الإثنين، 23 محرّم 1446هـ| 2024/07/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول  (ح 16) - على المسلم تقوية شخصيته بالثقافة الإسلامية  لتنمية عقليته، وبالطاعات لتقوية نفسيته

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول

(ح 16)

على المسلم تقوية شخصيته بالثقافة الإسلامية

لتنمية عقليته، وبالطاعات لتقوية نفسيته

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:

 

أيها المؤمنون:

 

مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير:

 

السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية- الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّادِسَةَ عشرة، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "على المسلم تقوية شخصيته بالثقافة الإسلامية لتنمية عقليته وبالطاعات لتقوية نفسيته".

 

يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "مع أن الإسلام جاء ليُطبَّق عملياً وهو واقعي أي يعالج واقعاً، لا يصعب تطبيقه. وفي متناول كل إنسان مهما بلغ تفكيره من الضعف ومهما بلغت غرائزه وحاجاته من القوة فإنه ممكن له أن يطبق الإسلام على نفسه بسهوله ويسر بعد أن يدرك العقيدة ويصبح شخصية إسلامية. لأنه بمجرد جعله عقيدة الإسلام مقياساً لمفاهيمه وميوله وسيره على هذا المقياس كان شخصية إسلامية قطعاً. وما عليه بعد ذلك إلا أن يقوّي هذه الشخصية بالثقافة الإسلامية لتنمية عقليته وبالطاعات لتقوية نفسيته حتى يسير نحو المرتقى السامي ويثبت على هذا المرتقى بل يسير من علّي إلى أعلى. لأنه عالج بالعقيدة أفكاره إذ جعل له بها قاعدة فكرية يبني عليها أفكاره عن الحياة، فيميز الفكر الصائب من الفكر الخطأ حين يقيس هذه الأفكار بالعقيدة الإسلامية يبنيها عليها باعتبارها قاعدة فكرية، وبذلك يأمن زلل الفكر، ويتقي الفاسد من الأفكار، ويظل صادق الفكر سليم الإدراك. وعالج بالأحكام الشرعية ميوله حين عالج أعماله الصادرة عن حاجاته العضوية وغرائزه معالجة صادقة تنظِّم الغرائز ولا تضُّر بها لمحاولة القضاء عليها، وتنسقها ولا تطلقها، وتهيّئ له إشباع جميع جوعاته إشباعاً متناسقاً يؤدي إلى الطمأنينة والاستقرار. ولذلك كان المسلم الذي يعتنق الإسلام عن عقل وبيّنة، ويطبق الإسلام كاملاً على نفسه، ويفهم أحكام الله فهماً صحيحاً، كان هذا المسلم شخصية إسلامية متميزة عن غيرها، لدية العقلية الإسلامية في جعله العقيدة الإسلامية أساساً لتفكيره، والنفسية الإسلامية في جعله هذه العقيدة أساساً لميوله". ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته:

 

السؤال الأول في هذه الحلقة هو هل يمكن للإنسان بوصفه شخصية إسلامية أن يطبق الإسلام على نفسه؟ وكيف له أن يقوي هذه الشخصية؟ وجواب الشق الأول من السؤال هو: إن الإسلام جاء ليُطبَّق عمليًا، وهو واقعي أي يعالج واقعًا، لا يصعب تطبيقه. وفي متناول كل إنسان مهما بلغ تفكيره من الضعف، ومهما بلغت غرائزه وحاجاته من القوة فإنه ممكن له أن يطبق الإسلام على نفسه بسهوله، ويسر بعد أن يدرك العقيدة ويصبح شخصية إسلامية؛ لأنه بمجرد جعله عقيدة الإسلام مقياسًا لمفاهيمه وميوله وسيره على هذا المقياس كان شخصية إسلامية قطعًا.

 

أما الشق الثاني من السؤال فجوابه: ما على المسلم بعد ذلك إلا أن يقوّي شخصيته الإسلامية بهذين الأمرين:

 

  1. الأمر الأول بالثقافة الإسلامية؛ لتنمية عقليته.
  2. الأمر الثاني: بالطاعات لتقوية نفسيته حتى يسير نحو المرتقى السامي ويثبت على هذا المرتقى بل يسير من علّي إلى أعلى؛ لسببين اثنين:

 

أولا: لأنه عالج بالعقيدة أفكاره إذ جعل له بها قاعدة فكرية يبني عليها أفكاره عن الحياة، فيميز الفكر الصائب من الفكر الخطأ حين يقيس هذه الأفكار بالعقيدة الإسلامية يبنيها عليها باعتبارها قاعدة فكرية، وبذلك يأمن زلل الفكر، ويتقي الفاسد من الأفكار، ويظل صادق الفكر، سليم الإدراك. فما أكثر ما يتلقى المسلمون من مبادئ وافدة تشكك في دينهم تشكيكًا يحاول أن يهدم البنيان من أسه، والتشكيك حين يكون في حكم من الأحكام الشرعية، يكون من السهل أن نُقنِع بحكمة ذلك الحكم، ولكن التشكيك يَعظُم خطرُه إن اتصل بأصل العقيدة. كالتشكيك الحاصل هذه الأيام في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية المطهرة. 

 

ثانيا: ولأنه عالج بالأحكام الشرعية ميوله حين عالج أعماله الصادرة عن حاجاته العضوية، وغرائزه معالجة صادقة تنظِّم الغرائز، ولا تضُّر بها لمحاولة القضاء عليها، وتنسقها، ولا تطلقها، وتهيّئ له إشباع جميع جوعاته إشباعًا متناسقًا يؤدي إلى الطمأنينة والاستقرار. وإليكم بيان تلك المعالجات من خلال البنود الآتية:

 

1. عالج الإسلام للإنسان أعماله الصادرة عن حاجاته العضوية؛ فبين له وسائل الكسب المشروعة؛ ليتبعها، ووسائل الكسب المحرمة؛ ليتجنبها. فقال تعالى على سبيل المثال: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ). (البقرة ‎275)


2. وعالج للإنسان غرائزه معالجة صادقة، تنظمها، ولا تضر بها، فعالج غريزة التدين بعبادة الله وحده، قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا). ‎(النساء 36)


3. وعالج للإنسان غريزة النوع والميل الجنسي من الذكر إلى الأنثى، ومن الأنثى إلى الذكر بالزواج الشرعي على كتاب الله وسنة رسوله، وأباح للرجال تعدد الزوجات، فقال جل جلاله: (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا). ‎(النساء 3)


4. وأمر المؤمنين والمؤمنات بغض النظر، فقال جل شأنه: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ‎(30)‏ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ). ‎(النور31)


5. ومنع الاختلاط، وأمر بالتفريق بين الأبناء في المضاجع عند النوم. جَاءَ في الحَدِيثِ الـشَّرِيفِ: «مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَـشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ».


6. وعالج للإنسان غريزة البقاء التي من مظاهرها حب التملك، فأباح للإنسان التملك، فحدد له طرق ووسائل الكسب المشروعة، ولم يحدد له كمية ومقدار المال الذي يحصل عليه من الكسب المشروع، وفرض على المسلمين الأغنياء أن يعطوا زكاة أموالهم لمن يستحقونها من الفقراء والمساكين، وباقي الأصناف الثمانية الذين ذكرهم القرآن الكريم. قال تعالى: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). ‎(التوبة 60)

 

والسؤال الثاني: في هذه الحلقة هو: كيف يكون المسلم شخصية إسلامية متميزة؟ وجوابه: إن المسلم الذي يعتنق الإسلام عن عقل وبيّنة، ويطبق الإسلام كاملًا على نفسه، ويفهم أحكام الله فهمًا صحيحًا، كان هذا المسلم شخصية إسلامية متميزة عن غيرها، لدية العقلية الإسلامية في جعله العقيدة الإسلامية أساسًا لتفكيره، والنفسية الإسلامية في جعله هذه العقيدة أساسًا لميوله.

 

أيها المؤمنون:

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

آخر تعديل علىالجمعة, 07 نيسان/ابريل 2023

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع