الأحد، 22 محرّم 1446هـ| 2024/07/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول (ح 36) الخالق لا يكون محدودًا

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول

(ح 36)

الخالق لا يكون محدودًا

 

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:

 

أيها المؤمنون:

 

 

أحبّتنا الكرام :

 

السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ السادسة والثلاثين، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "الخالق لا يكون محدودًا".

 

يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "فوجود الله أمر محسوس ومدرك عن طريق الحس لأن الأشياء المدركة المحسوسة قد دل احتياجها إلى الأزلي، على وجود الخالق. والإنسان كلما أمعن النظر في مخلوقات الله واتصل بالكون وحاول الإحاطة بالزمان والمكان، رأى نفسه أنه ذرة صغيرة جداً بالنسبة لهذه العوالم المتحركة. ورأى أن هذه العوالم المتعددة تجري كلها على سنن معينة وقوانين ثابتة، وبهذا يُدرك تمام الإدراك وجود هذا الخالق ويدرك وحدانيته وتتجلى له عظمته وقدرته، ويدرك أن ما يراه من اختلاف الليل والنهار، ومن تصريف الرياح، ومن وجود البحار والأنهار والأفلاك إن هو إلا دلائل عقلية وبيّنات ناطقة على وجود الله. وعلى وحدانيته وقدرته.

 

قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). ‎﴿البقرة ١٦٤﴾‏ وقال تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ‎﴿٣٥﴾‏ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ). ‎﴿ الطور ٣٦﴾‏ فالعقل هو الذي يدرك وجود الله وهو الذي يُتخذ طريقة للإيمان. لذلك أوجب الإسلام استعمال العقل وجعله الحكم في الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى. ومن هنا كان الدليل على وجود الله دليلاً عقلياً".

 

ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: اللهم اغننا بالعلم، وزينا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى، وجملنا بالعافية.

 

يَا مَن لَهُ عَنَتِ الوُجُوهُ بِأسْرِهَا ... رَغَبــًا وَكُـلُّ الكَائِنَــاتِ تُوَحِّــدُ

 

أنتَ الإلـهُ الواحِـدُ الحَـقُّ الذي ... كــلُّ القلــوبِ لَـهُ تُقِرُّ وَتَشْــهَدُ

 

وصلى الله وسلم وبارك على عين الرحمة وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، سيدنا محـمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

 

لقد بحثنا موضوع المرحلة الأولى من مراحل إثبات وجود الخالق، وهو "الاحتياج"، وبحثنا موضوع المرحلة الثانية، ألا وهو "الأزلية".

 

نواصل الآن إخوة الإيمان بحث موضوع المرحلة الثالثة والأخيرة من مراحل إثبات وجود الخالق باستخدام التفكير العقلي المستنير، ألا وهي مرحلة "المحدودية"، نقول وبالله التوفيق: إن موضوع "المحدودية" تم بحثه بإسهاب في كتاب: "نقض الاشتراكية الماركسية" للشيخ تقي الدين النبهاني. ومنه تم اقتباس هذه المادة بتصرف: إن الأشياء التي يدركها العقل هي الإنسان، والحياة، والكون، هذه الأشياء الثلاثة كلها محدودة، فهي مخلوقة. الإنسان في طاقاته، وقدراته، وبنيته الجسدية محدود، لأنه ينمو في كل شيء إلى حد ما لا يتجاوزه فهو محدود: عمره محدود له بداية وله نهاية، يبدأ جنينا في بطن أمه، يعيش أجلًا محددًا، وتنتهي حياته بالموت، ينمو جسمه إلى حد معين، يصل طوله إلى حد ما يقف عنده، وسمعه محدود، يسمع الأصوات إلى حد معين، ثم ينقطع سمعه بعد ذلك الحد، ويبصر الأشياء على مد بصره إلى حد معين، ثم ينقلب إليه بصره وهو حسير، لا يكاد يرى بعد ذلك الحد شيئًا. يستطيع حمل الأثقال إلى حد معين لا يتجاوزه، وإذا تجاوزه قصمت ظهره القشة التي قصمت ظهر البعير، وقدراته العقلية محدودة يستطيع استيعاب، وتلقي الأفكار والمفاهيم إلى حد معين، ثم يتوقف استيعابه، يقول لك: لا طاقة ولا قدرة لي على الاستيعاب، وصبره على تحمل الشدائد محدود، يتحملها إلى قدر معين، ثم يقول لك: للصبر حدود، لقد طفح الكيل، وبلغ السيل الزبا؛ ولأن الإنسان جنس متمثل في كل فرد من أفراده. فكل فرد إنسان، ولا يوجد أي فرق بين فرد وفرد في الخواص الإنسانية، فما يصدق على فرد من الإنسان يصدق على الآخر. فالجنس ينطبق عليه كله ما ينطبق على كل فرد من أفراده، وأبسط ما يشاهد أن الفرد يموت، وأن الإنسان يموت، فجنس الإنسان قطعًا يموت. وهذا يعني أن هذا الجنس محدود قطعًا. ومجرد التسليم بأن الإنسان يموت معناه التسليم بأن الإنسان محدود. والحياة محدودة لأن مظهرها فردي فقط، والمشاهد بالحس أنها تنتهي في الفرد فهي محدودة. إذ الحياة في الإنسان هي عين الحياة في الحيوان، وهي ليست خارج هذا الفرد بل فيه، وهي شيء يُحَسُّ وإن كان لا يلمس، ويفرق بالحسِّ بين الحي والميت. فهذا الشيء المحسوس، والذي هو موجود في الكائن الحي، والذي من مظاهره النمو والحركة. وهو في كل فرد من أفراد الأحياء كالفرد الآخر سواء بسواء. فهو جنس متمثل بأفراد كالإنسان، وما دامت تنتهي هذه الحياة في الفرد الواحد فمعناه أن جنس الحياة ينتهي، فهي محدودة.

 

والكون محدود، لأنه مجموع أجرام، وكل جرم منها محدود، ومجموع المحدودات محدود بداهة. وذلك لأن كل جرم منها له أول وله آخر، فمهما تعددت هذه الأجرام فإنها تظل تنتهي بمحدود. فالمحدودية ليست بعدد الأجرام، بل هي بكون لها أول ولها آخر، بل تثبت بمجرد وجود الأول، فالكون محدود، وعلى ذلك فالإنسان، والحياة، والكون محدودة قطعًا. وحين ننظر إلى المحدود نجده ليس أزليًا، وإلا لما كان محدودًا، لأن هذا المدرك المحسوس إما أن يكون له أول فيكون ليس أزليًا، وإما أن يكون لا أول له فيكون أزليًا. وثبت أن المحدود له أول فلا يكون أزليًا، لأن مدلول الأزلي أن لا أول له. وما لا أول له لا آخر له قطعًا، لأن وجود آخر يقتضي وجود أول، لأن مجرد البدء لا يكون إلا من نقطة، وهذا يعني أن النهاية لا بد منها ما دام قد حصل البدء من نقطة، سواء أكان ذلك في الزمان، أم المكان، أم الأشياء أم غير ذلك. فمدلول الأزلي أنه لا أول له، ولا آخر له، فهو غير محدود. فالمحدود ليس أزليًا. فكون الكون، والحياة، والإنسان محدودة معناه ليست أزلية، وإلا لما كانت محدودة. وما دامت ليست أزلية فهي مخلوقة لغيرها. فالكون، والإنسان، والحياة لا بد أن تكون مخلوقة لغيرها. وهذا الغير هو خالقها، أي هو خالق الكون، والحياة، والإنسان. وعليه فإن العالم مخلوق لخالق، مخلوق للأزلي، مخلوق لله تعالى. فالعالم لا يتطور من ذاته تبعًا لقوانين حركة المادة بل هو محتاج قطعًا، وهو محدود قطعًا، وهو ليس بأزلي قطعًا، فهو إذن مخلوق للأزلي. وهذا الأزلي هو مدلول كلمة الله، أي هو الله تعالى. والحاصل أن صفات الخالق مناقضة تماما لصفات المخلوق. فصفات المخلوق أربعة وهي أنه: عاجز، وناقص، ومحتاج، ومحدود! وصفات الخالق سبحانه أنه: قادر، وكامل، وغني، وأزلي! إخوة الإيمان: إن وجود الله أمر محسوس ومدرك عن طريق الحس؛ لأن الأشياء المدركة المحسوسة قد دل احتياجها إلى الأزلي، على وجود الخالق. والإنسان كلما أمعن النظر في مخلوقات الله، واتصل بالكون، وحاول الإحاطة بالزمان والمكان، رأى نفسه أنه ذرة صغيرة جدًا بالنسبة لهذه العوالم المتحركة. ورأى أن هذه العوالم المتعددة تجري كلها على سنن معينة، وقوانين ثابتة، وبهذا يُدرك تمام الإدراك وجود هذا الخالق، ويدرك وحدانيته، وتتجلى له عظمته وقدرته، ويدرك أن ما يراه من اختلاف الليل والنهار، ومن تصريف الرياح، ومن وجود البحار، والأنهار، والأفلاك، إن هو إلا دلائل عقلية، وبيّنات ناطقة على وجود الله. وعلى وحدانيته وقدرته.

 

إن قول الشيخ النبهاني - رحمه الله - يذكرني بقول ذلك الكاتب الشيوعي داود عبد العفو سنقرط الذي كان منكرًا لوجود الله، ثم بعد أن فكر تفكيرًا مستنيرًا هداه الله للإيمان فكتب كتيبا بعنوان: "سبيلي إلى الله" ذكر فيه أنه ذات ليلة بعد أن قرأ كتابًا عن الكون والفلك بعنوان: "الكون الأحدب". ووجد فيه أرقامًا فلكية لا يستطيع عقله استيعابها عن المسافات الهائلة التي تبعد بها الكواكب والنجوم عن بعضها مما يدل على سعة الكون. لقد قرأ ذلك الكتاب، وفي المساء انقطع التيار الكهربائي عن المدينة التي يسكن فيها من مدن دويلة الكويت، وكان الجو شديد الحر، ففر منه إلى سطح منزله حاملا معه فراشه، وهناك استلقى على ظهره ووضع رأسه على وسادته، وتوجه بناظرية إلى السماء، وأخذ يتأمل في الكواكب والنجوم والمجرات التي قرأ عنها في النهار، وصار يحاور نفسه مقارنًا حجم جسمه بحجم الكون. بادئا من بيته الذي يسكن فيه فقال: ماذا أكون بالنسبة للبيت الذي أسكنه؟ ماذا أكون بالنسبة للحي؟ ماذا أكون بالنسبة للمدينة؟ ثم أخذ يوسع دائرة تخيله شيئًا فشيئًا، ماذا أكون بالنسبة لدولة الكويت؟ ماذا أكون بالنسبة للوطن العربي؟ ماذا أكون بالنسبة للقارة؟ ماذا أكون بالنسبة للكرة الأرضية؟ ماذا أكون بالنسبة للمجرة؟ ولدرب التبانة؟ للكون كله؟ إلى أن قال مستنكرًا فعله في طلب الدليل: أية دودة هذه التي تحتاج إلى برهان على وجود الخالق المدبر؟ قال تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). ‎(البقرة ١٦٤) وقال تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥‎)‏ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ). ‎(الطور٣٦) فالعقل هو الذي يدرك وجود الله وهو الذي يُتخذ طريقة للإيمان. لذلك أوجب الإسلام استعمال العقل وجعله الحكم في الإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى. ومن هنا كان الدليل على وجود الله دليلاً عقليًا.

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم ، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

آخر تعديل علىالإثنين, 01 أيار/مايو 2023

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع