مختصر السيرة النبوية العطرة

ح16

التماس المراضع للنبي محمَّد ﷺ

 

 

تشرف الكون بسيدنا محمَّـد ﷺ، وأرضعته أمه سبعة أيام على التوالي، ثم انطلق أهله يلتمسون له المراضع، فقد كان من عادة أصحاب السيادة في قريش ممن يملكون المال أن يتربى أبناؤهم خارج مكة، فلم يكن يسترضع في مكة كلها إلا الأغنياء، وأصحاب السيادة؛ وذلك لسببين:

 

السبب الأول لأنَّ أصحاب السيادة يخافون على أولادهم من وباء مكة، ففي مواسم الحجيج كان يأتي أناس كثيرون للحج والتجارة من شتى البلاد، ومنهم من يحمل معه الأمراض المعدية، فكان أهل مكة يخافون على أطفالهم الرضع، من انتقال الأمراض إليهم، فالكبار يستطيعون التحمل، أما الرضع فهم لا يتحملون؛ لذلك كانوا يحبون أن يتربى أولادهم في أول عمرهم في البادية عند الهواء النظيف، والبيئة النقية، وعندما يكبرون، ويشتد عودهم، يرجعون إلى أهليهم.

 

أما السبب الثاني، فهو لأن اللغة العربية في مكة لم تكن بتلك الفصاحة المطلوبة، وكان أهل البادية في ذلك الزمن مشهورين بفصاحة اللسان، فكانت اللغة العربية عندهم أكثر قوة؛ فيتعلم الطفل الصغير فصاحة اللسان منذ صغر سنه.

 

وأما المراضع فهن نساء كنّ يأتين من البادية إلى مكة مع أزواجهنّ، فجاء قوم من بني سعد - وهم أهل حليمة السعدية، مرضعة الحبيب ﷺ - يريدون رؤية أطفال رضع في مكة، من يطلب مرضعة حاضنة، يطوفون بين أسياد قريش ويسألون: هل منكم من يريد مرضعة؟ هل منكم من يحب أن نحتضن ولده؟ فلم يبق منهنَّ مرضعة إلا عُرض عليها النبي ﷺ. فكانوا يسألون: من والد هذا الصبي؟ يريدون رؤية أبيه، فالأب هو الذي سيدفع لهم المال، فيقال لهم: مات أبوه عبد الله، وهو في بطن أمه!! فتتغير ملامحهم، ورغبتهم في حضانته، ويقولون: لا رغبة لنا، لعلكم تجدون غيرنا، ثم ينصرفون؛ لأنهم يريدون الأجر والكرم من والد الصبي، صحيح أن جده عبد المطلب شيخ مكة، ولكن المعروف لدى الجميع أن الكرم الأكثر يكون من الأب، وبقيَ الحال هكذا وجميع المرضعات يرفضن أخذه ﷺ، إلى أن قدَّر الله أمرًا كان مفعولا.. تابعونا في الحلقة القادمة إن شاء الله.

 

وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا، وَحَبِيبِنَا، وَعَظِيمِنَا، وَقَائِدِنَا، وَقُدْوَتِنَا، وَقُرَّةِ أَعْيُنِنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالسَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

 

 

 كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الأستاذ محمد النادي