُ هَذِهِ الـمُعَامَلَةُ مِـمَّا نَـهَى الشَّرْعُ عَنهُ.

 

مِثَالُ ذَلِكَ: الشَرِكَاتُ الـمُسَاهِمَةُ، فَإِنَّـهَا تَتِمُّ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ. فَبِمُجَرَّدِ تَوقِيعِ الشَّخْصِ عَلَى شُرُوطِ الشَّرِكَةِ يَصِيرُ شَرِيكًا، وَبِمُجَرَّدِ شِرَاءِ الشَّخْصِ لِلسَّهْمِ فِي الشَّرِكَةِ يَصِيرُ شَرِيكًا، فَهِيَ عِندَ الرَّأسمَالِيِّينَ مِنْ قَبِيلِ الإِرَادَةِ الـمُنْفَرِدَةِ كَالوَقْفِ وَالوَصِيَّةِ فِي الإِسْلَامِ. فَلَيسَ فِي الشَرِكَةِ الـمُسَاهِمَةِ عَاقِدَانِ، بَلْ مُتَصَرِّفٌ وَاحِدٌ، وَلَيسَ فِيهَا إِيجَابٌ وَقَبُولٌ، بَلْ إِيجَابٌ فَحَسْب.

 

وَالشَّرِكَةُ شَرْعًا لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ بِعَقْدٍ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ مِنْ عَاقِدَينِ مِثلُهَا مِثْلُ البَيعِ وَالإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ، وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ مِنَ العُقُودِ. وَلِذَلِكَ لَـمْ تَنعَقِدِ الشَرِكَةُ الـمُسَاهِمَةُ فَكَانَتْ بَاطِلَةً، وَكَانَتْ حَرَامًا. فَإِنَّـهَا لِـمُخَالَفَتِهَا لِلشَّرعِ تُعتَبَرُ مِـمَّـا نـَهَى الشَّرْعُ عَنهُ، فَفِيهَا تَركُ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ مِنْ شُرُوطِ انعِقَادِ الشَّرِكَةِ، وَفِيهَا فِعْلٌ لِـمَا نَـهَى اللهُ عَنهُ وَهُوَ مُـخَالَفَةُ أَمْرِهِ، قَالَ تَعَالَى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ). (النور 63) فَكَانَ القِيَامُ بِـهَا ارتِكَابًا لِإِثْـمٍ، وَفِعْلًا لِـحَرَامٍ؛ فَكَانَتْ مِنَ الـمُعَامَلَاتِ الـمُحَرَّمَةِ شَرْعًا؛ لِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ بَاطِلٍ حَرَامٌ.

 

وَمِثَالُ ذَلِكَ أَيضًا: التَّأْمِينُ عَلَى الحَيَاةِ أَوْ عَلَى البِضَاعَةِ أَوْ عَلَى الـمُمْتَلَكَاتِ، فَإِنَّهُ تَعَهُّدٌ مِنْ شَرِكَةِ التَّأْمِينِ بِأَنْ تُعَوِّضَ عَلَيهِ عَيْنَ مَا خَسِرَهُ أَوْ ثَـمَنَهُ بِالنِّسْبَةِ لِلبِضَاعَةِ أَوِ الـمُمْتَلَكَاتِ، أَوْ مَبْلَغًا مِنَ الـمَالِ بِالنِّسْبَةِ لِلحَيَاةِ، وَمَا هُوَ مِثْلُهَا مِثْلُ التَّأْمِينِ عَلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الجِسْمِ. وَذَلِكَ حِينَ حُصُولِ حَادِثٍ مَا يُعَيِّنَانِهِ خِلَالَ مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مُقَابِلَ مَبْلَغٍ مُعَيَّنٍ. فَلَيسَ فِي هَذَا التَّأْمِينِ مَضْمُونٌ عَنهُ، وَلَا ضَمُّ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ، إِذْ لَا يُوجَدُ أَحَدٌ قَدْ ضَمِنَتْهُ الشَّرِكَةُ وَضَمَّتْ ذِمَّتَهَا إِلَى ذِمَّتِهِ، وَلَا يُوجَدُ فِي هَذَا التَّأْمِينِ حَقٌّ مَالِيٌّ لِلمُؤَمِّنِ عِندَ أَحَدٍ قَدِ التَزَمَتْهُ شَرِكَةُ التَّأْمِينِ. إِذْ لَيسَ لِلمُؤَمِّنِ حَقٌّ مَالِيٌّ عِندَ أَحَدٍ وَجَاءَتِ الشَّرِكَةُ وَضَمِنَتْهُ.

 

وَهَذَا التَّأْمِينُ هُوَ ضَمَانٌ، وَالضَّمَانُ شَرْعًا هُوَ ضَمُّ ذِمَّةِ الضَّامِنِ إِلَى ذِمَّةِ الـمَضْمُونِ عَنهُ فِي التِـَزامِ الحَقِّ، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ضَمِّ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ، وَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ضَامِنٍ، وَمَضْمُونٍ عَنهُ،  وَمَضْمُونٍ لَهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ ضَمَانًا لِحَقٍّ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ. وَهَذِهِ شُرُوطُ انعِقَادٍ، وَشُرُوطُ صِحَّةٍ فِي الضَّمَانِ، وَمَا دَامَ عَقْدُ التَّأْمِينِ لَـمْ يَسْتَوفِ هَذِهِ الشُّرُوطَ الشَّرعِيَّةَ فَهُوَ بَاطِلٌ شَرْعًا وَكَانَ حَرامًا، فَكَانَ القِيَامُ بِهِ ارتِكَابًا لِإِثْمٍ وَفِعْلًا لِحَرامٍ، فَكَانَ مِنَ الـمُعَامَلَاتِ الـمُحَرَّمَةِ شَرعًا، لِأَنَّ كُلَّ مُعَامَلَةٍ بَاطِلَةٍ حَرَامٌ. فَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِثْلُ الشَّرِكَةِ وَالضَّمَانِ قَدْ حُدِّدَتْ بِكَيفِيَّةٍ مَخصُوصَةٍ، وَشُرُوطٍ مَخصُوصَةٍ بِنُصُوصٍ شَرعِيَّةٍ فَوَجَبَ التَّقَيُّدُ بِـهَا، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّصَرُّفَ بِتَنْمِيَةِ الـمِلْكِ مُقَيَّدٌ بِإِذنِ الشَّارِعِ.

 

وَهُنَاكَ تَصَرُّفَاتٍ وَرَدَ النَّهْيِ عَنْهَا صَرِيحًا، كَالغُبْنِ الفَاحِشِ، لِـمَا رُوِيَ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا ذَكَرَ لِلنَّبِيِّ r أَنَّهُ يَخْدَعُ فِي البُيُوعِ فَقَالَ: «إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لاَ خِلاَبَةَ».(مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ)، وَالخِلَابَةُ بِكَسْرِ الخَاءِ: الخَدِيعَةُ، وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «بَيْعُ الْمُحَفَّلاَتِ خِلاَبَةٌ، وَلاَ تَحِلُّ الْخِلاَبَةُ لِمُسْلِمٍ».(أخرَجَهُ أحْمَدُ وَابنُ مَاجَه مِنْ طَرِيقِ عَبدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَقَدْ رَوَاهُ بْنُ أَبِي شَيبَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ مَوقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ). لِذَلِكَ كَانَ الغُبْنُ الفَاحِشُ حَرامًا.

 

وَكالاحتِكَارِ لِقَولِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ».(أخرَجَهُ مُسْلِمُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرِ بْنِ عَبدِ اللهِ العَدَوِيِّ). وَكَالقِمَارِ لِقَولِهِ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). (المائدة90). وَكَالرِّبَا لِقَولِهِ تَعَالَى: (وَأَحَلَّ اللَّـهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا).(البَقَرَة 275). فَكَانَ هَذَا النَّهْيُ الصَّرِيحُ عَنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ وَأَمْثَالِـهَا تَقْيِيدًا لِلتَّصَرُّفِ بِتَنْمِيَةِ الـمِلْكِ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي هَذِهِ الـمُعَامَلَاتِ وَأَمْثَالِـهَا، وَهَذَا أَيضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّصَرُّفَ بِتَنْمِيَةِ الـمُلْكِ مُقَيَّدٌ بِإِذْنِ الشَّارِعِ.

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

آخر تعديل علىالأربعاء, 28 كانون الأول/ديسمبر 2022

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع