الإثنين، 23 محرّم 1446هـ| 2024/07/29م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول  (ح 41)  الدليل على الإيمان بالملائكة والكتب السماوية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول

(ح 41)

الدليل على الإيمان بالملائكة والكتب السماوية

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:

 

أيها المؤمنون:

 

مستمعينا الكرام مستمعي إذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير:

 

السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا:"وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ الواحدة والأربعين، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "الدليل على الإيمان بالملائكة والكتب السماوية". يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "وأما الدليل على الإيمان بالملائكة فهو نقلي قال الله تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). ‎(آل عمران ١٨) وقال: (وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ). (البقرة  177) وقال: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ). ‎(البقرة ٢٨٥) وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا).  ‎(النساء ١٣٦) 

 

وأما الدليل على الإيمان بالكتب فإنه يختلف بالنسبة للقرآن عنه بالنسبة لباقي الكتب السماوية". ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: اللهم اغننا بالعلم، وزينا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى، وجملنا بالعافية.

 

يَا مَن لَهُ عَنَتِ الوُجُوهُ بِأسْرِهَا ... رَغَبــًا وَكُـلُّ الكَائِنَــاتِ تُوَحِّــدُ

أنتَ الإلـهُ الواحِـدُ الحَـقُّ الذي ... كــلُّ القلــوبِ لَـهُ تُقِرُّ وَتَشْــهَدُ

 

وصلى الله وسلم وبارك على عين الرحمة وينبوع الحكمة، وآية الرسالة، ونور الأبصار والبصائر، سيدنا محـمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

 

ذكر الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله - الأدلة النقلية على الإيمان بالملائكة، وبالرسل، وبالكتب السماوية، وهي آيات بينات في كتاب الله، وقال عن دليل الإيمان بأن القرآن من عند الله: "أما دليل أن القرآن من عند الله وأنه كلام الله فهو دليل عقلي؛ لأن القرآن واقع محسوس ويمكن للعقل أن يدرك كونه من عند الله". ثم شرع الشيخ تقي الدين النبهاني في إثبات أن القرآن من عند الله بالأدلة العقلية، فسار فيه حسب الخطوات الآتية:

 

أولا: ذكر أنَّ القرآن كلام عربي في ألفاظه وجمله. وقال: إنَّ العرب قد نطقوا بكلام. منه الشعر بأنواعه، ومنه النثر بأنواعه، وكلامهم محفوظ في الكتب ومنقول عنهم استظهارًا، نقله الخلف عن السلف، ورواه بعضهم عن بعض.

ثانيًا: وضع احتمالات ثلاثة لمن قال هذا القرآن، ثم بدأ يناقش هذه الاحتمالات يستبعد منها ما لا يقبله العقل السليم، ويبقي ما يقبله ويتفق معه، فقال: "فهو - أي القرآن - إما أن يكون من طراز كلامهم من حيث هو، فيكون قد قاله عربي بليغ، وإما أن يكون من غير طراز كلامهم فيكون الذي قاله غير العرب".

 

ثالثا: وضع الشيخ - رحمه الله - احتمالين آخرين، وهما: أن القرآن إما أن يقدر العرب أن يقولوا مثله، وإما أن يعجزوا عن أن يقولوا مثله، مع أنه كلام عربي.

 

رابعا: بيَّن الشيخ - رحمه الله - النتيجة المترتبة على كل احتمال من هذين الاحتمالين:

 

  1. فإن قالوا مثله، فقد استطاعوا أن يأتوا بمثله، فيكون كلام بشر مثله.
  2. وإن عجزوا عن الإتيان بمثله مع أنه كلام عربي وهم فصحاء العرب وبلغاؤهم، لم يكن كلام بشر.

 

خامسا: ذكر الشيخ - رحمه الله - أن الناظر في القرآن وفي كلام العرب يجد أن القرآن طراز خاص من القول لم يسبق للعرب أن قالوا مثل هذا الطراز، ولا أتوا من هذا النمط من القول في شيء، لا قبل نزول القرآن ولا بعد نزوله، حتى ولا تقليدًا له، ومحاكاة لأسلوبه، فدَّل ذلك على أن العرب لم يقولوا هذا القول فهو كلام غيرهم.

 

سادسا: ثم قال الشيخ - رحمه الله -: وقد ثبت بالتواتر الذي يفيد القطع واليقين أن العرب عجزوا عن أن يأتوا بمثل القرآن من القول مع تحدي القرآن لهم. فقد قال لهم القرآن: (أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لا يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ). (الطور34) وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا). (الإسراء 88) فَعَجِزُوا عَنِ الإِتيَانِ بِمِثلِهِ. وَلمَّا كَبَّلَهُمُ العَجزُ عَنْ هَذَا، فَلَمْ يَفعَلُوا مَا تَحَدَّاهُم بِهِ، جَاءَهُمْ بِتَخفِيفِ التَّحَدِّي، فَتَحَدَّاهُمْ أَنْ يَأْتُوا بِعَشرِ سُوَرٍ، فَقَالَ تَعَالَى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ). (هود13-14) ثُمَّ أَرخَى لَهُم حَبلَ التَّحَدِّي، وَوَسَّعَ لَهم غَايَةَ التَّوسِعَةَ فَتحَدَّاهُم أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ وَاحِدَةٍ، أَيِّ سُورَةٍ، وَلَو مِنْ قِصَارِ السُّوَرِ، فَقَالَ تَعَالَى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ). (يونس 38)

 

سابعا: ذكر الشيخ - رحمه الله - أنه بالرغم من هذا التحدي الصارخ فإنهم عجزوا عن أن يأتوا بمثله. وإذا ثبت أن القرآن لم يقله العرب ولم يستطيعوا أن يأتوا بمثله فقد ثبت أن القرآن من عند الله، وأنه كلام الله.

 

ثامنا: استنتج الشيخ - رحمه الله - استنتاجًا رائعًا، ودقيقـًا غاية الدقة ألا وهو أنه يستحيل أن يقولَ القرآنَ غيرُ العرب لأنه كلام عربي ولأنه أعجز العرب. ولا يقال أنه كلام محمًّد لأن محمَّدًا عربي ومن العرب. فإذا ثبت العجز على جنس العرب فقد ثبت العجز عليه لأنه من العرب.

 

تاسعا: أضاف الشيخ- رحمه الله - دليلا عقليا آخر على إثبات أن القرآن من عند الله تعالى فقال: "على أن طراز التعبير من حيث الألفاظ والجمل يخضع له كل إنسان حسب ما هو متعارف عليه في عصره أو ما روي عن كلام السابقين له. وهو حين يجدد في التعبير إنّما يجدد في استعمال الألفاظ والتعابير لمعانٍ جديدة أو خيال جديد، ويستحيل أن ينطق بما لم يسبق أن أحسه".

 

عاشرا: ذكر الشيخ - رحمه الله - أن المشاهدَ في طراز القرآن أن التعبير فيه من حيث الألفاظ والجمل لم يكن معروفـًا في عصر الرسول، ولا من قبله لدى العرب. فيستحيل عليه كبشر أن ينطق بشيء لم يسبق أن وقع عليه حسه، لاستحالة ذلك عقلاً، فيستحيل أن يكون طراز التعبير القرآني من حيث الألفاظ والجمل صادرًا من محمَّد ما دام لم يسبق لحسه أن وقع عليه، فيكون القرآن كلام الله وقد أتى به محمَّد من عند الله. وذلك ثابت بالدليل العقلي حين نزل القرآن، وثابت بالدليل العقلي الآن، لأنه لا يزال معجزًا للبشر عن أن يأتوا بمثله، ولا يزال هذا الإعجاز ثابتـًا بالحس مُدركـًا إدراكـًا حسيًا للعالمين.

 

حادي عشر: يؤكد الشيخ - رحمه - في ختام البحث أن القرآن من عند الله فنراه يحصر من قال القرآن في احتمالات ثلاثة يستبعد منها ما تستحيل عقلا، ويبقى الاحتمال المعقول والمقبول فيقول: "والحاصل أن القرآن إما أن يكون من العرب أو من محمَّد أو من الله لأنه كله عربي ولا يمكن أن يأتي من غير واحد من هذه الثلاث".

 

  1. أما أنه من العرب فباطل لأنهم عجزوا عن الإتيان بمثله، واقروا بعجزهم. وكان واقعهم حتى اليوم العجز عن الإتيان بمثله، فدل على أنه ليس من العرب، فيكون إما من محمَّد وإما من الله.
  2. أما أنه من محمَّد فباطل لأن محمدًا واحد من العرب ومهما سما العبقري لا يمكن أن يخرج عن عصره؛ فإذا عجز العرب عجز محمَّد وهو واحد منهم.
  3. على أنه روي عن محمَّد حديث بطريق التواتر مثل قوله r: «من كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار». أخرجه البخاري ومسلم، وإذا قورن كلام محمَّد مع كلام الله في القرآن لرأينا أنه لا يوجد أي تشابه بين الكلامين، فدل على أن القرآن ليس كلام محمَّد فثبت أنه كلام الله.

 

ثاني عشر: ثم تشرق في عقل الشيخ - رحمه الله - فكرة جديدة، وينقدح في ذهنه دليل عقلي آخر يثبت أن القرآن من عند الله، وهو أن جميع الشعراء والكتاب، والفلاسفة، والمفكرين من بني الإنسان في العالم يبدءون بأسلوب فيه بعض الضعف، ويأخذ أسلوبهم في الارتفاع إلى أن يصلوا إلى ذروة قدرتهم. ولذلك يكون أسلوبهم مختلفـًا قوة وضعفـًا، فضلًا عن وجود بعض الأفكار السخيفة، والتعابير الركيكة في كلامهم، في حين نجد أن القرآن من أول يوم نزلت فيه أول آية وهي قوله تعالى:

 

(بسم الله الرحمن الرحيم اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ‎(١) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ‎(٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ‎(٣)‏ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ‎(٤) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ). ‎(العلق ٥) إلى آخر آية نزلت وهي قوله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ‎).(البقرة ٢٨١) أسلوبه هو هو في الذروة من البلاغة والفصاحة وعلو الأفكار وقوة التعبيرات، لا تجد فيه تعبيرًا واحدًا ركيكـًا ولا فكرًا واحدًا سخيفـًا، بل هو قطعة واحدة، وكله في الأسلوب جملة وتفصيلا كالجملة الواحدة، مما يدل على أنه ليس كلام البشر المعرَّض للاختلاف في التعبيرات والمعاني، وإنما هو كلام رب العالمين".

 

أيها المؤمنون:

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

 

إعداد الأستاذ محمد أحمد النادي

 

 

 

آخر تعديل علىالأربعاء, 10 أيار/مايو 2023

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع