الأحد، 22 محرّم 1446هـ| 2024/07/28م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول (ح 60)  عاملان اثنان حملا بعض المسلمين على تعلم الأفكار الفلسفية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول

 (ح 60) 

 عاملان اثنان حملا بعض المسلمين على تعلم الأفكار الفلسفية

 

 

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين، واجعلنا معهم، واحشرنا في زمرتهم برحمتك يا أرحم الراحمين. أما بعد:

 

أيها المؤمنون:

 

 

أحبّتنا الكرام:

 

السَّلَامُ عَلَيكُمْ وَرَحْـمَةُ اللهِ وبركاتُه، وَبَعْد: نُواصِلُ مَعَكُمْ حَلْقَاتِ كِتَابِنَا: "وقفات تأملية مع كتاب الشخصية الإسلامية - الجزء الأول". وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةِ وَالخَمسين، وَهِيَ بِعُنْوَانِ: "عاملان اثنان حملا بعض المسلمين على تعلم الأفكار الفلسفية".

 

يقول الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله -: "وقد بررَّ لهم هذا التعلم ودفعهم إليه فوق حرصهم على حمل الدعوة والرد على مخالفيهم عاملان اثنان هما:

 

أولًا: - إن القرآن الكريم بجانب دعوته إلى التوحيد والنبوة، عرض لأهم الفرق والأديان التي كانت منتشرة في عهد النبي r ، فرد عليهم ونقض قولهم. فقد عرض للشرك بجميع أنواعه ورد عليه. فمن المشركين من ألّه الكواكب واتخذها شريكة لله فردَّ عليهم. ومنهم من قالوا بعبادة الأوثان وأشركوها مع الله فردَّ عليهم. ومنهم من أنكر النبوات فردَّ عليهم، ومنهم من أنكر نبوة محمد فرد عليه، ومنهم من أنكر الحشر والنشر فردَّ عليه. ومنهم من ألّه عيسى عليه السلام أو جعله ابن الله فرد عليه. ولم يكتف بذلك بل أمر الرسول r بمجادلتهم: (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). (النحل125) (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). (العنكبوت 46) 

 

وقد كانت حياة الرسول حياة صراع فكري مع الكفار جميعًا من مشركين وأهل كتاب، ورويت عنه الحوادث الكثيرة في مكة والمدينة وهو يناقش الكفار ويجادلهم أفرادًا وجماعاتٍ ووفودًا. فهذا الصراع الفكري البارز في آيات القرآن وفي أحاديث الرسول وأعماله يقرؤه المسلمون ويسمعونه ولذلك كان طبيعيًا أن يناقشوا أهل الأديان الأخرى، وأن يدخلوا معهم في صراع فكري، وأن يجادلوهم. فأحكام دينهم تدعوهم إلى هذا الجدال، وطبيعة الدعوة الإسلامية وهي تصطدم مع الكفر لا يمكن إلا أن يحصل بينها وبين الكفر صراع ونقاش وجدال. أما الذي جعل الصراع يأخذ ناحيته العقلية، فإن القرآن نفسه دعا إلى استعمال العقل، وجاء بالأدلة العقلية والبراهين الحسية، والدعوة إلى عقيدته إنما تعتمد على العقل لا على النقل فكان من الحتمي أن يأخذ الجدال والصراع الناحية العقلية ويتسم بطابعها.

 

ثانيًا: - قد تسربت مسائل فلسفية لاهوتية من نصارى النساطرة وأمثالهم وعُرف منطق أرسطو بين المسلمين، واطلع بعض المسلمين على بعض كتب الفلسفة، وترجمت كتب كثيرة من اليونانية إلى السريانية ثم إلى العربية، ثم صارت الترجمة من اليونانية إلى العربية. فكان هذا مساعدًا على وجود الأفكار الفلسفية. وكانت بعض الأديان الأخرى وخاصة اليهودية والنصرانية قد تسلحت بالفلسفة اليونانية، وأدخلت للبلاد الأفكار الفلسفية، فكان ذلك كله موجدًا أفكارًا فلسفية حملت المسلمين على دراستها". 

 

ونقول راجين من الله عفوه ومغفرته ورضوانه وجنته: اشتملت هاتان الفقرتان على الأفكار الآتية:

 

برر للمسلمين الأوائل تعلم بعض الأفكار الفلسفية عاملان اثنان:

 

العامل الأول: هو أن القرآن الكريم بجانب دعوته إلى التوحيد والنبوة، عرض لأهم الفرق والأديان التي كانت منتشرة في عهد النبي r، فرد عليهم ونقض قولهم، ومن هذه الأديان والفرق ما سنأتي على ذكره:

 

أولا: لقد عرض القرآن للشرك بجميع أنواعه ورد عليه:

 

  1. فمن المشركين من ألّه الكواكب، واتخذها شريكة لله؛ فردَّ عليهم. قال ربنا سبحانه: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ). (الأنعام 75- 79) 
  2. ومنهم من قالوا بعبادة الأوثان، وأشركوها مع الله فردَّ عليهم. قال ربنا سبحانه: (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) . (الأعراف 138) وقال جل من قائل: (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا). (مريم 42) وقال سبحانه: (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ۚ إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ ۖ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ). (العنكبوت 17) 

 

ثانيا: ومن الفرق التي عرض لها القرآن:

 

  1. فرقة من أنكر النبوات فردَّ عليهم. قال الله تعالى: (لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ). (المائدة 70) 
  2. وفرقة من أنكر نبوة محمد فرد عليه. قال الله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ). (الرعد 43) 
  3. وفرقة منكري الحشر والنشر فردَّ عليه. قال جل وعلا: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ). (سبأ 3) وقال تعالى: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ). (التغابن 7) 
  4. وفرقة من ألّه عيسى عليه السلام، فرد عليه، قال سبحانه في سورة المائدة: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ). (المائدة 116، 117) 
  5. وفرقة من جعل عيسى عليه السلام ابن الله تعالى، فرد عليه. قال تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا ‎لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا ‏وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَٰنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَٰنِ عَبْدًا ‎لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا). (مريم 88 - 95) 
  6. لم يكتف القرآن بالرد على تلك الفرق، بل أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمجادلة أهل الكتاب، فقال تعالى: (وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). (النحل125)  وقال تعالى: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). (العنكبوت46) 

 

ثالثا: وقد كانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم حياة صراع فكري مع الكفار جميعًا من مشركين وأهل كتاب، ورويت عنه الحوادث الكثيرة في مكة والمدينة وهو يناقش الكفار ويجادلهم أفراداً، وجماعات ووفودا.

 

رابعاً: هذا الصراع الفكري البارز في آيات القرآن وفي أحاديث الرسول وأعماله يقرؤه المسلمون ويسمعونه، ولذلك كان طبيعيًا أن يناقشوا أهل الأديان الأخرى، وأن يدخلوا معهم في صراع فكري، وأن يجادلوهم. فأحكام دينهم تدعوهم إلى هذا الجدال، وطبيعة الدعوة الإسلامية وهي تصطدم مع الكفر لا يمكن إلا أن يحصل بينها وبين الكفر صراع ونقاش وجدال. أما الذي جعل الصراع يأخذ ناحيته العقلية، فإن القرآن نفسه دعا إلى استعمال العقل، وجاء بالأدلة العقلية والبراهين الحسية، والدعوة إلى عقيدته إنما تعتمد على العقل لا على النقل فكان من الحتمي أن يأخذ الجدال والصراع الناحية العقلية ويتسم بطابعها.

 

العامل الثاني: أما العامل الثاني الذي برر للمسلمين الأوائل تعلم بعض الأفكار الفلسفية فهو أنه قد تسربت مسائل فلسفية لاهوتية من نصارى النساطرة، وأمثالهم، وعُرف منطق أرسطو بين المسلمين، واطلع بعض المسلمين على بعض كتب الفلسفة، وترجمت كتب كثيرة من اليونانية إلى السريانية ثم إلى العربية، ثم صارت الترجمة من اليونانية إلى العربية. فكان هذا مساعداً على وجود الأفكار الفلسفية. وكانت بعض الأديان الأخرى وخاصة اليهودية والنصرانية قد تسلحت بالفلسفة اليونانية، وأدخلت للبلاد الأفكار الفلسفية، فكان ذلك كله موجداً أفكاراً فلسفية حملت المسلمين على دراستها.

 

أيها المؤمنون:

 

 

نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة، مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِمًا، نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ، سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام، وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا، وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه، وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فِي القَريبِ العَاجِلِ، وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها، إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم ، وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.

 

 

 

إعداد الأستاذ محمد أحمد النادي

آخر تعديل علىالأربعاء, 09 آب/أغسطس 2023

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع