الأربعاء، 08 شوال 1445هـ| 2024/04/17م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام (ح244) لجميع أفراد الرعية الحق في إنشاء المختبرات العلمية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام

 (ح244)  لجميع أفراد الرعية الحق في إنشاء المختبرات العلمية

 

 

 

الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ. 

 

أيها المؤمنون:

 

 

السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةِ والأَربَعِينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "لِـجَمِيعِ أَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ الحَقُّ فِي إِنْشَاءِ الـمُخْتَبَرَاتِ العِلْمِيَّةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ التَّاسِعَةِ وَالعِشْرِينَ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:

 

المادة 162: لِـجَمِيعِ أَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ الحَقُّ فِي إِنْشَاءِ الـمُخْتَبَرَاتِ العِلْمِيَّةِ الـمُتَعَلِقَّةِ بِكَافَّةِ شُؤُونِ الحَيَاةِ، وَعَلَى الدَّولَةِ أَنْ تَقُومَ هِيَ بِإِنْشَاءِ هَذِهِ الـمُخْتَبَرَاتِ.

 

المادة 163: يُـمْنَعُ الأَفَرادُ مِنْ مِلْكِيَّةِ الـمُخْتَبَرَاتِ الَّتِي تُنتِجُ مَوَادَّ تُؤَدِّي مِلْكِيَّتُهُمْ لَـهَا إِلَى ضَرَرٍ عَلَى الأُمَّةِ، أَوْ عَلَى الدَّولَةِ.

 

المادة 164: تُوَفِّرُ الدَّولَةُ جَمِيعَ الخِدْمَاتِ الصَّحِيَّةِ مَـجَّانًا لِلْجَمِيعِ، وَلَكِنَّهَا لَا تَـمْنَعُ استِئْجَارَ الأَطِبَّاءِ، وَلَا بَيعَ الأَدْوِيَةِ.

 

وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجًا وَدُستُورًا، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَامًا لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ، وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا، وَهَذِهِ هِيَ الـمَوَادُّ: الثَّانِيَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الـمِائَةِ، وَالثَّالِثَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الـمِائَةِ، وَالرَّابِعَةُ وَالسِّتُّونَ بَعْدَ الـمِائَةِ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَوَادِّ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:

 

أولا: المادة 162: إِنَّ الـمُخْتَبَرَاتِ العِلْمِيَّةَ لَـمْ تَـخْرُجْ عَنْ كَونِـهَا عِلْمًا يَتَعَلَّمُهُ الإِنْسَانُ، وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ أَبَاحَ العِلْمَ إِبَاحَةً مُطْلَقَةً، قَالَ تَعَالَى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ). (العَلَقُ 1)، وَقَالَ: (عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ). (العَلَقُ 5)، وَقَالَ النَّبِيُّ r : «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ)، وَرَوَى البُخَارِيُّ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الجَزْمِ: «وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ» وَقَالَ الحَافِظُ فِي الفَتْحِ: «وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ» هُوَ حَدِيثٌ مَرفُوعٌ أَيضًا.

 

maram244

 

فَهَذِهِ الأَدِلَّةُ تَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ العِلْمِ مِنْ حَيثُ هُوَ عِلْمٌ. فَقَولُهُ: (اقْرَأْ) عَامٌّ يَشْمَل ُأَنْ يَقْرَأ َكُلَّ شَيءٍ، وَقَولُهُ: (عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَـمْ يَعْلَمْ). يَشْمَلُ كُلَّ عِلْمٍ، وَقَولُ الرَّسُولِ: «إِنَّـمَا العِلْمُ» اسْمُ جِنْسٍ مُحَلَّى بِالأَلِفِ وَاللَّامِ فَهُوَ مِنْ أَلْفَاظِ العُمُومِ. وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ التَّعَلُّمِ لِأَيِّ شَيءٍ، وَإِبَاحَةِ أَيِّ عِلْمٍ. فَعُمُومُ الأَدِلَّةِ يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ العِلْمِ مُطْلَقًا. وَعَلَى هَذَا فَإِنَّ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الرَّعِيَّةِ أَنْ يَطْلُبَ العِلْمَ أَيَّ عِلْمٍ، وَأَنْ يَتَّخِذَ الوَسَائِلَ اللَّازِمَةَ لِلوُصُولِ إِلَى الـمَعَارِفِ وَالحَقَائِقِ العِلْمِيَّةِ، فَلِكُلِّ فَرْدٍ أَنْ يَقُومَ بِإِنْشَاءِ الـمُخْتَبَرِ الَّذِي يَرَاهُ، وَأَنْ يُسَاعِدَ مِنْ يَشَاءُ فِي إِنْشَاءِ الـمُخْتَبَرَاتِ.

 

وَهَذِهِ الـمُخْتَبَرَاتِ مِلْكِيَّةٌ فَرْدِيَّةٌ، وَلَيْسَتْ هِيَ مِلْكِيَّةً عَامَّةً، وَلَا مِلْكِيَّةَ الدَّولَةِ. إِلَّا أَنَّ هَذِهِ الـمِلْكِيَّةَ الفَرْدِيَّةَ يَـجُوزُ لِلدَّولَةِ أَنْ تَـمْلِكَهَا بِوَصْفِهَا شَخْصِيَّةً مَعْنَوِيَّةً كَمَا تَـمْلِكُهَا أَيَّةُ شَخْصِيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ، أَيْ كَمَا يَـمْلِكُهَا أَيُّ فَرْدٍ. وَمِلْكِيَّتُهَا لَـهَا لَا تَجْعَلُهَا مِلْكِيَّةَ دَولَةٍ، بَلْ تَظَلُّ مِلْكِيَّةً فَرْدِيَّةً. إِلَّا أَنَّ مَا تـَمْلِكُهُ الدَّولَةُ يُصْبِحُ مِلْكِيَّةً لَـهَا مِنْ أَمْلَاكِهَا مَعَ كَونِهِ مِلْكِيَّةً فَرْدِيَّةً. وَالدَّولَةُ حِينَ تَقُومُ بِإِنْشَاءِ الـمُخْتَبَرَاتِ إِنَّـمَا تَقُومُ بِذَلِكَ مِنْ بَابِ رِعَايَةِ الشُّؤُونِ، وَمِنْ بَابِ القِيَامِ بِالفَرْضِ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللهُ عَلَيهَا، وَهُوَ إِيجَادُ العِلْمِ، وَمِنهُ الـمُخْتَبَرَاتُ العِلْمِيَّةُ.

 

ثانيا: المادة 163: دَلِيلُهَا القَاعِدَةُ الشَّرعِيَّةُ: (الشَّيءُ الـمُبَاحُ إِذَا كَانَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِهِ يُؤَدِّيْ إِلَى ضَرَرٍ يُـمْنَعُ ذَلِكَ الفَرْدُ، وَيَبْقَى الشَّيءُ مُبَاحًا) وَالـمُخْتَبَرَاتُ الَّتِي تُؤَدِّي مِلْكِيَّةُ الأَفْرَادِ لَـهَا إِلَى ضَرَرٍ تُـمْنَعُ فِيهَا الـمِلْكِيَّةُ الفَردِيَّةُ، مِثْلُ مُـخَتَبَرَاتِ الذَّرَّةِ وَغَيرِهَا مِـمَّا يُؤَدِّيْ مِلْكِيَّةُ الأَفْرَادِ لَهُ إِلَى ضَرَرٍ.

 

ثالثا: المادة 164: إِنَّ الطِّبَّ مِنَ الـمَصَالِـحِ وَالـمَرَافِقِ الَّتِي لَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا النَّاسُ، فَهِيَ مِنَ الضَّرُورَاتِ. وَقَدْ أَمَرَ الرَّسُولُ r بِالتَّدَاوِي: «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَتَدَاوَى؟ قَالَ: نَعَمْ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ». (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنَ شُرَيكٍ). وَفِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ فِي الـمُعْجَمِ الكَبِيرِ مِنْ طَرِيقِ أُسَامَةَ بْنِ شُرَيكٍ كَذَلِكَ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r ، فَأَتَاهُ نَاسٌ مِنَ الأَعْرَابِ فَسَأَلُوهُ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَتَدَاوَى؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً». وَعِنْدَ التِّرمِذِيِّ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شُرَيكٍ، بِلَفْظِ: «قَالَتْ الأَعْرَابُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَتَدَاوَى؟ قَالَ: نَعَمْ، يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً، أَوْ قَالَ دَوَاءً إِلا دَاءً وَاحِدًا، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُوَ؟ قَالَ: الْهَرَمُ». (قَالَ التِّرمِذِيُّ: وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ). وَالـهَرَمُ- بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالرَّاءِ- هُوَ ضَعْفُ الْكِبَرِ الَّذِي يَتَعَقَّبُهُ الـمَوتُ وَالـهَلَاكُ، أَيْ أَنَّ الـمَوْتَ لَا دَوَاءَ لَهُ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِبَاحَةِ التَّدَاوِي. وَبِالتَّدَاوِي جَلْبُ مَنْفَعَةٍ، وَدَفْعُ مَضَرَّةٍ فَهُوَ مَصْلَحَةٌ، عَلَاوَةً عَلَى أَنَّ العِيَادَاتِ وَالـمُسْتَشْفَيَاتِ مَرَافِقُ يَرتَفِقُ بِـهَا الـمُسْلِمُونَ فِي الاستِشْفَاءِ وَالتَّدَاوِي، فَصَارَ الطِّبُّ مِنْ حَيثُ هُوَ مِنَ الـمَصَالِـحِ وَالـمَرَافِقِ. وَالـمَصَالِـحُ وَالـمَرَافِقُ يَجِبُ عَلَى الدَّولَةِ أَنْ تَقُومَ بِـهَا لِأَنَّهَا مِـمَّا يَـجِبُ عَلَيهَا رِعَايَتَهُ عَمَلًا بِقَولِ الرَّسُولِ r : «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ». (أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ عَنْ عَبدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ). وَهَذَا مِنْ مَسئُولِيَّةِ الرِّعَايَةِ؛ وَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَى الدَّولَةِ تَوفِيرُهُ لِلنَّاسِ. وَمِنَ الأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ: أَخْرَجَ مُسْلِمُ مِنْ طَرِيقِ جَابِرَ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ r إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ طَبِيبًا، فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقًا ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيْهِ». وَأَخْرَجَ الحَاكِمُ فِي الـمُسْتَدْرَكِ عَنْ زَيدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "مَرِضْتُ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ مَرَضًا شَدِيدًا، فَدَعَا لِي عُمَرُ طَبِيبًا فَحَمَّانِي حَتَّى كُنْتُ أَمُصُّ النَّوَاةَ مِنْ شِدَّةِ الحِمْيَةِ".

 

وَعَلَيهِ وَجَبَ عَلَى الدَّولَةِ أَنْ تُوَفِّرَ التَّدَاوِي وَالاسْتِشْفَاءَ (الطِّبَّ) مَـجَّانًا؛ لِأَنَّهُ مِنَ النَّفَقَاتِ الوَاجبَةِ عَلَى بَيتِ الـمَالِ عَلَى وَجْهِ الـمَصْلَحَةِ وَالإِرْفَاقِ دُونَ بَدَلٍ؛ وَلِذَلِكَ كَانَ عَلَيهَا أَنْ تُوَفِّرَ جَمِيعَ الخِدْمَاتِ الصِّحِّيَّةِ دُونَ بَدَلٍ. وَهَذَا هُوَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الطِّبَّ مِـمَّا يَجِبُ أَنْ تُوَّفِرَهُ الدَّولَةُ لِلنَّاسِ بِالـمَجَّانِ.

 

وَأَمَّا جَوَازُ أَنْ يُسْتَأْجَرَ الطَّبِيبُ وَتُدْفَعَ لَهُ أُجْرَةٌ، فَلِأَنَّ الـمُدَاوَاةَ مُبَاحَةٌ، قَالَ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي الحَدِيثِ السَّابِقِ: «يَا عِبَادَ اللَّهِ تَدَاوَوْا». وَلِأَنـَّهَا أَيِ الـمُدَاوَاةُ مَنْفَعَةٌ يُـمْكِنُ لِلْمُسْتَأْجَرِ اسْتِيفَاؤُهَا فَيَنْطَبِقُ عَلَيهَا تَعْرِيفُ الإِجَارَةِ، وَلَـمْ يَرِدْ نَـهْيٌ عَنْهَا، وَفَوقَ ذَلِكَ فَقَدِ «احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ r حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ، وَأَعْطَاهُ صَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفُوا عَنْهُ». (أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ رضي الله عنه)، وَالـمُرَادُ بِـمَوَالِيهِ سَادَتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مَـمْلُوكًا لِـجَمَاعَةٍ، كَمَا تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «احْتَجَمَ النَّبِيُّ r وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أُجْرَةً، وَلَوْ كَانَ سُحْتًا لَمْ يُعْطِهِ». (أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَأَخْرَجَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمُ نَحْوَهُ بِأَلْفَاظٍ مُختَلِفَةٍ).

 

وَقَدْ كَانَتِ الحِجَامَةُ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ مِنَ الأَدْوِيَةِ الَّتِي يُتَطَبَّبُ بِهَا، فَدَلَّ أَخْذُ الأُجْرَةِ عَلَيهَا عَلَى جَوَازِ تَأْجِيرِ الطَّبِيبِ. وَمِثْلُ أُجْرَةِ الطَّبِيبِ بَيعُ الأَدْوِيَةِ؛ لِأَنَّهَا شَيءٌ مُبَاحٌ يَشْمَلُهُ عُمُومُ قَولِهِ تَعَالَى: (وَأَحَلَّ اللهُ البَيعَ). (البَقَرَة 275) وَلَـمْ يَرِدْ نَصٌّ بِتَحْرِيـمِه.

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

آخر تعديل علىالأحد, 29 كانون الثاني/يناير 2023

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع