- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح220) المساقاة جائزة مطلقا
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ العِشْرِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "المساقاة جائزة مطلقا". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الرَّابِعَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 135: يُـمْنَعُ تَأْجيرُ الأَرضِ لِلزِّرَاعَةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَكَانَتْ خرَاجيَّةً أَمْ عُشرِيَّةً، كَمَا تُـمْنَعُ الـمُزَارَعَةُ. أَمَّا الـمُسَاقَاةُ فَجَائِزَةٌ مُطْلَقًا.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجًا وَدُستُورًا، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَامًا لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ التَّتِمَةُ الخَامِسَةُ وَالأَخِيرَةُ لِلـْمَادَّةِ الخَامِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
وَأَمَّا الـمُسَاقَاةُ فَهِيَ تَأْجِيرُ الشَّجَرِ عَلَى جُزْءٍ مِنْ ثَـمَرِهِ أَوْ تَأْجِيرُ الشَّجَرِ مَعَ الأَرْضِ التَّابِعَةِ لَهُ عَلَى جُزْءٍ مِنَ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الشَّجَرُ أَكْثَرَ مِنَ الأَرْضِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ مَعْنَى الـمُسَاقَاةِ شَرْعًا وَعَلَى جَوَازِ الـمُسَاقَاةِ الأَحَادِيثُ الوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ أَخْرَجَ البُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «قَالَتْ الأَنْصَارُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ، قَالَ: لا، فَقَالُوا: تَكْفُونَا الْمَئُونَةَ وَنَشْرَكْكُمْ فِي الثَّمَرَةِ، قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا»، وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَخبَرَهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَامَلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، فَكَانَ يُعْطِي أَزْوَاجَهُ مِائَةَ وَسْقٍ ثَمَانُونَ وَسْقَ تَمْرٍ وَعِشْرُونَ وَسْقَ شَعِيرٍ، فَقَسَمَ عُمَرُ خَيْبَرَ فَخَيَّرَ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْطِعَ لَهُنَّ مِنْ الْمَاءِ وَالأَرْضِ أَوْ يُمْضِيَ لَهُنَّ؟ فَمِنْهُنَّ مَنْ اخْتَارَ الأَرْضَ، وَمِنْهُنَّ مَنْ اخْتَارَ الْوَسْقَ، وَكَانَتْ عَائِشَةُ اخْتَارَتْ الأَرْضَ». وَأَخْرَجَ مُسْلِمُ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَفَعَ إِلَى يَهُودِ خَيْبَرَ نَخْلَ خَيْبَرَ وَأَرْضَهَا عَلَى أَنْ يَعْتَمِلُوهَا مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَلِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَطْرُ ثَمَرِهَا». وَأَخْرَجَ أحْمَدُ وَابنُ مَاجَه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَفَعَ خَيْبَرَ أَرْضَهَا وَنَخْلَهَا مُقَاسَمَةً عَلَى النِّصْفِ».
فَهَذِهِ الأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الـمُسَاقَاةَ تَأْجيرُ الشَّجَرِ وَحْدَهُ عَلَى جُزْءٍ مِنْ ثَـمَرِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيرَةَ مِنْ فِعْلِ الأَنْصَارِ، وَتَدُلُّ عَلَى أَنـَّهَا أَيِ الـمُسَاقَاةُ تَأْجيرُ الشَّجَرِ وَمَعَهُ الأَرْضُ عَلَى جُزْءٍ مِنْ ثَـمَرِ الشَّجَرِ، وَزَرْعِ الأَرْضِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي حَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: «عَامَلَ خَيْبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ».
وَكَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي حَدِيثِ مُسْلِم، وَأَبِي دَاوُدَ وَالنَّسَائِيِّ «نَخْلَ خَيْبَرَ وَأَرْضَهَا». وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَرْضَهَا وَنَخْلَهَا». فَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّأْجيرَ إِمَّا لِلشَّجَرِ وَحْدَهُ، وَإِمَّا لِلشَّجَرِ وَالأَرْضِ مَعًا، وَتَدُلُّ كَذَلِكَ عَلَى أَنَّ الأَرْضَ تَكُونُ أَقَلَّ مِنَ الشَّجَرِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي حَدِيثِ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَر: «مِائَةَ وَسْقٍ ثَمَانُونَ وَسْقَ تَمْرٍ وَعِشْرُونَ وَسْقَ شَعِيرٍ». فَثَبَتَ بِذَلِكَ وَاقِعُ الـمُسَاقَاةِ مَا هِيَ بِأَنَّهَا تَأجِيرُ الشَّجَرِ بِـجُزْءٍ مِنْ ثَـمَرِهِ أَوْ تَأجيرُ الشَّجَرِ وَالأَرْضِ بِـجُزْءٍ مِنَ الثَّمَرِ، وَجُزْءٍ مِنَ الزَّرعِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الشَّجَرُ أَكْثَرَ مِنَ الأَرْضِ، وَأَيضًا فَإِنَّ هَذِهِ الأَحَادِيثَ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ هَذِهِ الـمُسَاقَاةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.