- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح267) الصفات التي يجب أن يتحلى بها المؤمنون الواردة في آيات سورة لقمان
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ، وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ، وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ، وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ، والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ، خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ، وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ، الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ، وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ، فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ، وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ، وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ" وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّابِعَةِ وَالسِّتِّينَ بَعْدَ المِائَتَينِ، وَعُنوَانُهَا: "الصفات التي يجب أن يتحلى بها المؤمنون كما وردت في آيات سورة لقمان". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّامِنَةِ وَالثَّلاثِينَ بَعدَ المائة مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى فِي كَثِيرٍ مِنْ سُوَرِ القُرانِ الصِّفَاتِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَتَحَلَّى بِهَا الإِنسَانُ، قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ لُقْمَانَ: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ).
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ، يَا أُمَّةَ القُرآنْ، يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ، يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ، يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبًّا، وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَرَسُولًا، وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجًا وَدُستُورًا، وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَامًا لِلْحَياَة، أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ، فَوقَ كُلِّ أَرضٍ، وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ، يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ، أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ:
أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ كِتَابَ:«نِظَامِ الإِسْلَامِ» هَذَا الكِتَابُ الَّذِي عَرَضْنَاهُ عَلَيكُمْ عَرْضًا مُفَصَّلًا، وَقَدْ أَوْشَكْنَا عَلَى الانتِهَاءِ مِنْ عَرضِهِ، بَيَّنَ فِيهِ هَؤُلَاءِ العُلَمَاءُ الأَجِلَّاءُ لِلْمُسْلِمِينَ أَجْمَعِينَ فِي مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا دِينَ الإِسلَامِ غَضًّا طَرِيًّا كَمَا أَنْزَلَهُ اللهُ رَبُّ العَالَـمِينَ، ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ الكَامِلُ، والشَّامِلُ لِجَمِيعِ شُؤُونِ الحَيَاةِ، بِصُورَتِهِ النَّاصِعَةِ الوَاضِحَةِ، وَحَقِيقَتِهِ النَّقِيَّةِ الصَّافِيَةِ الـمُبَلْوَرَةِ.
وَفي خِتَامِ كِتَابِ «نِظَامِ الإِسْلَامِ» وَحَتَّى لَا تَلْتَبِسَ سَبِيلِ النَّهْضَةِ عَلَى السَّائِرِينَ، بَحَثَ هَؤُلَاءِ العُلَمَاءُ مَوضُوعًا في غَايَةِ الأَهَمِّيَّةِ، أَلَا وَهُوَ «الأَخلَاق فِي الإِسلَامِ» وَلِكَيْ يَسْهُلَ تَنَاوُلَنَا لَهْ ارْتأَينَا تَجزِئَتَهُ لِعِدَّةِ أَجْزَاءَ، وَإِلَيكُمُ الجُزْءَ الرَّابِعِ مِنهُ.
بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى فِي كَثِيرٍ مِنْ سُوَرِ القُرآنِ الكَرِيمِ الأَخلَاقَ الَّتِي يَجِبُ أَنْ يَتَحَلَّى بِهَا الـمُؤْمِنُونَ، وَيُمكِنُ بَيَانُ وَإِبرَازُ مَا كَتَبَهُ الأُستَاذُ سَيِّد قُطْب - رَحِمَهُ اللهُ - «فِي ظِلَالِ القُرآنِ» حَولَ آيَاتِ سُورَةِ لُقْمَان مِنْ خِلَالِ النُّقَاطِ الآتِيَةِ:
- يَبرُزُ اتِّـجَاهُ لُقْمَانَ لِابنِهِ بِالنَّصِيحَةِ: نَصِيحَةِ حَكَيمٍ لِابنِهِ. فَهِيَ نَصِيحَةٌ مُبَرَّأَةٌ مِنَ العَيبِ، صَاحِبُهَا قَد أُوتِي الحِكْمَةَ. وَهِيَ نَصِيحَةٌ غَيرُ مُتَّهَمَةٍ، فَمَا يُمكِنُ أَنْ تَتَّهِمَ نَصِيحَةَ وَالِدٍ لِوَلَدِهِ؟
- هَذِهِ النَّصِيحَةُ تُقَرِّرُ قَضِيَّةَ التَّوحِيدِ الَّتِي قَرَّرَتـْهَا الجَولَةُ الأُولَى، وَقَضِيَّةُ الآخِرَةِ كَذَلِكَ مَصْحُوبَةٌ بِهَذِهِ الـمُؤَثِّرَاتِ النَّفسِيَّةِ، وَمَعَهَا مُؤَثِّرَاتٌ جَدِيدَةٌ: «وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ: يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ» ..
- وَيُؤَكِّدُ هَذِهِ القَضِيَّةَ بِمُؤَثِّرٍ آخَرَ فَيَعْرِضُ لِعَلَاقَةِ الأُبُوَّةِ وَالأُمُومَةِ بِأُسلُوبٍ يَفِيضُ انعِطَافًا وَرَحْمَةً: «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ» وَيَقْرِنُ قَضِيَّةَ الشُّكْرِ للّهِ بِالشُّكْرِ لِهَذَينِ الوَالِدَينِ، فَيُقَدِّمُهَا عَلَيهَا: «أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ» ..
- ثُمَّ يُقَرِّرُ القَاعِدَةَ الأُولَى فِي قَضِيَّةِ العَقِيدَةِ، وَهِيَ أَنَّ وَشِيجَةَ العَقِيدَةِ هِيَ الوَشِيجَةُ الأُولَى، الـمُقَدَّمَةُ عَلَى وَشِيجَةِ النَّسَبِ وَالدَّمِ. وَعَلَى مَا فِي هَذِهِ الوَشِيجَةِ مِنَ انعِطَافٍ وَقُوَّةٍ إِلَّا أَنَّهَا تَالِيَةٌ لِلوَشِيجَةِ الأُولَى: «وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما، وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفًا، وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ».
- وَيُقَرِّرُ مَعَهَا قَضِيَّةَ الآخِرَةِ: «ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» .. وَيُتبِعُ هَذِهِ القَضِيَّةَ بِمُؤَثَّرٍ هَائِلٍ وَهُوَ يُصَوِّرُ عَظَمَةَ عِلْمِ اللّهِ وَدِقَّتَهُ وَشُمُولَهُ وَإِحَاطَتَهُ، تَصْوِيرًا يَرتَعِشُ لَهُ الوُجْدَانُ البَشَرِيُّ وَهُوَ يُتَابِعُهُ فِي الـمَجَالِ الكَونِيِّ الرَّحِيبِ: «يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ، فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ، أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ. إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ».
6- ثُمَّ يُتَابِعُ لُقْمَانُ وَصِيَّتَهُ لابْنِهِ بِتَكَالِيفِ العَقِيدَةِ، بِالأَمْرِ بِالـمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الـمُنْكَرِ، وَالصَّبْرِ عَلَى مَا يَسْتَتْبِعُهُ هَذَا وَذَلِكَ مِنْ مُوَاجَهَةِ الـمَتَاعِبِ الَّتِي لَا بُدَّ أَنْ تُوَاجِهَ صَاحِبَ العَقِيدَةِ، وَهُوَ يـَخْطُو بِهَا الخُطْوَةَ الطَّبِيعِيَّةِ، فَيَتَجَاوَزَ بِهَا نَفْسَهُ إِلَى غَيرِهِ: «وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ» ..
7- وَمَعَ الأَمْرِ بِالـمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيِ عَنِ الـمُنكَرِ، وَالصَّبْرِ عَلَى الـمُصَابِ الأَدَبُ الوَاجِبُ. أَدَبُ الدَّاعِي إِلَى اللّهِ أَلَّا يَتَطَاوَلَ عَلَى النَّاسِ، فَيُفْسِدَ بِالقُدْرَةِ مَا يَصْلُحَ بِالكَلَامِ: «وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ. وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ. إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ» .. وَالـمُؤَثِّرُ النَّفْسِيُّ بِتَحْقِيرِ التَّصعِيرِ وَالنَفْخَةِ مَلْحُوظٌ فِي التَّعبِيرِ. وَبِهِ تَنتَهِي هَذِهِ الجَولَةُ الثَّانِيَةُ، وَقَدْ عَالَـجَتِ القَضِيَّةَ ذَاتَهَا فِي مَجَالِـهَا الـمَعْهُودِ، بِمُؤَثِّرَاتٍ جَدِيدَةٍ، وَبِأُسْلُوبٍ جَدِيدٍ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.