مختصر السيرة النبوية العطرة

ح 32

كفالة عبد المطلب للنبي ﷺ

 

 

رجع الصبي المضاعف يُتمه إلى جده بعد وفاة أمه آمنة. تقول بركة: لما رجعتُ إلى مكة، وأنا أحتضن محمَّدًا، نظر إلينا عبد المطلب، بعد أن علِم بوفاة آمنة، فاحتضن الصبي، وبكى ثم أخذنا، وأسكننا في داره. يقول العباس رضي الله عنه عم النبيﷺ: فَرَقَّ له رقة لم نعهدها من قبل، وَصَبَّ به صَبَابةً لم يُصِبَّهَا بولد من أبنائه!! فقد أصبح النبي ﷺ عند جده عبد المطلب كل شيء في حياته تعلق به كثيرًا، فكان إذا وضع الطعام لا يقربه، إلا إذا جاء محمَّدٌ، ووضعه في حجره، وأعطاه أفضل طعامه.

 

يقول العباس رضي الله عنه: "كان لعبد المطلب سيد مكة فِراش يجلس عليه في حجر الكعبة، وأبناؤه حوله، فيأتي رسول الله ﷺ، وهو غلام في السابعة من عمره فيجلس، فيذهب أعمامه يُبعدونه!!

 

 فيقول عبد المطلب: "دعوا ابني، فو الله إن له لشأنًا!!"، ثم يجلسه عليه، ويمسح ظهره. وما زال النبي ﷺ بكفالة جده عبد المطلب يرعاه خير رعاية، ويعزه، ويقدمه على أعمامه، حتى بلغ ﷺ سن الثامنة من عمره، مرض عبد المطلب، وشعر بدنو أجله، فوكّل عبد المطلب كفالة محمَّد إلى أبي طالب!! أبو طالب، وعبد الله والد النبي ﷺ إخوة من أب، وأم واحدة، ثم خرجت روحه، وهو ينظر إلى الصبي اليتيم الذي كان يبلغ من العمر ثماني سنوات. هنا أدرك النبي ﷺ أن جده منبع الحنان بعد أمه قد مات!!

 

تقول بركة: فبكى الصبي بكاءً مُرًا، وأنا أنظر إلى محمَّد يقف عند سرير جده، يصب دمعًا غزيرًا؛ فما استطعنا أن نبعده عنه. ثم دُفِن عبد المطلب في الحجون. وهي مقبرة معروفة بمكة لحد الآن. وانتقل ﷺ إلى كفالة عمه أبي طالب. إن كان أحدنا يتحدث عن عدم الاستقرار في حياته، فنبيناﷺ أشد من عاش شتاتاً في مرحلة طفولته إلى شبابه حتى موته، لم ينعم بالاستقرار أبداً، وكأنّ الله يُخبرنا أن الدنيا دار ابتلاء وعمل.... والآخرة هي دار الاستقرار سأجاهد فيك يا دنيا. سأعمل وسأحاول. سأعمر دار آخرتي. سأستقر في جنةٍ عرضها السموات والأرض أعنا يا رب.. نتابع في الحلقة القادمة إن شاء الله.

 

وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا، وَحَبِيبِنَا، وَعَظِيمِنَا، وَقَائِدِنَا، وَقُدْوَتِنَا، وَقُرَّةِ أَعْيُنِنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالسَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير الأستاذ محمد النادي