الإثنين، 21 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح219) نقض قول القائلين بجواز تأجير الأرض للزراعة (4)

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

 (ح219)  نقض قول القائلين بجواز تأجير الأرض للزراعة  (4) 

 

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ"وَمَعَ الحَلْقَةِ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا:"نقض قول القائلين بجواز تأجير الأرض للزراعة (4)". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الرَّابِعَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

 

المادة 135: يُـمْنَعُ تَأْجيرُ الأَرضِ لِلزِّرَاعَةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَكَانَتْ خرَاجيَّةً أَمْ عُشرِيَّةً، كَمَا تُـمْنَعُ الـمُزَارَعَةُ. أَمَّا الـمُسَاقَاةُ فَجَائِزَةٌ مُطْلَقًا.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجًا وَدُستُورًا، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَامًا لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ التَّتِمَةُ الرَّابِعَةُ لِلـْمَادَّةِ الخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:

 

وَيَقُولُ مَنْ يُـجيزُ إِجَارَةَ الأَرْضِ: "إِنَّ الدَّلِيلَ عَلَى جَوَازِ إِجَارَتـِهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ: «حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ الْمَعْنَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَقَ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي الْوَلِيدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: "يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، أَنَا وَاللَّهِ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ مِنْهُ، إِنَّمَا أَتَاهُ رَجُلانِ، قَالَ مُسَدَّدٌ مِنْ الأَنْصَارِ: ثُمَّ اتَّفَقَا، قَدْ اقْتَتَلا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : «إِنْ كَانَ هَذَا شَأْنَكُمْ فَلا تُكْرُوا الْمَزَارِعَ». أَيْ أَنَّ "زَيدَ بْنَ ثَابِتٍ" قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ (يَعنِي إِجَارَة الأَرْضِ)، مِنْ رَافِع، وَإِنَّـمَا سَمِعَ النَّبِيَّ r  رَجُلَينِ قَدِ اقتَتَلَا فَقَالَ: «إِنْ كَانَ هَذَا شَأْنَكُمْ فَلا تُكْرُوا الْمَزَارِعَ». وَرَوَى البُخَارِيًّ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: قُلْتُ لِطَاوُوسَ: "لَو تَرَكْتَ الـمُخَابَرَةَ، فَإِنَّـهُمْ يَزعُمُونَ أَنَّ النَّبِيَّ r نَـهَى عَنْهَا، قَالَ: إِنَّ أَعْلَمَهُمْ -يَعنِي ابنَ عَبَّاسٍ- أَخبَرَنِي أَنَّ النَّبِيَّ r  لَـمْ يَنْهَ عَنْهَا، وَلَكِنْ قَالَ: «أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ عَلَيْهَا خَرَاجاً مَعْلُومًا». وَالخَرَاجُ فِي اللُّغَةِ كِرَاءُ الأَرْضِ، أَيْ أَخُذُ أُجْرَةٍ. فَهَذَانِ الحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى جَوَازِ الإِجَارَةِ.

 

maram219

 

وَالجَوَابُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ أَنَّ حَدِيثَ زَيدٍ لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهَا بَلْ مَنطُوقُهُ يَدُلُّ عَلَى مَنْعِهَا، وَأَمَّا مَفْهُومَ الشَّرطِ فِي قَولِهِ r : «إِنْ كَانَ هَذَا شَأْنَكُمْ». فَهُوَ مُعَطَّلٌ بِالأَحَادِيثِ الَّتِي تَنْهَى عَنْ كِرَاءِ الـمَزَارِعِ مُطْلَقًا، وَكَذَلِكَ فَهُوَ مُعَطَّلٌ لِـخُرُوجهِ مَـخْرَجَ الغَالِبِ، فَإِنَّ الكِرَاءَ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِهِ كَانَ يَغْلُبُ عَلَيهِ الـمُشَاجَرَةُ وَالاختِلَافُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ الأَرْضِ تَكُونُ أَخْصَبَ مِنَ الأُخْرَى. وَهَذَا مِثْلُ تَعطِيلِ مَفْهُومِ الشَّرطِ فِي قَولِهِ تَعَالَى: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا). (النور 33) فَإِنَّ هَذَا خَرَجَ مَـخْرَجَ الغَالِبِ، حَيثُ كَانُوا فِي الغَالِبِ يُكْرِهُونَ فَتَيَاتِهِمْ عَلَى البِغَاءِ، فَهَذَا الـمَفْهُومُ، أَيْ مَفْهُومُ الشَّرْطِ، مُعَطَّل لِأَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الغَالِبِ، وَكَذَلِكَ مُعَطَّلٌ بِنُصُوصِ تَحْرِيمِ الزِّنَا العَامَّةِ غَيرِ الـمُخَصَّصَةِ.

 

وَأَمَّا الحَدِيثُ الثَّانِي عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فَإِنَّهُ لَا يَعْنِي "جَوَازَ الـمَنْحِ وَجَوَازَ أَخْذِ الأُجْرَةِ، وَلَكِنَّ الـمَنْحَ خَيرٌ وَأَفْضَلُ"، لَيسَ الـمَعْنَى كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ يُـحَرِّمُ أَخْذَ الأُجْرَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذِهِ الجُمْلَةَ (أَنْ يـَمْنَحَ أَخَاهُ خَيرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ خَرَاجًا مَعلُومًا..) هِيَ جُمْلَةٌ خَبَرِيَّةٌ تُفِيدُ الطَّلَبَ، أَيْ كَأَنَّهُ قَالَ: «امْنَحْ أَخَاكَ، وَلَا تَأْخُذْ خَرَاجًا». فَفِيهَا طَلَبٌ لِلْمَنْحِ أَيِ الإِعْطَاءِ دُونَ مُقَابِلَ، وَنَهْيٌ عَنْ أَخْذِ الخَرَاجِ أَي الأُجْرَةَ، وَتَـحْتَاجُ إِلَى قَرِينَةٍ لِـمَعْرِفَةِ نَوعِ النَّهْيِ "طَلَبِ التَّركِ"، وَالقَرَائِنُ مِنَ الأَحَادِيثِ الأُخْرَى تُفِيدُ أَنَّ طَلَبَ التَّركِ جَازِمٌ؛ لِأَنَّهَا تَـمْنَعُ أَخْذَ أُجْرَةٍ مُطْلَقًا كَقَولِهِ r : «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيُزْرِعْهَا أَخَاهُ، وَلا يُكَارِيهَا بِثُلُثٍ وَلا بِرُبُعٍ وَلا بِطَعَامٍ مُسَمًّى». (أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد) وَقَولُهُ r : «مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ»، وَرَوَى رَافِعُ: «أَنَّ النَّبِيَّ r نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمْ مِنْ طَرِيقِ جَابِر: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r أَنْ يُؤْخَذَ لِلأَرْضِ أَجْرٌ أَوْ حَظٌّ»، وَرُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ لَقِيَ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: سَمِعْتُ عَمَّيَّ وَكَانَا قَدْ شَهِدَا بَدْرًا يُحَدِّثَانِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r نَهَى عَنْ كِرَاءِ الأَرْضِ». (أخرَجَهُ مُسْلِمُ).

 

وَيَقُولُ مَنْ يُـجيزُ إِجَارَةَ الأَرْضِ:"إِنَّ الدَّلِيلَ عَلَى جَوَازِ إِجَارَتِهَا مَا رَوَى الشَّيخَانِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللهِ r عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ»، وَقَالَ أَبُو جَعْفَر: «عَامَلَ رَسُولُ اللهِ r أَهْلَ خَيْبَرَ بِالشَّطْرِ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ وَعُثْمَانَ وَعَلِيُّ، ثُمَّ أَهْلُوهُمْ، إِلَى اليَوْمِ يُعْطُونَ الثُّلُثَ وَالرُّبُعَ». (ذَكَرَهُ ابنُ قُدَامَةَ فِي الـمُغْنِي وَقَالَ: صَحِيحٌ مَشْهُورٌ). وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ النَّبِيَّ r عَامَلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، فَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَهُ مِائَةَ وَسْقٍ ثَمَانُونَ وَسْقَ تَمْرٍ وَعِشْرُونَ وَسْقَ شَعِيرٍ، فَقَسَمَ عُمَرُ خَيْبَرَ، فَخَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ r أَنْ يُقْطِعَ لَهُنَّ مِنْ الْمَاءِ وَالأَرْضِ أَوْ يُمْضِيَ لَهُنَّ؟ فَمِنْهُنَّ مَنْ اخْتَارَ الأَرْضَ، وَمِنْهُنَّ مَنْ اخْتَارَ الْوَسْقَ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ اخْتَارَتْ الأَرْضَ». فَهَذَا الحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إِجَارَةِ زَرْعِهَا بِجُزْءٍ مِنْهَا فَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إِجَارَتِـهَا مُطْلَقًا.

 

وَالجَوابُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ أَنَّ أَرْضَ خَيبَرَ كَانَتْ شَجَرًا يُسْقَى بِالـمَاءِ، وَكَانَ بَينَ الشَّجَرِ أَرْضٌ مَلْسَاءُ أَقَلَّ مِنْ مَسَاحَةِ الشَّجَرِ، فَكَانَتْ تُزْرَعُ، وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي لَفْظِ بَعْضِ الأَخْبَارِ: «أَنَّ النَّبِيَّ r عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنَ النَّخْلِ وَالشَّجَرِ». (أخرَجَهُ الدَّارقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ). وَجَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ r دَفَعَ خَيبَرَ أرْضَهَا وَنَـخْلَهَا مُقَاسَمَةً عَلَى النِّصْفِ». وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ وَاقِعَ مَا فَعَلَهُ الرَّسُولُ فِي إِجَارَةِ خَيبَرَ مُسَاقَاةٌ، وَلَيْسَتْ مُزَارَعَةً، أَيْ تَأْجِيرُ الأَرْضِ الـمُشَجَّرَةِ، وَلَيسَ تَأْجِيرَ الأَرْضِ وَحْدَهَا، بَلْ تَأْجِيرُ الشَّجَرِ وَمَعَهُ الأَرْضُ، وَهَذَا مُسَاقَاةٌ، وَالـمُسَاقَاةُ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ. فَالشَّجَرُ يَـجُوزُ أَنْ يُسْتَأْجَرَ بِـجْزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ ثَـمَرِهِ؛ لِيَقُومَ بِسَقْيِهِ وَحَرثِهِ، وَتُسْتَأْجَرُ تَبَعًا لَهُ الأَرْضُ الَّتِي هُوَ فِيهَا، عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي فِيهِ الشَّجَرُ مِنَ الأَرْضِ أَكْثَرَ مِنَ الخَالِي مِنهُ حَتَّى يَكُونَ الاستِئْجَارُ لِلشَّجَرِ لَا لِلأَرْضِ، فَهَذِهِ الـمُسَاقَاةُ جَائِزَةٌ. وَالـمَمْنُوعُ هُوَ إِجَارَةُ الأَرْضِ وَلَيسَ الـمُسَاقَاةَ. وَبِإِنْعَامِ النَّظَرِ فِي حَدِيثِ البُخَارِيِّ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الأَرْضَ كَانَتْ مُشَجَّرَةً، وَالشَّجَرُ كَانَ أَكْثَرَ مِنَ الأَرْضِ الخَالِيَةِ، وَكَانَ فِيهَا مِيَاهٌ لِسَقْيِ الشَّجَرِ؛ وَلِذَلِكَ كَانَتْ مُسَاقَاةً، انظُرْ قَولَهُ فِي الحَدِيثِ: "فَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَهُ مِائَة وَسْقٍ، ثَـمَانُونَ وَسْقًا تَـمرًا، وَعِشرُونَ وَسْقًا شَعِيرًا" وَقَولُهُ: "أَنْ يَقْطَعَ لَهُنَّ مِنَ الأَرضِ وَالـمَاءِ" مِـمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ وَاقِعَ أَرْضِ خَيبَرَ أَنَّهَا شَجَرٌ، وَأَنَّ إِجَارَتَـهَا مُسَاقَاةٌ، وَلَيْسَتْ مُزَارَعَةً، وَلَا إِجارَةَ أَرْضٍ.

 

وَبِنَاءً عَلَيهِ لَا يُسْتَدَلُّ بِالحَدِيثِ عَلَى جَوَازِ إِجَارَةِ الأَرْضِ، وَلِذَلِكَ يَسْقُطُ الاستِدْلَالُ بِهِ. وَهَكَذَا فَإِنَّ تَحرِيمَ الإِجَارَةِ أَمْرٌ مِنْ أَظْهَرِ مَا يَكُونُ. وَبِهَذَا يَظْهَرُ دَلِيلُ الـمَادَّةِ بِأَبْرَزِ استِدْلَالٍ.

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع