- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة عيد الفطر
اللهُ أكْبَرْ، اللهُ أكْبَرْ، اللهُ أكْبَرْ، اللهُ أكْبَرْ، اللهُ أكْبَرْ، اللهُ أكْبَرْ، اللهُ أكْبَرُ عَلَى كُلِّ مَنْ طَغَى وَتَجَبَّرْ.
اللهُ أكْبَرُ كُلَّمَا نَادَى لِلصَّلَاةِ مُنَادٍ وَكَبَّرْ. اللهُ أكْبَرُ كُلَّمَا صَامَ صَائِمٌ وَأفْطَرْ. وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي أنْعَمَ عَلَينَا بِنِعْمَة الإِسلَامْ، وَفَرَضَ عَلَينَا الجِهَاد وَالصِّيَامْ، وَجَعَلَنَا خَيرَ أمَّةٍ أخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، تَأمُرُ بِالمَعْرُوفِ، وَتَنْهَى عَنِ المُنْكَرْ. وَأشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهَ، الَّذِي جَعَلَ فِي تَعَاقُبِ الأيَّامِ وَالأعْيَادِ عِبْرَةً لِمَنِ اعْتَبَرْ. وَأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أرْسَلَهُ رَحْمَةً وَهُدىً لِجَمِيعِ البَشَرْ. صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ المُجَاهِدِينَ الغُرَرْ.
اللهُ أكْبَرْ، اللهُ أكْبَرْ، اللهُ أكْبَرْ، اللهُ أكْبَرْ، اللهُ أكْبَرْ، اللهُ أكْبَرْ، اللهُ أكْبَرُ كُلَّمَا حَانَ وَقْتُ الصَّلَاةْ. اللهُ أكْبَرُ هُتَافُ المُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ. اللهُ أكْبَرُ، كَلِمَةُ حَقٍّ نَصْفَعُ بِهَا وُجُوهَ العُتَاةِ الطُّغَاةْ. أمَّا بَعْد:
أيها المؤمنون: كَمَا فَرَضَ اللهُ تَعَالَى عَلَى المُسْلِمِينَ الصِّيَامَ وَالصَّلَاةَ، فَقَدْ فَرَضَ عَلَيهِمُ الجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَكَمَا أنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ هُوَ شَهْرُ صِيَامٍ وَقِيَامٍ، فَهُوَ شَهْرُ جِهَادٍ وَقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَدْ خَاضَ فِيهِ المُسْلِمُونَ مَعَارِكَ فَاصِلَةً مَعَ الكُفَّارِ، فَكَانَ عِيدُ الفِطْرِ يَأْتِي وَالمُسْلِمُونَ فِي غِبْطَةٍ وَسُرُورْ، وَفَرْحَةٍ وَحُبُورْ، قَد نَالُوا ثَوَابَ الصِّيَامِ وَالقِيَامِ، كَمَا أحْرَزُوا النَّصْرَ عَلَى أعْدَائِهِمْ فِي مَيَادِينِ القِتَالْ.
وَاليَومَ يَأتِي العِيدُ أيُّهَا المُسْلِمُونَ وَقَدِ انْفَرَدَ الكُفَّارُ وَمِنْهُمُ كَيَانُ يَهُود، وَالأمْرِيكَانُ وَالإِنْجلِيزُ، بِقَتْلِ المُسْلِمِينَ فِي فِلَسْطِينَ وَأفْغَانِسْتَانَ وَالعِرَاقَ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ مِنْ بِقَاع الأرْضِ دُونَ أنْ يَهُبَّ سَائِرَ المُسْلِمِينَ لِنَجْدَتِهِمْ بِالسِّلَاحِ وَالرِّجَالِ، وَقَدْ اكتَفَى بَعْضُهُمْ بِالمُظَاهَرَاتِ وَالاحْتِجَاجَاتِ الَّتِي لَا تُغْنِي شَيئًا عَمَّا فَرَضَهُ الإِسْلَامُ، وَهُوَ القِتَالُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إِذَا احْتُلَّ شِبْرٌ مِنْ أرْضِ المُسْلِمِينَ، أوِ انْتُهِكَتْ حُرْمَةٌ مِنْ حُرُمَاتِ المُسْلِمِينَ، فَكَيفَ إِذَا احْتُلَّتْ مُقَدَّسَاتُ المُسْلِمِينَ، وَقُتِلَ أطْفَالُهُمْ وَشُيُوخُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ، وَدُمِّرَتْ بُيُوتُهُم وَبِلَادُهُمْ؟ فَأيْنَ جُيُوشُ المُسْلِمِينَ؟ وَأيْنَ الأسْلِحَةُ الَّتِي أنْفَقَ عَلَيهَا الحُكَّامُ المِلْيَارَاتِ؟ فَلِمَاذَا هِيَ إِنْ لَمْ تَكُنْ لِلْجِهَادِ وَالقِتَالِ وَالدِّفَاعِ عَنْ حُرُمَاتِ المُسْلِمِينَ؟
اليَومَ يَأتِي العِيدُ وَكُلُّ المَصَائِبِ تَنْزِلُ بِنَا، وَكُلُّ الجَرَائِمِ تُرْتَكَبُ بِحَقِّنَا، وَنَحْنُ مُسْتَسْلِمُونَ خَاضِعُونَ، يُقْتَلُ المُسْلِمُونَ، وَتُدَمَّرُ بُيُوتُهُمْ، وَبِلَادُهُمْ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَنَحْنُ سَاكِتُونَ لَا نَهُبُّ لِنُصْرَتِهِمْ، وَكَأنَّ رَابِطَةَ الإِسْلَامِ لَا تَجْمَعُنَا، ألَمْ تَسْمَعُوا وَتَقْرَءُوا قَولَ اللهِ تَعَالَى: [إنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ]؟ ألَمْ تَسْمَعُوا وَتَقَرَءُوا قَوْلَ رَسُولِ اللهِ r : «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يُسْلِمُهُ»؟ ألَيْسَتْ فِلَسْطِينُ، وَأفْغَانِسْتَانُ، وَالعِرَاقُ، وَبَاقِي البِلَادِ بِلَادًا لِلْمُسْلِمِينَ أجْمَعِينَ؟
ألَيْسَ المَسْجِدُ الأقْصَى مِنْ مُقَدَّسَاتِهِمْ؟ فَأيُّ عِيدٍ هَذَا العِيدُ؟ وَإِخْوَانُنَا يُوَاجِهُونَ القَتْلَ، وَالدَّمَارَ، وَالذُّلَّ، وَالحِصَارَ، يَسْتَغِيثُونَ، وَيَسْتَنْصِرُونَ، وَلَا مِنْ مُجِيبْ! يَنْفَرِدُ الكُفَّارُ بِالمُسْلِمِينَ بَلَدًا بَلَدًا، وَالمُسْلِمُونَ يَعِيشُونَ حَيَاةَ فُرْقَةٍ وَضَعْفٍ، رَغْمَ أعْدَادِهِمُ الكَثِيرَةِ، يَعِيشُونَ حَيَاةَ فَقْرٍ، وَبَطَالَةٍ رَغْمَ خَيْرَاتِ بِلَادِهِمُ الوَفَيرَةِ!
ألَمْ يَسْمَعُوا، وَيَقْرَءُوا قَولَ رَسُولِ اللهِ r : «مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ الوَاحِدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ، وَالحُمَّى»؟
أمَا آنَ لَنَا نَحْنُ المُسْلِمِينَ أنْ نَجْعَلَ الإِسْلَامَ هُوَ الرَّابِطَ الوَحِيدَ بَيْنَنَا؟ أمَا آنَ لَنَا أنْ نَجْعَلَ الإِسْلَامَ هُوَ المِقْيَاسَ الوَحِيدَ لِجَمِيعِ أَعْمَالِنَا وَتَصَرُّفَاتِنَا؟ أمَا آنَ لَنَا أنْ نُدْرِكَ أنَّ السَّبَبَ الوَحِيدَ لِمَصَائِبِنَا هُو عَدَمُ تَطْبِيقِنَا أحْكَامَ دِينِنَا فِي جَمِيع شُؤُونِ حَيَاتِنَا؟ أمَا آنَ لَنَا أنْ نُدْرِكَ أنَّ الإِسْلَامَ لَا يَعْنِي الصَّلَاةَ، وَالصِّيَامَ، وَالحَجَّ، وَالزَّكَاةَ فَقَط؟ وَإِنَّمَا يَعْنِي نِظَامًا شَامِلًا وَكَامِلًا لِجَمِيع شُؤُونِ الحَيَاةِ، يَعِيشُ المُسْلِمُونَ تَحْتَ ظِلِّهِ فِي دَولَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلِتَحْقِيقِ ذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ أنْ يَعْمَلَ المُسْلِمُونَ بِجِدٍّ لِإِعَادَةِ الحُكْمِ لِدَوْلَةِ الخِلَافَة الرَّاشِدَةِ الَّتِي تُوَحِدُهُمْ جَمِيعًا فِي دَوْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَتُطَبِّقُ الحُدُودَ، وَتَحْمِي الثُّغُورَ، وَتَرْعَى الشُّؤُونَ، وَتَحْمِلُ الإِسْلَامَ بِالجِهَادِ إِلَى النَّاسِ كَافَّة.
لَقَدْ تَوَعَّدَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ مُسْلِمٍ لَا يَعْمَلُ لِإِيجَادِ الخِلَافَةِ، فَقَالَ r : «وَمَنْ مَاتَ وَلَيسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً». كَمَا تَوَعَّدَ كُلَّ مَنْ يَسْكُتُ عَلَى هَذَا الوَاقِع الفَاسِدِ، فَقَالَ r : «مَنْ رَأى سُلْطَانًا جَائِرًا، مُسْتَحِلًّا لِحُرُمِ اللهِ، نَاكِثًا لِعَهْدِ اللهِ، مُخَالِفًا لِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ، يَعْمَلُ "أيْ يَحْكُمُ" فِي عِبَادِ اللهِ بِالإِثْمِ وَالعُدْوَانِ، فَلَمْ يُغَيِّرْ عَلَيهِ بِقَولٍ أوْ فِعْلٍ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللهِ أنْ يُدْخِلَهُ مُدْخَلَهُ».
وَإِنَّ هَذَا الخِطَابَ مُوَجَّهٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ عَلَى وَجْهِ العُمُومِ، وَمُوَجَّهٌ لِأَهْلِ القُوَّةِ وَالمَنَعَةِ القَادِرِينَ عَلَى التَّغْيِيرِ فِي جُيُوشِ المُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِ الخُصُوصِ، فَعَلَيْهِمْ أنْ يَعْمَلُوا لِتَغْيِيرِ الوَاقِعِ الفَاسِدِ، فَإِنْ لَمْ يَعْمَلُوا فَلَنْ تُنْجِيَهُمْ صَلَاتُهُم، وَلَا صِيَامُهُمْ وَلَا حَجُّهُمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ، بل سيدخلهم الله مدخل الحكام الذين حاربوا دين الإسلام!! وَاللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَنْ يُغَيِّرَ حَالَنَا مَا لَمْ نَعْمَلْ نَحْنُ لِلتَّغْيِير قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ اللهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَومٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأنْفُسِهِمْ).
وَلَقَدْ رَأيْنَا بِأمِّ أعْيُنِنَا، وَسَمِعْنَا بِآذَانِنَا في أيَّامِنَا هَذِهِ مَا أقْدَمَ عَلَيهِ الحُكَّامُ فِي بِلَادِ العَرَبِ وَالمُسْلِمِينَ مِنْ مُحَارَبَةٍ لِلإِسْلَامِ، وَأحْكَامِهِ جِهَارًا نَهَارًا، دُونَ خَوْفٍ وَلَا وَجَلٍ مِنَ اللهِ، وَلَا مِنْ عِبَادِهِ!! أجَلْ، لَقَدْ رَأيْنَا المَرْسُومَ الرَّسْمِيَّ الَّذِي أَصْدَرَهُ وأعْلَنَهُ حُكَّامُ بِلَادِ الحَرَمَينِ الشَّرِيفَينِ مِنْ إِلغَاءِ المَحْرَمِ الَّذِي يُسَافِرُ مَعَ المَرْأةِ، وَمِنْ إِلغَاءِ مُحَاسَبَةِ، وَعُقُوبَةِ مَنْ أفْطَرَ عَمْدًا، وَالسَّمَاحِ لِلمَطَاعِمِ أنْ تَفْتَحَ أبْوَابَهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَلَقَدْ سَمِعْنَا بِإِلْغَاءِ هَيئَةِ الأمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، وَإِحْلَالِ هَيئَةِ التَّرفِيهِ مَكَانَهَا، وَسَمِعْنَا عَنْ مُلَاحَقَةِ، وَاعتِقَالِ عُلَمَاءِ المُسْلِمِينَ المُخْلِصِينَ، وَالزَّجِّ بِهِمْ فِي السُّجُونِ، وَالمُعْتَقَلَاتِ!! وَلَقَد سَمِعْنَا وَرَأيْنَا أيْضًا رَفْضَ الحُكَّامِ فِي بِلَادِ المَغْرِبِ العَرَبِيِّ، بَلْ فِي تُونُسَ عَلَى وَجْهِ التَّحْدِيدِ، لِأحْكَامِ شَرْع دِينِنَا الحَنِيفِ، حَيثُ رَفَضُوا العَمَلَ بِالآيَةِ الَّتِي يَقُولُ اللهُ فِيهَا: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنْثَيَينِ) فِي تَقْسِيمِ المِيرَاثِ بَعْدَ وَفَاةِ المُوَرِّثِ!!
وَفِي أرْضِ الكِنَانَةِ يُفْتِي مُفْتِي مِصْرَ؛ إِرْضَاءً لِحَاكِمِهَا بِإِبَاحَةِ مُعَامَلَاتِ الرِّبَا التِي تَتَعَامَلُ بِهَا البُنُوكُ، وَيُسَمِّيْهَا بِغَيرِ اسْمِهَا وَيَقُولُ: إنَّهَا فَوَائِدُ وَاستِثْمَارَاتٌ، مُتَجَرِّئًا بِذَلِكَ عَلَى أحْكَامِ اللهِ!! وَفِي فِلَسْطِينَ السَّلِيبَةِ المُغُتَصَبَةِ، أرْضِ الإِسْرَاءِ وَالمِعْرَاج، يُوَقِّعُ حُكَّامُ السُّلْطَةِ الخَاضِعِونَ تَحْتَ حُكْمِ يَهُودَ هُنَاكَ عَلَى اتِّفَاقِيَّةِ سِيدَاو التِي تَسْتَهْدِفُ المَرْأةَ وَالأسْرَةَ المُسْلِمَةَ لِلقَضَاءِ عَلَى العِفَّةِ، وَالطَّهَارَةِ، وَبَقِيَّةِ الحَيَاءِ، وَتُحَرِّضُ المَرْأةَ عَلَى الخُرُوج عَنْ طَاعَةِ أبِيهَا، وَزَوجِهَا، وَوَلِيِّهَا ضِمْنَ الحُدُودِ الشرعية!!
يَا أَهْلِ القُوَّةِ وَالمَنَعَةِ القَادِرِينَ عَلَى التَّغْيِيرِ فِي جُيُوشِ المُسْلِمِينَ: لَقَدْ أعْلَنَ هَؤُلاءِ الحُكَّامُ انْسِلَاخَهُمْ عَنِ الإِسْلَامِ، وَرَفْضَهُمْ لِأحْكَامِهِ، بَلْ وَحَارَبُوا المُخْلِصِينَ مِنَ العُلَمَاءِ حَامِلِي الدَّعْوَةِ بِشَتَّى الوَسَائِلِ وَالطُّرُقِ، فَهَلْ تَتْرُكُونَهُمْ وَمَا أرَادُوا؟ هَلْ تَتْرُكُونَهُمْ يُحَقِّقُونَ غَايَتَهُمْ بِالقَضَاءِ عَلَى الإِسْلَامِ وَأمَّةِ الإِسْلَامِ لَا قَدَّرَ اللهِ؟ هَلْ تَرْضَونَ أنْ يُدْخِلَكُمُ اللهُ مُدْخَلَهُمْ، وَأنْ تُحْشَرُوا مَعَهُمْ - لَا قَدَّرَ اللهُ - فِي نَارِ جَهَنَّم؟
أيها المؤمنون: عِنْدَمَا كَانَ لِلمُسْلِمِينَ دَوْلَةٌ تُمَثلهُمْ، وَخَلِيفَةٌ بِكِتَابِ اللهِ، وَسُنَّةِ رَسُولِهِ يَحْكُمُهُمْ كَانُوا مُتَّحِدِينَ أعِزَّةً، لَا يَقْبَلُونَ الخُضُوعَ وَالذُّلَّ إِلَا للهِ تَعَالَى، فَعِنْدَمَا قَتَلَ الرَّومُ رَسُولُ رَسُولِ اللهِ فِي الأُرْدُنِّ رَدَّ عَلَيهِمْ رَسُولُ اللهِ r بِغَزْوَةِ مُؤْتَةَ. وَعِنْدَمَا نَقَضَ كُفَّارُ قُرَيشٍ صُلْحَ الحُدَيبِيَةِ، أرْسَلَ إِلَيهِمْ جَيشًا فَتَحَ مَكَّةَ. وَعِنْدَمَا نَقَضَ يَهُودُ عَهْدَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي المَدِينَةِ أجْلَاهُمْ عَنْهَا، وَقَتَلَ المُحَارِبِينَ مِنْهُمْ. وَعِندَمَا استَغَاثَتِ امْرَأةٌ مُسْلِمَةٌ بِالخَلِيفَةِ المُعْتَصِمِ، قَادَ بِنَفْسِهِ جَيْشًا عَرَمْرَمًا دَكَّ بِهِ حُصُونَ الرُّومِ، وَأنْقَذَ المَرْأةَ مِنَ الأسْرِ. وَعِنْدَمَا احْتَلَّ الصَّلِيبِيُّونَ القُدْسَ وَبِلَادِ الشَّامِ ظَلَّ المُسْلِمُونَ يُعِدُّونَ العُدَّةَ الكَافِيَةَ حَتَّى اسْتَرجَعُوهَا بِقِيَادَةِ القَائِدِ البَطَلِ صَلَاح الدِّينِ الأيُّوبِيِّ.
هَكَذَا كَانَ المُسْلِمُونَ عِندَمَا كَانُوا يَتَحَاكَمُونَ إِلَى الإِسْلَامِ، وَأمَّا اليَومَ بَعْدَ أنْ أخَذُوا بِالقَوَانِينِ الوَضْعِيَّةِ، وَأصْبَحُوا كَيَانَاتٍ عَدِيدَةً، تَخَلَّوْا عَنِ الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَجَئُوا إِلَى الكُفَّارِ، وَالحُلُولِ السِّلْمِيَّةِ فَأذَلَّهُمُ اللهُ، وَاغْتَصَبَ كَيَانُ يَهُودَ أقْدَسَ بِلَادِهِمْ، وَتَحَكَّمَ الكُفَّارُ فِي مَصَائِرِهِمْ، وَثَرْوَاتِهِمْ.
أيها المؤمنون: رَغْمَ هَذَا الوَاقِعِ السَّيِّئِ، الألِيمِ وَالمَرِيرِ، الَّذِي تَعِيشُهُ أمَّتُنَا، وَرَغْمَ المَصَائِبِ، وَالزَّلازِلِ، وَالمِحَنِ التِي تَحُلُّ بِالمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ العِيدَ يَظَلُّ شَعِيرَةً مِنْ شَعَائِرِ الإِسْلَامِ، نَتَزَاوَرُ فِيهِ، وَنَصِلُ الأرْحَامَ، وَنَنْبُذُ العَدَاوَةَ وَالبَغْضَاءَ وَالخِصَامَ فِيمَا بَينَنَا، نُصَلِّي، وَنَتَصَدَّقُ، وَنَسْتَغْفِرُ اللهَ، وَنُكَبِّرُ.
وَلَكِنْ لَا سَبِيلَ لِلسُّرُورِ إِلَى نُفُوسِنَا مَا دَامَ هَذَا حَالُنَا، أمَّتُنَا مُتَفَرِّقَةٌ، وَأقْدَسُ أرْضِنَا مُغْتَصَبَةٌ، وَإِخْوَانُنُا يُقَتَّلُونَ وَيُشَرَّدُونَ، وَحَامِلُو دَعْوَةِ الإِسْلَامِ يُسْجَنُونَ وَيُلَاحَقُونَ، وَيُنْعَتُونَ بِالأصُولِيَّةِ وَالإِرْهَابِ، وَلَنَا فِي صَلَاحِ الدِّينَ ذَلِكَ القَائِدِ المُجَاهِدِ أسْوَةٌ حَسَنَةٌ حَيثُ سَألَهُ أحَدُ جُنُودِهِ يَومًا فَقَالَ لَهُ: لِمَاذَا لَا نَرَاكَ مُبْتَسِمًا؟ فَأَجَابَهُ: كَيفَ أبْتَسِمُ وَالمَسْجِدُ الأقْصَى فِي بَيْتِ المَقْدِسِ لَا يَزَالُ أسِيرًا فِي أيْدِي الصَّلِيبيِّينَ؟! أجَلْ، فَكَيفَ نَبْتَسِمُ وَحُرُمَاتُ المُسْلِمِينَ تُنتَهَكُ فِي كُلِّ مَكَانٍ؟! فَلْنَتَوَاصَ بِالحَقِّ، وَلْنَتَوَاصَ بِالصَّبْرِ، كَمَا أمَرَنَا اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَلْنُنَاقِشْ فِي عِيدِنَا مَا وَصَلَتْ إِلَيهِ أحْوَالُنَا، وَلْنَعْمَلْ مَا فَرَضَهُ اللهُ عَلَينَا، مِنْ حَمْلٍ لِلدَّعْوَةِ، وَمِنْ أمْرٍ بِالمَعْرُوفِ، وَنَهْيٍ عَنِ المُنْكَرِ.
إِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالقُرْآنِ أخْبَرَنَا، وَإِنَّ الرَّسُولَ r بِالسُّنَّةِ بَشَّرَنَا بِأنَّ النَّصْرَ لنَا، وَبِأنَّ المُسْتَقْبَلَ لِأمَّتِنَا، إِنْ نَحْنُ تَمَسَّكْنَا بِدِينِنَا، وَعَمِلْنَا بِمَا فِيهِ مِنْ أحْكَامٍ، قَالَ تَعَالَى: (هُوَ الَّذِي أرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ). وَقَالَ r : «لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الأمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلّا أدْخَلَهُ هَذَا الدِّينَ بِعِزِّ عَزِيزٍ، أوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ بِهِ الكُفْرَ».
العِيدُ مَظْهَرٌ مِنَ المَظَاهِرِ العَامَّةِ عِندَ المُسْلِمِينَ، يَدُلُّ عَلَى وَحْدَتِهِمْ، فَالأصْلُ فِيهِمْ أنْ يَعِيشُوا فِي دَولَةٍ وَاحِدَةٍ، فَيَصُومُونَ رَمَضَانَ فِي يَومٍ وَاحِدٍ، وَيَحتَفِلُونَ بِالعِيدِ فِي يَومٍ وَاحِدٍ لِقَولِهِ r : «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ»، وَهُوَ خِطَاٌب عَامٌّ لِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ، فَإِنْ رَأى مُسْلِمٌ هِلَالَ رَمَضَانَ وَجَبَ الصَّومُ عَلَى جَمِيع المُسْلِمِينَ، وَإِنْ رَأى مُسْلِمٌ هِلَالَ شَوَّالَ وَجَبَ الفِطْرُ عَلَى جَمِيع المُسْلِمِينَ، فَالمُسْلِمُونَ جَمِيعًا إِخْوَةٌ، وَأمَّةٌ وَاحِدَةٌ. أقُولُ قَولِي هَذَا وَأسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ.
تَقَبَّلَ اللهُ مِنَّا وَمِنْكُمُ الطَّاعَاتِ
وَالسَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.
بقلم الأستاذ الشيخ محمد أحمد النادي
]