- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح222) يعطى المحتاج من بيت المال ما يمكنه من استغلال أرضه،
تتحقق الملكية العامة في ثلاثة أشياء
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ"وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّانِيَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "يعطى المحتاج من بيت المال ما يمكنه من استغلال أرضه، تحقق الملكية العامة في ثلاثة أشياء". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الرَّابِعَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 136: يـُجْبَرُ كُلُّ مَنْ مَلَكَ أَرْضًا عَلَى استِغْلَالِـهَا، وَيُعْطَى الـمُحْتَاجُ مِنْ بَيتِ الـمَالِ مَا يـُمَكِّنُهُ مِنْ هَذَا الاستِغْلَالِ. وَكُلُّ مَنْ يُهْمِلُ الأَرْضَ ثَلَاثَ سِنِينَ مِنْ غَيرِ استِغْلَالٍ تُؤْخَذُ مِنهُ وَتُعْطَى لِغَيرِهِ.
المادة 137: تَتَحَقَّقُ الـمِلْكِيَّةُ العَامَّةُ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ هِيَ:
أ - كُلُّ مَا هُوَ مِنْ مَرَافِقِ الجَمَاعَةِ كَسَاحَاتِ البَلَدِ.
ب- الـمَعَادِنُ الَّتِي لَا تَنقَطِعُ كَمَنَابِعِ البُترُولِ.
جـ- الأَشْيَاءُ الَّتِي طَبِيعَتُهَا تَـمْنَعُ اختِصَاصَ الفَردِ بِحِيَازَتِـهَا كَالأَنْـهَارِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجًا وَدُستُورًا، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَامًا لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَاتَانِ هُمَا الـمَادَّتَانِ: السَّادِسَةُ وَالثَّلاثُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ، وَالسَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
أولا: تتمة المادة 136: وَأَمَّا إِعْطَاءُ الفَلَّاحِينَ مِنْ بَيتِ الـمَالِ مَا يُـمَكِّنُهُمْ مِنْ زِرَاعَةِ أَرضِهِمْ فَإِنَّ دَلِيلَهُ مَا فَعَلَهُ عُمَرُ فِي العِرَاقِ، فَإِنَّهُ لَـمَّا فُتِحَتِ العِرَاقُ تَرَكَ الأَرْضَ تَـحْتَ يَدِ أَهْلِهَا، وَلَـمْ يَقْسِمْهَا عَلَى الـمُحَارِبِينَ مَعَ أَنَّـهَا مِنَ الغَنَائِمِ، وَأَعْطَى الفَلَّاحِينَ مَالًا مِنْ بَيتِ الـمَالِ يَتَقَوُّونَ بِهِ عَلَى زِرَاعَةِ أَرضِهِمْ، مَعَ أَنـَّهُمْ لَـمْ يَكُونُوا قَدْ أَسْلَمُوا بَعْدُ، وَمَعَ أَنَّ الفَلَّاحِينَ بِوَصْفِهِمْ فَلَّاحِينَ لَيسُوا مِـمَّنْ يَستَحِقُّونَ شَيئًا عَلَى بَيتِ الـمَالِ مَا دَامُوا يَـمْلِكُونَ أَرْضًا فَلَا يَدْخُلُونَ فِي الفُقَرَاءِ.
فَهَذَانِ الأَمْرَانِ مِـمَّا يُنكَرُ مِثْلُهُمَا لِـمُخَالَفَتِهِمَا لِأَحْكَامِ الغَنَائِمِ وَأَحْكَامِ بَيْتِ الـمَالِ.
أَمَّا الأَمْرُ الأَوَّلُ: وَهُو تَرْكُ الأَرْضِ الَّتِي غُنِمَتْ تَـحْتَ يَدِ أَهْلِهَا، وَعَدَمُ تَقْسِيمِهَا عَلَى الـمُحَارِبِينَ فَقَدْ وُجِدَ فِي الصَّحَابَةِ مَنْ يُنْكِرُهُ عَلَى عُمَرَ، وَصَارَ فِيهِ نِقَاشٌ بَينَ عُمَرَ وَبَينَهُمْ.
وَأَمَّا الأمر الثاني: وَهُوَ إِعْطَاءُ الفَلَّاحِينَ فِي العِرَاقِ مِنْ بَيتِ الـمَالِ مَالًا لِزِرَاعَةِ أَرْضِهِمْ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ عَلَى عُمَرَ أَحَدٌ، فَكَانَ إِجْمَاعًا سُكُوتِيًّا عَلَى أَنَّ الفَلَّاحِينَ يُعْطَوْنَ مِنْ بَيْتِ الـمَالِ مَا يُـمَكِّنُهُمْ مِنْ زِرَاعَةِ أَرْضِهِمْ. وَهَذِهِ كُلُّهَا هِيَ أَدِلَّةُ هَذِهِ الـمَادَّةِ.
ثانيا: المادة 137: دَلِيلُهَا هُوَ دَلِيلُ الـمَادَّةِ التَّاسِعَةِ وَالعِشْرِينَ وَمِائَةٍ السَّابِقَةِ:
فالفقرة (جـ) مِنْهَا دَلِيلُهَا إِقْرَارُ الرَّسُولِ r النَّاسَ عَلَى اشْتِرَاكِهِمْ فِي مِلْكِيَّةِ الطَّرِيقِ العَامِّ وَقَولُهُ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ». (أَخْرَجَهُ التِّرمِذِيُّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَابنُ خُزَيـمَةَ فِي صَحِيحِه)، أَيْ مِنًى، وَهِيَ الـمَكَانُ الـمَعْرُوفُ بِالحِجَازِ، مِلْكٌ لِـجَمِيعِ النَّاسِ. فَمَنْ سَبَقَ إِلَى مَكَانٍ، وَأَنَاخَ فِيهِ فَهُوَ لَهُ.
وأما الفقرة (ب) فَدَلِيلُهَا مَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى بُنِ قَيسٍ الـمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبْيَضِ بْنِ حَمَّالَ قَالَ: «اسْتَقْطَعْتُ رَسُولَ اللهِ r مَعْدِنَ المِلْحِ بِمَأْرِبَ فَأَقْطَعَنِيهُ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ الْعِدِّ -يَعنِي أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ - فَقَالَ رَسُولُ اللهِ r : فَلاَ إِذَنْ». (أَخرَجَهُ النَّسَائِيُّ).
وَالـمَاءُ العِدُّ: الَّذِي لَا يَنقَطِعُ. شَبَّهَ مَعْدِنِ الـمِلْحِ بِالـمَاءِ لِعَدَمِ انقِطَاعِهِ. وَلَيسَ الـمُرَادَ هُنَا الـمِلْحُ، وَإِنَّـمَا الـمُرَادُ الـمَعْدَنُ بِدَلِيلِ: أَنَّهُ لَـمَّا عَلِمَهُ أَنَّهُ لَا يَنقَطِعُ مَنَعَهُ، مَعَ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ مْلْحٌ، وَأَقْطَعَهُ مِنْ أَوَّلِ الأَمْرِ، فَالـمَنْعُ لِكُونِهِ مَعْدِنًا لَا يَنْقَطِعُ، قَالَ أَبُو عُبَيدٍ: «فَلَمَّا تَبَيَّنَ لِلْنَبِيِّ r أَنَّهُ مَاءٌ عِدٌ ارْتَجَعَهُ مِنْهُ، لأَنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللهِ r فِي الكَلأِ وَالنَّارِ وَالْمَاءِ أَنَّ النَّاسَ جَمِيعاً فِيهِ شُرَكَاءُ، فَكَرِهَ أَنْ يَجْعَلَهُ لِرَجُلٍ يَحُوزُهُ دُونَ سِواهُ». وَعَلَى هَذَا فَكُلُّ مَعْدِنٍ مِنَ الـمَعَادِنِ الَّتِي لَا تَنْقَطِعُ، أَيْ غَيرُ مَحْدُودَةِ الـمِقْدَارِ بِكَمِّيَّةٍ قَلِيلَةٍ، فَإِنَّهُ مِلْكِيَّةٌ عَامَّةٌ. أَمَّا إِنْ كَانَ مَحْدُودَ الـمِقْدَارِ بِكَمِّيَّةٍ قَلِيلَةٍ فَلَا يَكُونُ مْلْكِيَّةً عَامَّةً، بِدَلِيلِ الحَدِيثِ.
وأما الفقرة (أ) فَدَلِيلُهَا قَولُ الرَّسُولِ r مِنْ طَرِيقِ أَبِي خُرَّاشَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ r قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ: الْمَاءِ والكلأ وَالنَّارِ». (أَخرَجَهُ أَحْمَدُ). وَقَولُهُ r : «ثَلاثٌ لا يُمْنَعْنَ: الْمَاءُ وَالْكَلأُ وَالنَّارُ». (أَخْرَجَهُ ابنُ مَاجَه مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيرَةَ)، وَهَذَا الحَدِيثُ مُعَلَّلٌ بِأَنَّ مَنْعَهَا إِنَّمَا هُوَ لِأَنَّهَا مِنْ مَرَافِقِ الجَمَاعَةِ.
فَالرَّسُولُ r أَبَاحَ مِلْكِيَّةَ الـمَاءِ فِي الطَّائِفِ وَخَيبَرَ لِلأَفْرَادِ، وَامتَلَكُوهُ بِالْفِعْلِ لِسَقْيِ زَرْعِهِمْ وَبَسَاتِينِهِمْ دُونَ غَيرِهِمْ، فَلَو كَانَتِ الشَّرِكَةُ فِي الـمَاءِ مُطْلَقًا مِنْ حَيثُ هُوَ لَـمَا سَمَحَ لِلأَفْرَادِ أَنْ يـَمْتَلِكُوهُ. فَمِنْ قَولِ الرَّسُولِ r : «الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ: الْمَاءِ ...»، وَقَولِهِ: «ثَلاثٌ لا يُمْنَعْنَ: الْمَاءُ ...»، وَمِنْ إِبَاحَتِهِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلأَفْرَادِ أَنْ يَـمتَلِكُوا الـمَاءَ، تُستَنْبَطُ عِلَّةُ الشَّرَاكَةِ فِي الـمَاءِ وَالكَلأِ وَالنَّارِ، وَهِيَ كَونُهَا مِنْ مَرَافِقِ الجَمَاعَةِ الَّتِي لَا تَستَغْنِي عَنْهَا، فَكُلُّ مَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ كَونُهُ مِنْ مَرَافِقِ الـجَمَاعَةِ كَسَاحَاتِ البَلْدَةِ، وَأَحْرَاشِ الاحتِطَابِ، وَمَرَاعِي الـمَاشِيَةِ، فَإِنَّهُ يَكُونُ مِلْكِيَّةً عَامَّةً.
هَذِهِ هِيَ أَدِلَّةُ الـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ، وَأَمَّا دَلِيلُ كَونِ هَذِهِ الثَّلَاثِ لَيسَ غَير، هِيَ الـمِلْكِيَّةَ العَامَّةَ فَإِنَّهُ الاستِقْرَاءُ، فَقَدْ جَرَى استِقْرَاءُ الأَدِلَّةِ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الـمِلْكِيَّةِ العَامَّةِ، فَوُجِدَ أَنَّهَا مَحْصُورَةٌ فِي هَذِهِ الأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ، وَبِـهَذَا يَظْهَرُ الدَّلِيلُ عَلَى هَذِهِ الـمَادَّةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.