الخميس، 26 محرّم 1446هـ| 2024/08/01م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول (ح 34) الدليل على وجود الله موجود في كل شيء حولنا

بسم الله الرحمن الرحيم

  

وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول

(ح 34)

الدليل على وجود الله موجود في كل شيء حولنا

 

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:

 

أيها المؤمنون:

 

 

أحبّتنا الكرام:

 

السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا: "وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةِ وَالثلاثين، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "الدليل على وجود الله موجود في كل شيء حولنا".

 

يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "هذا من ناحية نوع أدلة العقيدة الإسلامية. أما من حيث دليل كل واحدة منها فإن الدليل على وجود الله موجود في كل شيء. ذلك أن كون الأشياء المدركة المحسوسة موجودة هو أمر قطعي. وكونها محتاجة إلى غيرها هو أمر قطعي أيضاً. فكونها مخلوقة لخالق أمرٌ قطعي لأن كونها محتاجة يعني أنها مخلوقة، إذ احتياجها يدل على أن قبلها شيء فهي ليست أزلية. ولا يقال هنا إن الشيء محتاج لشيء آخر لا لغير الشيء فالأشياء مكملة لبعضها ولكنها في مجموعها غير محتاجة، لا يقال ذلك؛ لأن البرهان هو عن شيء معين كقلم أو إبريق أو ورقة أو ما شاكل ذلك، فيكون البرهان على أن هذا القلم أو الإبريق أو الورقة، مخلوقة لخالق. فيظهر أنَّ هذا الشيء من حيث هو، محتاج لغيره بغض النظر عن الذي تكون إليه الحاجة موجودة. وهذا الغير الذي احتاجه الشيء هو غيره قطعاً بالمشاهد المحسوس. ومتى احتاج الشيء لغيره ثبت أنه غير أزلي فهو إذن مخلوق.

 

ولا يقال إن الشيء من حيث هو مادة فهو في حاجة إلى مادة فهو محتاج إلى نفسه لا إلى غيره، فهو غير محتاج. لا يقال ذلك لأنه لو سلم أن الشيء مادة ويحتاج إلى مادة فإن هذا الاحتياج من المادة إنما هو احتياج إلى غير المادة لا احتياج لنفسها. ذلك أن المادة لا تستطيع من نفسها أن تكمل احتياج مادة أخرى، بل لا بد من وجود غير المادة حتى يسد الاحتياج، فهي محتاجة إلى غيرها لا إلى نفسها. فمثلاً الماء حتى يتحول إلى بخار يحتاج إلى حرارة. فلو سلَّمنا أن الحرارة مادة والماء مادة فإنه لا يكفي وجود الحرارة من حيث هي حرارة حتى يتحول الماء بل لا بد من نسبة معينة من الحرارة حتى يحصل التحول. فالنسبة المعينة من الحرارة هي المحتاج إليها الماء. وهذه النسبة يفرضها غير الماء وغير الحرارة أي غير المادة، ويجبر المادة على الخضوع لهذه النسبة. وعلى ذلك تكون المادة احتاجت إلى من يُعيِّن لها النسبة فهي محتاجة لغير المادة. فيكون احتياج المادة إلى غيرها أمراً قطعياً فهي محتاجة أي هي مخلوقة لخالق. وعليه فإن الأشياء المدركة المحسوسة مخلوقة لخالق".

 

ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: اللهم اغننا بالعلم، وزينا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى، وجملنا بالعافية.

 

يَا مَن لَهُ عَنَتِ الوُجُوهُ بِأسْرِهَا ... رَغَبــًا وَكُـلُّ الكَائِنَــاتِ تُوَحِّــدُ

 

أنتَ الإلـهُ الواحِـدُ الحَـقُّ الذي ... كــلُّ القلــوبِ لَـهُ تُقِرُّ وَتَشْــهَدُ

 

وصلى الله وسلم وبارك على عين الرحمة وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، سيدنا محـمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

 

إن إثبات وجود الخالق سبحانه وتعالى في غاية البساطة، وفي منتهى اليسر، والسهولة لكل من كان له عقل، أو ألقى السمع، وهو شهيد، وذلك كما قال أجدادنا الأوائل: "اللهُ ما رَأيناهُ، ولكن بالعقلٍ عرفنًاهٌ"، والدليل على وجود الله موجود في كل شيء حولنا، كما قال الأعرابي من أهل البادية قس بن ساعدة الإيادي أشهر خطباء الجاهلية، الذي كان يعيش في الصحراء فرأى بعرة البعير، وأبصر على الطريق آثار أقدام السائرين فقال: «لَيْلٌ دَاج، وَنَهَارٌ سَاج، وَسَماءٌ ذَاتُ أبْرَاجٍ، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا تدل على الواحد القدير؟؟». ولله در الشاعر أبي العتاهية حيث يقول:

 

فيا عجبا كيف يعصى الإله .. أم كيـــف يجحــده الجاحــد

 

ولله فــــي كــــل تحريكـــة .. علينـــا وتسكينـــة شاهـــــد

 

وفــي كــل شــيء له آيــــة .. تـــدل علــى أنـــه واحــــد

 

ولكن هناك أناس لا تعجبهم البساطة، بل يحبون التعقيد في كل شيء، ويعشقون ركوب الصعب، ولا يؤمنون إلا بما هو مادي من الأشياء التي تقع تحت حواسهم، ولهؤلاء نقول: تعالوا بنا نحصر، ونصنِّف الأشياء المدركة المحسوسة الموجود حولنا، ونضعها تحت مسميات ثلاثة أساسية، كل مسمى منها تندرج تحته جميع فروعه التابعة له، فإذا تأملنا تلك الأشياء وجدناها تنحصر في الأشياء الثلاثة الآتية وهي: الكون، والإنسان، والحياة.

 

أولا: الكون: تندرج تحته أجزاؤه: السماوات، وما فيها من النجوم، والكواكب، والمجرات. والأرض وما فيها، وما عليها من جبال، وبحار، وأنهار، وغيرها.

 

ثانيا: الإنسان يندرج تحته كل أصناف البشر على اختلاف أجناسهم، وألوانهم، ولغاتهم.

 

ثالثا: الحياة تندرج تحتها كل الكائنات الحية من الطيور، والأسماك، والكائنات البحرية، والحيوانات، والحشرات، بالإضافة إلى الأشجار وغيرها.

 

ننطلق من هذا التصنيف للأشياء المدركة المحسوسة في إثبات وجود الخالق المدبر لهذا الكون وما فيه من مخلوقات، وإن هذا البحث ليمر في مراحل ثلاثة:

 

المرحلة الأولى: نبحث فيها موضوع الاحتياج.

 

المرحلة الثانية: نبحث فيها موضوع الأزلية

 

المرحلة الثالثة: نبحث فيها موضوع المحدودية.

 

نبدأ الآن إخوة الإيمان ببحث موضوع المرحلة الأولى ألا وهو الاحتياج. نقول وبالله التوفيق: إن كون هذه الأشياء المدركة المحسوسة موجودة هو أمر قطعي. وكونها محتاجة إلى غيرها هو أمر قطعي أيضًا. فمثلا الإنسان والحيوان والنباتات والكائنات الحية عموما كلها محتاجة إلى الماء لتبقى حية، وكونها محتاجة يعني أنها مخلوقة، إذ احتياجها يدل على أن قبلها شيء فهي ليست أزلية.

 

ولسائل أن يسأل: هل يقال هنا إن الشيء محتاج لشيء آخر لا لغير الشيء فالأشياء مكملة لبعضها ولكنها في مجموعها غير محتاجة؟

 

والجواب: لا يقال ذلك؛ لأن البرهان هو عن شيء معين كقلم، أو إبريق، أو ورقة، أو ما شاكل ذلك، فيكون البرهان على أن هذا القلم، أو الإبريق، أو الورقة، مخلوقة لخالق. فيظهر أنَّ هذا الشيء من حيث هو، محتاج لغيره بغض النظر عن الذي تكون إليه الحاجة موجودة.

 

وهذا الغير الذي احتاجه الشيء هو غيره قطعًا بالمشاهد المحسوس. ومتى احتاج الشيء لغيره ثبت أنه غير أزلي؛ فهو إذن مخلوق.

 

ولسائل آخر أن يسأل: هل يقال إن الشيء من حيث هو مادة فهو في حاجة إلى مادة فهو محتاج إلى نفسه لا إلى غيره، فهو غير محتاج؟

 

والجواب: لا يقال ذلك؛ لأنه لو سُلِّم أن الشيء مادة، ويحتاج إلى مادة؛ فإن هذا الاحتياج من المادة إنما هو احتياج إلى غير المادة، لا احتياج لنفسها. ذلك أن المادة لا تستطيع من نفسها أن تكمل احتياج مادة أخرى، بل لا بد من وجود غير المادة حتى يسد الاحتياج، فهي محتاجة إلى غيرها لا إلى نفسها.

 

ولسائل ثالث أن يسأل: هلا أوضحتم احتياج المادة إلى غيرها بمثال؟

 

والجواب: مثلاً الماء حتى يتحول إلى بخار يحتاج إلى حرارة، فلو سلَّمنا أن الحرارة مادة، والماء مادة؛ فإنه لا يكفي وجود الحرارة من حيث هي حرارة حتى يتحول الماء إلى بخار، بل لا بد من نسبة معينة من الحرارة حتى يحصل التحول. فالنسبة المعينة من الحرارة هي المحتاج إليها الماء. وهذه النسبة يفرضها غير الماء، وغير الحرارة أي غير المادة، ويجبر المادة على الخضوع لهذه النسبة، وعلى ذلك تكون المادة احتاجت إلى من يُعيِّن لها النسبة فهي محتاجة لغير المادة.

 

والسؤال الأخير: ماذا يعني احتياج المادة إلى غير المادة؟

 

والجواب: إن احتياج المادة إلى غيرها أمر قطعي، ومعنى احتياجها إلى غيرها أي أنها مخلوقة لخالق، وعليه فإن الأشياء المدركة المحسوسة مخلوقة لخالق.

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

 

 

إعداد الأستاذ محمد أحمد النادي

آخر تعديل علىالجمعة, 28 نيسان/ابريل 2023

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع