- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح237) إذا لم تكف واردات بيت المال الدائمية لنفقات الدولة
فإن لها أن تحصل من المسلمين ضرائب
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّابِعَةِ والثَّلاثِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "إِذَا لَـمْ تَكْفِ وَارِدَاتُ بَيتِ الـمَالِ الدَّائِمِيَّةُ لِنَفَقَاتِ الدَّولَةِ فَإِنَّ لَـهَا أَنْ تُـحَصِّلَ مِنَ الـمُسْلِمِينَ ضَرَائِبَ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ السَّادِسَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 150: إِذَا لَـمْ تَكْفِ وَارِدَاتُ بَيتِ الـمَالِ الدَّائِمِيَّةُ لِنَفَقَاتِ الدَّولَةِ فَإِنَّ لَـهَا أَنْ تُـحَصِّلَ مِنَ الـمُسْلِمِينَ ضَرَائِبَ، وَيَجِبُ أَنْ تَسِيرَ فِي تَـحْصِيلِ الضَّرائِبِ عَلَى الوَجْهِ الآتِي:
أ- لِسَدِّ النَّفَقَاتِ الوَاجِبَةِ عَلَى بَيتِ الـمَالِ لِلفُقُرَاءِ وَالـمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَلِلقِيَامِ بِفَرْضِ الجِهَادِ.
ب- لِسَدِّ النَّفَقَاتِ الوَاجبَةِ عَلَى بَيتِ الـمَالِ عَلَى سَبِيلِ البَدَلِ كَنَفَقَاتِ الـمُوَظَّفِينَ وَأَرْزَاقِ الجُنْدِ وَتَعْوِيضَاتِ الحُكَّامِ.
جـ- لِسَدِّ النَّفَقَاتِ الوَاجبَةِ عَلَى بَيتِ الـمَالِ عَلَى وَجْهِ الـمَصْلَحَةِ وَالإِرْفَاقِ دُونَ بَدَلٍ كَإِنْشَاءِ الطُّرُقَاتِ، وَاستِخْرَاجِ الـمِيَاهِ، وَبِنَاءِ الـمَسَاجدِ، وَالـمَدَارِسِ وَالـمُسْتَشْفَيَاتِ.
د- لِسَدِّ النَّفَقَاتِ الوَاجبَةِ عَلَى بَيتِ الـمَالِ عَلَى وَجْهِ الضَّرُورَةِ كَحَادِثٍ طَرَأَ عَلَى الرَّعِيَّةِ مِنْ مَجَاعَةٍ أَوْ طُوفَانٍ أَوْ زِلْزَالٍ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجًا وَدُستُورًا، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَامًا لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ الْـمَادَّةُ الخَمْسُونَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
دَلِيلُهَا أَنَّ الشَّرْعَ نَـهَى عَنْ أَنْ يَفْرِضَ السُّلْطَانُ ضَرِيبَةً عَلَى الـمُسْلِمِينَ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ صَادِرٍ مِنهُ قَالَ r : «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ صَاحِبُ مَكْسٍ».
(أَخرَجَهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الزَّينُ وَالحَاكِمُ)، وَالـمَكْسُ هُوَ الضَّرِيبَةُ الَّتِي تُؤْخَذُ مِنَ التُّجَّارِ عَلَى حُدُودِ البِلَادِ، وَلَكِنَّ النَّهْيَ يَشْمَلُ كُلَّ ضَرِيبَةٍ لِقَولِ الرَّسُولِ r فِي الحَدِيثِ الـمُتَّفَقِ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرَةَ: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا...» وَهُوَ عَامٌّ يَشْمَلُ الخَلِيفَةَ كَمَا يَشْمَلُ بَاقِي النَّاسِ. وَمَا دَامَ الشَّرُعُ قَدْ نَهَى عَنْ أَخْذِ الضَّرِيبَةِ فَلَا يَجُوزُ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يَفْرِضَهَا عَلَى النَّاسِ بِأَمْرٍ مِنْ عِندِهِ. إِلَّا أَنَّهُ إِذَا كَانَ اللهُ قَدْ جَعَلَ مَا يُؤْخَذُ الـمَالُ لَهُ فَرْضًا عَلَى الـمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَـجُوزُ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يَفْرِضَ ضَرِيبَةً عَلَى الـمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَأْخُذَهَا مِنْهُمْ بِالقُوَّةِ، وَأَخْذُهَا فِي هَذِهِ الحَالِ لَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى أَمْرِ السٌّلْطَانِ بِـهَا، بَلْ بِنَاءً عَلَى أَمْرِ اللهِ بِـهَا، وَالسُّلْطَانُ إِنَّـمَا يُنَفِّذُ الأَمْرَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ اللهُ.
فَالشَّرْعُ أَجَازَ لِلخَلِيفَةِ أَخْذَ الضَّرِيبَةِ إِذَا كَانَ اللهُ أَمَرَ بِـهَا، عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ أَخْذُهَا أَمْرًا مِنَ الخَلِيفَةِ بِجَمْعِ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ الـمُسْلِمِينَ أَنْ يَدْفَعُوهُ لَا أَمْرًا مِنهُ بِـهَذِهِ الضَّرِيبَةِ. وَبِنَاءً عَلَى هَذَا فَإِنَّ مَا أَوجَبَهُ الشَّرعُ عَلَى بَيتِ الـمَالِ وَعَلَى الـمُسْلِمِينَ يُنْفَقُ عَلَيهِ مِنْ بَيتِ الـمَالِ، فَإِذَا لَـمْ يُوجَدْ فِي بَيتِ الـمَال مَالٌ، أَوْ نَفَدَ مَا فِيهِ مِنْ مَالٍ، أَوْ كَانَ مَا فِيهِ لَا يَكْفِي لِسَدِّ النَّفَقَاتِ؛ فَإِنَّ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يَفْرِضَ ضَرَائِبَ عَلَى الـمُسْلِمِينَ حَسَبَ الأَحْكَامِ الشَّرعِيَّةِ الَّتِي جَاءَتْ بِفَرْضِهِ عَلَيهِمْ. وَمَا ذُكِرَ فِي الـمَادَّةِ تَفْصِيلَاتٌ لِـمَا أَوجَبَهُ اللهُ عَلَى الـمُسْلِمِينَ:
فالفقرة (أ) دَلِيلُهَا أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَى الخَلِيفَةِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الفُقَرَاءِ وَالـمَسَـاكِينَ وَابْنِ السَّـِبيلِ، وَأَنْ يُنْفِقَ لِلقِـَيامِ بِفَرْضِ الجِهَادِ، وَفَرَضَ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى الـمُسْلِمِينَ، قَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ وَهُوَ يَعْلَمُ». (أَخرَجَهُ البَزَّارُ عَنْ أَنَسٍ، وَحَسَّنَهُ الهَيثَمِيُّ وَالـمُنذِرِيُّ). وَهُنَاكَ الأَدِلَّةُ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا ذِكْرُ الفُقَرَاءِ وَالـمَسَاكِينُ وَابْنُ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَآيَةُ الزَّكَاةِ، وَمْنْ أَدِلَّتِهَا أَدِلَّةُ الجِهَادِ قَالَ تَعَالَى: (وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ). (التوبة 41).
وأما الفقرة (ب) فَدَلِيلُهَا أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَى الخَلِيفَةِ نَفَقَاتِ الـمُوَظَّفِينَ وَأَرْزَاقَ الجُنْدِ أَيْ أُجْرَتَهُمْ بِعَقْدِ الإِجَارَةِ الَّذِي عَقَدَهُ مَعَهُمْ. وَفَرَضَ عَلَى بَيتِ الـمَالِ تَعْوِيضَاتِ الخَلِيفَةِ، وَسَائِرِ الحُكَّامِ بِدَلِيلِ تَـخْصِيصِ الصَّحَابَةِ لِأَبِي بَكْرٍ مَالًا مُعَيَّنًا مِنْ بَيتِ الـمَالِ مُقَابِلَ تَرْكِهِ التَّجَارَةَ وَتَفَرًّغِهِ لِلخِلَافَةِ. وَكَذَلِكَ فَرَضَ عَلَى الـمُسْلِمِينَ التَّعْلِيمَ وَالقَضَاءَ وَالجِهَادَ بِالـمَالِ، وَفَرَضَ عَلَيهِمْ إِقَامَةَ خَلِيفَةٍ كَمَا فَرَضَ عَلَيهِمْ إِقَامَةَ أَمِيرٍ. أَمَّا أَرْزَاقُ الجُنْدِ فَقَدْ قَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ: «لِلْغَازِي أَجْرُهُ، وَلِلْجَاعِلِ أَجْرُهُ وَأَجْرُ الْغَازِي». وَأَمَّا نَفَقَاتُ الـمُوَظَّفِينَ فَإِنَّهُمْ مُعَلِّمُونَ وَقُضَاةً، وَهَؤُلَاءِ مَا دَامَ قَدْ أَوْجَبَ اللهُ عَلَى الـمُسْلِمِينَ إِقَامَتَهُمْ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيهِمْ دَفْعُ أُجْرَةِ مَنْ يَقُومُ بِهِ، مِنْ بَابِ دَلَالَةِ الالتِزَامِ. أَيْ إِيجَابُ إِقَامَةِ القَاضِي يَلْزَمُ مِنْهَا إِيجَابُ دَفِعِ أُجْرَتِهِ. وَمِنْ بَابِ (مَا لَا يَتِمُّ الوَاجبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ). إِذْ لَا يَتَأَتَّى تَعْيِينُ مُعَلِّمِينَ وَقُضَاةٍ إِلَّا بِإيجَادِ مَالٍ يُدْفَعُ أُجْرَةً لَـهُمْ. وَأَمَّا سَائِرُ الـمُوَظَّفِينَ، فَإِنْ كَانَ العَمَلُ الَّذِي يَقُومُونَ بِهِ قَدْ أَوْجَبَهُ اللهُ عَلَى الـمُسْلِمِينَ وَعَلَى بَيْتِ الـمَالِ مِثْلُ أَئِمَّةِ الـمَسَاجدِ وَمُوَظَّفِي إِدَارَةِ الحَربِيَّةِ، وَمَنْ عَلَى شَاكِلَةِ ذَلِكَ، فَإِنَّ الضَّرَائِبَ تُفْرَضُ مِنْ أَجْلِهِمْ، وَأَمَّا إِنْ كَان َمِـمَّا أَوجَبَهُ اللهُ عَلَى بَيتِ الـمَالِ فَقَطْ، وَلَـمْ يُوجبْهُ عَلَى الـمُسْلِمِينَ مِثْلُ جُبَاةِ الأَمْوَالِ، فَإِنَّهُ لَا تُفْرَضُ مْنْ أَجْلِهِمْ ضَرَائِبُ. وَأَمَّا تَعْوِيضَاتُ الحُكَّامِ فَإِنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ إِقَامَةَ الحَاكِمِ عَلَى الـمُسْلِمِينَ فَيَكُونُ قَدْ فَرَضَ عَلَيهِمُ الـمَالَ الَّذِي بِهِ يُرْضُونَ التَّفَرُّغَ لِلْحُكْمِ.
وأما الفقرة (جـ) فَدَلِيلُهَا أَنَّ اللهَ قَدْ فَرَضَ عَلَى الخَلِيفَةِ أَنْ يَقُومَ بِرِعَايَةِ مَصَالِـحِ الـمُسْلِمِينَ بِالإِنْفَاقِ عَلَى مَا فِيهِ الـمَصْلَحَةُ لَـهُمْ وَالإِرْفَاقُ بِـهِمْ. فَالـمَصْلَحَةُ هِيَ مَا تَسْتَعْمِلُهُ الأُمَّةُ كُلُّهَا مِثْلُ استِخْرَاجِ الـمِيَاهِ، وَالتَّعلِيمِ، وَإِصْلَاحِ الطُّرُقِ، وَمَا شَاكَلَ ذَلِكَ، وَالـمَرَافِقُ هِيَ مِنَ الإِرْفَاقِ، وَهُوَ مَا يَرتَفِقُ بِهِ النَّاسُ لِقَضَاءِ مَصَالِـحِهِمْ، مِثْلُ أَمكِنَةِ الاستِرَاحَةِ لِلمُسَافِرِينَ، وَمِثْلُ الـمَرَاحِيضِ العَامَّةِ، وَمِثْلُ الـمُسْتَشْفَيَاتِ لِنُـزُولِ الـمَرضَى، وَمِثْلُ بِنَاءِ مَسَاجدَ لِلمُصَلِّينَ. يُقَالُ: ارتَفَقَ بِالشَّيءِ استَعْمَلُهُ، فَالـمُسْلِمُ يَرتَفِقُ فِي سَاحَةِ الـمَسْجدِ لِلْجُلُوسِ، وَفِي مِيَاهِهِ لِلوُضُوءِ.
فَالشَّرْعُ قَدْ أَوْجَبَ هَذِهِ الأُمُورَ مِثْلَ إِنْشَاءِ الطُّرُقَاتِ وَاسْتِخْرَاجِ الـمِيَاهِ، وَبِنَاءِ الـمَدَارِسِ وَالـمَسَاجدِ وَالـمُسْتَشْفَيَاتِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ عَلَى الخَلِيفَةِ لِأَنـَّهَا مِنْ رِعَايَةِ الشُّؤُونِ. وَلِأَنَّ الـمَصْلَحَةَ هِيَ جَلْبُ مَنْفَعَةٍ، وَدَفْعُ مَضَرَّةٍ، وَعَدَمُ تَوفِيرِهَا يُوجدُ ضَرَرًا، وَالإِرْفَاقُ هُوَ مَا يَرتَفِقُ بِهِ النَّاسُ لِقَضَاءِ مَصَالِـحِهِمْ، وَفُقْدَانُهُ يُوجبُ ضَررًا، وَإِزَالَةُ الضَّرَرِ وَاجبَةٌ عَلَى الخَلِيفَةِ وَكَذَلِكَ وَاجبَةٌ عَلَى الـمُسْلِمِينَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r : «لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ». (أَخرَجَهُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَالحَاكِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وَصَحَّحَهُ). وَقَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «مَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللهُ عَلَيْهِ». (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي صَرْمَةَ بِإِسْنَادٍ صَحَّحَهُ الزَّينُ، وَكَذَلِكَ أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ وَصَحَّحَهُ)، فَنَظَرًا لِـمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى عَدَمِ تَوفِيرِ مَا يَلْزَمُ مِنَ الـمَصْلَحَةِ وَالإِرْفَاقِ دُونَ بَدَلٍ لِلرَّعِيَّةِ مِنْ ضَرَرٍ عَلَى الـمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ يَـجبُ عَلَى الخَلِيفَةِ وَعَلَى الـمُسْلِمِينَ تَوفِيرُهَا، إٍذْ إِنَّ تَوفِيرَهَا هُوَ الَّذِي يُزِيلُ الضَّرَرَ فَكَانَتْ فَرْضًا عَلِيهِمْ. وَالَّذِي جَعَلَهَا فَرْضًا عَلَى الخَلِيفَةِ ظَاهِرٌ فِي رِعَايَةِ الشُّؤُونِ، وَالَّذِي جَعَلَهَا فَرْضًا عَلَى الـمُسْلِمِينَ وَعَلَى الخَلِيفَةِ عُمُومُ الأَدِلَّةِ فَكَلِمَةُ: «لَا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ» عَامٌّ، وَكَذَلِكَ «مَنْ شَاقَّ» عَامٌّ، فَيَشْمَلُ الخَلِيفَةَ، وَيَشْمَلُ جَمِيعَ الـمُسْلِمِينَ.
وأما الفقرة (د) فَدَلِيلُهَا مَا وَرَدَ مِنْ أَدِلَّةٍ فِي إِغَاثَةِ الـمَلْهُوفِينَ، فَإِنَّ أَمْثَالَ الطُّوفَانِ وَالزَّلَازِلِ وَنَحْوِهِمَا تَدْخُلُ فِي إِغَاثَةِ الـمَلْهُوفِينَ. وَأَمَّا الـمَجَاعَاتِ فَتَدْخُلُ فِي حَدِيثِ: «مَا آمَنَ بِي مَنْ بَاتَ شَبْعَانَ وَجَارُهُ جَائِعٌ وَهُوَ يَعْلَمُ». (أَخْرَجَهُ البَزَّارُ عَنْ أَنَسٍ وَحَسَّنَهُ الـهَيثَمِيُّ وَالـمُنذِرِيُّ)، وَحَدِيثُ: «أَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ». أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدْ شَاكِرِ. فَهِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى بَيتِ الـمَالِ وَعَلَى الـمُسْلِمِينَ لِعُمُومِ الأَدِلَّةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.