مختصر السيرة النبوية العطرة

ح 67

إسلام سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه

 لما أصبح أبو جهل سخرية في أندية قريش، وأخذ ينتشر بينهم أن أبا الحكم يخاف من محمَّد، اغتاظ أبو جهل وأراد أن يحفظ بعضًا من كرامته أمام قريش، وأن ينتقم من النبي ﷺ. فرأى النبي ﷺ جالسًا على الصفا يذكر ربه، فجاء إليه أبو جهل وهو منفرد لوحده فأخذ يسبه ويشتمه، والنبي ﷺ لا يرد عليه. ثم انصرف أبو جهل، وكان هناك امرأة تجلس على شرفة منزلها مطلة على الصفا، وكانت مسلمة وتكتم إسلامها، فسمعت الحديث، فوقفت عند الكعبة تنتظر من سيأتي من بني هاشم من أجل أن تخبره بما حدث. وإذا بالمقبل حمزة بن عبد المطلب عم الرسول ﷺ لم يكن قد أسلم. فمن هو حمزة بن عبد المطلب؟؟ حمزة أقوى رجل في قريش، في ذلك الوقت، كان عمره سبعة وأربعين عامًا، ونحن الآن في السنة الخامسة للبعثة، حمزة أسن من رسول الله بعامين اثنين، وهو عم النبي ﷺ، وأخوه في الرضاعة، وهو رفيق طفولة النبي ﷺ والرسول يحبه حبًا كبيرًا، كان حمزة ضخم الجثة، وقد وصف وهو يقاتل في أحُد بعد ذلك بأنه كالجمل الضخم يهد المشركين بسيفه هداً!! كانت هوايته الصيد والقنص، وقد أكسبه هذا مهارة كبيرة في الفروسية والرمي، وكان يخرج كثيرًا في رحلات للصيد والقنص، وكان مولعًا بصيد الأسود، وكان يغيب أيامًا وليالي، مبتعدًا عن مكة ومشاكلها.

أقبل حمزة، ولما اقترب من الكعبة استقبلته المرأة المسلمة بوجه يجعل الحجر يغلي، قال لها حمزة: ما الأمر؟ قالت: وآ ذُلاه.. يا بني عبد مناف، أين أنتم يا بني عبد المطلب قال لها: ما الأمر؟ قالت له: لو كنت حاضرًا، وسمعت أبا جهل، وهو ينال من ابن أخيك محمَّد وهو خير قريش قال: وماذا قال له محمَّد؟ قالت: لم يرد عليه بشيء، فهو الصادق الأمين. توجه حمزة مباشرة إلى أندية قريش، وأخذ الرمح من على عاتقه وأمسك به في يده، ودخل المجلس الذي يجلس فيه أبو جهل وقبل أن يلقي التحية، رفع الرمح وضربه على رأس أبي جهل.. فشجّه شَجّة منكرة، وثار الدم من رأسه، ونفر على من حوله ثم قال: يا أبا جهل، لم يقل: يا أبا الحكم، أتشتم محمَّدًا، وأنا على دينه أقول ما يقول؟؟ ثم نظر إلى الجالسين حول أبي جهل والغضب في عينيه ألا يواجهني منكم أحد؟ فانسل القوم انسلالًا، وأخذ أبو جهل يمسح الدم من على رأسه ويقول: لا عليك يا حمزة، أنا الذي نلت من ابن أخيك، أنا البادئ.!! يقول حمزة رضي الله عنه وأرضاه: ثم جلست أفكر ما هذا الذي فعلته؟؟ هل أنا أصبحت على دين محمَّد؟؟ ما هو دين محمَّد؟؟ فقلت: يا خالق السماوات والأرض، يا رب إبراهيم، يا رب البرية، هل أنا أخطأت أم أصبت، إن كان دين محمَّد على حق فاشرح صدري له قال: ونمت وأنا على هذا الحال حتى إذا أصبح الصباح مضيت إلى رسول الله، وقلت: يا ابن أخي أنت تعلم ما وقع مني بالأمس، وأنا في حيرة، لقد قلت: أنا على دينك، اقرأ علي شيئاً من الذي أنزل عليك فإني أحب أن أسمع منك.. فقرأ ﷺ عليه القرآن.. فلما انتهى قال: أيّ والذي بعثك بالحق، إنه لحق أشهد أنك لصادق، فو الله ما أُحب أن لي ما أظلته السماء وأني على ديني الأول. أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فأسلم أسد الله ورسوله سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وأرضاه صلوا على من جعل الله عز وجل أمتَهُ خيرَ الأمَم. وَصَلَّى اللهُ عَلَى نَبِيِّنَا، وَحَبِيبِنَا، وَعَظِيمِنَا، وَقَائِدِنَا، وَقُدْوَتِنَا، وَقُرَّةِ أَعْيُنِنَا سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَالسَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ.

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير الأستاذ محمد النادي