- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول
(ح 15)
الشخصية الإسلامية ليست ملاكا
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:
أيها المؤمنون:
أحبّتنا الكرام :
السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ الخَامِسَةَ عشرة، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "الشخصية الإسلامية ليست ملاكا".
يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "نعم إن الإسلام أمر بالاستزادة من الثقافة الإسلامية لتنمو هذه العقلية وتصبح قادرة على قياس كل فكر من الأفكار. وأمر بأكثر من الفروض ونهى عن أكثر من المحرمات لتقوى هذه النفسية وتصبح قادرة على ردع كل ميل يخالف الإسلام. ولكن هذا كله لترقية هذه الشخصية وجعلها تسير في طريق المرتقى السامي، ولكنه لا يجعل مَنْ دونها غير شخصية إسلامية. بل تكون هي شخصية إسلامية ويكون مَنْ دونها من العوام الذين يُقيّدون سلوكهم بالإسلام، والمتعلمين الذين يقتصرون على القيام بالواجبات وعلى ترك المحرمات، شخصية إسلامية، وإن كانت تتفاوت هذه الشخصيات قوة، ولكنها كلها شخصيات إسلامية. والمهم في الحكم على الإنسان بأنه شخصية إسلامية هو جعله الإسلام أساسًا لتفكيره وأساسًا لميوله. ومن هنا يأتي تفاوت الشخصيات الإسلامية وتفاوت العقليات الإسلامية وتفاوت النفسيات الإسلامية. ولذلك يخطئ كثيرًا أولئك الذين يتصورون الشخصية الإسلامية بأنها ملاك. وضرر هؤلاء في المجتمع عظيم جداً لأنهم يبحثون عن الملاك بين البشر فلا يجدونه مطلقًا، بل لا يجدونه في أنفسهم فييأسون وينفضون أيديهم من المسلمين. وهؤلاء الخياليون إنما يبرهنون على أن الإسلام خيالي، وأنه مستحيل التطبيق، وأنه عبارة عن مُثل عليا جميلة لا يمكن للإنسان أن يطبقها أو يصبر عليها، فيصدون الناس عن الإسلام ويشلّون الكثيرين عن العمل".
ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته:
السؤال الأول في هذه الحلقة هو: كيف اعتنى الإسلام ببناء الشخصية الإسلامية؟ وجوابه هو: لقد اعتنى الإسلام ببناء الشخصية الإسلامية بشقيها: العقلية الإسلامية، والنفسية الإسلامية على النحو الآتي:
أولا: لم يترك الإسلام خيرًا إلا رغبنا فيه، وأمرنا بفعله، ولم يترك شرًا إلا حذرنا منه، ونهانا عنه، وأمرنا باجتنابه؛ لذلك أمر الإسلام بالاستزادة من الثقافة الإسلامية؛ لتنمو هذه العقلية، وتصبح قادرة على قياس كل فكر من الأفكار.
ثانيا: وضع الإسلام للمسلم ميزانًا دقيقًا يزن به الأشياء، ويزن به الأفعال قبل أن يتخذ في حياته كلها أي موقف تجاهها، وهذا الميزان هو ميزان الحلال والحرام، فيستخدم الأشياء أو يترك استخدامها، ولا يباشر استخدام أي شيء من الأشياء إلا بعد معرفة حكم الشرع فيه، وذلك بناء على القاعدة الشرعية للأشياء التي تنص على أن: "الأصل في الأشياء الإباحة، ما لم يرد دليل التحريم". ويقبل على الأفعال، أو يحجم عنها، فلا يقدم على أي فعل إلا بعد أن يعرف حكم الله فيه، وذلك بناء على القاعدة الشرعية للأفعال التي تنص على أن: "الأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي".
ثالثا: وضع الإسلام للمسلم مقياسًا دقيقًا أيضًا يقيس به كل فكر من الأفكار الواردة، وهذا المقياس مستمد من الثقافة الإسلامية المستندة إلى العقيدة الإسلامية، بل والمستنبطة منها استنباطًا مباشَرًا؛ لذلك فالمسلم لا يقبل أي فكرة تأتي من خارج إطار وحدود الإسلام، ولا تنطلي عليه حيلة أن هذه الفكرة توافق الإسلام، وأن هذه الفكرة لا تتعارض مع الإسلام. بل يعدها كلها أفكار كفر يحرم أخذها.
والسؤال الثاني في هذه الحلقة هو: هل الشخصيات الإسلامية على درجة واحدة من الرقي والسمو، أم أنها تتفاوت قوة وضعفًا؟ وجوابه إن الشخصيات الإسلامية تتفاوت قوةً وضعفًا. تتفاوت العقليات الإسلامية، وتتفاوت النفسيات الإسلامية في جعلها الإسلام أساسًا لميولها، وأساسًا لتفكيرها، ودليل ذلك قوله تعالى: (هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ). (آل عمران١٦٣)؛ لذلك فإن هذا المقياس الدقيق الذي يفرق فيه بين الحق والباطل لا يمنحه الله تعالى إلا لعباده المتقين الذين ارتقت نفسياتهم؛ فقاموا بأكثر من الفروض، وانتهوا عن أكثر من المحرمات. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ). (الأنفال ٢٩).
والسؤال الثالث: كيف عمل الإسلام على الارتقاء بالنفسية الإسلامية؟ وجوابه: إن الإسلام أمر بأكثر من الفروض، ونهى عن أكثر من المحرمات؛ لتقوى هذه النفسية، وتصبح قادرة على ردع كل ميل يخالف الإسلام؛ ولكن هذا كله لترقية هذه الشخصية وجعلها تسير في طريق المرتقى السامي.
والسؤال الرابع: هل يمكننا أن نقول: إن الشخصيات الإسلامية هم أصحاب النفسيات الراقية فحسب، ومن دونهم ليسوا شخصيات إسلامية؟ وجوابه: لا يقال ذلك. بل هم شخصيات إسلامية ويكون مَنْ دونهم من العوام الذين يُقيّدون سلوكهم بالإسلام، والمتعلمين الذين يقتصرون على القيام بالواجبات، وعلى ترك المحرمات، شخصية إسلامية، وإن كانت تتفاوت هذه الشخصيات قوة، ولكنها كلها شخصيات إسلامية.
والسؤال الخامس: متى نحكم على شخصية إنسان أنها شخصية إسلامية؟ ومن أين يأتي تفاوت الشخصيات الإسلامية؟ وجوابه: المهم في الحكم على الإنسان بأنه شخصية إسلامية هو جعله الإسلام أساسًا لتفكيره وأساسًا لميوله. ومن هنا يأتي تفاوت الشخصيات الإسلامية وتفاوت العقليات الإسلامية وتفاوت النفسيات الإسلامية.
والسؤال السادس: هناك من يتصور الشخصية الإسلامية بأنها ملاك، فهل هذا تصور صحيح؟ وما تأثير هذا التصور في المجتمع؟ والجواب: الشخصية الإسلامية ليست ملاكا، ويخطئ كثيرًا أولئك الذين يتصورون الشخصية الإسلامية بأنها ملاك. وضرر هؤلاء في المجتمع عظيم جدًا لأنهم يبحثون عن الملاك بين البشر، فلا يجدونه مطلقًا، بل لا يجدونه في أنفسهم فييأسون وينفضون أيديهم من المسلمين. وهؤلاء الخياليون إنما يبرهنون على أن الإسلام خيالي، وأنه مستحيل التطبيق، وأنه عبارة عن مُثل عليا جميلة لا يمكن للإنسان أن يطبقها أو يصبر عليها، فيصدون الناس عن الإسلام ويشلّون الكثيرين عن العمل.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم ، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.